قضايا المرأة

ذكرى السيدة زينب والـتأسيس لدور المرأة المسلمة المعاصرة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الهداة الميامين الطاهرين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


 ·ماذا يعنى اللقاء مع الذكريات التاريخية؟
البعض من الناس، ولعلّ أكثر الناس يتعاطون مع المناسبات الدينية التاريخية بطريقةٍ عاطفيةٍ بحتة، ولذلك يطغى على اللقاءات والاحتفالات الصبغة العاطفية، والفوران العاطفي، لا فرق في ذلك بين مناسبات الحزن أو مناسبات الفرح.


نحن لا نرفض أبداً أن تتحرك العواطف وبعنفوان وبفوران في هذه المناسبات، فالعواطف هي التي تعطي للذكرى حرارتها وحركيّتها وفاعليتها،التعاطي المفرغ من الشحنات العاطفية، ومن الزخم الوجداني، هو تعاطٍ جامد وراكد وجاف لا يحمل نبضاً وحرارةً وحركيةً وفاعليةً.


فالذين يطالبون بأن تخمد العواطف إنما يريدون أن يجمدوا حيوية هذه المناسبات وحركية هذه المناسبات.


أن تتبلد مشاعر الجماهير مسألة خطرة جداً، الأنظمة السياسية الاستبدادية – في كثير من مناطق العالم – تحاول دائماً أن تخدّر مشاعر الشعوب.. لماذا؟ لأن الشعوب المخدرة يسهل استعبادها وقهرها، والهيمنة عليها.


الشعوب المخدرة تنسى قضاياها الكبيرة، ولا تعيش الحماس لقضاياها المصيرية،لذلك فالأنظمة المتسلطة تخاف من ( صحوة المشاعر ) و ( غضب المشاعر ) و ( ثورة المشاعر ).


قضية القدس كانت امتحاناً لمشاعر الجماهير المسلمة ولذلك تفجر غضب الجماهير وتفجر غضب الشعوب، وقد حاولت الكثير من الأنظمة السياسية أن تسكت هذا الغضب الجماهيري، وهذا الغضب الشعبي.


يجب أن لا يسمح لأحد أن يخدّر مشاعر الناس لأن هذه المشاعر هي المخزون الذي يموّن الأمة بالصمود والتحدّي والرفض في الحالات التي تحتاج الأمة إلى ذلك، يجب أن يبقى هذا المخزون من العواطف والمشاعر مذخوراً للمواقف الصعبة.


وإذا كان تبلّد وخمود المشاعر والعواطف مسألة خطرة، فإن الانفلات والتسيب في المشاعر والعواطف مسألة خطرة أيضاً. المشاعر المنفلتة لا تحكمها مبادئ وضوابط وإنما تسيطر عليها الأهواء والمصالح والأغراض الذاتية.


إننا نريد للمشاعر والعواطف أن تتحرك، ولكن يجب أن يكون هذا التحرك عاقلاً، وإلا تحولت هذه الانفعالات أدوات دمارٍ وفوضى وإرباك.


حينما نفرح أو نحزن فيجب أن يكون فرحنا أو حزننا عاقلاً.


حينما نرضى أو نغضب فيجب أن يكون رضانا أو غضبنا عاقلاً.


حينما نحب، نبغض، نوالي، نعادي، نتحمس، ننفعل فيجب أن يحكمنا العقل.


المشاعر المنفلتة مشاعر مدمّرة، ويسهل أن تنحرف، ويسهل أن تسرق، قد يسرق مشاعر الأمة ( نظام حاكم ) أو          ( إعلام مضلل ) أو ( حزب منحرف ) أو ( اتجاه ضال ) حينما يحاول هذا النظام أو هذا الإعلام أو هذا الحزب أو الاتجاه أن يبتعد بهذه المشاعر أو العواطف عن خط الإسلام، أو يوظفها في مواجهة رجال الإسلام.


ألم يحدثنا التاريخ أنّ الإعلام الأموي لعب دوراً كبيراً في تضليل الجماهير، وفي تغييب وعيها وفي سرقة عواطفها.


ولنأخذ مثالاً ما حدث بعد واقعة كربلاء.. الإعلام الأموي صوّر لجماهير الشام أنّ الحسين وأصحابه ما هم إلا جماعة تمردوا على السلطة الشرعية المتمثلة في يزيد بن معاوية، وأنهم خوارج، ولذلك تصدّت السلطة لهم وأبادتهم حفاظاً على الإسلام ووحدة الأمة.. وقد واجه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وواجهت السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام هذا الإعلام بقوة وصلابة، واستطاعت هذه المواجهة أن تكشف الكثير من ألاعيبه، وأكاذيبه وتضليلا ته.


يروي لنا التاريخ:


أن قافلة الأسارى من آل محمد صلى الله عليه وآله، وفي هذه القافلة الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وزينب بنت أمير المؤمنين، ونساء وأطفال من آل البيت عليهم السلام، وهم بقية مذبحة كربلاء، هذه القافلة النبوية لما وصلت إلى الشام، وعند بوابة دمشق كانت الجماهير الشامية قد ازدحمت في الشوارع تنتظر وصول الأسرى من الخوارج، الذين تمردوا على السلطة الإسلامية، والجماهير تعيش عنفوان الفرح ابتهاجاً بهذا الانتصار الكبير الذي حققه أمير المؤمنين يزيد بن معاوية على هؤلاء المتمردين.


عند مدخل دمشق والجماهير تتزاحم للتفرج على هؤلاء الأسارى من الخوارج، ينبري شيخ كبير قد أرهقته السنون، يقترب من قافلة الأسارى، يرمق بطرفه إلى السماء، يحرك شفتيه بالدعاء قائلاً:(الحمد لله الذي خذلكم، وقتل رجالكم، ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم)


تصل هذه الكلمات إلى سمع الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وإلى سمع السيدة زينب بنت أمير المؤمنين وإلى أسماع النساء الأسيرات واليتامى الأسارى من آل محمد صلى الله عليه وآله،تصل هذه الكلمات القاسية إلى أسماعهم، فتجرح قلوبهم، وتتندى في عيونهم دمعات صامته لا تملك أن تعبّر عن آهاتها وتوجعاتها، فتختنق العبرات في داخل الصدور، لأنه غير مسموح لهم أن يبكوا، ولأنهم لا يريدون أن يسقطوا أمام المأساة.


هذا الشيخ الشامي الذي أطلق هذه الكلمات، واحد من ضحايا الإعلام المضلل، وقد تسقط شعوب بكاملها ضحية الإعلام الكاذب،نعم هذا الشيخ الشامي أحد ضحايا الإعلام الأموي.


فلما سمع الإمام علي بن الحسين كلمات الشيخ الضحية، توجه إليه، وخاطبه بكل حب وشفقه ورحمة: (( يا شيخ هل قرأت القرآن )) فأجاب الشيخ بكل ذهول واستغراب: وما أنتم والقرآن؟


تصوروا هذا الشيخ يعتقد أن هؤلاء الأسارى لا علاقة لهم بالقرآن، لأن الإعلام الأموي قال له إنهم خوارج لا علاقة لهم بالإسلام.


الإعلام الأموي قال له ولكل المضللين من جماهير الشام أنّ يزيد بن معاوية هو الممثل الحقيقي للإسلام، وللقرآن.


¨     يزيد الذي قتل الحسين عليه السلام


¨     يزيد الذي هدم الكعبة…


¨     يزيد الذي أباح المدينة….


¨  يزيد الغارق في المجون واللهو والشهوات، المدمن على شرب الخمر…. وكما قال بولس سلامة في ملحمته المعروفه يخاطب المؤذن لصلاة الصبح:


رافع الصوت داعياً للفلاح


 أخفض الصوت في أذان الصباح
 
ألف الله أكبر لا تساوي
 
بين كفي يزيد نهلةَ راح
  
وترفق بصاحب العرش


مشغولاً عن الله بالقيان الملاح
 


 ¨  يزيد في نظر هذا الشيخ وفي نظر المضللين من أهل الشام هو الممثل الأصدق والأنقى للإسلام وللقرآن.


أما آل محمد صلى الله عليه فلا علاقة لهم بالقرآن، ولا علاقة لهم بالإسلام – هكذا تحدّث إعلام السلطة الأموية.


لذلك كان الذهول والاستغراب من هذا الشيخ الشامي وهو يسمع هؤلاء الأسارى الخارجين عن الإسلام – كما قال الإعلام – يتحدثون القرآن، ردد كلمات الاستغراب: ما أنتم والقرآن؟!


أعاد الإمام علي بن الحسين زين العابدين على الشامي السؤال – والحوراء زينب وبقية الأسارى يتابعون الحوار –


يا شيخ هل قرأت القرآن؟


 نعم قرأت القرآن..


يا شيخ هل قرأت هذه الآية: )قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى(


 نعم قرأتها…


قال الإمام: (فنحن القربى يا شيخ)


فتندت دمعة خفيفة في عيني الشيخ المخدوع.. واصل الإمام أسئلته….


يا شيخ هل قرأت هذه الآية: )وآتي ذا القربى حقه(؟


نعم قرأتها..


فنحن القربى يا شيخ…


بدأت الدموع تزدحم في عيني الشيخ المسكين..


قال الإمام: يا شيخ هل قرأت هذه الآية: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(؟


نعم قرأتها..


فنحن أهل البيت يا شيخ…


فصرخ الشيخ باكياً: بالله عليك أنتم هم؟ وظل يصرخ وهو يكررها: بالله عليك أنتم هم؟ أنتم هم…


أجاب الإمام: (وحق جدّنا إنا لنحن هم) وكأني بالحوراء زينب تردد: (وحق جدنا إنا لنحن هم)،وكأني بالأطفال واليتامى من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرددون: (وحق جدنا إنا لنحن هم)…


فانفجر الشيخ باكياً صارخاً: الله أكبر آل رسول الله أسارى، الله أكبر آل رسول الله أسارى،واستمر يصرخ وهو يردد هذه الكلمات،إلى أن هدأت فورته، فالتفت إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وإلى الحوراء زينب، وإلى اليتامى والثكالى، بعين مملوءة بالدموع، والحياء، والخجل، والانكسار قائلاً:يا ابن رسول الله هل لي من توبة؟


نعم إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا.


فصاح الشيخ: اللهم إنّي تائب، اللهم إنّي تائب.


ورفع كفيه إلى السماء: اللهم إنّي أبرأ إليك من أعداء آل محمد.


وما أن أتمّ هذه الكلمات، حتى تلقفتها أجهزة المخابرات،وصدر القرار بإعدامه فوراً، وهكذا سقط رأسه ثمناً لموقفه الجريء، وكلماته الشجاعة، السلطة الأموية المستبدة لا تريد لأحد أن يستيقظ وعيه، ولا تريد لأحد أن يصحو ضميره، إنها تريد لكل الشعب أن يبقى مخدراً، وأن يبقى مضللاً، تريد للجماهير أن تعيش الوعي المزيف، والعواطف العمياء.


هذه الحادثة التاريخية ونظائرها كثير كثير يحفل بها سجل الإعلام الأموي وتضليلاته لوعي الجماهير، ولعواطف الناس.


ومن خلال هذه الحادثة التاريخية اتضح لنا دور الإمام علي بن الحسين زين العابدين في التصدّي لهذا الإعلام التضليلي، وإبطال زيفه، وتعرية أكاذيبه.


وقد ساهمت السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام مساهمة فعّالة في مواجهة الإعلام الأموي الذي حاول تشويه صورة الثورة الحسينية، وإجهاض مفعولها، ومحاصرة امتداداتها.


تصدّت العقيلة زينب عليها السلام من خلال خطبها الجريئة في الكوفة، وفي الشام، وفي المدينة، إلى هذا الإعلام المضلل الذي حاول أن يتلاعب بوعي الأمة، وقد استطاعت أن تخلق هزة عنيفة في وعي الناس، وفي مشاعرهم، وفي وجدانهم..


كانت الحوراء زينب تعبّر عن صوت الثورة الحسينية، وكانت تمثل العنفوان والصمود والتحدّي الذي قهر غطرسة النظام الأموي.


وكانت الموقف الجريء الذي جسّد وعي الثورة، وحرّك أهدافها.


ويمكن أن نوجز دور الحوراء زينب عليها السلام بعد واقعة كربلاء في النقاط التالية:


1.   التعريف بهوية الثورة الحسينية وبرجالات الثورة.


2.   مواجهة الإعلام المضاد للثورة الحسينية.


3.   إيقاظ مشاعر الجماهير واستثارة الغضب الشعبي ضد الذين صنعوا مجزرة كربلاء.


4.   تحريك أهداف الثورة الحسينية في واقع الأمة.


وعند هذا المنعطف من هذا الحديث نحاول أن نستلهم من ذكرى السيدة زينب بنت أميرالمؤمنين، ما يؤسس لدور المرأة المسلمة في واقعنا المعاصر.


لا شك أنّ المرأة ليست رقماً مهملاً، وإن كانت عوامل وأسباب جعلت من المرأة حالةً مهملةً في كثير من مجتمعاتنا، ولعل الفهم الخاطئ والتربية الجاهلة كان لهما الأثر الكبير في تعطيل دور المرأة، وتحويلها إلى وجودٍ مشلولٍ.


ويقابل هذا الاتجاه التجميدي لدور المرأة، يوجد في الواقع المعاصر اتجاه آخر هو الاتجاه التغريبي وهو الاتجاه الذي مارس عملية تغريب المرأة، وسلخها عن هويتها الإسلامية، وإبعادها عن أصالتها الدينية، ويمكن القول أنّ أغلب المؤسسات النسائية التي تشكّلت في مجتمعات المسلمين في هذا العصر هي مؤسسات تغريبية تهدف إلى صياغة المرأة وفق النموذج الغربي، مما أنتج أجيالاً نسائيةً متغربة فاقدة لهويتها الإسلامية، متنكرة لقيمها الروحية، تترسم خطى المرأة الغربية في الضياع والتيه والانحلال.


 وهكذا بقيت المرأة في مجتمعنا يتجاذبها هذان الاتجاهان:


·        اتجاه التجميد الذي عطّل كل طاقات المرأة، وصادر كل إبداعاتها.


·        واتجاه التغريب الذي سرق هوية المرأة، وأضاع أصالتها.


·   وبين هذه الاتجاهين بدأ يتأسس الاتجاه الإسلامي الأصيل. وبدأت تتشكّل الصيغة الواعية .


فما هي أهم عناصر هذا التأسيس وهذا التشكل؟ يمكن أن نحدد ذلك من خلال العناصر التالية:


العنصر الأول: أصالة الانتماء..


يجب أن تتأسس حركة المرأة المعاصرة على قاعدة إيمانية أصيلة، كل الصياغات التي تحاول أن تؤسس لحركة المرأة بعيداً عن (( المضمون العقيدي )) و (( المرتكز الإيماني )) هي صياغات دخيلة ومنحرفة ومرفوضة، مهما حاولت أن تصبغ نفسها بشتى التلاوين والتهاويل وأن تحمل شتى الألقاب والعناوين،الأصالة هو في الانتماء إلى الإسلام وإلى قيم الإسلام، فأي حركة نسائية، أو مؤسسة نسائية أو جمعية نسائية، وتحت أي عنوان، إذا لم تحافظ على أصالة الإنتماء بجميع مكوناته فهي حركة أو مؤسسة أو جمعية لا تعبّر عن هموم المرأة المنتمية إلى الإسلام.


العنصر الثاني: وعي الانتماء..


غياب الوعي عند المرأة يضعها أمام مسارين مرفوضين: المسار التجهيلي الذي يجمّد دور المرأة الرسالتي ويعطل قدراتها الفاعلة، ويخنق طموحاتها الكبيرة، والمسار التغريبي الذي يصادر هوية المرأة، ويجني على روحيتها وقيمها وأخلاقها.


هنا تأتي ضرورة (( الوعي )) عند نسائنا، الوعي الأصيل الذي يصوغ الرؤية وفق مفاهيم الإسلام النقية الخالية من كل الشوائب والتلوثات والترسبات في هذه المرحلة نحن في حاجة إلى الحذر الشديد في التعاطي مع المفاهيم والأفكار والمصطلحات المطروحة في الساحة الثقافية وفي الساحة السياسية حتى لا نتورط في متاهات تنأى بنا عن مساراتنا الأصيلة، فنخسر آخرتنا من أجل سراب موهوم.


العنصر الثالث: روحية الانتماء..


قيمة المرأة المسلمة فيما تحمله من روحية الانتماء إلى الإسلام، وأخلاقية الانتماء إلى قيم الإسلام، فيما تحمله من عفة، وطهر، ونقاء، وصدق وأمانة ووفاء، وحب وإيثار، وحشمة ووقار.


فحركة المرأة على كل المستويات يجب أن تكون محكومة لهذه الروحية، وهذه الأخلاقية، خاصة في هذا العصر الذي ضاعت فيه القيم الروحية وأصبحت الأخلاق سلعة رخيصة في الأسواق المتاجرة بالقيم والمبادئ.


نحن لا نريد فعّالياتٍ ثقافيةٍ بلا قيم روحية…


ولا نريد فعّاليات اجتماعية بلا قيم روحية…


ولا نريد فعّأليات سياسية بلا قيم روحية…


العنصر الرابع: واقعية الانتماء..


الانتماء الحقيقي للإسلام هو الذي يتجسد سلوكاً حياً يعبّر عن واقعية الانتماء، وصدق الالتزام.


فالمرأة الجديرة بأن تمارس دورها الفاعل في هذه المرحلة، يجب أن تكون المرأة الملتزمة بأحكام الإسلام، المجسّدة لتعاليم الدين، المرأة الطائعة لله، السائرة على هدي الله.


أما المرأة الخارجة على أحكام الله، العاصية لأوامره، التاركة لنهجه، المأسورة للشيطان وللهوى وللنـزوات، فهي غير مؤهلة للمشاركة في مشروع الإصلاح والتغيير الذي يفترض فيه أن يصوغ الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي في خط الله، وفي هدي الله.


  إننا لا نفهم مشروع الإصلاح والتغيير هو أن نعمر دنيا الإنسان، وأن نخرب آخرته، إن هذا هو الإفساد والتدمير، والبؤس والشقاء (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ))


نعم هؤلاء الذين يريدون أن يصوغوا الحياة بعيداً عن منهج الله، إنهم يعيشون العمى في هذه الدنيا، وسوف يعيشون العمى في الآخرة (( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ))


كل الثقافات التي تبتعد بالإنسان عن هدي الله، وأحكام الله، هي ثقافات العمى، مهما حملت من شعارات التنوير والتحديث والمعاصرة.


العنصر الخامس: حركية الانتماء..


الانتماء إلى الإسلام ليس حالة جامدة، تنكفئ عند حدود الذات، وتنغلق في دائرة الفرد، الانتماء إلى الإسلام حركة فاعلة مغيّرة وبمقدار ما يكون هذه الانتماء واعياً، وبمقدار ما يكون هذا الانتماء صادقاً، فإنه يصوغ القدرة على الحركة والفعل والتغيير.


وإذا وجدنا الإنسان المسلم يعيش الركود والجمود والانكفاء والانهزام، فثمة خلل في طبيعة الانتماء، خلل في مستوى الوعي أو خلل في مستوى الصدق.


من خلال هذا العنصر تتأسس (( الحركية )) في حياة المرأة المسلمة، هذا الحركية التي تفرض على المرأة المسلمة أن يكون لها حضور فاعل في كل حركة الواقع الأخلاقي والثقافي والاجتماعي والسياسي.


المرأة المسلمة ليست الوجود العاطل في الحياة، إنها الوجود الفاعل المنتج، ومسؤوليتها كما هي مسؤولية الرجل في الأداء الرسالتي، والفعل الثقافي، والممارسة الاجتماعية، والمشاركة السياسية ضمن الضوابط الشرعية، والمعايير الأخلاقية.


ويمكن أن نوجز (( حركية الانتماء )) عند المرأة المسلمة في الأبعاد التالية:


1. أن تعطي للأفكار والمفاهيم الإسلامية حركتها الفاعلة في داخل الشخصية، فتتشكل بذلك(شخصية المرأة الملتزمة )


2. أن تعطي للأفكار والمفاهيم الإسلامية حركتها الفاعلة في داخل المجتمع، فتتشكل بذلك (شخصية المرأة الرسالتية )


3. أن تواجه كل التحديات التي تحاول أن تصادر هويتها الإيمانية، فتتشكل بذلك  (شخصية المرأة الصامدة الثابتة)


4. أن تتحمل كل العناءات والعذابات في سبيل الدفاع عن الإسلام، وقيم الإسلام، فتتشكل بذلك (شخصية المرأة المضحية)


فالساحة – في هذه المرحلة – في حاجة إلى نساء مؤمناتٍ، ملتزماتٍ، عاملاتٍ، صامداتٍ، مضحياتٍ من أجل الإسلام والدين.


فأي مشروع ثقافي أو اجتماعي أو سياسي يحاول أن يصادر هذه المكوّنات في شخصية المرأة المسلمة، فهو مشروع يجب أن يرفض، وأن يواجه لأنّه مشروع لا يتناغم مع هموم المرأة المسلمة ومع أهدافها الإسلامية، وطموحاتها المبدئية.


وفي الختام أخاطب الرجل، أباً كان أو زوجاً أو أخاً أو ابناً أن يتحمل مسؤوليته في الوقوف إلى جانب المرأة لكي تمارس دورها الرسالتي، في الحفاظ على هويتها الإيمانية وفي الدفاع عن قيمها القرآنية في زحمة التحديات الصعبة، وفي مواجهة مشاريع التجهيل ومشاريع التغريب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى