الإمام الحسين الشهيد (ع)من وحي الذكريات

مع مهرجان الرِّيشة الحُسينيَّة

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي كلمة توجيهيَّة لمهرجان الرِّيشة الحُسينيَّة الدُّولي الثَّاني للرَّسم، والذي أقيم في صالة مأتم الحاج حسن العالي بتاريخ 22 و23 و24 صفر 1443هـ – الموافق 30 سبتمبر، و1و2 أكتوبر 2021م والذي تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضيِّ كمقاطع للتهيئة للمهرجان وذلك في يوم الأربعاء بتاريخ: 15 صفر 1443 هـ – الموافق 22 سبتمبر 2021 م، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مع مهرجان الرِّيشة الحُسينيَّة

تبقى وسائل الإحياء العاشورائي مفتوحةً أمام العقل التَّجديدي
أن نحيي عاشوراء أمرٌ مطلوب، كما أنَّ التَّجديد في وسائل الإحياء العاشورائي أمرٌ مطلوب.
وسائل الإحياء العاشورائي تتمثَّل في نموذجين:
النَّموذج الأوَّل: ما ورد فيه النَّص المباشر عن المعصومين (عليهم السَّلام)
كإقامة المجالس: ورد فيها نصٌّ عن المعصومين (عليهم السَّلام).
عن أبي عبد الله [الإمام الصَّادق] (عليه السَّلام) قال لفضيل: «تَجلِسونَ وتُحَدِّثونَ؟»
قالَ: نَعَم جُعِلتُ فِداكَ.
قالَ: إنَّ تلكَ المَجالِسَ أُحِبُّها، فأحْيوا أمْرَنا يا فُضيلُ، فَرَحِمَ اللهُ مَن أحْيا أمْرَنا». (الحِمْيَري القُمِّي: قرب الإسناد، ص 36، ح 117)
وإنشاد الشِّعر: في الحُسين (عليه السَّلام) وفي أهل البيت (عليهم السَّلام) ورد فيه نصٌّ.
والبكاء: على مصيبة الحُسين (عليه السَّلام) ومصائب أهل البيت (عليهم السَّلام) ورد فيه نصٌّ.
عن أبي عبد الله [الإمام الصَّادق] (عليه السَّلام) قال لفضيل: «…، يا فُضَيلُ، مَن ذَكَرَنا – أو ذُكِرْنا عندَهُ – فَخرَجَ مِن عَينِهِ مِثلُ جَناحِ الذُّبابِ غفَرَ اللهُ له ذُنوبَهُ ولَو كانَ أكثرَ مِن زَبَدِ البحرِ». (الحِمْيَري القُمِّي: قُرب الإسناد، ص 36، ح 117)
هذه الأمور لا يجوز أنْ تتوقَّف، لأنَّه قد ورد فيها نصٌّ، فهي وسائل إحياء لعاشوراء، وإحياء لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وإحياء للإسلام، ولذلك لا يجوز أن تتوقَّف ما لم تكن هناك ظروف استثنائيَّة قاهرة.
إقامة المجالس لا يمكن أن نلغيها بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
إنشاد الشِّعر في الحسين (عليه السَّلام)، وفي قضايا عاشوراء، وفي قضايا أهل البيت (عليهم السَّلام)، يجب أن لا يتوقَّف.
البكاء، والحزن، ووسائل الحزن يجب أن لا تتوقَّف.
هذا نموذج من نماذج إحياء أمر أهل البيت (عليهم السَّلام)، وإحياء عاشوراء، وهو ممَّا ورد فيه النَّص المباشر.

النَّموذج الثَّاني: ما لم يرد فيه نصٌّ خاصٌّ ولكنَّه ينطبق عليه عنوان (أحيوا أمرنا)
وهنا ينفتح هذا النَّموذج على أيَّة ممارسة جديدة، بشرط أن تملك شرطين:
الشَّرط الأوَّل: عنوان الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السَّلام)
الشَّرط الثَّاني: المشروعيَّة (الخضوع للضَّوابط الفقهيَّة)
وهذه الضَّوابط يحدِّدها الفقهاء المعتمدون، ولا تُترك لمزاجات الشَّارع مهما كان إخلاص هذا الشَّارع وصدق نواياه.
الممارسات العاشورائيَّة أصبحت عنوانًا يمثِّل خطَّ عاشوراء، ويمثِّل عنوانًا لأتباع هذا الخط.
كما أنَّ الإعلام العاشورائي أصبح مفتوحًا على كلِّ العالم.
فيجب أن لا تُنقل للعالم صورةٌ خطأ أو مشوَّهة أو مزوَّرة، بل يجب أن تُنقل للعالم الصُّورة التي تمثِّل خطَّ مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وتمثِّل عاشوراء الحقيقيَّة.
إذن، التَّجديد مطلوب وفق الضَّوابط الشَّرعيَّة، والمعايير الفقهيَّة.

مهرجان الرِّيشة الحُسينيَّة
نموذج للعقل التَّجديدي في إحياء عاشوراء.
هذا النَّموذج يعتمد مرتكزين:
المرتكز الأوَّل: الأدب
اختيار بيت من الشِّعر العاشورائي.
هنا دخل توظيف الأدب الفكري والثَّقافي والتَّاريخي.

المرتكز الثَّاني: لغة الفن
تحويل هذا الشِّعر إلى صورة فنيَّة مجسَّدة.
هنا تحرَّكت الرِّيشة الحسينيَّة، لتصنع من هذا البيت صورة فنيَّة مجسَّدة.
وهذا يمثِّل إضافة تجديديَّة لا مشكلة فيها ما دامت تحقِّق هدف إحياء عاشوراء، وتحمل عاشوراء إلى أجيالنا الجديدة التي تستذوق الأدب والفن، كما هو المرسم الحُسيني، والمسرح الحُسيني، وما دامت هذه الإضافة مشروعة.
وهذه الإضافة تحمل ثلاث دلالات:
الدَّلالة الأولى: دلالة عاشورائيَّة
لأنَّنا قد اخترنا بيتًا يتحدَّث عن عاشوراء، ويتحدَّث عن الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فهذه دلالة عاشورائية.
الدَّلالة الثَّانيَّة: دلالة أدبيَّة
الشِّعر أدب، فهذه الإضافة تحمل دلالة أدبيَّة.
الدَّلالة الثَّالثة: دلالة فنيَّة
الرَّسم فنٌّ، فهذه الإضافة تحمل دلالة فنيَّة.
فإذن أدخلنا عاشوراء التَّاريخ، وأدخلنا الأدب العاشورائي، وأدخلنا الفنَّ العاشورائي.

أيُّها الأحِبَّة:
أجيالنا في حاجة أنْ نجدِّد لهم وسائل الإحياء العاشورائي ما دامت هذه الوسائل:
تعبِّر عن المضمون الأصيل لعاشوراء
وما دامت خاضعة للضَّوابط الشَّرعيَّة
ولكي لا تبتعد أجيالنا عن (الموسم العاشورائي) هم في حاجة إلى:
تجديد الخطاب (اللُّغة/ الأسلوب)
الأجيال بُنيت على لغة جديدة، فيجب أيضًا أن يملك خطابنا العاشورائي القدرة على التَّجدُّد، وليس معنى ذلك أن نلغي التُّراث ونلغي القديم، لكن أن نملك لغة توظِّف التُّراث وتوظِّف خطَّ عاشوراء، فهناك مفردات جديدة، وهناك لغة جديدة، فإذا كان المنبر لا يملك القدرة على أن يتجدَّد في خطابه وفي لغته وفي أسلوبه؛ فإنَّه لن يكون قادرًا أن يُبقي أجيالنا مرتبطة بهذا الخطِّ.

تجديد الوسائل
ما دام هذا التَّجديد محافظًا على (الأصالة) وعلى (الضَّوابط الشَّرعيَّة).

من هو الذي يحدِّد لنا الضَّوابط الشَّرعيَّة؟
الفقهاء والعلماء الصُّلحاء هم الحرَّاس الأُمناء لشعائر عاشوراء.
والخطباء الأتقياء البُصَراء هم لسان عاشوراء.
فكم هي الضَّرورة كبيرة جدًّا جدًّا أنْ تتجذَّر العلاقة بين (مسار الفقهاء والعلماء) و(مسار الخطباء وحملة لسان عاشوراء).
فإذا تجمَّد مسار الفقهاء والعلماء ارتبك دور المنبر العاشورائي.
وإذا تجمَّد مسار الخطباء تعطَّل لسان عاشوراء.
لا مشكلة أنْ تتعدَّد الرُّؤى في التَّعاطي مع قضيَّة عاشوراء ما دام هذا التَّعدُّد محكومًا لثلاثة ضوابط:
الضَّابط الأوَّل: الكفاءة العلميَّة المتأصِّلة
ينبغي أن لا أطرح رأيًا لا أملك فيه كفاءة علميَّة متأصِّلة، فالطَّرح ليس للاستهلاك الفكري والثَّقافي، وليس للاجترار.
فطَرح أي فكرة تحتاج إلى كفاءة وقدرة علميَّة.

الضَّابط الثَّاني: نظافة اللُّغة والأسلوب
حينما أطرح فكرة أطرحها بلغة مأدَّبة ونظيفة تحترم الرَّأي الآخر، وحينما أطرح الرَّأي أطرحه بكلِّ شفافيَّة وبكلِّ حريَّة.

الضَّابط الثَّالث: حماية الجمهور العاشورائي بعيدًا عن الانزلاق في الخلافات والصِّراعات
يجب أنْ يكون الخطاب العاشورائي خطاب تآلف وتقارب لا خطاب تخالف وتباعد.
يجب أن لا نطرح شيئًا يخلق لنا جوًا من الانقسامات والصِّراعات في ساحتنا وفي أجيالنا، فبقدر ما نطرح الرُّؤى المتعدِّدة، يجب أن نحرص على أن نوحِّد جماهيرنا، ولا نخلق جوًّا من اللَّغط وجوًّا من الانقسامات التي تحوِّل جمهور عاشوراء إلى جمهور متمزِّق.
إنَّ عاشوراء من أجل توحيد الأمَّة، ومن أجل توحيد الجمهور، فإذا تحوَّلت عاشوراء إلى منطلق لتمزيق الجمهور العاشورائي، فحينها تكون قد خرجت عن أهدافها.
فعاشوراء توحِّد، وعاشوراء تقارب، وعاشوراء تصنع الحبَّ، وعاشوراء تصنع الثِّقة، وعاشوراء تصنع الصَّفاء، فحينما يتحوَّل خطاب عاشوراء إلى خطاب ممزِّق فهذا ليس خطاب عاشوراء، فالحسين (عليه السَّلام) جاء من أجل أن يوحِّد الأمَّة.
فيجب أن يكون الخطاب العاشورائي خطاب تآلف وتقارب لا خطاب تخالف وتباعد.
هذا لا يعني أنْ لا يحاسب الخطاب العاشورائي الأخطاء والانحرافات ما دام هذا الخطاب يملك:
أوَّلًا: الرُّؤية البصيرة
وثانيًا: الحكمة في المحاسبة
وثالثًا: النَّظافة في اللُّغة
ويبقى واقع الأمَّة بخير ما تأصَّلت العلاقة بين (الحوزة والعلماء) من جهة، وبين (المنبر والخطباء) من جهة.
وآخر دعوانا أنْ الحمد الله ربِّ العالمين.

والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى