الإمام الحسن العسكري (ع)من وحي الذكريات

حركة الأئمة في صياغة المشروع التغييري

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وقائدنا وحبيب قلوبنا محمد وعلى آله الهداة الميامين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…


أيها الأحبة….


  أهنئكم ونحن في ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام، هذه الذكرى التي تنتظم في سياق ذكرياتٍ تمثّل أصالة هذا التاريخ الذي ننتمي إليه ،وكلمّا تجذرت علاقتنا بتاريخ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، كان التأصل في حركة الانتماء.


 اللقاءُ بهذه الذكريات أحد مؤسسات (الأصالة) في حركتنا المعاصرة، هذه الحركةُ التي تعيش زحمة التحديات الصعبة، والتجاذبات القوية.


 وهذا يفرض علينا – أيها الأحبة – أن نتعاطى مع هذه المناسبات بطريقةٍ أكثر فاعليةً وأكثر وعياً.


 يجب أن نملك الجرءةَ الكبيرة في أن نحاسبَ احتفالاتنا، لقاءاتِنا، حسينياتِنا، مساجدَنا، مؤسساتِنا، كل ممارساتِنا ،كما يجب أن نملك الجرءة الكبيرة في أن نعترف بأخطائنا،وإلا فسوف يتكرس الواقع المغلوط، وتتراكم أخطاء المسيرة، مما ينتج انتماءً مُزوّراً، وحركةً مشلولةً، وإرادةً مقهورةً.


أيها الأحبة :


اللقاء بهذه الذكريات ليس استرخاءً في أحضان التاريخ،الكثيرون منّا يطيب لهم الرقادُ في أحضان التاريخ، هروباً من مسؤوليات الحاضرِ، وعناءات الحاضرِ، وتحدياتِ الحاضر،أعداؤنا يريدون لنا أن نعيش (الغيبوبة) في التاريخ، ليتمكنوا هم من الاستفراد بصياغة الواقعِ والحاضرِ.


 أليس تلك قسمةً ضيزى أن يكون لنا التاريخ، ويكون لأعدائنا الحاضر، حاضرنا نحن، بكل مفاصلهِ الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.


  نحن نتغنى بأمجاد التاريخ، وهم يصوغون واقعنا كما يشاءون ،هذا لا يعني أنّنا يجب أن ننفصل عن (تاريخنا)، يجب أن نتواصل مع التاريخ، الأصيل لهذه الأمة، وأن نملك وعيَ التواصل مع التاريخ.


 من خلال الوعي يتحول اللقاءُ مع التاريخ، يتحول اللقاءُ مع الذكريات التاريخية، عطاءً وحركةً، وصيرورةً فاعلةً في خطِ البناء والتغيير والتكوّن والصياغة.


 فبمقدار ما تحقق لقاءاتنا مع الذكريات والمناسبات التاريخية من نجاحاتٍ في إنتاج الواقع الإسلامي، على مستوى الفكر والثقافة، وعلى مستوى الروح والأخلاق، وعلى كل المستويات الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ، والجهاديةِ، تكون هذه اللقاءاتُ واعيةً أصيلةً فاعلةًَ منتجة.


 وبمقدار ما تكون الإخفاقات في تحقيق هذا الهدف الكبير تكون هذا اللقاءات متخلفة وفاقدةً لمضمونها الرسالي.


 وهنا أودُّ أن أخاطب ثلاث جهاتٍ تتحمل مسؤولية التفعيل الهادف لهذه اللقاءات مع الذكريات والمناسبات الإسلامية الأصيلة.


 الجهة الأولى:


 القائمون والمشرفون على هذه اللقاءاتِ والاحتفالاتِ، يجب على هؤلاء أن يتوفروا على الشروط التالية:


·   الشرط الأول:أن يمتلكوا رؤية واعيةً بالأهداف الحقيقيةِ لهذه المناسبات، وهذه اللقاءات، حتى يكون الإعدادُ والبرمجةُ بمستوى تلك الأهدافِ.


·   الشرط الثاني: أن يمتلكوا الصدقَ والإخلاصَ، ليتخلصوا من المزاجاتِ الذاتيةِ، والطموحات الشخصية، المشدودةِ إلى الشهرةِ، والأصداء، والعناوين، فتفقد هذه الاحتفالات، وهجها الربانيّ، وقيمتها الإيمانية، ونبضها الروحي .


·   الشرط الثالث:أن يمتلكوا (الإرادة القوية) في تفعيل الأهداف الأصيلة، ومواجهة الصخب الفارغ والضجيج المنفوش الذي يحاول أن يفرض هيمنته على الكثير من هذه المناسبات.


·   الشرط الرابع:أن يمتلكوا (الخطة العملية الناجحة) لإعطاء هذه الذكريات (إنتاجيتها الفاعلة المتحركة) ومن مفردات هذه الخطة (المركزة والتنسيق) في إحياء المناسبات الإسلامية، وإقامة البرامج الدينية وتنشيط الفعاليات الثقافية والاجتماعية لتبرز هذه المساهمات بالحجم الأنسب، والزخم الأقوى والأقدر على تحقيق الأهداف.


 الجهة الثانية:


المساهمون والمشاركون في برامج هذه اللقاءاتِ، فيفترض فيهم:


أولاً:أن يكونوا الأمناء على وعي الأمة، في ما يطرحون، وفي ما يكتبون.


أن يكون (الخطابُ)) في هذه اللقاءات واعياً وناضجاً، وأن يكون جاداً وهادفاً، وأن يكون إسلامياً أصيلاً،وإلا تحولت هذه اللقاءات إلى لقاءات ساذجةٍ بليدةٍ فارغةٍ،وإلى لقاءاتٍ استهلاكيةٍ راكدةٍ جامدة،وإلى لقاءاتٍ زائفةٍ منحرفةٍ عن مساراتها الأصيلةِ المنتمية إلى خط الإسلام.


 ثانياً:أن يكونوا (النماذج الملتزمةَ الصادقة) حتى يعطوا (لخطاب) المناسبات، واللقاءات، مضمونه الأنقى والأطهر، ومصداقيته العملية الأفعل، وإلا تحوّل الخطابُ إلى (إجترارية) زائفة،                  و (نشاذية) ممجوجة، و (صدىً) باهت..


 ثالثاً:أن يكونوا (الأقوياء) الذين لا يداهنون، فالمرحلة في حاجة إلى (خطاب) جريءٍ عاقلٍ، يواجه الواقع بكل تحدّياته، وبكل أخطائه وانحرافاته، وبكل همومه وأزماته.


فالمرحلة ليست في حاجة إلى خطابٍ جبانٍ مداهنٍ، يحمل في داخله روح الانهزام والضعف والسقوط، في مواجهة التحديات، والإغراءات، والمساومات.


كما أنّ المرحلة ليست في حاجة إلى خطابٍ انفعاليٍ متشنجٍ، لا يملك الرؤية والبصيرة والوعي.


 الجهة الثالثة:


جمهور هذه اللقاءات وهذه المناسبات هذا الجمهور يطلب منه:


1. الارتفاع إلى مستوى الأهداف الواعية وكلمّا ارتفع مستوى وعي الجمهور كان التعاطي مع هذه اللقاءات أكثر نضجاً وعمقاً وأصالة.


2. الحماس الهادف المرشد:الساحة في حاجة إلى جرعات كافية من الحماس، لإنتاج النبض والحرارة والحركية والفاعلية، وإلا أصيبت الأمةُ بالفتور والركود، والضمور، غير أن الحماس يجب أن يكون عاقلاً بصيراً، ومتحركاً في خط الأهداف، حتى لا تتيهُ المسارات، وتضِل الغايات.


3. الالتزام الجاد والصادق بمعطيات هذه اللقاءات، والانفتاح بها – أي بالمعطيات – على حركة كل الواقع الثقافي، والأخلاقي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.


 أيها الأخوة والأخوات..


 أتوقف معكم – هنا – عند موضوعٍ أحسبهُ يحمل أهميةً؛ كونه يتصل بحياة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وكونه يؤسس لحركة المشروع الإسلامي المعاصر.


في ساحتنا الفكرية والثقافية والسياسية، المعاصرة تتحرك مجموعة اتجاهاتٍ تحاول أن تصوغ الواقع وفق منظوراتها.


 ويمكن أن نصنف هذه الاتجاهات إلى ثلاثة أصنافٍ رئيسية:


·   الصنف الأول: اتجاهاتٌ تنطلق من رؤى وتصوراتٍ لا إسلامية، وبتعبير آخر تعتمد (أيديولوجيات لا إسلامية) وهذه الاتجاهات بكل ألوانها وأطيافها اليسارية والليبرالية والقومية، تصرّ على إقصاء الإسلام عن ممارسة دوره في حركة الواقع الثقافي والسياسي، والانطلاق بعملية التغيير الاجتماعي بعيداً عن رؤى الدين وتصوراته، بدعوى أنّ الرؤى الدينية غير قادرةٍ على صياغة المشروع المعاصر، هكذا تدّعى اتجاهات العلمنة واتجاهات الإستلاب والمصادرة، استلاب الهوية الإسلامية ومصادرة الانتماء الديني.


·   الصنف الثاني: اتجاهات تحاول أن تعتمد (الأيديولوجية الإسلامية) في ما تنطلق به من مشروعات التغيير الثقافي والاجتماعي والسياسي،ورغم أن الإسلام في مكوناته الفكرية والفقهية قادرٌ على إنتاج المشروع المعاصر وصياغة كل الواقع في أبعاده الروحية والفكرية والعملية، وفي كل مساراته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أنّ خطوات الإسلاميين المعاصرين، لا زالت متعثرة في هذا الاتجاه، ولا زالوا في حاجة إلى مضاعفة الجهد والممارسة والتطبيق، والتعاون بين كل الفصائل لإنتاج المشروع الإسلامي المعاصر في مواجهة مشروعات العلمنة والتغريب والاستلاب والمصادرة


الصنف الثالث: اتجاهاتٌ توفيقية – وبالأصح توليفية – تحاول أن تصوغ الواقع من خلالٍ خليطٍ غير متجانس من الرؤى والتصورات تنتسب إلى منطلقاتٍ متعددةٍ ومتباينةٍ فيها (الإسلامي) وفيها (العلماني).


وهذا واضحٌ من خلال (المثاقفة) و (الاستدماج) عند بعض المثقفين والسّياسيين، حيث قاموا باستنساخ بعض المقولات المشبعة بدلالاتٍ متنافيةٍ مع الإسلام.


 ·  كيف نصوغ مشروعنا الإسلامي المعاصر؟


ولكي نؤسس لهذه الصياغة نحاول أن نبدأ بقراءةٍ موجزةٍ في حياة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.


 فمن خلال هذه القراءة يمكن أن نتوفر على (رؤيةٍ أصيلةٍ) في فهم (المكوّنات) الأساسية لإنتاج (المشروع الإسلامي) المؤهل لصياغة الواقع المعاصر.


 التجربة التاريخية التي عاشها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام تحتضن في داخلها (الشروط الأساسية) في حركة المشروع الإسلامي.


 ويمكن أن نوجز أهم الخلاصات لهذه القراءة في النقاط التالية:


النقطة الأولى: الظروف الموضوعية والمتغيرات التي تحرك في ظلها (مشروع الأئمة) عليهم السلام.


1.   نظام حاكم اعتمد سياسة الظلم والقهر والاستبداد ومصادرة الحريات.


 هكذا كان النظام السياسي الحاكم في أغلب المقاطع التاريخية التي عاشها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.


2. تحريف خطير في مضامين الإسلام، وأفكاره وتصوراته، وأحكامه وتشريعاته مما سبب تشويشاً في الصيغة الأصيلة، وخلق إرباكاً في الرؤية والصورة.


3. انحسار جانب كبير من الإسلام في واقع الأمة الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي، وعودة كثير من قيم الجاهلية، وبداية المسخ الحضاري لهوية الأمة.


في ظل هذه الظروف والمتغيرات تحرك مشروع الأئمة عليهم السلام،للحفاظ على الصيغة الإسلامية الأصيلة، ومواجهة الحالات التغييرية الطارئة.


    ورغم وحدة (الأهداف الاستراتيجية) لمشروع الأئمة عليهم السلام فقد تنوعت (الأدوار):


أ. الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مارس في حياته دورين متمايزين:


الأول: دور المسالمة في مرحلة كانت مصلحة الإسلام تفرض ذلك.


الثاني: دور التصدي المسلّح حينما تحركت عوامل جديدة في الساحة فرضت هذا اللون من التصدّي والمواجهة.


ب. الإمام الحسن (عليه السلام) مارس (دور المصالحة) في مرحلةٍ كانت ظروفها الموضوعية تفرضُ هذا الموقف.


ج. الإمام الحسين (عليه السلام) مارس (دور الثورة والشهادة) حينما لم يكن هناك خيار آخر لمواجهة حالة الخطر التي تهدد الرسالة.


د. الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) كان من أبرز وسائله في ترشيد الحالة الإسلامية (أسلوب الدعاء) حيث فرضت المرحلة بملابساتها الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية إنتهاج هذا النمط الترشيدي.


هـ. الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام:


كان لهما (دور علمي متميز) في مرحلة وفرت ظروفها السياسية والاجتماعية لهذين الإمامين عليهما السلام إمكانات التحرك العلمي والثقافي.


 النقطة الثانية:الأهداف الإستراتيجية للمشروع الإسلامي عند الأئمة عليهم السلام:


· الهدف الأول:


الحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة…. وهنا تصدّى الأئمة عليهم السلام لكل (التيارات) التي كانت تشكل خطراً على الإسلام .


التيارات الانحرافية:


* تيار الإلحاد والزندقة.


*تيار الغلو


* تيار التناسخ، وغيرها من التيارات.


·  التيارات التحريفية:


* عقيدة الارجاء.


* عقيدة الجبر والتفويض


* عقيدة التجسيم والتشبيه


 وغيرها من الأفكار التحريفية.


 ·   الهدف الثاني:للحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية: في ظل الواقع التحريفي لقيم الأمة، ومصادرة روحيتها الإيمانية مارس الأئمة عليهم السلام مسؤولياتهم الرسالية الكبيرة في الحفاظ على المستوى الروحي والأخلاقي في حركة الأمة، ومواجهة خطط التمييع والتذويب من خلال تأصيل المضامين الروحية وإعادة فاعليتها في واقع الحياة.


 ·   الهدف الثالث:الحفاظ على المسار التشريعي الأصيل.. وقد مارس الأئمة في هذا السياق عملين:


1. التصدي للمصادر التشريعية الدخيلة:


(القياس، الاستحسان، تفسير القرآن بالرأي، الأحاديث الموضوعة)


-2- تثبيت المصادر التشريعية الأصيلة، وضمن هذا الهدف أكدّ الأئمة على:


أ‌         اعتماد السنة النبوية الصحيحة.


ب‌   اعتماد سنة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام


·  الهدف الرابع المسار السّياسي:


        رغم المصادرة المبكرة لموقع القيادة السياسية في حياة الأئمة عليهم السلام، هذه المصادرة التي تمثلت في:


أ‌.      تجميد النص السياسي الدال على إمامة أهل البيت
طرح البديل السياسي ففي مقابل (مبدأ النص) طرحت (نظرية الانتخاب والاختيار) وهكذا تم إقصاء الأئمة عن موقع القيادة السياسية        على الرغم من هذه المصادرة، فقد مارس الأئمة عليهم السلام دورهم السياسي من خلال :


1.   الحفاظ على المفهوم الأصيل للقيادة السياسية في ذهنية الأمة.


2.   التوعية السياسية الهادفة


‌أ         تأكيد حالة الانتماء السياسي
‌ب   التثقيف السياسي.


‌ج      تحديد الموقف السياسي من الكيانات القائمة.


3.   تهيئة الأرضية لإعادة الصيغة القيادية الأصيلة إلى واقع الحياة الإسلامية.


 ·   الهدف الخامس: بناء الكتلة الخاصة المنتمية إلى مدرسة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.


    فالأئمة مارسوا دور الصياغة والبناء للجماعة التي انتمت إلى قيادتهم الفكرية والروحية والاجتماعية بما يؤهلها لتجسيد الفهم الأصيل للإسلام – حسب منظور الأئمة – وبما يعدها لتحمل المهمات الرسالية الكبيرة المتوافقة مع الأهداف المرحلية في الحركة التاريخية للأئمة عليهم السلام.


 ·   الهدف السادس:في ضوء القراءة لمشروع الأئمة عليهم السلام يمكن أن نستخلص أهم الخصائص التي تميز هذا المشروع:


1.   الأصالة.


2.   الشمولية.


3.   الواقعية.


4.   المرونة والانفتاح.


5.   النهج الحواري…


التأسيس لحركة المشروع الإسلامي المعاصر:


· ما هي الحاجات الأساسية لهذا المشروع الإسلامي المعاصر؟


أولاً: وضوح الرؤية : في زحمة التشابكات الفكرية والسياسية والآيديولوجية المتحركة في الساحة المعاصر يجب على أصحاب المشروع الإسلامي المعاصر أن يتوفروا على رؤية واضحة جداً في المسارات التالية:


1. القراءة الواعية لكل الواقع المعاصر في إمتداداته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.


2. القراءة الواعية لكل الاتجاهات المتحركة في الساحة والهادفة إلى صياغة الواقع وفق منظوراتها الفكرية والسياسية.


3. القراءة الواعية لمكوّنات المشروع الإسلامي كما حددتها نصوص القرآن والسنة، وتجربة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.


وهذا القراءة تفرض:


 أ‌-         وضوح الرؤية في المنطلقات.


 ب‌-      وضوح الرؤية في الأهداف (الأهداف الاستراتيجية والأهداف المرحلية)


ثانياً: مضمون المشروع الإسلامي المعاصر.


 المشروع الإسلامي المعاصر ليس مشروعاً روحياً أخلاقياً فقط.، وليس مشروعاً فكرياً ثقافياً فقط.، وليس مشروعاً سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً فقط..


هناك محاولات لتحجيم المشروع الإسلامي المعاصر،من خلال التأكيد على بعض المفاصل، وإهمال الأخرى.


 وهذه المحاولات تعبّر عن عدة مسارات:


‌أ   مسار انحرافي يريد للمشروع الإسلامي أن يتحجم وأن يتقزم، وأن ينحسر عن حركة الواقع.


‌ب مسار تحريفي يريد للمشروع أن يتشوه، وأن ينبتر، وأن يتفرغ من مضمونه الأصيل.


‌ج      مسار ينطلق من رؤية جاهلة، تسيء لهذا المشروع، وتبعثر أهدافه الكبيرة.


فهذه المحاولات بكل مساراتها مرفوضة، فيجب على الإسلاميين – أصحاب المشروع المعاصر – أن يتصدوا لها، وأن يحصنوا وعي الأمة من تأثيراتها.


  فالمشروع الإسلامي المعاصر – في صياغاته الأصيلة – يحتضن المضمون الإسلامي في مساحاته الكبير، وامتداداته الشاملة.


·  فهو مشروع إيماني عقيدي


·  وهو مشروع روحي أخلاقي


·  وهو مشروع فقهي تشريعي


· وهو مشروع حقوقي قانوني


·وهو مشروع فكري ثقافي


·  وهو مشروع اجتماعي، اقتصادي، سياسي


 ثالثاً: خطاب المشروع الإسلامي المعاصر


يشترط في هذا الخطاب:


1. أن يحمل وضوح الرؤية بكل مساراتها المتقدمة، ومتى ما فقد الخطاب هذا الوضوح، كان خطاباً قاصراً لا يملك القدرة على صياغة الموقف في زحمة الخطابات الأخرى المناهضة.


2. أن يكون خطاباً شمولياً حتى يتمكن من تأصيل المشروع في وعي الأمة، وفي حركة الواقع، بما ينسجم مع أهداف الإسلام الكبرى، وغاياته الشاملة.


3. أن يكون خطاباً واقعياً، ينفتح على كل هموم الساحة، وقضايا الأمة، وحاجات المرحلة، وإلا كان خطاباً مفلساً، خاوياً، معزولاً.


4. أن يكون خطاباً مبدئياً لا يتنازل عن الأهداف ولا يقبل المساومات والمداهنات، وإلا كان خطاباً مهزوماً خاسراً.


·   (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين)


5. أن يكون خطاباً مرناً مفتوحاً، لا يتعقد من الرأي الآخر، ولا ينسجن في داخل ذاته، ولا يعيش الاختناق في الآفاق الضيقة، هذا لا يعني أن يكون خطاباً خجولاً لا يملك الجرءة في أن يرفض الأفكار المنحرفة والأفكار الخاطئة والأفكار الضالة، أن أقبل الحوار مع الآخر لا يعني الإعتراف بشرعيته، وإنّما اعتراف بوجوده فقط..


رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاور الآخر (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء بالصدق وصدق به لم يكن شاكاً بما لديه، ولم يكن معترفاً بشرعية الآخر، إلا أنه الإسلوب الذي تجتذب الآخر إلى دائرة الحوار


 وهنا يطرح هذا السؤال:


· ما هو موقف الخطاب الإسلامي من التعددية السياسية؟


الخطاب الإسلامي – بلا شك – يحمل مشروعاً إسلامياً، فمن حقه أن يطالب الشعب المنتمي إلى الإسلام أن يقف مع هذا المشروع، كما من حقه أن يطالب هذا الشعب برفض كل المشروعات التي تتنافى مع الإسلام، وهذا لا يعني إلغاء الآخر وإنما احترام لخيار الشعب المسلم.


ثم إن الخطاب الإسلامي يؤمن بمبدأ (الحوار مع الآخر) ويسمح للآخر أن يطرح رؤاه ما لم تتحول إلى رؤى تخريبية تناقض الهوية الإسلامية لهذا البلد.


4. أن يكون خطاباً وحدوياً: الوحدة من العناوين الكبيرة في المشروع الإسلامي، التواصل، التلاحم، التقارب من أساسيات هذا المشروع….


·   (إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء/92


مقولة الأمة الواحدة ضرورة يجب أن يؤصلها الخطاب في وعي المسلمين.


والتأسيس لهذه الوحدة يعتمد على:


  أ‌           القاعدة الفكرية الواحدة..


·  (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)


 ب‌        الهدف الواحد..


الذين نختلف معهم في القاعدة الفكرية، في الرؤى والأداء والتصورات الثقافية والاجتماعية والسياسية، في الأهداف… لا نرفض اللقاء معهم في بعض المواقع المشتركة


·   (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم)


5.   أن يكون خطاباً يحمل أخلاقية الإسلام:


·  أن تكون لغته نظيفة


(ولا تسُبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسُبّوا الله عدواً بغير علم)
·        أن تكون لغته هادئة لينة (فبما رحمة من الله لِنتَ لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)(اذهبا إلى فرعون إنّه طغى وقولا له قولاً لينا)


ولا يعنى هذا أن يكون الخطاب متراخياً في مواجهة الأفكار الضالة، والتيارات المنحرفة التي تشكل خطراً على الإسلام، وعلى وعي الأمة، وعلى أخلاقية المجتمع.


ولا يعني هذا أن يكون الخطاب مُسالماً للمشروعات المناهضة للدين، والقيم، والمبادئ.


· (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار، رحماء بينهم)


8.   أن يكون خطاباً عصرياً، تجديدياً، نهضوياً :


ولا يعنى ذلك التوافق مع أفكار العصر على حساب مبادئ الإسلام وأحكامه،ولا يعني تفصيل الإسلام على مقاسات العصر لكي يلاحق تطورات الزمن،ولا يعني إخضاع النص الإسلامي لمتطلبات الواقع.


التجديد هو عبارة عن صياغة الفكر الإسلام بكل ثوابته ومتبنياته في إطار خطاب جديد وقد يحتاج إلى أن يعتمد لغة العصر، وأساليب العصر، لإنتاج مشروع إسلامي معاصر قادر على استيعاب جميع متطلبات الحياة، لحماية الإنسان المسلم من الاضطرار إلى التشبث بالأفكار والأيديولوجيات الوضعية التي تحاول أن تقدم فهماً عصرياً للحياة متحرراً من ضوابط الدين وقيمه.


والحديث عن التجديد.


·  كيف يجب أن يتعاطى الخطاب مع (المصطلحات) السائدة في الساحة الثقافية والسياسية المعاصرة؟


يجب أن يكون الخطاب حذراً جداًَ في التعاطي مع هذه المصطلحات أن يطرح عنوان الإسلام بلا إضافات ( إسلام معتدل،إسلام متشدد، إسلام تقليدي، إسلام عصري…. ) إلى غير ذلك من التقسيمات.


الإسلام هو (الإسلام)


قد تتعدد الرؤى والتصورات، قد يتعدد الفهم والاجتهاد ولكن الإسلام يبقى هو (العنوان)، ويجب على الإسلاميين أن لا ينأسروا لبعض المصطلحات الجديدة ترضية لهذا التيار أو ذاك، أو انبهاراً بالتهاويل المختلفة.


هذه المصطلحات في حاجة إلى قراءة دقيقة، فالكثير منها تختزن في داخلها مضامين خطيرة تتنافى مع الإسلام.


 9. أن يكون الخطاب عملياً وأن لا يبقى في دائرة (الشعار) الخطاب يتعاطى مع (الشعار الإسلامي) ضمن ثلاثة مستويات:


المستوى الأول: يجب على الإسلاميين أن يطلقوا (الشعار الإسلامي) بقوة وصدق ووعي:


(إنّ الذين قالوا ربنا الله)إطلاق الشعار يؤكد الانتماء ويعبّر عن الهوية ،وهذا يفرض على الإسلاميين أن يرفضوا كل الشعارات التي تتنافى مع الإسلام


 المستوى الثاني:أن يجسّدوا عملياً مضامين الشعار


(إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)


هذا التجسيد يفرض على الإسلاميين أن يحركوا (الشعار) في كل الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي.


ومن خلال ذلك يجب على الإسلاميين أن ينطلقوا وضمن (برامج عملية مدروسة) ليتعاطوا مع كل قضايا الأمة وفي كل المجالات.


 المستوى الثالث:أن نفتح الآخرين على خط الشعار


أن لا يتغلق الإسلاميون على الشعار أن يفتحوه على الآخرين، وأن يفتحوا الآخرين عليه.


 المستوى الرابع:أن يواجهوا كل التحديات التي تحاول أن تحاصر الشعار، وأن تجمّد الشعار في حركة الواقع.


 10.    أن يبتعد الخطاب الإسلامي – في هذه المرحلة الانفراجية – عن لغة العنف ، مسؤولية الخطاب الإسلامي أن يحافظ على منجزات المرحلة، وأن يكون الأمين على كل المكاسب، والإصلاحات السياسية، وأن يبارك كل المبادرات الجادة والصادقة التي شكّلت مرحلة الانفراج الكبير.


وهذا يفرض على الخطاب الإسلامي، أن يعتمد اللغة العاقلة الرشيدة، الهادفة إلى حماية كل المعطيات التي أنجزتها هذه المرحلة، والقادرة على المساهمة الفاعلة في إنجاح (المشروع التغييري الطموح)


وهنا يتأكد على الخطاب الإسلامي – ومن خلال منطلقاته المعروفة – أن يمارس دوره السياسي الواعي والمتمثل في:


1. إبداء المشورة والنصح للقيادة السياسية، والتي أكدّت رغبتها الصادقة في الاستماع إلى هذا النصح والمشورة


2. تفعيل وتنشيط دور (الرقابة السياسة) انطلاقاً من المبادئ والأسس الإسلامية التي تفرض على الأمة ممثلة في رموزها أو في مؤسساتها – أن توجّه مسار السلطة وأن تراقب ممارساتها وأن تصحح أخطاءها.


3. المشاركة السياسية، في كل ما تفرضه هذه المشاركة من حضورٍ فاعلٍ، ومساهمةٍ جادةٍ، في الأداء السياسي، وتطوير فعالياته، ومساراته، مما يعطي لهذا الأداء مضمونه الأصيل، وحركته الملتزمة، وطموحاته النظيفة.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى