حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 309: رسالة المسجد وأهدافه – خطاب المسجد له ثوابته

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الهداة المعصومين …


السلام عليكم أيها الأحبة الكرام ورحمة الله وبركاته ..
مناسبة طيبه هذا الاحتفاء ببدء انطلاقة جديدة لصرح عبادي مارس دوره وحضوره منذ زمن طويل على يد والدنا الكبير العلامة السيد جواد الوداعي (حفظه الله) وأبقاه لنا ظلاً وارفًا وأبًا حانيًا وراعيًا وأمينًا، وأبقى أولاده لخدمة هذا الخط الرباني المسدد بإذنه تعالى …


رسالة المسجد وأهدافه:
قال الله تعالى في سورة التوبة/ الآية 18:
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}


في البدء ونحن نحتفل بهذه الانطلاقة الجديدة لبيت من بيوت الله لابد لنا من وقفه وفاء لمساجدنا المهدمة والتي هي باقية في وجداننا، ولن يهدأ لنا بال، ولن يصمت لنا صوت، ولن يتوقف لنا حراك حتى يبنى آخر مسجدٍ طاله الهدم، ونتمنى أن تكون وعود السلطة صادقه في إعادة بناء كل المساجد المهدمة، ونذكر أوقافنا الموقرة بمسؤولياتها في متابعة أوضاع هذه المساجد، وعدم التفريط بشبر واحد منها..


بعد هذه الوقفة نحاول أن نستوحي دلالة النص القرآني الذي بدأنا به … النص يتحدث عن (عمارة مساجد الله) وهذه العمارة لها صورتان :
الصورة الأولى: العمارة المادية وتتمثل في بناء المساجد وتشييدها  والحفاظ عليها ،وعدم تخريبها وهدمها وهتكها وتدنيسها، لأن ذلك من أعظم الظلم عند الله
• قال الله تعالى في سورة البقرة / الآية 114:
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}


الصورة الثانية: العمارة المعنوية وهي التي تحقق للمساجد رسالتها، وتعطيها معناها، وتنشط أهدافها، فالمساجد ليست أحجارًا جامدةً، وأسقفًا وحيطانًا، وزخارف، وروعة فن وإبداع، بل هي مواقع إيمان ودين ومبادئ وقيم …


ويمكن أن تمركز رسالة المسجد وأهدافه في العناوين التالية:
(1) المسجد محراب عبادة: ففيه تقام الصلوات، وترتفع الأذكار والدعوات، وتتلى الآيات، وقد أكدت النصوص أهمية الحضور في المساجد وإقامة الجماعات ..


• في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل: أيُّ البقاع أحبُّ إلى الله تبارك وتعالى ؟.. قال: المساجد ، وأحبُّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً إليها وآخرهم

• وعن صلى الله عليه وآله وسلم :
((من مشى إلى مسجد من مساجد اللّه فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات))


• وقال صلى الله عليه وآله: ((أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام وأهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبي من قبلك .. قلت: ما الهديتان ؟ قال: الوتر ثلاث ركعات، والصلاة الخمس في جماعة، قلت: يا جبرئيل وما لأمتي في الجماعة ؟ قال: يا محمد إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة -إلى أن قال- وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة …


فإن زادوا على العشرة، فلو صادرت السموات كلها مدادا والأشجار أقلاما، والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة ….
-إلى قال- يا محمد تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة … إلى آخر الحديث))


(2) المسجد مدرسة علم وفكر وثقافة …
(3) المسجد مركز تربية وبناء روحي وأخلاقي وسلوكي ..
(4) المسجد ملتقى محبه وأخوه في الله …
(5) المسجد منطلق دعوة وجهاد …
(6) المسجد موقع قيادة ….


هذه خلاصة رسالة وأهداف ووظائف المسجد …
فخائن للمسجد من يعطل هذه الرسالة والأهداف والوظائف كائنا من كان ..
من هنا تفرض المسؤولية الشرعية أن لا يتصدى للإمامة في المساجد إلا من يرتقى إلى مستوى رسالة المسجد وأهدافه ووظائفه ،وذلك بأن يكون :
• مؤهلا روحيا وأخلاقيا وسلوكيا ..
• ومؤهلا علميا وثقافيا وفقهيا …
• ومؤهلا رساليًا فيما يملكه من قدرات الأداء وفيما يملكه من شجاعة وجرأة وصلابة في قول حكمة الحق ومواجهة كل أشكال الباطل …


خطاب المسجد له ثوابته:
لست في صدد الحديث عن جميع هذه الثوابت، فلا تتسع لذلك الفرصة المحدودة، أكتفي هنا بالإشارة إلى بعض النقاط:


النقطة الأولى: خطاب المسجد تحكمه ضوابط الشرع والدين …
فأي خطاب يتجاوز هذه الضوابط أو بعضها يفقد شرعيته وتسقط قيمته في نظر الدين، مهما باركته أنظمة الحكم أو باركته كل الناس، والعكس صحيح فأي خطاب يتمسك بضوابط الشرع والدين فلا يضره أن ترفضه كل الأنظمة الحاكمة أو يرفضه كل الناس …
فمن الشرع والدين يجب أن يتسلم خطابنا الديني ضوابطه، ومضامينه، ومعاييره …
في ويوم ما قالت لنا السلطة هنا في البحرين ولازالت تقول: أنها وضعت ضوابط للخطاب الديني ويجب علينا أن نلتزم بها  …
قلنا لهم: إننا مع الضوابط التي يقرها الشرع والدين …
قالوا لنا: إن خطابكم فيه انفلات، ويدعو إلى الفوضى  ..
قلنا لهم: إن خطابا يعتمد ضوابط الشرع والدين لا يمكن أن يكون خطابا منفلتا، ولا يمكن أن يدعو إلى الفوضى ..
قالوا لنا : إنكم تفسرون الانفلات والفوضى وفق مزاجكم …
قلنا لهم: ضعوا لنا تفسيركم الصحيح للانقلاب والفوضى ..
قالوا: إن مخالفة أنظمة السلطة وأوامرها هو انفلات وفوضى ….
قلنا لهم: حتى لو كانت هذه الأنظمة ظالمة ،وكانت هذه الأوامر فيها تعسف واستبداد ؟
قالوا: المهم طاعة ولي الأمر …
قلنا لهم :لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ..
قالوا: إنكم بذلك تعرضون أنفسكم للمحاسبة والعقاب …
قلنا: إننا لا نخشى إلا حساب الله وعقابه …


النقطة الثانية : خطاب المسجد ليست خطاب عنيف وتحريض …
اتهموا خطابنا بأنه خطاب عنيف وتحريض …
وهذا اتهام ظالم وجائر له أهدافه السياسية، فما كان مسجدنا في يوم من الأيام مصدر عنف وإرهاب وتطرف وتحريض، المسجد منطلق أمن وأمان، ومحرم حرمة مغلظة أن يتحول خطاب المسجد أداة لقتل الأمن والأمان، لقد حاربنا بكل صلابة العنف والإرهاب والتطرف، وكيف لا ونحن ضحية هذه العناوين، وشواهد الماضي والحاضر صارخة بذلك …
انظروا في العراق، وفي أفغانستان وفي باكستان، وفي مناطق كثيرة، من هم ضحايا العنف والإرهاب، من هم ضحايا التفجيرات، والاغتيالات، والأحزمة الناسفة ؟ مساجدنا، حسينياتنا، مواكبنا، رجالنا، نساؤنا، شبابنا، أطفالنا، شيوخنا …


أمن العقل أن يكون خطابنا خطاب عنف وإرهاب وتطرف ….
أنها أكاذيب السياسة تعبث كما تشاء، وتتهم كما تشاء، وتظلم كما تشاء ..
وقد نال الرمز الديني الكبير آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم النصيب الأوفر من هذا الكذب والعبث والظلم والضغط والتحشيد …


قالوا عن خطابه :
• أنه خطاب عنف وتحريض …
• وأنه خطاب موجه من الخارج …
• وأنه خطاب يؤسس لدولة الفقيه …
• وأنه … وأنه … والقائمة عريضة وطويلة …
وما وقفت هذه الكلمات عند اتهام هذا الخطاب، بل طالبت بإيقافه… ومضت لتطالب بمحاكمة صاحب الخطاب… وتجاوز بعضها في نزق مكشوف ودعا إلى سحب جنسيته…
ورغم كل القلق والانزعاج الذي نحمله تجاه هذه الكلمات المنفلتة، والفاقدة لأيّ مصداقية، والمشحونة بالحقد والكراهية والشنئان ،والمضرة كل الضرر بهذا الوطن، أقول رغم كل هذا القلق والانزعاج، فإن ما يؤلمنا أكثر، ويقلقنا ويزعجنا أكثر، أن يردد تلك الكلمات مسؤولون كبار في السلطة، في حين ما نتمناه للخطاب الرسمي أن يكون خطابا مسؤولاً، وثقيلاً، ومتوازنًا، وعاقلاً وحبًا لكلِ أبناء هذا الشعب …


من الصعب جدا أن نستوعب خروج مسؤول كبير ليتهم بشكل سافر وقاطع رجل دين – ويقصد سماحة آية الله الشيخ عيسى – بأنه قد تلقى توجيهات إيرانية لتصعيد العنف في البحرين، أن يقول هذا الكلام أُناسٌ ليسو في مواقع المسؤولية أمر مرفوض وفي غاية الاستهجان، فكيف إذا صدر من مواقع مسؤولة مطلوبٌ فيها أن تَحسُب ألف حسابٍ للكلمة، وللموقف، من حق أي مسؤول أن يدافع عن أمن وسلامة الوطن وأن يتصدى لأي مشروع يهدد هذا الأمن والسلامة، وأما أن تسوق اتهامات ظالمة وغير مسؤولة ضد رموز شريفة ونظيفة وكبيرة جدًا من أمثال سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم فأمرٌ يجبُ أن يحاسب ولا يجوز أن يمر عابرًا …
ما المشكلة أن يلتقي رمز قائد مع مسؤول من هذه الدولة أو تلك …؟
وأين هي كلمات المباركة لأعمال الإرهاب والحرق والتحريف في خطاب سماحة الشيخ، أعطونا عبارة واحدة تحرض على ذلك، أعطونا جملة واحدة تدعو إلى العنف …
وإذا كان الشيخ شديدًا في محاسبة كل الأوضاع السيئة والفاسدة في هذا البلد ..
وإذا كان شديدًا في نقد سياسات السلطة …
وإذا كان صريحًا في رفض كل أخطاء النظام …
وإذا كان جريئًا في مواجهة كل أشكال القمع الأمني …
وإذا كان صلبًا في الدفاع عن حقوق الشعب …
فليس هذا تحريضًا، ولا عنفًا، ولا تخريبًا، إلا إذا انقلبت المعايير …


قد يقولون: أليس الشيخ قد أطلق شعار ((فاسحقوه)) وهذا قمة التحريض على العنف والإرهاب وسفك الدماء ؟
أليس هذا ((شرّعنهٌ)) لعنف الشارع ؟
ألا يدفعُ هذا بالشباب إلى التطرفِ ؟
نقول (أولا):
إن سماحة الشيخ رجل فقه وتقوى وصلاح ،أي اعتداء على الأنفس فلا يمكن أن (يُشرّعن) لأي اعتداء على الأنفس والأرواح وهو البصير بحرمة الدماء …
وهو الذي يقرأ قوله تعالى: { مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
وهو الذي يقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وآله :
(لزوال الدنيا جميعا أهون على الله من دم يسفك بغير حق)
أتراه يسوغ لنفسه إن يأمر بزهق روح بريئة ؟


ونقول (ثانيا):
ماذا في كلام الشيخ من جديد، أليست جميع شرائع السماء، وجميع قوانين الأرض ((تسوغ)) الدفاع عن النفس والعرض والمال؟
ماذا لو أُعتُدِي على مسؤول وعلى عرضه ألا يُدافع عن نفسه وعن عرضه ؟
ولكن هناك أهداف وراء هذا الاستنفار …


وإذا كان من حق هؤلاء أن يحاكوا خطاب الشيخ، فمن حقهِ أن يُحاكم كل تهما ظالمة وأن يحاكم متهمين..


أخلص إلى القول بأنه لو لا خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى لكانت المآلات في هذا البلد مرعبة وكارثية، صحيح إن الناس يواجهون أوضاعا سياسية مأزومة، وواقعًا أمنيًا قاسيًا للغاية إلا أن ردات الفعل في مسارها العام لازالت تملك درجة عالية جدا من الانضباط والعقلانية والسلمية، كل هذا هو نتاج خطاب حكيم، بصير، مشفق على هذا الوطن ،محب لكل الشعب، ولو قدر لهذا الخطاب أن يتوقف – لا سمح الله – فالله هو العالم إلى أين سوف تسير الأمور ؟
فليَرْعَوي اللاعبون بالنار حرصا على سلامة هذا الوطن …
من السهل أن نملأ الإعلام والصحافة والمنابر ضجيجا وتحريضا ضد هذا الرجل …
ولكن الصعب كل الصعب التحكم في النتائج …
فإن جماهير هذا الرمز وهي كبيرة كبيرة لا يمكن أن تسلمه حينما تراه محاصرًا، رغم إن سماحة يبغض على انفعالات الجماهير حينما تكون من أجله شخصيًا، وإن كان على ثقة إن غضب الجماهير ليس ذاتيًا وشخصيًا، وإنما هو غضب من اجل دين، وحق، وقيم، ومطالب عادله، وإذا كان هذا الرمز الكبير قد ذاب في حب الجماهير، وأعطاها كل حياته، فهي أيضا قد ذابت في حبه، وسوف تعطيه كل حياتها، ولن تسمح أن يمسه أي سوء أو أذى …


النقطة الثالثة :
خطاب مسجدنا ليس خطابا طائفيا …

هناك محاولات جادة من أجل (( إنتاج أوضاع طائفيه )) في هذا البلد، ولأهداف وأغراض كثيرة ..
واحده من أهم أهداف وأغراض هذه المحاولات هو ((إشغال الحراك السياسي المعارض من خلال الزج به في معتركات طائفيه ومذهبيه، تعطل غايتها الحقيقية، وتنصرف به عن مواجهة ظلم السلطة ..
مطلوب من خطاب المسجد أن يواجه الأوضاع الطائفية وأن يتصدى لكل مشروعات التفتيت والتشظي والتخريب الضيق حماية لوحده هذا الشعب، وحماية لأهداف الحراك السياسي المشروع وقد حرص خطابنا أن يحصن الحراك السياسي من أن يسقط في منزلق الطائفي، ومع صراحة خطابنا، ووضوح حراكنا، إلا أنهم يصرون على اتهام هذا الحراك بأنه حراك طائفي ومذهبي وحزبي ….
شعبنا استثناء من كل الشعوب …
وحراكنا استثناء من كل الحركات ….
كل الشعوب التي تحركت كان حراكها مشروعًا، محقًا، صائبًا، وطنيًا ..
إلا هذا الشعب حراكه طائفي، مذهبي، غير مشروع ،غير محق، غير صائب، غير وطني …
وهكذا لاحقتنا لعنة الطائفية والمذهبية، لاحقت حراكنا، لاحقت خطابنا، لاحقت كل وجودنا …
إذا تحدثنا عن الوطن، قالوا إنكم تختزلون الوطن في الطائفية والمذهب …
إذا تحدثنا عن هموم شعب قالوا إنكم تقصدون هموم الطائفة والمذهب …
إذا تحدثنا عن أوضاع البلد قالوا إنكم تضمرون في أنفسكم أوضاع الطائفة والمذهب …
قولوا بربكم أين هي الطائفية والمذهبية في هذه المطالبات :
• مطالبة بنظام سياسي عادل ..
• المطالبة بدستور توافقي …
• المطالبة ببرلمان حقيقي …
• المطالبة بحكومة تمثل إدارة الشعب …
• المطالبة بقضاء مستقل وعادل …
• المطالبة بإيقاف التمييز وكل أشكال الفساد المحسوبية …
• المطالبة بإنهاء العنف الأمني وإنهاء كل التداعيات التي أنتجتها المشهد الأمني الراهن ..
أليست هذه مطالب كل الشعوب الطامحة إلى الكرامة والحرية والأمن والاستقرار؟
على رغم أنوفنا فنحن متهمون بالطائفية والمذهبية، لو سلمنا أننا نطالب بحقوق الطائفة والمذهب، إذا كانت هذه الحقوق مسلوبة، فهل تمثل هذه المطالبة طائفية أو مذهبية ؟
كلا، وألف كلا …


أن أكون طائفيا ومذهبيا حينما يكون خطابي وحراكي ضد الطوائف والمذاهب الأخرى، حينما أحتكر المصالح لطائفتي ومذهبي وأحرم الآخرين، حينما أحول انتمائي الطائفي والمذهبي عداء للانتماءات المخالفة، حينما تكون قناعاتي تؤسس لمعتركات وصراعات وحروب ومواجهات …
هذا هو مفهوم الطائفية والمذهبية المفروضة ..
رغم كل الاستهدافات الظالمة، فلن ننجر إطلاقا إلى المعترك الطائفي والمذهبي …


وهنا ننبأ إلى مسألة في غاية الأهمية ..
إننا حينما نتحدث عن استهدافات طائفية لا نتهم أبدا أخوتنا في الدين والوطن أبناء الطائفة السنية ..
إننا نتهم الأغراض السياسية السيئة التي تحاول أن تعبث بالعلاقة بين المذاهب والطوائف، نتهم أصحاب المصالح الضيقة، نتهم بعض العصبيات المسكونة بالهوس الطائفي والمذهبي ..
وإذا كان هناك ضحية للمشروع الطائفي فالشعب بسنته وشيعته وما نأمله من كل الحريصين على وحدة هذا الشعب أن يتصدوا لكل محاولات ((التأزيم الطائفي،ويجب أن يمارس الخطاب الديني في كل مواقعه دورة في تكريس المحبة والأُخوة بين مكونات هذا الشعب، وإنه لخيانة عظمة لدين وللوطن أن يسقط هذا الخطاب في منزلقات الفتن الطائفية، وأن يكون أداة رخيصة في يد اللاعبين السياسية غير النظيفة، والتي لا يعنيها إلا مصالحها وأغراضها وإن كان ذلك على حساب الشعوب ووحدتها، وقوتها، وأهدافها ..))


والنقطة الأخيرة :
خطاب المسجد يجب أن يكون حاضرًا في قضايا الشعب وفي كل هموم الوطن …


نسمع دائما من يقول :
لماذا تقحومون المسجد وخطاب المسجد في شؤون السياسة ؟
لأنكم بهذا الإقحام تلوثون قداسة المسجد وخطاب المسجد …
ولأنكم بهذا الإقحام تورطون المسجد وخطاب المسجد في مآزق السياسة ..
ولأنكم بهذا الإقحام تدفعون بالمسجد وخطابة إلى واجهة الصراع مع أنظمة الحكم …
فالخير كل الخير للمسجد وخطابة الابتعاد عن السياسة، وإشكالات السياسة، وتعقيدات السياسة …


لن أدخل في جدلية ((الدين والسياسة )) ولكنني أقول :
إذا ظلم كناس في الشارع يجب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم ،وإذا ظلم فلاح يجب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم، وإذا ظلم عامل يجيب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم، وإذا ظلم تاجر يجب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم، وإذا ظلم زوج زوجته يجب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم، وإذا ظلم موظف صغير يجب على علماء الدين أن يقولوا له: لا تظلم، ولكن إذا ظلم الحاكم، إذا ظلم الوزير، إذا ظلم المسؤول الكبير، إذا ظلمت السلطة …فيجب على علماء الدين أن يصمتوا ويحرم أن يقولوا: لا تظلم، لأنهم إذا قالوا ذلك فقد تدخلوا في السياسة، وهي محرومة على علماء الدين …
أما إذا انعكس الأمر .. فكان علماء الدين يبررون ظلم الحاكم، ويشرعون سياسة الأنظمة، فلا يعد هذا إقحاما لخطاب الدين في السياسة ..
أن تبرر، أن تبارك للأنظمة  أمر مباح لعلماء الدين، ولخطاب الدين، ولخطاب المسجد..
أما أن ترفض، تعترض، فهو أمر محرم على علماء الدين، وعلى خطاب الدين، وعلى خطاب المسجد
أي منطق هذا؟ هذا هو منطق السياسة المفلسة …
من حق السياسة أن تتدخل في شؤون الدين، وفي شؤون المسجد، وفي شؤون خطاب المسجد ..
ولكن ليس من حق الدين، والمسجد، وخطاب المسجد التدخل في شؤون السياسة ..
إنهم يريدون لخطاب المسجد أن يكون شيطان أخرس …
• جاء في الحديث المشهور ((الساكت عن الحق شيطان أخرس))
• وجاء في الحديث الآخر: ((أي ما رجل أته علما فكتمه وهو يعلمه لقي الله عز وجل يوم القيامة ملجما بلجام من النار )
• وجاء في حديث ثالث: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه))


إن مسؤولية الخطاب الديني التصدي لكل أشكال الظلم، ولكل أشكال المنكر، ولا سيما الظلم السياسي والمنكر السياسي للأساليب المشروعة …أقول للأساليب المشروعة وإلا تحول الخطاب الديني خطابا ظالما وأصبح منكرا ..
غير أن المشروعية لا يستمدها  الخطاب من أنظمة الحكم، ومن مباركة الناس، وإنما يستمدها من رؤى الدين والشرع كما ذكرنا في النقطة الأولى …
من هنا تفرض الضرورة الشرعية أن يوجد رمز قائد فقيه بصير عارف بالشؤون السياسة، تقي، ورع، صلب، شجاع لا تنهزم إرادته، لكي يحصن الحراك السياسي، ولكي يحصن الأساليب حتى لا تنفلت عن رؤية الدين والشرع، وحتى لا تسقطه أسيرة المزاجات والانفعالات …
فوجود هذا الرمز القائد أكبر ضمانة لحماية أوضاع الوطن من الفوضى والانفلات والعنف والتطرف .. والذين يعملون جاهدين لاستهداف رمز قائد مخلص في حجم سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم هؤلاء هم الذين يدفعون بأوضاع الوطن إلى الفوضى والانفلات، وهم الذين يسعون لزج البلد في منزلقات العنف والتطرف، وهم الذين يعملون لكي يحرقوا الأمن والأمان، ولكي يمزقوا وحدة هذا الشعب ….
ومهما جارت السياسة علينا ومهما أرجف المرجفون فلن نتخلى عن هذا الوطن، فمن منطلق الدين نحبه، وندافع عنه، ونحمي مصالحة، ولن يسمح لنا ديننا أن نخونه، أن حرقه، أن نمزق وحدة شعبه ..
إننا لا نقول هذا الكلام استرضاء لحكم أو نظام، ولا خوفا من سلطة أو سطوة، ولا مجاملة لشارع أو جمهور …
في هذا الوطن لنا دين وقيم ومقدسات ….
في هذا الوطن لنا شرف وعرض مقدرات …
في هذا الوطن لنا تاريخ وأصالة وجذور …
في هذا الوطن لنا حاضر ومستقبل
إن الذين لا يملكون هذه المكونات هم الذين يسهل عليهم أن يحرقوا الوطن، أن يخونوا الوطن، أن يمزقوا الوطن، أن يضحوا بكل شيئ في هذا الوطن …


هذا هو خطابنا، وهذا هو منبرنا، وهذه هي ثوابتنا …
لسنا طائفيين، ولسنا متحزبين، إلا إذا كان الانحياز إلى الحق، إلى العدل، إلى الوطن طائفيه، وتحزبا …
ولسنا متطرفين ولا إرهابيين، ولا صناع عنف إلا إذا كان مواجهة الظلم، والفساد، والمنكر، والعبث بالحقوق، وانتهاك الكرامة، يسمى تطرفا وإرهابا وعنفا ….








اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى