حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 344: اذكروا الله ذكرًا كثيرًا (2) – منهج الحوار عند الإمام الصَّادق (ع) (3) – قرار الإبعاد لآية الله الشيخ النجاتي – هجوم شرس ضدَّ المجلس العلمائي – أمر النيابة بحبس خليل المرزوق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…



العنوان الأول:
أنواع الذكر..



نبقى مع قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾. {الأحزاب/41}
ذكر الله تعالى ثلاثة أنواع: ذكر قلبي، ذكر لساني، ذكر عملي…
(1)  فالذكر القلبي: أنْ تعيش حضور اللهِ  في قلبك…
• قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾. {الأعراف/205}
هذا ما يُسمى (الذكر الخفي)
• قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«يا أبا ذر، أذكر الله ذكرًا خاملًا، قيل: ما الذكر الخامل؟
قال صلَّى الله عليه وآله: الخفي».
• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«يفضل الذكر الخفي الذي لا تسمعه الحفظة على الذي تسمعه سبعين ضعفًا».
• وقال الإمام زين العابدين عليه السَّلام في الدعاء:
«إلهي فألهمنا ذكرك في الخلأ والملأ، والليل والنهار، والإعلان والإسرار، وفي السرَّاء والضرَّاء، وآنسنا بالذكر الخفي».
• قال الإمام الباقر عليه السَّلام أو الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«لا يكتب إلَّا ما سمع، قال الله عزَّ وجلَّ ﴿اذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ قال: لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس العبد غير الله تعالى».
نستعين بأمثلة لهذا الذكر القلبي (الذكر الخفي):
المثال الأول: التأمُّل في الكون.
• قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾. {يس/ 37 -40}
وأنت تقف أمام هذا المشهد الكوني تتأمُّل عظمة الخالقِ المبدع تكون في محراب عبادة – أفضل عبادة –
– انسلاخ النهار من الليل، وتعاقب الليل والنهار في نظام محكم بديع منذ مليارات السنين (عمر الشمس كما تقول أحدث الأبحاث الفلكية خمسة مليارات سنة).
– ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾
تتحدَّث أبحاث الفلك الحديث أنَّ الشمس لها عدَّة حركات، حول نفسها، حول مركز المجرَّة، وفي تباعدها عن المجرات الأخرى، وتقول هذه الأبحاث أنَّ شمسنا تجري بسرعة هائلةٍ جارَّة معها كلُّ وقودِها من الطَّاقة فتنتهي، وأمامها – وفق هذه الأبحاث- خمسة مليارات سنة لكي تصل إلى تلك النقطة الكونية ولعلَّ هذا هو (الأجل) الذي تحدَّث عنه القرآن، والله العالم ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى…﴾. {الرعد/2}
إذا كان هذا الأجل هو (قيام السَّاعة) فعلمه عند الله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ…﴾. {الأعراف/187}
القرآن يحدِّثنا عن انتهاء الشمس والنجوم ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ {التكوير/1}، ﴿ َإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ﴾ {المرسلات/8} وذلك عند قيام السّاعة…
وللحديث تتمَّة إنْ شاء الله تعالى.


العنوان الثاني:
منهج الحوار عند الإمام الصَّادق عليه السَّلام:


 
نتابع الحديث حول هذا العنوان، ونحاول هنا أنْ نطرح بعض نماذج من حوارات الإمام الصَّادق عليه السَّلام.
النموذج الأول:
حوار الإمام الصَّادق عليه السَّلام مع أحد الملحدين من مصر.
• قال له الإمام الصَّادق عليه السَّلام: أتعلم أنَّ للأرض تحتًا وفوقًا؟
[يحاول الإمام هنا أنْ يدفعه إلى التفكير والبحث والتدبر وأنْ لا يبني قناعاته على الجهل والتقليد الأعمى]
– قال المصري: نعم
– قال الإمام: فدخلت تحتها؟
– قال: لا
– قال الإمام: فهل تدري ما تحتها؟
– قال: لا أدري، إلَّا أنِّي أظن أنْ ليس تحتها شيئ.
– قال الإمام: فالظن عجزٌ ما لم تستيقن…
[الإيمان يجب أنْ يتأسس على اليقين وليس على الظن والاحتمال، لأنّ َهذا عجز وإفلاس]
– ثمَّ قال له الإمام: صعدت إلى السَّماء؟
– قال: لا.
– قال الإمام: أفتدري ما فيها؟
– قال: لا
– قال الإمام: فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟
– قال: لا
– قال الإمام: فالعجب لك، لم تبلغ المشرق، ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل تحت الأرض، ولم تصعد إلى السَّماء، ولم تخبر ما هنالك فتعرف خلقهن، وأنت جاحد بما فيهنَّ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟
– قال: ما كلمني بهذا غيرك.
–  قال الإمام: فأنت في ذلك من شك فلعل هو ولعل ليس هو؟
– قال: ولعلَّ ذلك
[نلاحظ أنَّ الإمام نقله من حال الإنكار إلى حال الشك وهي خطوة في اتجاه إنقاذه]
– قال الإمام: ليس لمن لا يعلم حجة على مَنْ يعلم ولا حجة للعالم على الجاهل.
– ثمَّ قال الإمام [معتمدًا دليل التدبّر والتفكّر في هذا الكون]:
يا أخا مصر: تفهم عنَّي، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان [هنا يمارس الإمام أسلوب القرآن] يذهبان ويرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلَّا مكانهما، فإن كانا يقدران على أنْ يذهبا، فلم يرجعا، وإنْ كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارًا، والنهار ليلًا؟
اضطرا والله يا أخا مصر، إنَّ الذين تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم؟
وإنْ كان يرددُّهم فلم يذهب بهم؟ أما ترى السماءَ مرفوعة، والأرض موضوعة، لا تسقط السماءُ على الأرض ولا تنحدر الأرضُ فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقُها ومدبُرها.
وهنا لم يجد ذلك الملحد إلَّا أعلن إيمانه وإسلامه بكلِّ اقتناع.
نلاحظ في هذا الحوار:
أوَّلًا: أنَّ الإمام الصَّادق عليه السَّلام مارس أقصى درجات الانفتاح والهدوء والأريحية وهو يحاور شخصًا مُلحدًا منكرًا للدين ولأوضح مسلَّماته، ومجاهرًا بقناعاته، لم نجد الإمام منفعلًا ولا غاضبًا ولا معقدًّا، فتح كلّ عقله وقلبه ووقته ليحاور هذا الإنسان المنكر لله تعالى…
ثانيًا: الإمام الصَّادق عليه السَّلام في هذا الحوار لم يلجأ إلى أساليب السفسطة وتعقيدات الفلسفة، بل اعتمد منهج القرآن في تحريك العقل والقلب والفطرة للتدبر والتأمّل في الكون والخلق.
ثالثًا: وجدنا الإمام الصَّادق عليه السَّلام قد وضع محاوره في موقع الدفاع لا في موقع الهجوم من أجل أن يهزَّ قناعاته، وهكذا تدرَّج معه، فحوَّل تلك القناعات إلى شك ٍ وتردّد وهكذا هيأه لكي ينفتح على الإيمان والتسليم.
رابعًا: نفهم من هذا الحوار أنَّ مدرسة الإمام الصَّادق عليه السَّلام استطاعت أنْ تستوعب كلّ الانتماءات والاتجاهات والقناعات ولم تقصِ أحدًا بسبب انتمائه أو اعتقاده أو قناعته…


كلمة أخيرة:
يتصدَّر المشهد السِّياسي في هذه الأيام ثلاثة عناوين:

(1)  قرار الإبعاد في حقِّ سماحة آية الله الشيخ النجاتي وقد هزَّ هذا القرار وجدان هذا الشعب، لما يُمثِّله سماحة الشيخ النجاتي من موقع ديني كبير، ومن ثقل علمي، وعنوان بارز، ممَّا شكَّل استهدافه استهدافًا لكلِّ الطائفة، لينتظم هذا الاستهداف في سياق استهدافات ممنهجة ضدَّ هذه الطائفة، الأمر الذي يبعث على القلق الشديد، ويدفع في اتجاه المزيد من التأزيم، إنَّ إبعاد هذا العالم الكبير والرمز الوطني أمر فيه تعدِّي سافر على حقِّ الانتماء إلى هذا الوطن، وفيه إساءة ظالمة لواحد من أعلام هذا البلد، وهكذا أصبح الاستخفاف والتعدِّي على الكفاءات العملية والثقافية والتربوية والطبية سمة بارزة في السياسة التي تدير هذا الوطن، فما أسوأ هذه السِّياسة التي تفرِّط بكوادر العلم والثقافة والتربية من أجل أغراضٍ سيئة تضر بصالح الوطن لأحكام الدستور والقانون…



(2)  وفي هذا السِّياق استنفر الإعلام الرسمي منابره في هجوم شرس ضدَّ المجلس العلمائي، وقد مارس هذا الإعلام حربًا ظالمة ضدَّ المجلس، متهمةً إيَّاه بأنَّه المحرِّض والمحرِّك الرئيسي للخلايا الإرهابية في المملكة وإنَّه يدعو إلى العنف، وإلى إشعال الفتن الطائفية إلى آخر قائمة من الاتهامات الظالمة، والفاقدة للموضوعية…
إنَّ المجلس الإسلامي العلمائي هو تعبير عملي لممارسة حقِّ الدعوة والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو حقٌ لا ينتظر إجازةً أو تفويضًا من نظام أو سلطة أو وزارة، إنَّه حقٌّ منحه التكليف الديني، ومسؤولية فرضتها الوظيفة الشرعية…



وإذا كان هذا التكليف وهذه الوظيفة هما المنطلق في أيّ حراك تبليغي ودعوتي، فهما أيضًا المنطلق في تكييف الأسلوب المعتمد في الدعوة والتبليغ، فربما كان هذا الأسلوب فرديًّا، وربما كان جماعيًّا، حسب الضرورة، وحسب ما تفرضه الحاجة.
وهنا نؤكد إنَّ مسؤوليَّتنا في الدعوة والتبليغ وبالأسلوب الذي يفرضه الشرع لن يوقفها قرار بإغلاق المجلس، وسوف يبقى كلُّ واحدٍ منا (مشروع مجلس علمائي)، هذا المجلس الذي تجذَّر وجوده في كلِّ القلوب، وإذا استطاع قرار سياسي أو أمنى أو قضائي أن يغلق مقرًا أو يصادر عنوانًا، فإنَّ هذا القرار لا شك عاجزٌ كلّ العجز أنْ يغلق مئات الآلاف من المقرات في داخل القلوب، وعاجز كلّ العجز أنْ يصادر حضورًا متجذِّرًا لهذا المجلس في كلِّ المواقع والمدن والقرى…



المجلس العلمائي حقيقة لا يمكن أنْ تلغى من العقول والقلوب ومن حياة كلّ النّاس الخيرين في هذا الوطن.


(3)  لقد أمرت النيابة بحبس القيادي في جمعية الوفاق خليل المرزوق احتياطيًا لمدة ثلاثين يومًا على ذمَّة التحقيق، بعد أنْ وجهت إليه تهم التحريض على ارتكاب جرائم إرهابية، وإنَّه على صلة بتنظيم إرهابي…
ما نعرفه عن هذا الشخص أنَّه مناهض للإرهاب بكلِّ أشكاله وصوره، ولا يمكن لسياسي متمرِّس ونظيف كخليل المرزوق أنْ يكون محرِّضًا على الإرهاب وداعية للعنف والتطرّف، إلَّا أنَّ هذه الشماعة هي شماعة الأنظمة السِّياسية الحاكمة في مواجهة حراكات الشعوب، لا ننفي وجود جماعات إرهاب وتطرّف وعنف في بعض البلدان وفي بعض الشعوب، والواقع يبرهن على ذلك، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ كلّ ما تقوله أنظمة الحكم في اتهام الحراك السِّياسي المعارض وفي اتهام السِّياسيين المعارضين هو حقٌّ، فإنَّ أغلب الأنظمة لا تتورَّع من كيل التهم ضدَّ المعارضين، وهذا من بديهيات الواقع السِّياسي لأنظمة الحكم في كلِّ التاريخ.
إنَّ اعتقال قيادي شاخص ومعتدل ونظيف أمر مضرٌ جدًا بأوضاع هذا الوطن، ومؤزِّم لمسار الأحداث، ومربك لخيارات التقارب والانفراج.
دعاؤنا الخالص أنْ يفرّج الله عن كلِّ السجناء والمعتقلين، وأنْ يمنَّ على هذا الوطن بالأمن والأمان.
وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.


 


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى