الإمام محمد الباقر (ع)من وحي الذكريات

فصل في ذكر ولادة وعلم مولانا باقر العلوم (ع)

فصل في ذكر ولادة وعلم مولانا باقر العلوم (ع)


ولد بالمدينة يوم الاثنين الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة (1)، وقيل: غرة رجب (2). أمه (ع)أم عبد الله فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلا م، وهو هاشمي من هاشميين، وعلوي من علويين (3).


روي عن أبي جعفر (ع)، قال: كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار، وسمعنا هدة شديدة، فقالت بيدها: لا وحق المصطفى صلوات الله عليه وآله ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلقا [في الجو] (4) حتى جازته، فتصدق عنها أبي بمائة دينار.


وذكرها الصادق (ع) يوما، فقال: كانت صديقة، لم تدرك في آل الحسن [امرأة] (5) مثلها (6) سمي أبو جعفر (ع)باقرا لأنه بقر العلم بقرا، أي شقه شقا وأظهره إظهارا (7).


وقال السبط ابن الجوزي: سمي الباقر من كثرة سجوده، بقر السجود جبهته، أي فتحها ووسعها، وقيل: لغزارة علمه (8). قال الجوهري في الصحاح: التبقر التوسع في العلم (9).


وكان يتختم (ع)بخاتم جده الحسين (ع)، ونقشه: إن الله بالغ أمره (10). وروي في وصف علمه (ع)عن عبد الله بن عطاء المكي، قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (ع)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه.


وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي عليهم السلام شيئا يقول: حدثني وصي الأوصياء ووارث علوم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم (11).


وعن محمد بن مسلم، قال: ما شجر في رأيي شئ قط إلا سألت عنه أبا جعفر (ع)، حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبد الله (ع)، عن ستة عشر ألف حديث (12).


وروي في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: إذا مضى الحسين (ع) قام بالأمر بعده علي ابنه (ع)، وهو الحجة والإمام، ويخرج الله من صلب علي ولدا سمي وأشبه الناس بي، علمه علمي، وحكمه حكمي، وهو الإمام والحجة بعد أبيه (13).


وروي عن الباقر (ع)، قال: لو وجدت لعلمي [الذي آتاني الله عز وجل حمله] (14) لنشرت التوحيد، والإسلام [والايمان] (15)، والدين، والشرائع من الصمد، وكيف لي ولم يجد جدي أمير المؤمنين (ع)حملة لعلمه (16). وبالجملة أظهر (ع)من مجنيات (17) كنوز المعارف، وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، وفاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل: هو باقر العلوم وشاهرها (18).


وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر (ع)، وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر (ع)، ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس (19).


قال الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين (ع) من علم الدين والآثار والسنة، وعلم القرآن والسيرة، وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر (ع)، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين، وصار بالفضل علما لأهله تضرب به الأمثال، وتصير (20) بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرطبي: يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الا جبل (21).


وروي عن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام، قال: دخلت على جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، فسلمت عليه فرد علي السلام، ثم قال لي: من أنت ؟ وذلك بعد ما كف بصره، فقلت: محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، فقال: يا بني ادن مني، فدنوت منه فقبل يدي، ثم أهوى إلى رجلي يقبلهما، فتنحيت عنه، ثم قال لي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السلام، فقلت: وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، وكيف ذلك يا جابر، فقال: كنت معه ذات يوم، فقال لي: يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلا من ولدي يقال له: محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام يهب الله له النور والحكمة فأقرأه مني السلام (22).


وروى الشيخ الكليني في كتاب الأطعمة من الكافي عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت جالسا في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله إذ أقبل رجل فسلم، فقال: من أنت يا عبد الله؟ قلت: رجل من أهل الكوفة، فقلت: ما حاجتك، فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي (ع) ؟ فقلت: نعم، فما حاجتك إليه، قال: هيأت له أر بعين مسألة أسأله عنها، فما كان من حق أخذته، وما كان من باطل تركته، قال أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل ؟ قال: نعم فقلت له: فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل، فقال لي: يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أبا جعفر فأخبرني.


فما انقطع كلا مي معه حتى أقبل أبو جعفر (ع) وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه، قال أبو حمزة: فجلست حيث أسمع الكلام وحوله عالم من الناس، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل، فقال له: من أنت ؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري، فقال له أبو جعفر (ع): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال أبو جعفر (ع): ويحك يا قتادة إن الله جل وعز خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا على خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلا، ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، قال له أبو جعفر (ع): ويحك تدري أين أنت، أنت بين يدي: (بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) * (23) فأنت ثم ونحن أولئك، فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين، قال قتادة: فأخبرني عن الجبن [قال:] (24) فتبسم أبو جعفر (ع)، ثم قال: رجعت مسائلك إلى هذا ؟ قال: ضلت علي، فقال: لا بأس به، الحديث (25).


المصدر: الأنوار البهية/الشيخ عباس القمي.



——————————————————————————–



1-  الدروس: ص 12.
2- دلائل الإمامة: ص 94، مسار الشيعة: ص 57 (ضمن مصنفات الشيخ المفيد)، وفيهما: (ولد (ع)يوم الجمعة غرة رجب).
3-  المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 208 و 210.
4-  ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية والمطبوعة، وأثبتناه من المصدر.
5-  ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية والمطبوعة، وأثبتناه من المصدر.
6-  الكافي: ج 1 ص 469 ح 1.
7-  علل الشرائع: ص 233 باب 168 ح 1.
8-  تذكرة الخواص: ص 336.
9-  الصحاح: مادة (بقر) ج 2 ص 594.
10-  عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 56 قطعة من ح 206، ومكارم الأخلاق: ص 91.
11-  الإرشاد للمفيد: ص 263، وإعلام الورى: ص 263.
12-  اختيار معرفة الرجال: ص 163 ح 276.
13-  كفاية الأثر: ص 164.
14-  ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية والمطبوعة، وأثبتناه من المصدر.
15-  ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية والمطبوعة، وأثبتناه من المصدر. ‹ هامش ص 135 ›
16-  كتاب التوحيد: ص 92 قطعة من ح 6.
17-  في المصدر: (مخبآت).
18-  الصواعق المحرقة: ص 201.
19-  ذكر مضمونه الشيخ المفيد في إرشاده: ص 264.
20-  في المصدر: (وتسير).
21-  الإرشاد للمفيد: ص 261.
22-  الإرشاد للمفيد: ص 262، وإعلام الورى: ص 263.
23-  النور: 36 و 37.
24-  ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية والمطبوعة، وأثبتناه من المصدر.
25-  الكافي: ج 6 ص 256 ح 1
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى