الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

النَّهج النَّبويُّ في معالجة النُّضوب الأخلاقيِّ

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، تمَّ بثُّها يوم الاثنين، ليلة الثلاثاء بتاريخ: (16 ربيع الأوَّل 1442 هـ – 2 نوفمبر 2020 م)، الساعة الثامنة مساء، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

النَّهج النَّبويُّ في معالجة النُّضوب الأخلاقيِّ

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا، ورحمة الله وبركاته.
الهدف الأساس من إقامة المناسبات هو إحياء شعائر الدِّين
ونحن نعيش ذِكْرى ميلاد الرَّسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وميلاد الإمام الصَّادق (سَلام الله عليه) نقول كلمة.
أنْ نحتفل بذِكرى مولد الرَّسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وأنْ نحتفل بذِكرى مولد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).
أنْ نحتفل بأيَّة مناسبة من مناسباتنا الدِّينيَّة، ليس من أجل (الاستهلاك التَّاريخيِّ).
أنْ ننفتح على التَّاريخ.
أنْ نستلقي في أحضان التَّاريخ.
أن نفتِّش أوراق التَّاريخ.
ليس هو هذا الهدف.
ليس الهدف أنْ نستلقي في أحضان التَّاريخ.
وليس الهدف هو (التَّرف الفكريُّ، والتَّرف الثَّقافيُّ).
أنْ نزيد معلوماتنا عن التَّاريخ، وعن أحداث التَّاريخ، رغم أنَّ الثَّقافة التَّاريخية مطلوبة، لكنَّ ليس الهدف من معايشة المناسبات الدِّينيَّة هو مجرَّد أنْ نتزوَّد برصيد من ثقافة التَّاريخ رغم أهمِّيَّة ثقافة التَّاريخ، إلَّا أنَّه ليس هذا هو الهدف الأساس.

إذا ما هو الهدف من إحياء المناسبات الدِّينيَّة؟
إنَّ الهدف الأساس من الإحياء، ومن التَّعاطي مع المناسبات الدِّينيَّة التَّاريخيَّة هو إحياء شعائر الدِّين.

فعندما نحتفل بذِكرى الرَّسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، فنحن نحيي شعائر الدِّين.
وعندما نحتفل بذكرى مولد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، فنحن نحيي شعائر الدِّين.

وما معنى إحياء شعائر الدِّين؟
إنَّ المعنى الأساس المطلوب من إحياء شعائر الدِّين هو أنْ نصوغ كلَّ واقعنا في ضوء هذه الشَّعائر، هذا هو الهدف الأساس من التَّعاطي مع الشَّعائر، ومن التَّعاطي مع المناسبات الدِّينية التَّاريخيَّة، هو أنْ نهندس حياتنا في ضوء هذه الشَّعائر.

نهندس أفكارنا، ثقافتنا، قيمنا في ضوء هذه الشَّعائر.
فإذا استطاعت الشَّعائر أنْ تصوغ واقعنا كان الاحتفال هو الاحتفال الحقيقيُّ.

بعد هذه المقدمة البسيطة نأتي إلى الذِّكرى، ذكرى ميلاد النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وذكرى ميلاد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام).

النَّهج النَّبويُّ في معالجة النُّضوب الأخلاقيِّ
العنوان الذي سأعالجه في هذه الكلمة بمناسبة هذه الذِّكرى العظيمة هو: النَّهج النَّبويُّ في معالجة النُّضوب الأخلاقيِّ

أوَّلًّا: ما هو معنى النُّضوب الأخلاقيِّ؟
كلمة نَضَبَ يقال: نَضَب الماء، أي: غار في الأرض.
اختفى الماء: راح في الأرض، هذا يسمَّى نضوب.
نضب الماء، يعني: غار في الأرض.

فالنُّضوب الأخلاقيُّ يعني: خمود الحسِّ الأخلاقيِّ عند الإنسان.
أنْ يموت الحسُّ الأخلاقيُّ.
أنْ يضعف الحسُّ الأخلاقيُّ.
أنْ يتكلَّس الحسُّ الأخلاقي.
هذا نضوب أخلاقيٌّ.

هذه المسألة عالجها الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) معالجة واسعة.
الخمود الأخلاقيُّ
‌أ- خمود خاصٌّ
‌ب- خمود عامٌّ
الخمود الأخلاقيُّ تارة يكون خمودَ أفرادٍ – فرد يصاب بخمود أخلاقيٍّ – وتارة الأمَّة، وتارة المجتمع، كلُّه يُصاب بالخمود.

ثانيًا: النُّضوب الأخلاقيُّ هو أساس كلِّ الأزمات
هنا إشكاليَّة تواجهنا تقول: لماذا تركِّزون على الجانب الرُّوحيِّ، والجانب الأخلاقيِّ؟
السَّاحة تزدحم فيها أزمات.
توجد أزمات اجتماعيَّة.
توجد أزمات ثقافيَّة.
توجد أزمات سياسيَّة.
توجد أزمات أمنيَّة.

لماذا إصراركم على الحديث عن الجانب الأخلاقيِّ، والرُّوحيِّ؟
توجد أوَّليَّات.
الأزمة الثَّقافية أخطر.
الأزمة الاقتصاديَّة أخطر.
الأزمة السِّياسيَّة.
الأزمة الأمنيَّة.
الأزمة الاجتماعيَّة.

لماذا إصراركم عن الحديث عن الجانب الأخلاقيِّ، والجانب الرُّوحيِّ؟
أنا أقول: إنَّ كلَّ الأزمات أساسها أزمة روحيَّة، أو أزمة أخلاقيَّة.
فالنُّضوب الأخلاقيُّ أساس كلِّ الأزمات في:
‌أ- الواقع الفرديِّ.
‌ب- الواقع الأسريِّ.
‌ج- الواقع الاجتماعيِّ.
‌د- الواقع الثَّقافيِّ.
‌ه- الواقع التَّربويِّ.
‌و- الواقع الإعلاميِّ.
‌ز- الواقع السِّياسيِّ.
‌ح- الواقع الأمنيِّ.
أين اتَّجَهْتَ ستجد أنَّ الأزمات الأصل فيها هو أزمة أخلاقيَّة.
لا أريد أنْ أدخل في التَّفصيل!
كيف أنَّ الأزمة الأخلاقيَّة هي أساس المأزق الثَّقافيِّ، وأساس المأزق التَّربويِّ، والإعلاميِّ، والسِّياسيِّ، والأمنيِّ، فكلُّها مَنْشَأها أزمة أخلاقيَّة، وأزمة روحيَّة.
حينما يتصدَّى للثَّقافة إنسان مأزوم روحيًّا، وأخلاقيًّا تتأزَّم الثَّقافة.
حينما يتصدَّى للشَّأن الاقتصاديِّ إنسان مأزوم نفسيًّا، وأخلاقيًّا، وروحيًّا يتأزَّم الواقع الاقتصاديُّ.
وهكذا الواقع السِّياسيُّ.
وهكذا الواقع الأمنيُّ.
إذًا، مَن يطرح هذه الإشكالية التي تقول: لا ضرورة أنْ ننشغل بالقضايا الرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة، والسَّاحة مثقلة بتحدِّيات ثقافيَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، وأمنيَّة.
هذا إنسان إمَّا جاهل، وإمَّا معادٍ للقِيَم.
إمَّا إنسان لا توجد عنده رؤية حقيقيَّة في أساس الأزمات، وإمَّا إنسان يريد أنْ يعادي فكر القيم.
وكلُّ المآزق الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة، وبقيَّة المآزق هي ناشئة عن (أزمة روحيَّة، وأخلاقيَّة).
فمَن يتصدَّى لأيِّ عمل ثقاقيٍّ يجب أنْ يكون محصَّنًا أخلاقيًّا، وروحيًّا.
ومَن يتصدَّى لعمل اجتماعيٍّ يجب أنْ يكون محصَّنًا أخلاقيًّا، وروحيًّا.
ومَن يتصدَّى لعمل إداري، أو حقوقيٍّ، أو سياسيٍّ، أو أمنيٍّ يجب أنْ يكون محصَّنًا أخلاقيًّا.

ثالثًا: معالجة النُّضوب الأخلاقي وفق توجيهات النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)

نأتي للعنوان، عنوان الكلمة:
كيف عالج النَّبي (صلَّى الله عليه وآله)؟

وكيف عالج الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) مشكلة النُّضوب الأخلاقيِّ؟

النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) قد عالج هذا المشكلَ الأخلاقيَّ من خلال خطوتين:

الخطوة الأولى: التَّجذير الأخلاقيُّ
زرْع الحالة الأخلاقيَّة في داخل الإنسان.
هذه خطوة أساس في معالجة المشكل الأخلاقيِّ، وهي أنْ نجذِّر الأخلاق في داخل الإنسان.

الخطوة الثَّانية: معالجة عمليَّة النُّضوب الأخلاقيِّ
توجد مشكلة كيف نعالجها؟

ربَّما لا يتَّسع الكلام للحديث عن الخطوتين، وقد أُركِّز على الخطوة الأولى.

الخطوة الأولى: التَّجذير الأخلاقيُّ
سنتناول الخطوة الأولى، وهي التَّجذير الأخلاقيُّ.
كيف مارس النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) مسألة تجذير الأخلاق في واقع الإنسان.
في واقع المجتمع.
في واقع الأسرة.
في واقع الأُمَّة؟

كيف زرع البذور الأخلاقيَّة؟
كيف جذَّر المضامين الأخلاقيَّة في داخل الإنسان؟

المراحل التي اعتمدها النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)؛ لتجذير القِيم الأخلاقيَّة

هنا مجموعة مراحل اعتمدها النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)؛ من أجل أنْ يجذِّر القِيم الأخلاقيَّة في داخل الإنسان، وفي داخل المجتمع، وفي داخل الأمَّة.
لقد مارس النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) مجموعة مراحل وخطوات، ومن خلال هذه المراحل والخطوات استطاع أنْ يمركز الأخلاقَ.

ويجذِّر الأخلاق في الواقع: الواقع الفرديِّ.
الواقع الأسريِّ.
الواقع الاجتماعيِّ.
الواقع السِّياسيِّ.
الواقع الثَّقافيِّ.

ما هي هذه المراحل التي اعتمدها النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، واعتمدها الأئمَّة (عليهم السَّلام)؟

سنتحدث عن مجموعة مراحل:

المرحلة الأولى: إنتاج الوعي الأخلاقيِّ

المرحلة الأولى في بناء الحالة الأخلاقيَّة هي أنْ يعي النَّاس الأخلاق:
ما معنى الأخلاق؟
ما معنى القِيم؟
ما هي قِيم الأخلاق؟
هذا خلقَ وعيًا، نسمِّيه الوعي الأخلاقيَّ.
لا نستطيع أنْ نصنع أخلاقيَّة الأمَّة إذا لم نصنع وعي الأخلاق عند الأمَّة.
عند الفرد.
في الأسرة.
في المجتمع.
إذًا، الخطوة الأولى أنْ نزرع هذا الوعي.
أنْ نصوغ هذا الوعي عند الأمَّة.
يوم يلتبس الوعي عند الأمَّة تلتبس القيم، وتلتبس المفاهيم، وتلتبس الأخلاق.
فإذًا، إنَّنا بحاجة في المرحلة الأولى أنْ نؤصِّل الوعي.
ثقافة الأخلاق.
وعي الأخلاق.
مفاهيم الأخلاق.
فإنتاج الوعي الأخلاقيِّ هو خطوة أساس.
أنا لا أقدر أنْ أصنع حالة أخلاقيَّة إذا الوعي، وإذا العقل الأخلاقي ليس مصنوعًا.
فاللازم أنْ أَبْدَأ بصنع العقل الأخلاقيِّ، والثَّقافة الأخلاقيَّة، الوعي الأخلاقيَّ.
وفي هذا الاتِّجاه؛ من أجل إنتاج الوعي الأخلاقيِّ جاءت نصوص، وروايات كثيرة، هدفها تجذير هذا الوعي في أخلاق النَّاس، الفرد، الأُمَّة، المجتمع، الأسرة.
هذه الأحاديث عندما نقرأها نجدها تمركز قيمة ثقافة الأخلاق، ومعنى الأخلاق، وقيمة الأخلاق، وموقع الأخلاق.
أستشهد ببعض النَّماذج من الأحاديث التي تهدف إلى إنتاج المرحلة الأولى، وهي مرحلة إنتاج الوعي الأخلاقيِّ.

•الحديث الذي يقول: «إنَّما بُعثت؛ لأتمِّم مكارم الأخلاق» (بحار الأنوار 16/210، العلامة المجلسي).
هذا الحديث يضع الأخلاق هي قمَّة الهدف لرسالة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله).
هنا وعي.
هنا ثقافة أخلاقيَّة.
هنا تركيز على قيمة المضمون الأخلاقيِّ بحيث إنَّ الرِّسالة كلُّها تساوي الأخلاق.
وكذلك بعثة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) بكلِّ متبنياتها تساوي الأخلاق!
إذًا، هنا يبدأ يتشكَّل وعيٌّ.
هنا تبدأ تتشكَّل ثقافة.
قِيمة الأخلاق.
موقع الأخلاق في الرِّسالة.
رسالة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) هي: «إنَّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (بحار الأنوار 16/210، العلامة المجلسي).

•في حديث آخر: «إنَّما بعثت لأتممَّ حسن الأخلاق» (ميزان الحكمة 1/804، محمد الريشهري).

•في حديث ثالث: «الخُلق وعاء الدِّين» (ميزان الحكمة 1/798، محمد الريشهري).
إذا كان للدِّين وعاء، فالوعاء الذي يحتضن الدِّين كلَّه بمفاهيمه، بقيمه، بأفكاره، هو الخُلق.
والرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) جعل الخُلق وعاءً يحتضن كلَّ الدِّين.

•«الإسلام حسن الخلق» (ميزان الحكمة 1/798، محمد الريشهري).
الإسلام يساوي حسن الخُلق.

هذه كلُّها أحاديث تصبُّ في اتِّجاه إنتاج الوعي الأخلاقيِّ.
صنع العقل الأخلاقيِّ.
صنع الثَّقافة الأخلاقيَّة.
أقرأ هذا الحديث حتَّى نفهم كيف أنَّ الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) كان يمركز قيمة الأخلاق في وعي الأمَّة، وفي وعي النَّاس، وفي وعي الأفراد.

•«جاء رجل إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من بين يديه»، يعني وقف أمامه، «فقال: يا رسول الله، ما الدِّين»؟ يريد يعرف معنى الدِّين، هذا الإنسان جاء مقابلًا مواجِهًا النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله)، «فقال: يا رسول الله، ما الدِّين»؟ فلم يدخل معه النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) في أحاديث فلسفيَّة، ثقافيَّة، «فقال (صلَّى الله عليه وآله): حسن الخلق»، الدِّين كلُّه حُسن الخُلُق، «فقال (صلى الله عليه وآله): حُسن الخُلق، ثمَّ أتاه عن يمينه»، لقد كان هذا السُّائل مصرًّا على أنْ يؤكِّد الفكرة، بحيث جاء عن يمين النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، «فقال: ما الدِّين»؟ لقد أصرَّ أنْ يطرح هذا السَّؤال على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، «ما الدِّين؟
فقال (صلَّى الله عليه وآله): حسن الخُلق، ثمَّ أتاه من قِبَل شماله، فقال: ما الدِّين؟
فقال (صلى الله عليه وآله): حسن الخُلق.
ثمَّ أتاه من ورائه، فقال: ما الدِّين؟
فالتفت إليه، وقال: أَمَا تفقه؟ الدِّين هو أنْ لا تغضب، …» (بحار الأنوار 68/ 393، العلَّامة المجلسي).
يعني أخلاقًا، يعني قِيمًا.
إذًا، المرحلة الأولى في بناء الأخلاق هو تركيز المفهوم الثَّقافيِّ عن الأخلاق.
خلق العقل الأخلاقيِّ.
هذه هي المرحلة الأولى.
المرحلة الثَّانية: إنتاج الضمير الأخلاقي
(العشق، والانصهار، والذَّوبان)
لا يكفي أنْ أصنع ثقافة أخلاقيَّة.
لا يكفي أنْ أصنع عقلًا أخلاقيًّا.
لا بدَّ أنْ أصنع ضميرًا أخلاقيًّا.
نعم العقل الأخلاقيُّ هو يزوِّد الضَّمير، ويحصِّن الضَّمير في الاتِّجاه السَّليم.
لكن لا أستطيع أن أبقى مع المفاهيم إذا لم أحوِّلها جزءًا من ضمير الإنسان.
الضَّمير هي المشاعر الدَّاخليَّة، الأحاسيس، العواطف.
هذا الضَّمير الأخلاقيُّ هو أساس في بناء الأخلاق.
إنتاج الضَّمير الأخلاقيِّ.

ما معنى إنتاج الضَّمير الأخلاقيِّ؟
أنْ أصنع حالة عشق داخليٍّ للقِيم، والأخلاق.
يمكن لأحدنا أنْ يقتنع داخليًّا بقيمة الأخلاق لكن لا تتحوَّل الأخلاق إلى معشوقه في داخله!
لا ينصهر ولا يذوب مع الأخلاق.
لا يذوب مع الأخلاق!

مطلوب: أنْ نحوِّل الأخلاق إلى شيئ معشوق.
إلى شيئ يذوب معه الإنسان ذوبانًا.
ليس فقط يستوعبه ثقافيًّا وفكريًّا.
يحتاج إلى عشق الأخلاق.
الانصهار مع الأخلاق.
الذَّوبان مع الأخلاق.
هذا نسمِّيه إنتاج ضمير.

في المرحلة الأولى، قلنا: إنتاج وعي، وإنتاج ثقافة أخلاقيَّة.
هنا إنتاج ضمير أخلاقيٍّ.
إنتاج وجدان أخلاقيٍّ.
إنتاج عاطفة أخلاقيَّة.
في هذا السِّياق – أيضًا – مجموعة أحاديث تمركز حالة الضَّمير.
الهزَّة الدَّاخلية.
ليس بعدًا ثقافيًّا فقط!
توجد هزَّة وجدانيَّة داخليَّة.

•نقرأ في الأحاديث قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ حسَّن خلقه بلَّغه الله درجة الصَّائم القائم» (ميزان الحكمة 1/799، محمد الريشهري).
هنا الإنسان يعشق الأخلاق.
حينما يضع النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) صاحب الأخلاق في مرتبة الصَّائم القائم، هنا يبدأ الإنسان يعيش حالة هيام، عشق، ذوبان، انصهار مع الأخلاق.
«مَنْ حسَّن خلقه بلَّغه الله درجة الصَّائم القائم».

•حديث آخر: «أوَّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق» (ميزان الحكمة 1/799، محمد الريشهري).
هذه كلُّها أمور تحفِّز الحالة النَّفسيَّة، والرُّوحيَّة، والوجدانيَّة في داخل الإنسان، «أوَّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق»

•حديث ثالث: «ما من شيئ أثقل في الميزان مِن حسن خُلق» (ميزان الحكمة 1/799، محمد الريشهري).
هنا ليس صنع ثقافة أخلاقيَّة، صنع وجدان أخلاقيٍّ، صنع عشق أخلاقيٍّ.

•حديث رابع: «إنَّ أحبَّكم إليَّ، وأقربكم منِّي يوم القيامة مجلسَّا أحسنكم خلقًا، وأشدكم تواضعًا»( ) (ميزان الحكمة 1/799، محمد الريشهري).
الإنسان عندما يحسِّن خلقه سيكون قريبًا من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يوم القيامة، مجاورًا لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

كم تشحن الإنسانَ هذه الأحاديثُ!
تشحن الحالة الوجدانيَّة والرُّوحيَّة والنَّفسيَّة.

•«أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا» (ميزان الحكمة 1/799، محمد الريشهري).
إذًا، هذه هي المرحلة الثَّانية.

ولقد كانت المرحلة الأولى هي إنتاج الوعي الأخلاقيِّ، وهذه المرحلة الثَّانية هي إنتاج الضَّمير الأخلاقيِّ.
المرحلة الثَّالثة: إنتاج السُّلوك الأخلاقيِّ
وهي الأهم، فبمقدار ما لإنتاج الوعي الأخلاقيِّ من أهمِّية كبرى، وبمقدار ما لإنتاج الضَّمير الأخلاقيِّ من أهمِّية كبرى، فالقيمة الأكبر والأهم هي (إنتاج السُّلوك الأخلاقيِّ).

قد تبقى الأخلاق ثقافة.
قد تبقى الأخلاق مشاعر داخليَّة، ولكن عندما لا تتحوَّل إلى واقع، ولا تتحوَّل إلى سلوك، فليس لها قيمة هذه الثَّقافة، وليس له قيمة هذا الوجدان إذا لم يُترجم إلى سلوك.

إنَّ القيمة الكبرى هي أنْ نحوِّل المفاهيم الأخلاقيَّة، ونحوِّل المشاعر الأخلاقيَّة إلى سلوك: سلوك متحرِّك على الأرض.
في داخل الأسرة.
في المعاملات.
في كلِّ موقع من مواقع الحياة.
عندما تتحوَّل الأخلاق إلى سلوك، وإلى منهج عمل، وإلى ممارسات في كلِّ المواقع، نكون قد صنعنا الواقع الأخلاقيَّ، هذا هو المهمُّ.
إذًا، إنتاج السُّلوك.
هنا أيضًا كنماذج من أحاديث تركِّز على قِيمة التَّطبيق العمليِّ للأخلاق، للممارسات الأخلاقيَّة الرُّوحيَّة.

•حديث يقول: «أبى الله لصاحب الخلق السَّيِّئ التَّوبه، …»
الذي لا يمارس الأخلاق، والذي أخلاقه سيِّئة عمليًّا، هذا لا يتوفَّق للتَّوبة!
هنا الحديث يتحدَّث عن ممارسات، وليس عن ثقافة.
وليس عن مشاعر!
وإنَّما عن سلوك، وعن تطبيق!
«أبى الله لصاحب الخلق السَّيِّئ التَّوبة.
فقيل: يا رسول الله، وكيف ذلك»؟
كيف أنَّ صاحب الأخلاق السَّيِّئة لا يتوفَّق إلى التَّوبة؟
فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لأنَّه إذا تاب من ذَنْب وقع في أعظم من الذَّنب الذي تاب منه» (ميزان الحكمة 1/806، محمد الريشهري).

هذا سيِّئ الأخلاق، يصدر منه ذَنْب، فيتوب منه، إلَّا أنَّه يقع فورًا في ذَنْب آخر!، وهكذا كلَّما تاب من ذَنْب وقع في آخر.
إذًا، لا يتوفَّق صاحب الخُلق السَّيِّئ إلى التَّوبة.

•قيل له (صلَّى الله عليه وآله): «إنَّ فلانة تصوم النَّهار، وتقوم اللَّيل وهي سيِّئة الخُلق تؤذِي جيرانها بلسانها!
قال (صلَّى الله عليه وآله): لا خير فيها هي من أهل النَّار» (ميزان الحكمة 1/806، محمد الريشهري).
إذًا، القيمة الحقيقيَّة للأخلاق حينما تترجم واقعًا عمليًّا في سلوك الفرد، في بيته، في أسرته، مع زوجته،
الزَّوجة مع زوجها، مع الأولاد، مع الجيران، مع النَّاس، في السُّوق، في العمل، في الوظيفة، في أيِّ موقع.
إذا ترجم الإنسان الأخلاقَ سلوكًا يكون قد أنتج سلوكًا أخلاقيًّا عمليًّا.
هذه المرحلة الثَّالثة.

المرحلة الرَّابعة: أنْ تتحوَّل القيم الأخلاقيَّة واقعًا اجتماعيًّا
إنَّنا تارةً نتحدَّث عن صنع الفرد.
الأخلاق عند الفرد.
وتارة أخرى نتحدَّث عن صنع المجتمع.
الإسلام يهدف ليس إلى صنع الفرد فقط، بل إلى صنع المجتمع.
أنْ تتحوَّل القِيم الأخلاقيَّة واقعًا اجتماعيًّا.
هذه مرحلة تتجاوز الحالة الفرديَّة إلى مجتمع ينصبغ بالأخلاق.
السِّياسة تنصبغ بالأخلاق.
أمن ينصبغ بالأخلاق.
اقتصاد ينصبغ بالأخلاق.
هنا مجتمع وليس الفرد.
صحيح أنَّ أساس المجتمع هو الفرد، إلَّا أنَّه أحيانًا يبقى الفرد بينما المجتمع معزول عن القيم!
الإسلام يحاول أنْ ينتج أخلاقًا للفرد، وينتج أخلاقًا للأسرة، وينتج أخلاقًا للمجتمع، وينتج أخلاقًا للتِّجارة، وينتج أخلاقًا للسِّياسة، للدَّولة، للحكم، أخلاقًا للدَّعوة، للتَّبليغ، للجهاد، للحرب، للسِّلم.

الإساءة إلى النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)!
هنا وقبل أنْ أنهي كلمتي سأتحدَّث عن هذا العنوان: الإساءة إلى النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)،
ونحن نعيش ميلاد النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وذِكرى ميلاد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) أتناول بشيئ من الحديث حول: الإساءة إلى النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله).

هناك مشاريع خطيرة معادية للإسلام.
هناك مشاريع تحرَّك، ويُهندس لها، وتُبَرمج، وتُمأسس!
مشاريع ضدَّ الإسلام.

أهداف هذه المشاريع
الهدف الأوَّل: إسقاط الإسلام.
أنْ ينتهي الإسلام.
الهدف الثَّاني: إسقاط مقدَّسات الإسلام.
الهدف الثَّالث: إسقاط رموز الإسلام.
الهدف الرَّابع: إنتاج الفتن، والصِّراعات في أوساط المسلمين.
الهدف الخامس: دعم التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب.
الهدف السَّادس: الهيمنة على أوطان المسلمين.
هذه أهداف لمشروع مركزيٍّ، قد يتمظهر هنا في كلمة، وكلمة هناك، وموقف هنا وموقف هناك، إلَّا أنَّ هناك هدفًا مركزيًّا يُهندس له اليهود.
يهندس له أعداء الإسلام.
يوجد هدف مركزيٌّ يستهدف الإسلام في كلِّ أبعاده.
أمور تستهدِف الإسلام

وفي هذا السِّياق – سياق هذا المشروع المركزيِّ الذي يهندس له ضدَّ الإسلام -، تأتي هذه الأمور:

1.الإساءة إلى النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)
هذا جزء من المشروع.
هذه خطَّة عمليَّة؛ لتنفيذ المشروع.
هذا أسلوب عمليٌّ في سياق تنفيذ المشروع الذي يستهدف الإسلام.
الإساءة إلى النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من خلال رسوم.
من خلال كلمات.
من خلال كتابات.
هذه كلُّها في سياق واحد.
أيُّ شيئ يمسُّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله).
ويسيئ إلى قدسيَّة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) هو في سياق هذا المشروع.

2.تدنيس المصحف الشَّريف!
في سياق هذا المشروع – أيضًا – تدنيس المصحف الشَّريف.
لقد عرفتم في وقت من الأوقات أنَّه قد دُنِس المصحف الشَّريف، هذا جزء من المشروع.

3.الاعتداء على المراقد المقدَّسة
ومن جزء من هذا المشروع هو الاعتداء على المراقد المقدَّسة لأئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وتذكرون لمَّا حدث تدمير مرقد الإمامين العسكريَّين (عليهما السَّلام)؟
كان هذا جزء من المشروع، حتَّى تنتج فتنة في الدَّاخل.
‌أ- ضرب المقدَّسات.
‌ب- إنتاج فِتن في داخل المسلمين بين الشِّيعة والسُّنَّة.
هذا جزء من مشروع يستهدف الإسلام.
ويستهدف مقدَّسات الإسلام.
ويستهدف رموز الإسلام.

4.تغذية الخلافات الدِّينيَّة، والطَّائفيَّة، والمذهبيَّة، والسِّياسيَّة في بلاد المسلمين
في سياق التَّنفيذ العمليِّ لمشروع ضرب الإسلام: تغذية الخلافات الدِّينيَّة، والطَّائفيَّة، والمذهبيَّة، والسِّياسيَّة في بلاد المسلمين.
هذه الفتن في داخل بلاد المسلمين وراؤها هندسة.
مشروع يستهدف الإسلام.
إضعاف الأُمَّة.

مسؤوليَّة المسلمين إزاء هذا الاستهداف المُمنهج للإسلام
مسؤولية المسلمين (حكَّامًا، وشعوبًا)
أوَّلًا: الحذر من كلِّ هذه الخطط التي تهدف النَّيل من الإسلام، ومن مقدَّساته
بأنْ نكون على حذر من مسارات هذا المشروع التَّدميريِّ للإسلام، ولمقدسات الإسلام.

ثانيًا: الحذر من هذه الخطط التي تستهدف إنتاج الفتن، والصراعات بين المسلمين:
خطابات فتنة.
كتابات فتنة.
دعوات فتنة.
والحذر منها.

ثالثًا: الحذر من الخطط التي تهدف إنتاج التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب.
هذا جزء من المشروع.
المشروع التَّدميريُّ للإسلام.
كلُّ مشاريع الإرهاب والتَّطرُّف وراؤها قوى معادية للإسلام.
هي ضرب الإسلام من داخله.
ضرب مفاهيم الإسلام.
ضرب سمعة الإسلام، والمسلمين.
يتحوَّل الإسلام إلى أفكار متطرِّفة.
يتحوَّل الإسلام إلى أفكار عنف.
يتحوَّل الإسلام إلى أفكار إرهاب.
هذا جزء من المشروع الذي يضرب.
يريد أنْ يضرب الإسلام من داخله.

رابعًا: التَّصدي العمليُّ؛ لمواجهة هذه المشروعات التي تستهدف الإسلام، ومقدساته، ورموزه من خلال:

1.الاستنكارات الخطابيَّة، والكتابيَّة، والعمليَّة.
يحتاج استنكار.
أنظمة تستنكر.
مؤسَّسات إسلامية تستنكر.
مجتمعات إسلامية تستنكر.
أفراد يستنكرون.
علماء يستنكرون.
كُتَّاب يستنكرون.
مثقَّفون يستنكرون.
مطلوب أنْ يستنكروا هذا الاستهداف الشَّرس للإسلام، ولمقدَّسات الإسلام، ورموز الإسلام.

2.الدِّفاع عن الإسلام، ورموزه، ومقدساته إعلاميًّا، وثقافيًّا.
ليس فقط نستنكر!
يجب أنْ نحاور.
نسقط الشُّبهات، والتُّهم التي توجَّه للإسلام.
ندافع عن مفاهيم الإسلام.
وعن قِيم الإسلام.

3.مواجهة مشاريع الفتن الطَّائفية، والمذهبيَّة.
أي مشروع ينتج فتنًا يجب أنْ يرفض.
قد يكون صاحب هذا المشروع جزءًا من خطَّة تدميريَّة.
وقد يكون لا!
لربَّما بعض خطاباتنا تكون بحسن نيَّة إلَّا أنَّها تسبِّب أزمات في داخل المسلمين.
فإذًا، أيُّ مشروع فتنة طائفيَّة مذهبيَّة يجب أنْ يُحاصر.

4.مواجهة نَزَعات العنف، والتَّطرُّف، والإرهاب.

رفض الإساءات للأديان
وأخيرًا: ونحن إذ نستنكر أيَّة إساءة للإسلام، ورموزه، ومقدَّساته نستنكر كذلك أيَّة إساءة إلى الأديان الأخرى، ورموزها، ومقدَّساتها.

ليس فقط أنْ نستنكر الإساءة للإسلام، أي دين، أي رموز دين نرفض الإساءة إليها.

وكما نرفض أيَّ تحريض على الإسلام نرفض أيَّ تحريض على سائر الأديان.

نعم، إنَّ حرِّيَّة الرَّأي والتَّعبير مطلوبة: أنْ أُناقش، وأنْ أنقد، وأنْ أُبطِل مفاهيم.
لكن حرِّيَّة الرَّأي والتَّعبير لا تعني أنْ يكون مسموحًا الإساءة إلى معتقدات الآخرين.

سُبُل توحيد المسلمين
فنحن نعيش ذِكرى مولد النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، ومولد الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) يجب أنْ نُوحِّد المسلمين من خلال:
1.تأكيد الأُخوَّة الإسلاميَّة.
2.ورفض إنتاج التَّطرُّف المذهبيِّ.
3.والابتعاد عن لغة التَّكفير، ولغة التَّحريض.
4.والقراءة الواعية للأحداث.
إنَّها مسؤوليَّة أنظمة حاكمة.
ومسؤوليَّة منظَّمات اجتماعيَّة، وثقافيَّة.
ومسؤوليَّة منظَّمات دوليَّة في أنْ تواجه مشروع الفتن الدِّينيَّة، والطَّائفيَّة، والمذهبيَّة.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى