قضايا الساحةقضايا محلية

مسيرة الجمعة التي دعت لها جمعية الوفاق

جاءت التداعيات الأخيرة تحمل مؤشرات صعبة، وما تعبأت به الأجواء الأمنية والسياسية والإعلامية من بيانات وتصريحات، وما شهدته الساحة من أفعال وردود أفعال، ومن تجاذبات وأخذ وعطاء في شأن مسيرة الجمعة المطالبة بإجراء تعديلات دستورية والتي أصرت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية على تنظيمها؛ كونها حقا دستوريا مشروعا، وكونها مستوفية كل الشروط القانونية، في حين أصرت الحكومة على الممانعة معللة ذلك بالظروف الأمنية الراهنة التي تمر بها المنطقة، وحفاظا على السلامة الوطنية لعدم التورط في مسيرات ومسيرات مضادة من شأنها الإخلال بالأمن والنظام العام، والإضرار بالاستثمارات والنشاط الاقتصادي ومصالح المواطنين… وعلى رغم هذا الجدل والتجاذب بين الإصرار على المنع والإصرار على التحرك، انطلقت المسيرة في الساعة الثالثة والنصف من عصر الجمعة 25 مارس/ آذار الجاري.
وعبر رئيس جمعية الوفاق عن المسيرة بـ “التظاهرة السلمية الحضارية” وتقيد المتظاهرون بتعليمات صارمة من طرف “الوفاق” التي تعهدت بضمان سلمية التظاهرة… وانتهت المسيرة بكل هدوء.
وجاء رد الفعل الرسمي معتبرا التظاهرة مخالفة للقانون وملمحا إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد جمعية الوفاق، وبحسب الأخبار المتسربة فإن “الوفاق” ربما تواجه عقوبة الإغلاق المؤقت لمدة “45 يوما” استنادا إلى قانون الجمعيات…
إننا نعبر عن قلقنا الشديد لأي إجراء يتخذ ضد جمعية الوفاق، لما يترتب على ذلك من نتائج لا تصب في صالح هذا البلد، وإنها بادرة تضر بسمعة المشروع الإصلاحي وبكل تطلعاته…
إننا ندعو الحكومة إلى أن تتحلى بالحكمة في التعاطي مع هذه المسألة، وأن تبتعد عن أي إجراء لا تحمد عواقبه..


إن بروز مؤشرات القطيعة والخصام بين السلطة والوفاق أمر له تداعياته الخطيرة، وله تفاعلاته الصعبة، وله انعكاساته السيئة، ونتمنى من كل قلوبنا ألا يحدث ذلك، إنه يبعث في داخلنا الكثير من الألم والكثير من الانزعاج، والكثير من القلق والكثير من الخشية على أوضاع هذا الوطن، إن الضرورة تفرض في هذا الوقت مزيدا من التواصل والتلاحم، ومزيدا من التخاطب والتفاهم من أجل تعزيز وحدة الصف الوطني، ومن أجل الدفع بمسيرة البناء والإصلاح في الاتجاه الأفضل…


إن الضرورة في هذه المرحلة تفرض الارتقاء بدرجة العلاقة بين السلطة وجميع قوى المجتمع، وجميع قطاعات هذا الشعب إلى أعلى المستويات، فأي إجراء يصيب هذه العلاقة باهتزاز وانخفاض هو مضر بمصلحة هذا الوطن، وهو مضر بوحدة وتماسك هذا الوطن…
وفي ضوء كل ذلك نؤكد أن “الحوار السياسي الجاد هو خيار هذه المرحلة” وكل الخيارات الأخرى هي “الخيارات الأصعب”.


إننا تأسفنا كثيرا لتوقف “الحوار”، ولم تتضح لنا حتى الآن أي مبررات مقبولة لتعطيل الحوار… لا أريد هنا أن أحمل أي طرف المسئولية في تعثر الحوار، ولكن من الواضح أن الحكومة هي التي أوقفت الحوار من دون إعلان واضح للأسباب والمبررات…
إن الحوار السياسي الجاد هو الخيار القادر على أن ينقذ البلد من أزمات كثيرة، ومن تعقيدات صعبة… وهو القادر على إزالة الكثير من الاحتقانات…
إذا حضر الحوار السياسي الجاد كان في ذلك كل الخير لهذا الوطن الحبيب في أمنه وهدوئه واستقراره، وفي وحدته وتماسكه وقوته، وفي ازدهار أوضاعه الاقتصادية والتنموية والمعيشية والحياتية.
إذا حضر الحوار السياسي تلاقت القلوب على الحب والصفاء والمودة، وترسخت وتجذرت الثقة في داخل النفوس، وتآزرت وتعاونت القوى الخيرة من أجل حماية هذا الوطن، ومن أجل الدفاع عن مكاسبه ومنجزاته، ومن أجل رسم مستقبله الزاهر…


إذا حضر الحوار السياسي الجاد اختصرنا الطريق، ووفرنا على أنفسنا الكثير من الجهود والطاقات، وقربنا بين المسافات وخففنا من المعوقات والتعقيدات والإشكالات…
إذا حضر الحوار السياسي الجاد كانت البداية الناجحة، وكانت الانطلاقة الصادقة وكانت الحركة الهادفة…
أما إذا غاب الحوار السياسي الجاد كان في ذلك كل الخشية وكل الخوف وكل القلق على أوضاع الوطن وعلى أمنه واستقراره ووحدته، وعلى خيره وتقدمه وازدهاره…
إذا غاب الحوار السياسي الجاد تحركت الشكوك والوساوس والظنون، وتباعدت القلوب، وتأزمت النفوس، وتعثرت الثقة، وفي ذلك شر كثير…
إذا غاب الحوار السياسي الجاد كان الطريق طويلا، وكانت المسافات كبيرة، وكانت الجهود والطاقات مبعثرة، وكانت الخطوات مرتبكة، وكانت المعوقات متجذرة…


أكرر القول وبكل حب وإخلاص لهذا الوطن: إن الحوار السياسي الجاد هو “خيار هذه المرحلة” من أجل معالجة كل الأزمات، وكل الاحتقانات، وكل التعقيدات، وكل الخلافات…
وإن الخيارات الأخرى هي “الخيارات الأصعب والأعقد” لا أريد أن أتحدث عن صحة أو خطأ تلك الخيارات، فذلك محكوم بمجموعة حسابات وقراءات موضوعية دقيقة، لكن ما أريد تأكيده أن “البدائل الأخرى للحوار” لن تكون “البدائل الأسهل” ولن تكون “البدائل الأهدأ” ولن تكون “البدائل الأقدر”.
إن مسئوليتنا جميعا – ملكا وحكومة وشعبا – أن نحافظ على هذا الوطن وعلى أمنه واستقراره ووحدته، وقبل ذلك على دينه وقيمه وأخلاقه، مسئوليتنا جميعا أن نفكر بصدق وإخلاص ووعي وبصيرة فيما يحقق لأبناء هذا البلد كل الخير، وكل الحرية والكرامة والعزة، وكل الآمال والطموحات الصالحة…


المهم أن تبقى الثقة هي التي تحكم العلاقات وأن تبقى النوايا صادقة، وأن تبقى السواعد متحفزة من أجل التغيير والإصلاح والبناء…
في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، وفي هذا الظرف الحساس بكل ما يحمله من تعقيدات وتحديات وبكل ما يواجهه من مخاطر وتهديدات، تكون الحاجة كبيرة وكبيرة إلى الحوار وإلى الانفتاح بين الأنظمة الحاكمة والشعوب…


إذا لم تنفتح الأنظمة الحاكمة على الشعوب من خلال مشروعات إصلاح حقيقية، ومن خلال مشروعات تغيير جادة، ومن خلال مشروعات تحول صادقة، ومن خلال مشروعات حوار هادفة…
وإذا لم تنفتح الشعوب على الأنظمة بكل صدق وإخلاص، وثقة واطمئنان…
فإن ذلك يعقد الأوضاع، ويوتر الأمور، ويكرس الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويضع الأوطان في مخاضات صعبة وعسيرة وقاسية…


إن هذا الانفتاح المطلوب بين أنظمة الحكم والشعوب له شروطه ومكوناته، ومتى غابت هذه الشروط والمكونات فلن تتوافر للانفتاح أجواؤه، ولن تتوافر له فاعليته…
وبمقدار ما تتحمل الشعوب وقوى المجتمع الفاعلة دورها الكبير في نجاح هذا الانفتاح، فإن أنظمة الحكم والسياسة هي المسئول الأقوى في صنع عملية الانفتاح وفي إنجاح حركة التواصل…


ولعل الحوارات السياسية الجادة هي من أهم أسباب هذا التواصل والانفتاح بين الحكومات والشعوب بما تعبر عنه هذه الحوارات من رغبات صادقة في معالجة كل القضايا، وفي إزالة كل التوترات وفي التخفيف من كل الاحتقانات…
المسألة في الحوار السياسي الهادف ليس أن ينتصر هذا الطرف أو ذاك الطرف وليس المسألة تسجيل النقاط على الآخر، المسألة كل المسألة أن تتقارب وجهات النظر، وتتزاوج الرؤى والتصورات من أجل الوصول إلى ما هو “الأصلح” لهذا الوطن، ولاشك في أن مصلحة الوطن، ومصلحة المواطنين من المسلمات والثوابت لدى جميع الأطراف، ربما يقع الاختلاف في الأساليب والطرق والبرامج والآليات إلا أن الحوار الجاد الهادف القائم على الأسس الصحيحة قادر على أن يعالج الكثير من الاختلافات، مادامت النوايا صادقة، ومادامت العزائم جادة، ومادامت الأهداف مشتركة…
ان أي تصعيد سياسي أو أمني غير محسوب، وإن أي ردة فعل منفعلة من هذا الطرف أو ذاك الطرف، سيخلق مزيدا من الاحتقان والتوتر والارتباك، فكل ما نتمناه ألا تتحرك الأمور وردود الأفعال في اتجاه التصعيد الأمني أو التصعيد السياسي…


هناك خطابات تمارس “دور التصعيد والتشنيج” وتمارس “دور التحريض” هذه الخطابات مضرة بالأوضاع الأمنية والسياسية، إن مسئولية الخطاب الديني والخطاب الثقافي والخطاب السياسي هي المساهمة في إنتاج حركة الحوار والتفاهم وليس المساهمة في خلق أجواء القطيعة والكراهية والعداء…
قد يحلو لبعض الخطابات أن تؤجج العداوات، وأن تشنج النفوس، وأن تحرك الانفعالات غير المسئولة، إن هذا اللون من الخطابات يتجنى على مصلحة هذا الوطن وعلى استقراره ووحدته…
يجب ألا يفهم من هذا الكلام أننا ندعو إلى “مصالحات وتوافقات وتسويات” وإن كانت على حساب “المبادئ والثوابت” أو كانت على حساب “المصارحة والمكاشفة” أو كانت على حساب “مسئولية الكلمة في الدفاع عن الحق”…


الأمر ليس كذلك، يجب أن تبقى المبادئ والثوابت والحقوق ومسئولية الكلمة حاكمة على كل التوافقات والمصالحات، ويجب أن يبقى “الحوار” هو الخيار مادام لا يفرط في المبادئ والثوابت والحقوق ومسئولية الموقف…


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى