آخر الأخبارشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 629: 1- التَّحدِّيات التي تُواجِه المرأة المسلمةَ في هذا العصر (2) – 2- الخطاب الدِّينيُّ وشؤون الوطن

حديث الجمعة (629) | تاريخ: يوم الخميس (ليلة الجمعة) 14 جمادى الآخرة 1445هـ - 28 ديسمبر 2023 | مسجد الإمام الصَّادق (ع) بالقفول - البحرين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين مُحمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

العنوان الأوَّل: التَّحدِّيات التي تُواجِه المرأة المسلمةَ في هذا العصر (2)

نتابع الحديث حول (التَّحدِّيات التي تواجه المرأةَ المسلمةَ في هذا العصر)

الصِّنف الأوَّل: تحدِّياتُ الأسرة المنحرفة (تقدَّم الحديث عنه)

الصِّنف الثَّاني: الأعراف الاجتماعيَّة الفاسدة

مِن هذه التَّحديات (الأعراف الاجتماعيَّة الفاسدة)، هذه الأعراف تروِّج لها وسائل إعلام، ومؤسَّسات ثقافة وفعَّاليَّات مدنيَّة، ومواقع تعليم، مِمَّا جعل أوطان المسلمين غارقة بهذا المَوج مِن الأعراف الفاسدة.

نماذج مِن الأعراف الفاسدة
أشير هُنا إلى نماذج مِن هذه الأعراف الفاسدة:

النَّموذج الأوَّل: ظاهرة الاختلاط

فالإسلام لا يُقِرُّ الاختلاط بين الرِّجالِ والنِّساء، بين الفتيان والفتيات، بين الشَّباب والشَّابات إلَّا وِفق ضوابِطِه وأحكامِهِ وأعرافِهِ وقِيَمِهِ وأخلاقِه.
إنَّ ظاهرة الاختلاط المنتشرة اليوم في كثير مِن المرافق – سواء في المؤسَّساتِ الدِّراسيَّةِ، أو الاجتماعيَّةِ، أو الأسواقِ والمتاجر، أو غير ذلك مِن مجتمعات المسلمين – هي ظواهر غير خاضعة لضوابط الشَّرع، مِمَّا يوقع الكثير مِن الملتزمين، والكثير مِن الملتزمات في حرجٍ شديد.

النَّموذج الثَّاني: ظاهرة المصافحة بين الرَّجل والمرأة

التي أصبحت عرفًا سائدًا في بعض أوساط المسلمين أقول في بعض أوساط المسلمين، وإلَّا فإنَّ كثيرًا مِن مجتمعاتنا ملتزمة بضوابط الشَّرع، بعيدة عن هذه الظَّاهرة التي يحرِّمها الإسلام، وكثيرًا ما نسمع مِن البعض هذا القول: ماذا نصنع وقد أصبح هذا – يعني المصافحة – شيئًا طبيعيًّا في المجتمع، ومَنْ يمتنع عن هذا السُّلوك يُصبح شاذًّا.
هذا الكلام مرفوض جدًّا، فالأعراف الفاسدة لا تبرِّر إطلاقًا مخالفة شرع الله.
إنَّ الذين يتمسَّكون بأحكام الله في زحمة هذا المَوج مِن الانحرافات هم في مصافِّ المجاهدين، وقد أثنى عليهم النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) وسمَّاهم إخوته، حيث يأتون في زمان قد انحرف فيه النَّاس، فيقبضون على دينهم ويجاهدون مِن أجلِ شريعة الله.

النَّموذج الثَّالث: إعلامٌ فاسق

أصبحت وسائل الإعلام ووسائل التَّواصل أدوات تُروِّج للثَّقافة الفاسقة، ولا ألغي وجود مساحات مِن هذه الوسائل تحمل بعض ثقافةٍ نظيفة، وبعض ثقافةٍ هادفة، وبعض ثقافةٍ صالحة، وتبقى المساحات الكبيرة معبَّأة بثقافة الفساد، وكان نصيب المرأة مِن هذه المساحة الموبوءة نصيبًا كبيرًا.

فالبرامج السَّافرة الصَّارخة التي تتحدَّى قِيَم المرأة المسلمة، وتستهدف هدمَ المُثُلِ والأخلاقِ، وتُحارب السِّتر والعفافَ، وتدعو للتَّبرُّجِ والمُيوعةِ والسُّفورِ والاختلاطِ المنفلت، والأعرافِ والمفاهيمِ البعيدة عن الإسلام … هذه البرامج يُروَّج لها بقوَّة في هذا العصر، وبأساليب ماكرةٍ وخادعةٍ ومقمَّصةً لباسات مغرية، وجذَّابة مِمَّا أوقع نسبة مِن شباب وشابَّات أُمَّتِنا في أسرها، وفي أشراكها الماكرة.

النَّموذج الرَّابع: ثقافةٌ منحرفة

هناك أفكارٌ ثقافيَّةٌ منحرفةٌ تُطرح في الأوساط النِّسائيَّة، تتَّهم الإسلام بأنَّه يظلمُ المرأةَ، كتابات تروِّج لهذه الفكرة، إعلامٌ يروِّج لها.
وكم سقطت مساحاتٌ مِن نساء هذه الأُمَّة، مِمَّن لا يملكن رصيدًا مِن الإيمانِ والوعيِ وثقافةِ الدِّين في أسر هذه المفاهيم المضلِّلةِ، وانخدعن لهذه التَّرويجاتِ والادِّعاءاتِ الكاذبةِ؛ التي تدَّعي أنَّ الإسلامَ لم يعطِ المرأة حُقوقَها ولم يحفظ لها كرامتَها.

وفي المقابل هناك ترويج لما يُسمَّى بحريَّة المرأةِ بشكلِها المزيَّفِ المستوردِ مِن الغربِ ومِن الشَّرق، والمتحرِّر مِن كلِّ الضَّوابطِ والقِيمِ والمُثُل، وهكذا تصبح المرأةُ بلا عفافٍ، ولا سترٍ ولا حياء.
هذه المرأة في نظرهم هي المرأة المتحرِّرة، هكذا يريدون أنْ ينقلوا هذا المفهومَ إلى مجتمعاتنا المسلمة، ومع الأسفِ انخدع به كثير مِن أبناء وبناتِ هذه الأُمَّة.

النَّموذج الخامس: موضاتٌ وأزياءُ منحرفة

وفي سياقِ سرقة أجيال المرأة المسلمة؛ طرحوا وفي أسواقِ المسلمين أزياء بعيدة كلَّ البُعد عن الزِّيِّ الإسلاميّ.

الزِّي يُمثِّل مظهرًا حضاريًّا مُعيَّنًا، فحينما يُغرقون أسواقَ المسلمين بهذه الأزياء إنَّما يريدون أنْ يسرقوا أجيالِنا النِّسائيَّة، إنَّهم يريدون أنْ يصنعوا المرأة على شاكلة المرأة عندهم.

وقد حذَّر نبيُّنًا الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ) مٍن السُّقوط في أسرِ هذا المَوج مِن الانحراف حينما قال:
«كَيْفَ بِكُمْ إِذَا فَسَدَتْ نِسَاؤُكُمْ، وَفَسَقَ شَبَابُكُمْ، وَلَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟». (الكليني: الكافي 5/59، (ك: الجهاد، ب: الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ح 14).

هكذا تبدأ الظَّواهر الفاسدة والمنحرفة تتحرَّك في أوساط المجتمعات الإسلاميَّة، يقابلها النَّاس بالصَّمت والسُّكوت، فتتمركز هذه الظَّواهر وتنتشر، وتصبح ظواهر عاديَّة ومألوفة.

هُنا يطرح الصَّحابة على النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) سؤالًا مملوءًا بالاستغراب والاندهاش:
وَيَكُونُ ذلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

بحيث يفسق شبابُ هذه الأُمَّة، وتفسد نساءُهم، ويتخلَّون عن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر!
فيجيبهم النَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ!».

إنَّها مرحلة خطيرة، حينما تتجمَّد الكلمة الآمرة بالمعروف، النَّاهية عن المنكر، مِمَّا يُمركز الواقع الفاسد والمنحرف، ويُجذِّر الانحراف في المواقع الأُسريَّة، والاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة…
وهُنا يزداد استغراب الصَّحابة فيسألون: يَا رَسُولَ اللهِ، وَيَكُونُ ذلِكَ؟

بحيث يأمر النَّاس بالمنكر، وينهون عن المعروف!
فيجيبهم النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله): «نَعَمْ، وَشَرٌّ مِنْ ذلِكَ، كَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا!».

هذا ما نشاهده في الكثير مِن مجتمعات المسلمين:
– العادات المنحرِفة باتت أشياء طبيعيَّة.
– الحفلات الفاسقة أمور مألوفة.
– المُنكرات يُروَّج لها.

هكذا تتغيَّر المفاهيم، وإنَّها المرحلة الأخطر، حينما تتغيَّر المفاهيم، فيصبح المُنكر معروفًا، ويصبح المعروف مُنكرًا.

هذا ما يُروَّج له في هذا العصر الإعلام الفاسد، والثَّقافة الضَّالة، والتَّربية الفاسقة.

أتناول – إنْ شاء الله تعالى – في حديث الجمعة القادمة بعض الإشكالات الموجهة للإسلام في قضايا المرأة، وأتناول عنوانين:
• قضيَّة القوامة
• مسألة الطَّلاق

 

العنوان الثَّاني: كلمة أخيرة (الخطاب الدِّينيُّ وشؤون الوطن)

حينما يعالج الخطاب الدِّينيُّ شأنًا مِن شؤون هذا الوطن، ليس الهدف خلق أجواءٍ متوتِّرة، بل العكس هو الصَّحيح وهو إنتاج الهدوء والاستقرار، فما دامت (الأزمات) أو (القضايا المنتجة للأزمات) قائمة، فالأجواء المرشَّحة للتَّوتُّر قائمة.

فمطلوبٌ مِن خطابنا الدِّينيِّ، وخطابنا الثَّقافيِّ، وخطابنا السِّياسيِّ أنْ يُقارب أزمات الوطن، وكلَّ منتجات الأزمات، بشرط:
– أنْ تكونَ الدَّوافعُ نظيفةً
– وأنْ تكونَ اللُّغةُ نظيفة
– وأنْ تكونَ الأساليب نظيفة
– وأنْ تكونَ المعالجة رشيدة
وإذا غاب هذا الخطابُ، أو صمُت هذا الخطاب، أو غابت هذه المُكوِّنات، أو بعضُ هذه المُكوِّنات تجذَّرت وقويت الأزمات، وخلقت أوضاعًا قلقةً ومتوتِّرةً.

والعالمُ يستقبلُ عامًا جديدًا، كم هو جميلٌ أنْ تُعادَ القراءةُ لبعضِ أوضاعِ هذا الوطن؛ والذي نحمل له كلَّ الولاءِ والحبِّ، ونتمنَّى له كلَّ الخير والرَّخاء، وكلَّ الأمن والأمان.

وليس عسيرًا أنْ تنتهي كلُّ الأزمات لينعُم الوطن، وينعُم الشَّعب بمزيدٍ من الرَّخاء والاستقرار، ومزيدٍ من التَّآلف والتَّقارب، ومزيدٍ من التَّراحم والتَّسامح.

كم هو جميلٌ هذا الوطن
حينما ينتهي ملفُّ العاطلين
وحينما ينتهي ملفُّ السُّجناء
وحينما ينتهي كلُّ ملفٍّ يُشكِّل همًّا كبيرًا أو صغيرًا لأبناء هذا الوطن.

العامُ الجديدُ محطَّةُ مراجعةٍ ومحاسبةٍ، فيما هي قضايا الأوطانِ، وفيما هي قضايا الشُّعوب، وكلَّما توافقتْ أو تقاربتْ همومُ الأنظمةِ، وهمومُ الشُّعوبِ تهيَّأت كلُّ المناخاتِ لمعالجة الأزماتِ، وكلَّما تباعدتْ هذه الهمومُ تعقَّدتْ المناخاتُ، وتعقَّدتْ العلاجات.
وإذا كنَّا نظامًا وشعبًا مطلوبٌ منَّا أنْ نحمل هموم هذا الوطن، فيجب أن يتَّسع هذا الهمُّ المشتركُ إلى كلِّ همومِ أمَّتنا العربيَّة، وإلى همومِ أمَّتنا الإسلاميَّة.

وفي قمَّة هذه الهموم همُّ قضيَّتنا في غزَّة وفي فلسطين، فلا زالتْ هذه القضيَّة تستصرخُ ضمائِرَنا، وقلوبَنا، وعقولَنا، ومواقعَنا.

فهل توحَّدتْ مواقف أنظمتها؟
وهل توحَّدتْ مواقف شعوبنا؟
وهل توحَّدتْ خياراتنا؟
أم لا زالت المواقف متباينة؟
أم لا زالتْ الخيارات متخالفة؟
فكم هي الكارثة حينما تتباين المواقف، وحينما تتناقض الخيارات.

ونزيفُ الدَّم الفلسطيني مستمرٌّ
وقتلُ الأطفال والنِّساء مستمرٌّ
وتدميرُ المساجد ودور العبادة والمستشفيات وكلِّ المواقع مستمرٌّ
والإرهاب الصُّهيوني الفاتكُ مستمرٌّ
فهل يُطلُّ علينا العامُ الجديدُ بخياراتٍ جديدةٍ في التَّعاطي مع قضيَّة شعبنا في فلسطين؟!
خيارات العالم، خيارات الأنظمة، خيارات الشُّعوب، أم أنَّ المسار هو المسار، والاختلاف هو الاختلاف.
أمَّا خيارُ المجاهدين في فلسطين فهو خيار الجهاد، وهو خيار الرَّفض، وهو خيار الثَّبات، وهو خيار الشَّهادة ما دام هناك عدوان، وما دام هناك طغیان من قِبل الصَّهانية الغُزاة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى