حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 484: ماذا يواجه الميِّت في أول ليلةٍ مِنْ رقدة القبر؟ – ماذا بعدَ مسيرةِ التاسعِ مِن مارس؟ – كلمةٌ أخيرة

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وآله الهداة الميامين…


نتابع حديثنا المتقدِّم…


ماذا يواجه الميِّت في أول ليلةٍ مِنْ رقدة القبر؟


يواجه مجموعة أمور:


الأمر الأول: ظلمة القبر ووحشته .. تقدَّمَ الكلامُ في ذلك…


الأمر الثاني: المساءلة في القبر…


إذا انصرفَ المشيِّعون أتاه مَلَكان اسمهما (منكر ونكير)، فأقعداه في حفرته للمساءلة، ومساءلة القبر من الحقائق الثابتة التي أكَّدتها الروايات والكلمات الصَّادرة عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله، والأئمَّةِ من أهل بيته عليهم السَّلام، وهي أحاديث وكلمات مدوَّنه في مصادر المسلمين جميعًا سنَّةً وشيعة، وإن اختلفت بعض التفاصيل في مضامين المساءلة…


هذان الملكان (منكر ونكير) يأتيان في صورتين مختلفتين:
فإذا كان الميِّتُ مؤمنًا، صالحًا، تقيًّا أتاه الملكان في أحسنِ صورة، وفي أجمل هيئة، فيفرح ويأنس بهما…


وإذا كان الميِّت كافرًا أو منافقًا أو فاسقًا أتاه الملكان في صورةٍ مُرعبةٍ، مخيفةٍ، كما في الأحاديث «ملكانِ فظَّانِ غليظان، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، يطئان في أشعارهما، ويحفران بأنيابهما…»[1].


وعمَّاذا يسألانِ الميِّتَ؟
يسألانِهِ عن ربِّه، وعن دينهِ، وعن نبيِّه، وعن كتابه، وعن إمامه…
فإن كان مؤمنًا، ثابتًا، مطمئنًا، صالحًا أجاب بلسانٍ طلقٍ ذلق: الله ربِّي، والإسلامُ ديني، والقرآن كتابي، ومحمد صلَّى الله عليه وآله نبيِّ، وعليٌّ إمامي – ويذكر الأئمَّة من ولده –
«فينادي منادٍ من السَّماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنَّةِ، وافتحوا له في قبره بابًا إلى الجنَّة، وألبسوه من ثياب الجنَّة حتّى يأتينا، وما عندنا خيرٌ له…»[2].


وإذا كان كافرًا أو منافقًا أو ضالًا تلجلج في الجواب، واضطرب «فينادي منادٍ من السَّماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره مِن النَّار، وألبسوه من ثياب النَّار، وافتحوا له بابًا إلى النَّار حتَّى يأتينا، وما عندنا شرٌّ له…»[3].


نقرأ بعض الروايات التي تتحدَّث عن أمورٍ تهوِّن المساءلةَ في القبر:


1- قال الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«إذا دخل المؤمنُ قبرَه كانت الصَّلاة عن يمينه، والزَّكاة عن يساره، والبِرُّ مُطلٌّ عليه، ويتنحَّى الصبرُ ناحيةً، فإذا دخل عليه الملكانِ اللذانِ يليانِ مساءلتَهُ قال الصبرُ للصَّلاةِ والزَّكاةِ والبِرِّ: دونكم صاحبَكم فإنْ عجزتم عنه فأنا دونه»[4].


2- وفي الحديث عن أحدهما [الإمام الباقر أو الإمام الصَّادق] عليهما السَّلام:
«إذا ماتَ العبدُ المؤمنُ دخل معه في قبره ستُّ صورٍ، فيهنَّ صورة أحسنهنَّ وجهًا، وأبهاهنَّ هيئة، وأطيبهنَّ ريحًا… – قال – فيقف صورة عن يمينه، وأخرى عن يساره، وأخرى بين يديه، وأخرى خلفَهُ، وأخرى عند رجله، وتقف التي هي أحسنهنَّ فوق رأسه…
– إلى أنْ قال – فتقولن أحسنهنَّ صورة: ومن أنتم جزاكم الله عنِّي خيرًا؟
فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصَّلاة..
وتقول التي عن يساره: أنا الزَّكاة..
وتقول التي بين يديه: أنا الصِّيام..
وتقول التي خلفه: أنا الحجُّ والعمرة..
وتقول التي عند رجليه: أنا بِرُّ مَنْ وصلتْ مِن إخوانِك..
ثمَّ يقلن: مَنْ أنت؛ فأنتِ أحسننا وجهًا، وأطيبنا ريحًا، وأبهانا هيئةً؟
فتقول: أنا الولايةُ لآلِ محمدٍ صلواتُ الله عليهم أجمعين»[5].


3- في عدَّةً مِن الرِّوايات أنَّ زيارة الإمام الحسين عليه السَّلام تنفع في القبر «يفسح له في قبره مدَّ بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكرٍ ونكيرٍ أن يروِّعانه، ويفتح له بابٌ إلى الجنَّة …»[6].


4- تظافرت الروايات باستحباب تلقين الميِّت الشَّهادتين، وأسماء الأئمَّة عليهم السَّلام، وأن يُذكَّر بالعقائد الحقَّة…


وهناك تلقينان:


التلقين الأول: بعد وضع الميِّت في اللَّحد، وقبل إشراج اللبن..


التلقين الثاني: بعد الدَّفنِ ورجوع المشيِّعين عن القبر..


• قال الإمام الباقر عليه السَّلام:
«ينبغي لأحدكم إذا دفَنَ ميِّتَهُ وسوَّى عليه أن يتخلَّف عند قبره ثمَّ يقول: يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك من شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله [صلَّى الله عليه وآله]، وأنَّ عليًّا أمير المؤمنين إمامك، إلى آخر الأئمَّة عليهم السَّلام، فإنَّه إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه: قد كفينا الدخول إليه، ومساءلتنا إيَّاه، فإنَّه يلقَّن، فينصرفان عنه، ولا يدخلان إليه»[7].


• وفي رواية أخرى عن الإمام الصّادق عليه السَّلام:
«فيقول منكر ونكير: انصرف بنا عن هذا فقد لقّن حجَّتهُ…»[8].


ونتابع معًا أيّها الأحبَّة – إن شاء الله تعالى – بقيَّة الكلام في هذا الموضوع…


ماذا بعدَ مسيرةِ التاسعِ مِن مارس؟


لقد جذَّرتْ مسيرةُ التاسعِ مِن مارس مجموعة ثوابت، مِن أهمِّها:


الثابت الأول:
الخيارُ الأمني في مواجهةِ الشعبِ خيارٌ فاشل..
ربَّما استطاعَ هذا الخيارُ أن يزهقَ العشرات، أو المئات، أو الآلاف مِن الأرواح…
ربَّما استطاع هذا الخيارُ أن يملأ السجونَ والمعتقلاتَ بالرجالِ، والنساءِ، والشبابِ، والأطفالِ…
ربَّما استطاعَ هذا الخيارُ أن يُغرقَ القرى والمدنَ والمناطق والأحياء بالغازاتِ السَّامَّةِ والخانقة…
ربَّما استطاع هذا الخيارُ أن يُعسكرَ كلَّ الشوارعِ والطرق والدروب والممرَّات…
ربَّما استطاع هذا الخيارُ أنْ يستنفرَ كلَّ أدواتِ القمعِ والبطشِ والفتكِ والعُنفِ والإرهابِ…
ربَّما استطاع هذا الخيارُ أن يلاحق النَّاسَ في أرزاقهم وفي وظائفهم وأعمالهم في محصَّلةٍ خلَّفت آلافَ المفصولين…
ربَّما استطاع هذا الخيارُ أن ينتهك مُقدَّساتٍ، ويهدمَ مساجد، ويُحاربَ شعائر…
ربَّما استطاعَ هذا الخيارُ أن يُحرِّك فتنًا طائفيَّةً ومذهبيَّةً، بهدف إلهاءِ وإشغالِ إرادة الشعب…
ربَّما استطاعَ هذا الخيارُ أن يُحشِّد إعلامًا ثأريًّا، انتقاميًّا، قادرًا على أن يزيِّف كلَّ الحقائق…
وربَّما… وربَّما….


إلَّا أنَّه يبقى الخيار الفاشل الفاشل، ولن ينتج إلَّا مزيدًا من الدَّمار والخرابِ، ومزيدًا من التأزُّمِ والاحتقانِ، ومزيدًا من الخسائر والأثمان، ومزيدًا من الكراهيةِ وانعدام الثقةِ بين الشعبِ والنظام…
ومزيدًا من تعقيدِ الحلِّ والعلاجِ والخلاصِ من مأزقٍ طالَ واستطالَ، ومن محنةٍ لن ينجو منها حاكمٌ أو محكوم، ومِن همٍّ باتْ يُثقل كلَّ الوطنِ، وكلَّ المواطنين ومِن إفلاسٍ سياسيٍّ فاحتْ فضائحه للقاصي  والداني…


الثابت الثاني:
إنَّ إرادةَ هذا الشعبِ لن تنكسر…


كما أكَّدت مسيرةُ التاسعِ مِن مارس ثابتًا آخر مهمًّا جدًّا وهو أنَّ هذا الشعبَ يملكُ إرادةً صُلبةً لا يمكن أنْ تنكسرَ، وكيف يمكنُ أن تنكسرَ إرادةٌ واثقةٌ كلَّ الثقةِ باللهِ تعالى القادرِ القاهرِ الجبَّار ﴿هُوَ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾ (الزّمر/ 4)، ﴿المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ﴾ (الحشر/ 23)، وأمام جبروته يصغر كلُّ جبَّار ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ (إبراهيم/ 15).


إنَّ الثقةَ بالله تعالى تَصنعُ الإرادةَ، والصمودَ، والإصرارَ، والثباتَ، والنصرَ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران/ 126)، ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (آل عمران/ 160)، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (الطلاق/3).


• في الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام قال:
«أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى داوود عليه السَّلام ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دونَ أحدٍ مِن خلقي، عَرَفتُ ذلك مِن نيَّتِه، ثُمَّ تكيدُهُ السَّمواتُ والأرضُ ومَنْ فيهِنَّ، إلَّا جعلتُ له المَخرْجَ مِنْ بينْهنَّ، وما اعتصم عبدٌ مِن عبادي بأحدٍ مِنْ خَلْقي، عرفتُ ذلك مِن نيَّتهِ، إلَّا قطعتُ أسبابَ السمواتِ والأرضِ مِن يديِهِ، وأسَخْتُ الأرضَ مِن تحتِهِ ولم أُبَالِ بأيَّ وادٍ هَلَك»[9].


فمعرفة اللهِ، والثِّقةُ به، والتفويض إليه، والتوكُّل عليه، ثمَّ الإعدادُ والاستعدادُ وتوفّر الأسباب، كلُّ ذلك يصنعُ الإرادةَ والصمودَ، ويُلغي كلَّ عواملِ الضَّعفِ، والخوفِ، والهزيمة…
فلا يخافُ، ولا يضعفُ، ولا ينهزمُ منْ كان واثقًا بالله تعالى…


دخلت امرأةٌ على الحجَّاج – الطاغية المعروف في التاريخ – وما اعتادَ هذا الطاغيةُ السَّفاكُ للدِّماءِ إلَّا أنْ يكون الناسُ أمامه أذلَّاءَ صاغرين، وما أعتاد هذا الطاغيةُ المتفرعنُ إلَّا أنْ يكلِّمهُ النَّاسُ بلغةِ العبيد المقهورين، غير أنَّ هذه المرأة الواثقةَ بالله، المملوءةَ إيمانًا، ويقينًا، وثباتًا، وصمودًا، وعزةً، وشموخًا، وقفتْ أمامَهُ موقفَ الأبطالِ الشجعانِ، وكلَّمتْهُ بكلامِ الأحرارِ الأعزِّاءِ… فأصيبَ بالذُّهولِ والانكسارِ فخاطبها محاولًا أن يحتفظ ببعض كبريائِه وجبروته: كيفَ تجرئين أنْ تتحدَّثي معي وأنا الحجَّاج الذي يرتعد في مجلسه أعتى النَّاس، فأجابتهُ وهي تحملُ إيمانًا صلبًا، واثقًا، جريئًا: «والله لقد خِفتُ اللهَ خوفًا، جعلك في عيني أصغر مِن الذُّباب»[10].


نعم لا تنكسرُ إرادةُ شعبٍ واثقٍ بالله سبحانه، ولا تنكسرُ إرادة شعبٍ واثقٍ بعدالةِ مطالبه، ولا تنكسرُ إرادةُ شعبٍ واثقٍ بمشروعيةِ حَراكِهِ…


بماذا يطالبُ شعبنا؟


إنه يُطالبُ بنظامٍ سياسي عادلٍ، يوفِّرُ له كلَّ الحقوقِ، وينصفه كلَّ الإنصافِ، إنَّه يُطالبُ أن تكونَ إرادةُ الشعبِ قادرةً أنْ تمارس دورها في انتخابٍ عادلٍ نزيهٍ، وفي إنتاجِ مجلسِ نوابٍ كامل الصلاحيات، وفي فرضِ حكومةٍ هو الذي يختارُها، وفي امتلاكِ قضاءٍ مستقلٍ غير مأسورٍ لهوى السِّياسة….


إنَّه يُطالبُ بشراكةٍ حقيقيَّةٍ في كلِّ مفاصل النظام..


إنَّه يُطالبُ بالمواطنةِ التي لا تعرف التميِّيزَ والإقصاءَ والإلغاءَ، والاستئسارَ، والهيمنةَ على كلِّ ثرواتِ، وأملاكِ، وأراضي، ومقدَّراتِ هذا الوطن…


إنَّه يُطالبُ بإطلاقِ سراحِ كلِّ السُّجناءِ، وعودةِ جميع المفصولين إلى وظائفهم بدون انتقاصٍ ولا إذلالٍ


إنَّه يُطالبُ بمحاكمةِ كلِّ الجُناةِ والقتلةِ…


إنَّه يُطالبُ بإنهاءِ كلِّ مظاهرِ العسكرةِ، وأن تكون حمايةُ الأمنِ بيد أبناء هذا الوطنِ الأمناء…


أليستْ كلُّ هذه المطالبِ عادلةً ومحقَّةً؟
هذا ما أكَّدته مسيرةُ التاسعِ من مارس، وما أكَّدته كلُّ حراكاتِ هذا الشعب..


الثابت الثالث:
لا قيمة لمُنتجاتِ حوارٍ لا يوافقُ عليها الشعب..


لسنا في صددِ الحديث عن مبادئ الحوار…
ولسنا في صددِ الحديثِ عن شروطِ الحوار…
ولسنا في صددِ الحديثِ عن صدقيَّة الحوار….
هذه مكوِّناتٌ لا معنى لأيِّ حوارٍ بدونها…


ما يهمُّ التأكيد عليه أنْ لا قيمةَ لمنتجاتِ حوارٍ لا يوافقُ عليها الشعب، مِن حقِّ أيِّ جهةٍ أنْ تحاور أو أن لا تحاور، ولكن لا يمكن أنْ تُفرضَ أيُّ معطياتٍ لا يكون لهذا الشعب فيها كلمتُه ورأيُه…


فلا مبرر للاستغراقِ في جَدَلٍ يَستهلكُ الوقتَ والجُهدَ، ويُربك الموقف والحَراكَ، ويدفعُ في اتجاه النزاعَ والخلاف…


لا يمكنُ أنْ يبدأ حوارٌ بلا ثوابتَ وضَوابطَ ومبادئَ وبلا مُؤسِّساتٍ ومناخاتٍ وضمانات، وإلَّا كان ممارسةً بلهاء، أو مغامرةً حمقاءَ، أو خُدعةً كاذبةً، أو سرقةً للأهداف…


ولا يمكن أن تُقبل نتائجٌ ومعطياتٌ بلا قناعةِ شعبٍ وإلَّا كان قهرًا واستبدادًا، ومصادرةً للإراداتِ، والحريات، وظلمًا فاحشًا، واعتداءً على الحقوق…


فعلى النظام أن يعيَ هذه الحقيقةَ، فلُعْبةُ الحِواراتِ ما عادتْ قادرةً أن تسكتْ شعبًا واعيًا، بصيرًا، عارفًا بكلِّ ألاعيب السِّياسة، ودهاليزها، ومراوغاتِها ونفاقاتِها…


وعلى القوى السِّياسيَّة المعارضة أنْ تضعَ في حسبانِها إرادة الشعبِ، ومطالبه، ومصالحه، وقناعاتِه، وإلَّا كانت هذه القوى فاقدةً لقاعدتِها ورصيدِها وقدرتِها على الحَراك…


وحينما نتحدَّثُ عن إرادةِ شعبِ نتحدَّثُ عن إرادةِ غالبيةٍ، ولا نتحدَّثُ عن إجماعٍ، فمن العسير جدًا أن يحتقَّقَ هذا الإجماع، وخاصةً في قضايا السِّياسة، وإذا كان من الضروري أنْ تُحترمَ كلُّ القناعات، فإنَّ قناعةَ الغالبية يجب أنْ تكونَ الخيارَ المعتمدَ، ما دامَ هذا الخيارُ لا يصطدمُ مع رؤى الشرعِ والدِّينِ، وإلَّا فشرع الله لا يُلغى وإنْ أجمع كلُّ النَّاسِ على ذلك…


كلمةٌ أخيرة:
نسجل من خلالها استنكارين:
1- نستنكر بشدَّة ما حدث لطفلِ السنابس علي السنكيس حيث اختطف من قبل سيارة مدنية، وقُيِّدت يداه، واعتدي عليه بالضرب بآلاتٍ حادَّةٍ حتى أغمي عليه، وتمَّ التحرّش به جنسيًّا، وأُلقيَ في أحد الكراجات…


وصدر بيانٌ عن مديريَّة شرطة محافظة العاصمة ينسب الاعتداء إلى مجهولين…


ما حدث لهذا الطفل جريمةٌ نكراء، وعملٌ شائن، وفضيحة شنيعة، وتتحمَّل الجهات الرسميَّة مسؤوليَّة ذلك، وليست هذه القضيَّة الأولى، وليست الأخيرة، إنَّ هذا اللون من الممارسات الآثمة سوف يؤجِّج غضب الشارع، ويزيده إصرارًا، وتحدِّيًا، ورفضًا، ودفاعًا عن كرامته، وحرمته، وشرفه…


2- وكذلك نستنكر وبشدَّة ما حدث من اعتداء على مسجد ومقام الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان، إنَّ هذا العملَ يشكِّل انتهاكًا صارخًا لقدسية بيوت اللهِ، ومقاماتِ الأولياء، وتبقى هذه الجرائم بلا عقاب، ويبقى الجناة مجهولين – في بيانات السلطة – ممَّا يُصعَّد من حنق الجماهير الغيارى على حرمة المقدَّسات، أبهذه الممارسات يُحمى أمن الوطن؟ وبهذه الأعمال الشَّائنة تُصان الحريات؟ وبهذه الجرائم تُحفظ سمعة هذا البلد؟


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين…






الهوامش:
[1] المجلسي: بحار الأنوار 6/ 215، أبواب الموت، ب8، ح5. (ط2، 1403ه – 1983م، مؤسَّسة الوفاء، بيروت – لبنان)
[2] الكليني: الكافي 3/ 239، كتاب الجنائز، باب المسائلة في القبر، ح12. (ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران – إيران)
[3] المصدر السابق نفسه.
[4] المجلسي: بحار الأنوار 6/ 230، أبواب الموت، ب8، ح35.
[5] المصدر السابق نفسه: ص 234، ح50.
[6] ابن قولويه: كامل الزيارات، ص 271، ب56 (ثواب من زار الحسين (عليه السلام))، ح3. (ط1، 1417هـ، مؤسِّسة نشر الفقاهة، قم – إيران)
[7] الراوندي: الدعوات، ص 267، ب4، فصل في دفن الميت وتكفينه، ح761. (ط1، 1407هـ ، مدرسة الإمام المهدي (ع)، قم – إيران.
[8] الكليني: الكافي 3/ 201، كتاب الجنائز، باب تربيع القبر، ح11.
[9] المصدر السابق نفسه: 2/ 63، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله والتوكل عليه، ح1.
[10] الكوفي: كتاب الفتوح 7/ 65. (ط1، 1411هـ ، دار الأضواء للطباعة والنشر، بيروت – لبنان
)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى