قضايا الساحةقضايا محليةكلمات تأبينية

كلمة العلاّمة الغريفي في تأبين العلَّامة السِّتري (( أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!))

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الخلائق أجمعين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة الكرام، وبعد:

خواطر عاجِلة!
فلا أظنُّ أنَّ حَفَلًا تأبينيًّا مضغوطًا قادِرٌ على أنْ يُقَارِبَ عِنْوانًا كبِيرًا في حجم العلَّامةِ الشَّيخ السِّتريِّ (رحمه اللهُ)، لذا اخترتُ أنْ تكون الكلمة عبارةً عن (خواطِرَ عاجلةٍ) أبعثُها إلى روحِ الفقيدِ الكبير، معتذِرًا له كلَّ الاعتذار، فلا تملكُ هذه الخواطرُ العاجلةُ أنْ تفِيَ له بشيئٍ من حقوقِهِ، ولكنِّي أعاهدُهُ أنِّي لن أنساهُ في مظانِّ التَّقرُّب إلى الله سبحانه، وأتمنَّى ألَّا ينسانا وهو – إنْ شاء الله تعالى – ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ (سورة القمر: الآية55).
وكما قلتُ لكم: كلمتي عبارة عن (خواطرَ عاجلةٍ) صاغتها مشاعرُ الحبِّ، والوفاء أبعثها بكلِّ صدقٍ إلى روح أبي جعفر (رضوان الله عليه).

1- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!
بلا وَدَاعٍ كان رحيلُكَ.
آهٍ آه، كان رحيلًا مفاجِئًا، وكان صعبًا، وقاسيًا على أحبَّتِكَ.
بكاكَ أحبَّتُك كثيرًا.
تركتَ في قلوبِهم آهاتٍ، وحَسَراتٍ.
ملأتَ عيونَهم دموعًا، وعَبَرَاتٍ.
كانَ نبأ رحيلِكَ صدمةً هزَّتْ المشاعِرَ، وأثارتْ الشُّجونَ، والآهات، وحرَّكت كلَّ كوامِن الأسى، والحزن.
أحقًّا رحلت يا أبا جعفر – هكذا هاتَفْتُ نفسي -؟!
بلى الموتُ حقٌّ، و﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ …﴾ (سورة آل عمران: الآية185)، ولكنَّ النَّاسَ الَّذين ملأتَ الكثير من حياتِهم كانوا يرون أنَّ مِشوار الدَّربِ أمامك يا أبا جعفر، لا زال مفتوحًا؛ لكي تُواصل عطاءَك، وجهادَك، وطموحاتِك إلَّا أنَّه القَدَرُ المحتومُ لم يُمهلْك، فلبَّيْتَ نداءَ ربِّكَ، وغادرتَ دُنيا العناءِ، والنَّصَبِ، والأَلمِ، والبَلاءِ، والشَّقَاءِ.

2- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!
عرفتُكَ منذ أيَّام الهُجرة في النَّجف الأشرف، وعشتُ مَعَكَ زمنًا طويلًا.
ربَّما هَجَمتْ علينا حوادثُ الدَّهرِ الخَؤونِ، فباعدتْ بَيننا في بعضِ الأزمنةِ، وربَّما طالتْ، إلَّا أنَّ ذلك ما كان قادرًا أنْ يفصل بيننا، كونَ العلاقةِ مصبوغةً بصبغةٍ إيمانيَّةٍ، روحيَّةٍ متأصِّلةٍ، وما كانت علاقةً طارئةً تحكمُها مصالحُ دنيا زائلة، وأغراضُ حياةٍ فانيةٍ.
كانت علاقةً مشدودةً إلى الله تعالى.
وكانت علاقةً مُؤَسَّسةً على الحبِّ في الله تعالى.
وكانت علاقةً صاغَتها قِيمُ السَّماءِ.
وكانت علاقةً جذَّرَتها أهدافُ الرِّسالةِ.
فلا تقوى كلُّ عواملِ الأرضِ أنْ تفرِّقَها.
ولا تقوى كلُّ أغراضِ الدُّنيا أنْ تنال منها.
بل لا يقوى حتَّى الموت أنْ يُضعف وهجَها.
فها أنتَ – يا أبا جعفر – قد فارقتنا.
وها أنت قد غُيِّبتَ في الثَّرى.
أتراكَ قد فارقتَ ذَاكرتَنا؟!
أتراكَ قد فارفتَ عقولَنا؟!
أتراكَ قد غادرتَ قلوبَنا، أرواحَنا، وجدانَنَا، مشاعرَنَا؟!
أتراك قد غادرتَ كلَّ واقعنا؟!
لا، أيُّها الحبيبُ الرَّاحل.
أنت باقٍ في كلِّ عقولنا، وفي كلِّ وعينَا، وفي كلِّ ذَاكرتنا.
وأنت باقٍ في كلِّ قلوبنا، وفي كلِّ أرواحِنا، وفي كلِّ وجدانِنا، ومشاعِرنا.
وأنتَ باقٍ في كلِّ واقعنا.
وأنت باقٍ في كلِّ خطوةٍ من خطوات هذا الدَّرب الطَّويل.

3- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!
ما عسانِي أقولُ فيك؟
عرفتُكَ عالمًا فاضلًا، قطعتَ مراحلَ دراستِكَ الحوزويَّةِ بكفاءةٍ، وجدٍّ، وإخلاصٍ.
وأصبحت أستاذًا حوزويًّا مؤهَّلًا، دَرَسَ على يديك أعدادٌ كبيرة من طلبة العلوم الدِّينيَّة.
وبَذَلْت كلَّ جهدِك في التَّحصيل العلميِّ، وفي الدَّرس، والتَّدريس.
وحضرت دروس الخارج على يد عددٍ من أعاظم الفقهاء.
ولو استمرَّ مشوارُكَ الحوزويُّ أكثر لَوَصَلت إلى مراتب عالية في سلَّم التَّحصيل العلميِّ.

وعرفتُك عالمًا ربَّانيًّا:
– تحمل درجةً عالية من الإخلاص.
– ودرجةً عاليةً من الرَّوحانيَّة.
– ودرجةً عاليةً من الذَّوبان في الله تعالى.
– ودرجةً عالية من التَّقوى، والورع.
– ودرجةً عاليةً من الحَراك، والنَّشاط، والعطاء.
– ودرجةً عاليةً من التَّفاني في خدمة الدِّين.
هذه هي مُقوِّماتُ العالِمِ الرَّبَّانيِّ.
الذي يطلب بعلمِهِ الآخرة، ولا يطلب بعلمِهِ الدُّنيا.
1- جاء في الكافي لثقة الإسلام الكلينيِّ، عن أبي عبد الله الصَّادق (عليه السَّلام) قال: «مَنْ أراد الحديث لمنفعة الدُّنيا لم يكن له في الآخرة نصيبٌ.
ومَن أراد به خيرَ الآخرةِ أعطاهُ اللهُ خير الدُّنيا، والآخرة» (الكافي1/46، الشَّيخ الكليني).

2- وجاء في الكافي – أيضًا – عن أبي عبد الله الصَّادق (عليه السَّلام) في قول الله (عزَّ جلَّ): ﴿… إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ …﴾ (سورة فاطر: الآية28)، قال: «يَعني بالعلماءِ مَنْ صدَّقَ فِعْلُهُ قولَهُ، ومَنْ لم يُصدِّقْ فِعْلُهُ قولَهُ، فليس بعالم» (الكافي1/36، الشَّيخ الكليني).

3- رُوي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه، قل: للَّذين يتفقَّهون لغير الدِّين، ويتعلَّمون لغير العمل، ويطلبون الدُّنيا لغير الآخرة، يلبسون للنَّاس مسوك الكباش، وقلوبهم كقلوب الذِّئاب، ألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم أمرُّ من الصَّبر، إيَّاي يخادعون؟!
وبي يستهزؤون؟!
لأتيحنَّ لهم فتنة تذر الحكيم حيرانًا» (بحار الأنوار1/224، العلَّامة المجلسي).

4- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحل!
وما عساني أقولُ في إيمانِك؟، وفي أخلاقِكَ؟
وقد عرفتُكَ صُلبَ الإيمانِ، نقيَّ العقيدة، صادقَ الولاءِ والحبِّ للهِ تعالى، ولرسولِهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم)، وللأئمَّةِ الأطهار الأبرار (عليهم السَّلام)، ولأمِّهم الصِّدِّيقةِ الزَّهراءِ (عليها السَّلام)، ولكلِّ الذُّرِّيَّة الطَّاهرة (عليهم السَّلام).
وعرفتُكَ مخلصًا لدينك، وإسلامِكَ، ومبدئِكَ.
وعرفتُكَ نموذجًا راقيًا في الخُلُق.
في النُّبل.
في الطُّهرِ.
في الصَّفاءِ.
في الحبِّ.
في الوفاءِ.
في الطِّيبِ.
في الصِّدقِ.
في الأمانةِ.
في الأريحيَّةِ.
في البشاشةِ.
في الابتسامةِ النَّقيَّةِ.
في الدُّعابةِ العَذْبةِ.
في التَّواضع الذي لا يحمل تكلُّفًا، وتصَنُّعًا.
عرفتُك لا تحملُ في قلبكَ حقدًا، أو ضغينةً، أو شحناء، أو بغضاء، أو عداوةً، أو حسدًا، أو كراهيةً، أو نِفاقًا، أو دَجَلًا.
وهكذا كنتَ صادقًا كلَّ الصِّدقِ في تديُّنِك، وفي تَقْواك، وفي وَرَعِكَ، وفي أخلاقِكَ، وفي مُثُلِكَ، وقِيَمِكَ.
مَنْ يعرُفكَ لا يملك إلَّا أنْ ينجذب إليك.
ومَنْ يجالسك لا يملك إلَّا أنْ يأنس بك.
ومَنْ يصاحبُك لا يملك إلَّا أنْ يُحبَّك.

5- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحل!
عرِفتُك عاملًا نشطًا في خدمة دينِكَ، وفي أداءِ مسؤوليَّاتِكَ.
مارستَ إمامةَ الجماعةِ.
وعَظَتَ، وأرشدتَ.
علَّمتَ، وربَّيتَ.
أوصلتَ الكلمةَ النَّاصحة، والكلمةَ الموجِّهةَ.
احتضنت حوزة علمٍ وفقهٍ.
بذلتَ جهدَك، وقدرتَك، وعلمَك، وثقافتك؛ لتقرِّب النَّاسَ إلى نهج الله تعالى، وتضع النَّاس على درب الإيمان.
هكذا حمَلَتَ همَّ الإسلام، والدِّين.
وهكذا كنتَ الغيورَ؛ من أجلِ المبدأ، والعقيدة.
وهكذا كنتَ واحدًا من أعمدة العمل الرِّساليِّ في هذا البلد.
وهكذا أعطيتَ الكثير الكثير ممَّا أفاض اللهُ تعالى عليكَ من العلم، والفقه، والمعرفة، وممَّا منحك من فيوضاتٍ ربَّانيَّة، وعطاءاتٍ إيمانيَّةٍ، وإشراقاتٍ روحانيَّة، وكَمَالاتٍ أخلاقيَّة.
وهكذا كنتَ العالِمَ المُعلِّم.
في الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أَلَا أخبركم عن الأجودِ الأجود؟
الله الأجودُ الأجودُ، وأنا أجودُ ولد آدم.
وأجودُكم مِن بعدي رجلٌ عَلَّمَ عِلمًا، فنشر عِلْمَهُ، يُبعث يومَ القيامةِ أمَّةً وَحْدَهُ، ورجلٌ جاد بنفسِهِ للهِ (عزَّ وجلَّ) حتَّى يُقتل» (ميزان الحكمة23/2077، محمَّد الريشهري).

6- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!
لقد عرفتُكَ ذائبًا في هموم النَّاس.
تفرحُ حيث يفرحون، وتحزنُ حيث يحزنُون.
تتفقَّدُ حاجاتِ الفقراءِ، والبائسين، والمحرومين.
وربَّما مرَّت عليك ظروف صعبة، فكنت تتألَّم حيث لا تجد ما يسدُّ هذه الحاجات.
كان النَّاس يقصدونَكَ، يأملونَ أنْ تخفِّف شيئًا من معاناتِهم، وشيئًا مِن فاقتهم، فتتألَّم، وتبكي حيث لا تستطيع أنْ تسدَّ جوعَةَ جائع، وظمأ ظامِئ، وحاجةَ محتاج!
هكذا كنت القلب الكبير الذي احتضن هموم النَّاس، وعاش آلامهم، وأوجاعهم، وسعى جادًّا في قضاءٍ حاجاتِهم، وفي التَّخفيف من كلِّ معاناتهم، ومن كلِّ أوجاعهم!

7- يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحلُ!
وماذا عن حُضورِكَ في قضايا هذه الوطن؟
كنتَ الحاضر في كلِّ قضايا الوطن.
كنتَ مع رِفاقَ دربِكَ من العلماء الذين حَملوا همومَ هذا الوطن، وهموم هذا الشَّعب، وواجهوا من خلال خطابهم المعتدل كلَّ أشكال التَّطرُّفِ، والعنفِ، والإرهاب.
ورفضوا كلَّ ألوانِ التَّعصُّب، والكراهية، وكلَّ ما يؤجِّج الصِّراعات، والعداوات، والفتن الطَّائفيَّة.
نعم، كنتَ ورفاقَ دربك من العلماء دعاةَ محبَّةٍ وتسامحٍ، ودعاةَ وحدةٍ وتقاربٍ.
وما كنت وصحبتكَ من العلماء الكرام صُنَّاع فِتنةٍ، وصُنَّاعَ كراهية، وصُنَّاعَ عصبيَّة، وصُنَّاع فِرقة.
وسوف يبقى خطابُ العلماء داعيًا إلى معالجةِ قضايا هذا الوطنِ بالحكمةِ، والموعظةِ الحسنةِ.
وسوف يبقى هذا الخطاب داعيًا إلى حواراتٍ صادقةٍ، وجادَّةٍ، وهادفةٍ.
وسوف يبقى هذا الخطاب مُؤسِّسًا لخيارات بصيرةٍ، وصائبةٍ، ورشيدةٍ.
وسوف يبقى هذا الخطاب حارسًا أمينًا للدِّين والوطن، ولكلِّ ما يحقِّق الأمن، والأمان، والخير، والصَّلاح.
وسوف يبقى هذا الخطاب خطابًا:
يدعو إلى المحبَّةِ، والتَّسامح.
ويدعو إلى التَّقاربِ، والتَّآلف.
ويدعو إلى التَّعاونِ على البرِّ والتَّقوى، وليس على الإثم والعدوان.
ويدعو إلى العدلِ، والإنصافِ.
ويدعو إلى الصَّلاح، والإصلاحِ.
ويدعو إلى الرِّفق، والاعتدال.
ويدعو إلى المُثُل، والقِيم.
هذا هو مسار (خطابنا الدِّينيِّ).
والخطابُ دينيًّا كان، أو ثقافيًّا، أو سياسيًّا حينما ينحرف عن هذا المسار:
تنحرف الرُّؤى، والأفكار.
وتنحرف المُثل، والقِيم.
وتنحرف الأفعال، والممارسات؛ ممَّا يؤسِّسُ لانتشار الفتنِ، والخلافاتِ، والصِّراعات.
ويؤسِّسُ لإنتاج الأَزَمات، والتَّوتُّرات.
ويؤسِّسُ لغياب الأمنِ، والأمان.

فما أحوج الأوطان إلى الكلماتِ الخيِّرة بشرط أنْ تتحوَّل هذه الكلمات أفعالًا، وممارساتٍ خيِّرة، وإلَّا كانت خطاباتٍ استهلاكيَّةً، وخادعةً، وكاذبةً، وفاقدةً لأيِّ مصداقيَّة، ممَّا يُشكِّلُ عبثًا بعقول النَّاسِ، وبقناعاتِهم، وبتوجهاتهم، وبمشاعرهم، وبعواطِفهم، وبأهدافِهم، وبتطلُّعاتهم، وبكلِّ قضاياهم.
وممَّا يُشكِّل كارثةً على كلِّ الواقع الدِّينيِّ، وكلِّ الواقعِ الثَّقافيِّ، وكلِّ الواقعِ السِّياسيِّ.
فالأوطان تتَّجهُ نحو الخير، والبِناء حينما يكون خِطابُ المنابر الدِّينيَّة خطابًا خيِّرًا، وبنَّاءً.
وحينما يكون خِطابُ المنابر الثَّقافيَّة خطابًا خيِّرًا، وبنَّاءً.
وحينما يكون خِطابُ المنابرِ السِّياسيَّة خطابًا خيِّرًا، وبنَّاءً.
هذا الخطابُ الخيِّر البنَّاء هو الَّذي يعبِّر عنه القرآن الكريم بالكلمة الطَّيِّبة.

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا …﴾ (سورة إبراهيم: الآية24 – 25).
فالكلمةُ الطَّيِّبةُ عطاءاتُها طيِّبةٌ تملأ الحياةَ خيرًا، وهُدًى، وصلاحًا، وطهرًا، ونقاءً، وجمالًا، وبهاءً، وعِلْمًا، ورُشدًا، وبصيرةً، ونورًا، وحبًّا، وتسامحًا، ووحدةً وتآلفًا، وقوَّةً، وثباتًا، وأملًا، ورجاءً.

وهناك الكلمةُ الخبيثةُ، ﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ﴾ (سورة إبراهيم: الآية26).

فالكلمةُ الخبيثةُ سيِّئةٌ، قَذِرةٌ، سَاقطةٌ، ضَارَّةٌ، تملأ الحياةَ شرًّا، وفسادًا، وعبثًا وسُوءًا، وقُبحًا، وقذارةً، وجهلًا، وظلامًا، وضَياعًا، وضلالًا، وزورًا، وكراهيةً، وعصبيَّةً، وصِراعًا، ورُعبَا، وغدرًا، وعنفًا، وتطرُّفًا، وإرهابًا، وقتلًا، وفَتْكًا، ودماءً.
مَنْ هنا حرص العلماء الأوفياءُ لدينهم، ولأوطانهم، ولشعوبهم – وفقيدنا الكبير واحدٌ منهم – أنْ يعتمدوا في خطابهم (الكلمة الطَّيِّبة)، وأنْ يَنْأوا كلَّ النَّأي عن الكلمةِ الخبيثة.

واختم كلمتي بقولي:
يا أبا جعفر، أيُّها الحبيبُ الرَّاحل!
نَمْ قريرَ العين في جوار ربِّ كريم.
فأبناؤك – جعفر، وإخوتُه – على دربك سائرون – إنْ شاء الله تعالى -، يواصلون المشوار بكلِّ جدٍّ، وصدقٍ، وإخلاصٍ، ووفاءٍ، مجسِّدين قِيَمَك، ومُثُلَكَ، وأخلاقك، معتمدِين نهجَك، وخُطاك، مترسِّمين أقوالَك، وأفعالك.
وسوف يكونونَ الأوفياء لرسالتك، وأهدافك.
هكذا علَّمتهم، وهكذا صنعتهم.

أيُّها الأبناء الأوفياء، لا أشكُّ أنَّ العبْءَ ثقيل، والدَّربَ طويلٌ، والمسؤوليَّةَ شاقَّةٌ، إلَّا أنَّ إيمانَكم الكبير، ووفاءَكم الصَّادق، وعزائِمكم الرَّاسخة، وطموحاتِكم الجادَّة سوف تثبِّت أقدامَكم على هذا الدَّربِ إنْ شاء الله تعالى.

وأمَّا أنتم يا أبناء سترة الأوفياء، فسترة بلد الفقهاء، والعلماء، والأدباء، والمثقَّفين، فاحفظوا هذا التُّراث العظيم، وجذِّروا هذا الانتماء المشرِّف، وكونوا الوَرَثة الصَّادقين لهذا المسار.

مسؤوليَّتكم – وخاصَّة أصحاب الكَفَاءات العلميَّة، والثَّقافيَّة، والأدبيَّة – أنْ تحافظوا على الأصالة التَّاريخيَّة لهذا البلد.
شكِّلوا لجانًا علميَّة متخصِّصة.
احتضنوا القُدُرات، والكَفَاءات.
حافظوا على الحَوْزات.

جذِّروا في ذَاكرة أجيالكم، وفي وجدان أجيالكم، وفي وعي أجيالكم، وسلوك أجيالكم، وفي حركة أجيالكم هذا التَّأريخ الأصيل.

وآخر دعوانا أنْ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى