الإمام الحسين الشهيد (ع)من وحي الذكريات

دور الموكب في صناعة الجيل

هي كلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد ألقيت ليلة الأحد: 27 ذو الحجَّة 1439 هـ – الموافق لـ: 8 سبتمبر 2018 م، في حسينية الحاج أحمد بن خميس بمنطقة السنابس، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبة للقارئ الكريم.

دور الموكب في صناعة الجيل

السَّلام عليكم، أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

* الموكب مَفْصَل عاشورائيٌّ

ونحن نستقبل عاشوراء نحاول في هذا اللِّقاء الطَّيِّب أنْ نتناول مفصلًا أساسًا في الموسم العاشورائيِّ.
هذا المفصل هو الموكب.
هناك مجموعة مراسيم عاشورائيَّة.
المراسيم العائورائيَّة تعني ممارسات تعبِّر عن إحياء موسم عاشوراء، ويأتي في قمَّة هذه المراسيم العاشورائيَّة المأتم العاشورائيُّ، والموكب العاشورائيُّ.

* نَمَطَا الممارسات العاشورائيَّة
ويمكن أنْ نصنِّف الممارسات العاشورائيَّة، أو المراسيم العاشورائيَّة، أو الشَّعائر العاشورائيَّة إلى نَمَطين:

النَّمط الأوَّل: النَّمط المنصوص عليه بالنَّصِّ الخاصِّ
ومن أمثلة هذا النَّمط:

1- إقامة المجالس الحسينيَّة.
هذا ورد النَّصُّ عليه من أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) بالنَّصِّ الخاصِّ.
2- الحزن.
3- البكاء.
4- الشِّعر العاشورائيُّ.

هذا نمط من الممارسات العاشورائيَّة المنصوص عليها بالنَّصِّ الخاصِّ.

النَّمط الثَّاني: النَّمط المنصوص عليه بالنَّصِّ العامِّ
وهناك نمط آخر من الممارسات العاشورائيَّة منصوص عليها بالنَّصِّ العام، وهو: “أَحْيُوا أمرنا، …” (هداية الأمَّة إلى أحكام الأئمَّة (عليهم السَّلام)5/137، الحر العاملي).

حينما نأخذ نماذج من فعاليَّات عاشورائيَّة، أو فعاليات إسلاميَّة دينيَّة نجد أنَّها ليست خاضعة لنصوص خاصَّة، وإنَّما هي تخضع لهذا النَّصِّ العامِّ: “أَحْيُوا أَمْرَنا، …”.

* من أمثلة هذا النَّمط:
1- إقامة الاحتفالات
لا يوجد نصٌّ خاصٌّ على إقامة الاحتفالات، إلَّا أنَّه يوجد نصٌّ يقول: “أَحْيُوا أمرَنا، …”، وإقامة الاحتفالات تُعدُّ نموذجًا ومصداقًا من مصاديق إحياء أمر أهل البيت (عليهم السَّلام)، فإذًا إقامة هذه الاحتفالات خاضعة للنصِّ العام.

2- إقامة المؤتمرات العاشورائيَّة
لا يوجد عندنا نصٌّ عن أهل البيت (عليهم السَّلام) يتحدَّث عن إقامة مؤتمرات عاشورائيَّة، ولكن عندنا نصٌّ يقول: “أَحْيُوا أمرنا، …”، فالمؤتمرات مصداق من مصاديق الإحياء.

3- المسرح العاشورائيُّ الحسينيُّ
لا يوجد عندنا نصٌّ خاص على المسرح العاشورائيَّ، أو الحسينيَّ، ولكن عندنا نصٌّ عام يقول: “أَحْيُوا أمرنا، …”، والمسرح الحسينيُّ أو العاشورائيُّ مصداق من مصاديق الإحياء.

4- المرسم العاشورائيُّ.

5- المواقع الإلكترونية العاشورائيَّة.
6- الإصدارات العاشورائيَّة.

7- كلُّ الممارسات العاشورئيَّة التي تشكِّل مصاديق من مصاديق الإحياء.

8- الموكب العاشورائيُّ.
أحد المصاديق التي تقع تحت عنوان: “أَحْيُوا أمرنا، …”، ولا يوجد نصٌّ خاصٌّ فيها!

بخلاف:
1- إقامة المجالس العاشورائيَّة.
2- البكاء.
3- الحزن العاشورائيُّ.
4- الرِّثاء.
فإنَّ هذه الممارسات تُوجد فيها نصوص خاصَّة.

أمَّا الموكب، فليس له نصٌّ خاصٌّ عليه، نعم هو مصداق من مصاديق إحياء عاشوراء!

إنَّ أئمَّتنا (عليهم السَّلام) أكَّدوا على إحياء عاشوراء، والموكب قد شكَّل مفصلًا تاريخيًّا على هذا الطَّريق: (إحياء عاشوراء).

* تعبير الشَّعائر الحسينيَّة
تارة نعبِّر بـ: الشَّعائر الحسينيَّة والعاشورائيَّة.

وتارة نعبِّر بالمراسيم العاشورائيَّة، أو الفعَّاليات العاشورائيَّة.

هناك من الفقهاء مَن يرى أنَّ مصطلح الشَّعائر ينطبق على كلِّ ما يصدر عنه نصٌّ خاصٌّ، أو ما يكون خاضعًا للنَّصِّ العام.

وهناك مَن يرى بأنَّ الشَّعائر هو ما ورد فيها نصٌّ خاص.

على كلٍّ، فالموكب يشكِّل أحد فعاليات عاشوراء، وأحد ممارسات عاشوراء.

ولكن ما هو دور هذا الموكب في صناعة الجيل؟
وعن أيِّ جيل نتحدَّث؟
إنَّنا نتحدَّث عن الجيل الإيمانيِّ.
الجيل العاشورائيِّ.
الجيل الحسينيِّ.

* محدِّدات الجيل العاشورائيِّ
ما هي محدِّدات هذا الجيل؟؛ حتَّى نسمِّيه جيلًا إيمانيًّا، أو جيلًا عاشورائيًّا، أو جيلًا حسينيًّا!

المحدِّد الأوَّل: الوعي الإيمانيُّ
أنْ يملك هذا الجيل وعيًا إيمانيًّا متجذِّرًا عميقًا.

المحدِّد الثَّاني: العاطفة الإيمانيَّة
أنْ يملك هذا الجيل عاطفة إيمانيَّة، أو وجدانًا إيمانيًّا عميقًا.
عاشوراء في عقل الجيل.
وعاشوراء في وجدان الجيل.
لا تكفي أنْ تكون عاشوراء في عقل الجيل!
فقد تكون عاشوراء في العقل، ويمتلك الإنسان معها عمقًا، ووعيًا، وبصيرًةً عاشورائيَّة إلَّا أنَّها لم تدخل في وجدانه، وعاطفته، ومشاعره، ولذا لا نستطيع أنْ نسمِّي مثل هذا إنسانًا عاشورائيًّا، إلَّا إذا دخلت عاشوراء في وجدانه كما دخلت في عقله.
فإذًا لا بدَّ أنْ تدخل عاشوراء في العقل، ولا بدَّ أنْ تدخل في الوجدان.
المحدِّد الثَّالث: السُّلوك العاشورائيُّ
أنْ تدخل عاشوراء في السُّلوك، فلا يكفي أنْ تدخل عاشوراء في عقل الجيل، وفي وجدانه، بل لا بدَّ من دخولها في السُّلوك!

إذا لم تتحوَّل عاشوراء سلوكًا عاشورائيًّا، قِيَمًا عاشورائيَّة، أخلاقًا عاشورائيًّة، ممارسات عاشورائيَّة، فلا نستطيع أنْ نسمِّي هذا إنسانًا عاشورائيًّا!
فإذا أدخلنا عاشوراء في عقلنا، ووعينا، ووجداننا، وعواطفنا، وسلوكنا، فقد امتلكنا ثلاثًا من محدِّدات الجيل، ويبقى المحدِّد الرَّابع.

المحدِّد الرَّابع: حركيَّة الجيل
يجب أنْ ندخل عاشوراء في حركيَّة الجيل، بأنْ نصنع جيلًا حركيًّا، فاعلًا، مُعطِيًا، داعيًا إلى قِيم عاشوراء، مُضحِّيًا من أجل عاشوراء.

فهذا هو الجيل العاشورائيُّ الذي نريد للموكب، وللمنبر، ولكلِّ فعاليات عاشوراء أنْ تصنع هذا الجيل.

فإذا لم تتوفَّر على إنتاج جيل من هذا النَّمط، فما صنعت عاشوراء شيئًا!
عاشوراء تريد أنْ تصنع جيلًا يمتلك هذه المحدِّدات – المكوِّنات – الأربع.

* مكوِّنات الموكب العاشورائي
بعد هذا التَّمهيد آتي للحديث عن الموكب!

فما هي مكونات الموكب العاشورائي، وهذه المسيرة الجماهيريَّة، والحشد الجماهيريُّ؟

إنَّ الموكب يمتلك أربعة مكوِّنات أساس، ويجب أنْ يتوافر عليها الموكب العاشورائيُّ، وأنَّ غياب أيِّ مكوِّن منها سيُحدث أثرًا سلبيًّا في إنتاجيَّة الموكب، وفي صنع الأجيال العاشورائيَّة والحسينيَّة!

المكوِّن الأوَّل: خطاب الموكب العاشوارئيِّ

المكوِّن الثَّاني: شعار الموكب العاشورائيِّ

المكوِّن الثَّالث:ً جمهور الموكب العاشورائيِّ

المكوِّن الرَّابع: أجواء الموكب العاشورائيِّ

دعونا نقف مع كلِّ مكوِّن من هذه المكوِّنات الأربعة للموكب العاشوارئيِّ.

ولا شكَّ أنَّ المطلوب من هذه المكوِّنات الأربعة أنْ تصبَّ في إنتاج وصناعة الجيل العاشورائيِّ، فـ:

المكوِّن الأوَّل: خطاب الموكب العاشوارئيِّ
ماذا نعني بخطاب الموكب العاشورائيِّ؟
هنا يأتي دور الشَّاعر العاشورائيِّ، ودور الرَّادود العاشورائيِّ، ودور الشَّيَّال العاشوارئيِّ.

الشَّاعر يضع القصيدة العاشورائيَّة للموكب العاشورائيِّ، وينتج المضمون.
بينما الرَّادود يُوصِل المضمون، والشَّيَّال يوصل المضمون.

1- دور الشَّاعر العاشورائيِّ
الشَّاعر العاشورائيِّ الذي ينتج قصائد المواكب العاشورائيَّة، ويجب أنْ تتوفَّر هذه القصائد، والرَّدَّات، والشِّيلات العاشورائيَّة على أربعة ركائز:

الرَّكيزة الأولى: عرض سليم لمأساة كربلاء وعاشوراء
إنَّ المطلوب من الشَّاعر الذي يُنتج الكلمة الشِّعريَّة؛ لتشكِّل خطابًا لموكب عاشوراء، أنْ يَعرض عرضًا واعيًا سليمًا فاجعة كربلاء، ومأساة كربلاء، وألم كربلاء.

وقد أكَّدتُ في أكثر من حديث: إنَّ خطاب عاشوراء يتحمَّل مسؤوليَّتين أساس:

المسؤوليَّة الأولى – الهدف الأوَّل -: الحفاظ على الحزن العاشورائيِّ.

المسؤوليَّة الثَّانية – الهدف الثَّاني-: الحفاظ على المضمون العاشورائيِّ.
إنَّ حزن عاشوراء بلا مضمون يفقد عندئذٍ الخطابُ هادفيَّته، كما أنَّ مضمونًا بلا حزن عاشورائيٍّ يفقد عندئذٍ الخطاب هادفيَّته.

نحن نريد شعرًا يحمل لنا فاجعة كربلاء، وحزنها.

إنَّ الحزن العاشورائيَّ هو الذي أعطى لعاشوراء هذا الوهج، وهذا الامتداد، وهذا البقاء.

الرَّكيزة الثَّانية: الطَّرح الواعي لمفاهيم عاشوراء

كما أنَّنا نريد للقصيدة الموكبيَّة أنْ تحمل:
1- الوهج.
2- والوجدان.
3- والألم.
4- والحزن.
5- والدَّمعة.

كذلك نريد منها أن تحمل:
1- الوعي العاشورائيَّ.
2- الفكر العاشورائيَّ.
3- المفاهيم العاشورائيَّة.
4- الرُّؤى العاشورائيَّة التي من أجلها ضحَّى الإمام الحسين (عليه السَّلام).

وهنا تُمارس القصيدة الموكبيَّة إنتاج وعي الأجيال، وإنتاج وجدان الأجيال.
قلنا: لا بدَّ أنْ نصنع أجيالًا تملك وعيًا، وتملك وجدانًا، وتملك سلوكًا، وتلك رساليَّة، ومن هنا نقول: مطلوب في القصيدة الموكبيَّة، ومطلوب من الشَّاعر الموكبيِّ الذي يُنتج الكلمة الشِّعريَّة للموكب أنْ ينتج وهج المأساة في ذهن هذا الجيل، وأنْ ينتج وعيًا بمضامين عاشوراء؛ ليتَشكَّل وعي الجيل.

الرَّكيزة الثَّالثة: إنتاج القِيم العمليَّة في الأجيال

أنْ تكون القصيدة الموكبيَّة، أو الشِّعر الموكبيِّ ينتجانِ قِيَمًا عمليَّة في حركة الأجيال، وفي سلوكهم.
إنَّنا نريد جيلًا يُمارس قِيَم عاشوراء، ومفاهيم عاشوراء، وأخلاق عاشوراء.

الرَّكيزة الرَّابعة: إنتاج عاشورائيِّين حركيِّين

المطلوب من القصيدة العاشورائية أن تنتج عاشوارئيين حركيين.
وما معنى العاشورائيِّين الحركيِّين؟
يعني: العاشورائيُّون الذين يحملون رسالة عاشوراء، فليس المطلوب منك أنْ تستوعب عاشوراء لنفسك فقط، وليس المطلوب منك إدخال مفاهيم عاشوراء في عقلك، ووجدانك، وسلوكك فقط!

بل المطلوب منك أنْ توصل عاشوراء لكل النَّاس أيضًا.
أنْ تحمل رسالة عاشوراء.
أنْ تحمل جهاد عاشوراء.

فمطلوب من القصيدة الموكبيَّة أن تنتج حركية الأجيال، وأن تعيش وعي الأجيال.

وهنا يُطرح سؤال حسَّاس – عند الحديث عن القصائد الموكبيَّة، والرَّدَّات، والشِّيلات -، وهو: هل المطلوب من خطاب الموكب الحسينيِّ المتمثِّل في القصائد، والرَّدَّات، والشِّيلات أنْ يُعالج قضايا السِّياسة؟

وهل مسموح للخطاب الموكبيِّ – الشِّعر، الرَّدَّات، الشِّيلات – أنْ يتعاطى مع الشَّأن السِّياسيِّ، أم أنَّ هذه المنقطة محظورة على الخطاب الموكبيِّ؟

* مهامُّ الخطاب العاشورائيِّ

هنا بعض تنبيهات، ومطلوب من الخطاب العاشورائيِّ بشكل عام سواء كان خطابًا منبريًّا، أم خطابًا موكبيًّا، أم أيَّ خطاب، في أيِّ موقع من مواقع الممارسات العاشورائيَّة:

1- ملامسة هموم الأمَّة، وقضاياها، وإصلاح الواقع
إنَّ المطلوب من خطاب عاشوراء هو أنْ يلامس هموم الأمَّة وقضاياها، إذ أنَّ ذلك جزء من مشروع عاشوراء، فالإمام الحسين (عليه السَّلام) كان شعاره عند الانطلاق “إنَّما خرجت لطلب الإصلاح، …””.
هناك واقع يحتاج إلى إصلاح.
هناك قِيم تحتاج إلى إصلاح.
هناك مفاهيم تحتاج إلى إصلاح.
هناك واقع عمليٌّ يحتاج إلى إصلاح.
إذًا إنَّ هناك هدفًا مركزيًّا من أهداف الخطاب العاشورائيِّ هو إصلاح الواقع، ولكن ليس معنى هذا هو أنْ نستغرق في الشَّأن السِّياسيِّ، ففرق بين ملامسة القضايا – فيما يعني إصلاح الأمَّة، وفيما يعني تنشيط القِيم الأصيلة في الأمَّة – وبين الاستغراق في الشَّأن السِّياسيِّ، فيتحول عندئذٍ خطاب عاشوراء خطابًا سياسيًّا.

ليس محظورًا على الخطاب العاشورائيِّ أنْ يُقارب السِّياسة، لكن من المهمِّ أنْ لا يتحوَّل إلى سياسة!
يجب أنْ يبقى الخطاب العاشورائيُّ خطابًا عاشورائيًّا.
ويجب أنْ تبقى صبغته هي الصِّبغة الحسينيَّة والعاشورائيَّة، وأنْ لا نُلغي هذه الصِّبغة تحت أيِّ عنوان آخر.
نعم، يمكنك أنْ تقارب أوضاعًا اجتماعيَّة، وأوضاعًا ثقافيَّة، وأوضاعًا سياسيَّة، لكن لا يصحُّ أنْ يتحوَّل الخطاب العاشورائيُّ – المنبر أو الموكب – إلى خطاب سياسيٍّ!

فهناك فرقٌ بين المحاضرة العاشورائيَّة، والمحاضرة السَّياسيَّة.

فنحن نقول: يجب ألَّا نستغرق في الشأن السياسي.
وكذلك هناك فرقٌ بين المسيرة السِّياسيَّة، والموكب العاشورائيِّ.
يجب أنْ تبقى هناك فوارق بينهما.

فالمسيرة السِّياسيَّة مسيرة تُعبِّر عن مطالب سياسيَّة بحتة، بينما الموكب العاشورائيِّ يُعبِّر عن مفاهيم الإسلام بكاملها، ومن جملتها المفاهيم السِّياسيَّة.

فينبغي أن أجعل موكب عاشوراء، وخطابه يحمل مفاهيم الإسلام، ومفاهيم عاشوراء بكاملها، فلا أجعله منصبغًا بصبغة سياسيَّة بحتة، ولا أنْ ينسلخ عن صبغته العاشورائيَّة.

بل يجب أنْ يحافظ الموكب العاشورائي على عنوانه، وصبغته التي ما أنْ يراه أيُّ أحد، أو يستمع إليه لا يقول: إنَّه مسيرة، بل يعرف من خلال هُويتَّه وما يلامس من قضايا واقعيَّة أنَّه موكب عاشورائيٌّ بعنوانه ووهجه، وشموليَّته.

2- شموليَّة خِطابه، وعدم تضييق مساحاته
إنَّ خطاب عاشوراء خطاب شموليٌّ.
والشِّعارات العاشورائيَّة خطابات شموليَّة، فلا يصحُّ – إطلاقًا – أنْ أنقل التَّوتُّر السِّياسيَّ إلى داخل الموسم العاشورائيِّ.

نعم، هناك توتُّرات سياسيَّة، ومواقف سياسيَّة، ويمكن أن يكون للخطاب العاشورائيِّ حقٌّ في ملامسة ومقاربة مساحات من هذه الشُّؤون، ولكن ليس من حقِّ الخطاب العاشورائيِّ، أو القصيدة العاشورائيَّة، أو المنبر العاشورائيِّ، أو المسرح العاشورائيِّ، أو الموكب العاشورائيِّ أنْ ينقلوا التَّوتُّر السِّياسيِّ إلى موسم عاشوراء، وأجواء عاشوراء!

3- ضوابط خطاب الموكب العاشورائيِّ
إذًا نقول ونحن نتحدَّث عن خطاب الموكب العاشورائي – إذ تارة نتحدَّث عن الشَّاعر العاشورائيِّ، وأخرى عن الرَّادود العاشورائيِّ، ولربما يكون الشَّاعر هو الرَّادود نفسه، ويمكن أنْ يتعدَّدا، فيكون الرَّادود غير الشَّاعر، فهناك مَن يُنتج القصيدة، وهناك مَن يُلقي القصيدة، فقد يتَّحد الشَّاعر مع الرَّادود، وقد يختلف.

فإذًا عندنا شاعر، وعندنا رادود، وعندنا شيَّال يطرح بعض المفاهيم العاشورائيَّة.

وهنا يجب أنْ يتوافر الشَّاعر والرَّادود والشَّيَّال على:
1- وعي عاشورائيٍّ.
2- وروحانيَّة عاشورائيَّة.
3- واستقامة عاشورائيَّة.
4- ورساليَّة عاشورائيَّة.

* خضوع خطاب الموكب للضَّوابط الشَّرعيَّة

وهناك سؤال يُطرح – ونحن نتحدَّث عن القصيدة الموكبيَّة والرَّدَّات والشِّيلات -: هل هناك ضوابط شرعيَّة للأداء، واللَّحن المطروحَيْنِ في المواكب، والرَّدَّات؟

نعم، هناك ضوابط شرعيَّة يجب مراعاتها سواء كان ذلك على مستوى الأداء، أم على مستوى اللَّحن اللَّذين يُطرحان في المواكب.

يجب أنْ يكونا منسجِمَينِ مع الضَّوابط الشَّرعيَّة.

المكوِّن الثَّاني: شعار الموكب العاشورائيِّ

الشِّعارات، واللَّافتات التي تُحمل في المواكب، هي جزء من الموكب، ومن أهداف الموكب.

فمن العادة أنْ تحمل المواكب لافتات، وشعارات، فهي تشكِّل أهم أحد الوسائل لصناعة الجيل.

* شروط الشِّعارات، واللَّافتات

ولذا فنحن نؤكِّد على أنَّ الشِّعارات واللَّافتات التي تُعرض في المواكب يجب أنْ تتوافر على:
1- مضامين واعية.
2- ومضامين هادفة.
3- ولغة مؤثِّرة.

ولذا أُنبِّه على أنَّه يجب أنْ يكون هناك إشراف علمائيٌّ على الشِّعارات واللَّافتات التي تُطرح في المواكب!، إذ قد يكون هناك شعار يصطدم حتَّى مع أهداف الحسين (عليه السَّلام)!

المكوِّن الثَّالث: جمهور الموكب العاشورائيِّ

من مكوِّنات الموكب العاشورائيِّ هم الجمهور المعزُّون.
وهؤلاء مفصل مهمٌّ في الموكب.
إنَّنا لدينا شاعر، وعندنا رادود وشيَّال، ولكنْ عندنا معزُّون أيضًا!

إنَّ المعزِّين هم المفصل الحيُّ في الواقع العاشورائيِّ، وهم الجمهور العاشورائيُّ، ولذا أودُّ التَّأكيد على نقاط، منها:

النقطة الأولى: الحضور المكثَّف في المواكب

يجب أنْ يكون هناك حضور عاشورائيٌّ مكثَّف من قبل الجمهور في المواكب العزائيَّة.

إنَّنا نسمع شكاوى من مآتم كثيرةٍ بأنَّ هناك عزوفًا عن المواكب!
إنَّ هذه الظَّاهرة ظاهرة خطيرة جدًّا، ذلك لأنَّ المواكب تشكِّل الوهج العاشورائيَّ.

إنَّ الحضور والمشاركة هو عمل قُربيٌّ، بحيث يُتقرَّب به إلى الله تعالى.

فالمطلوب أنْ نستثمر كلَّ ممارسة في الموسم العاشورائيِّ؛ من أجل أنْ نحقِّق الثَّواب في إحياء قضيَّة عاشوراء.

* من عوامل حصول الثَّواب

إنَّ المشاركة في المواكب العاشورائيَّة – هي الأخرى – أحد أهم عوامل حصول الثَّواب.

هناك بعض من النَّاس يقول: أنا أحضر المأتم، فلا داعي أنْ أحضر الموكب!؟

أ- استنفار الطَّاقات والقُدُرات، والإمكانات للموسم
استنفر طاقتك، وقُدراتك، وإمكانيَّاتك في موسم عاشوراء، فلا تضنُّ وتبخل على الحسين (عليه السَّلام) بشيئ من طاقاتك، وقدراتك من أجل راحة، ومن أجل استكانة نفسيَّة.

فأنت تملك طاقات، وقُدُرات، ومشاعر، ووجدان، فاستنفر كلَّ ذلك في موسم عاشوراء.

مطلوب منَّا أنْ نستنفر قدراتنا في الموسم العاشورائيِّ، والعزوف عن تلك المواكب العاشورائيَّة هو ظاهرة خطيرة جدًّا!

ب- حَمْل المشروع العاشورائيِّ وإيصاله للأجيال المتعاقبة

لقد حمل أجدادنا لنا هذا المشروع – موسم عاشوراء -، والمطلوب منَّا هو أنْ نحمله للأجيال.

إنَّ ابني إذا رآني – وأنا أبوه – لا يوجد لديَّ اهتمام بالموكب العاشورائيِّ، فهو – أيضًا – لن يهتمَّ بالموكب العاشورائيِّ.

أنت مسؤول أنْ تحمل عاشوراء إلى أجيال قادمة كما حملها لنا آباؤنا وأجدادنا.
وكيف لنا أنْ نحملها إلى الأجيال القادمة إذا كنَّا نعزف عن ممارسة عاشورائيَّة هنا، وممارسة عاشورائيَّة هناك.

وبالخصوص هذين المفصلين وهما حضور المجالس العاشورائيَّة، وحضور المواكب العاشورائيَّة، مع أنه توجد فعاليات أخرى كثيرة، لكن هذين المفصلين يشكلان مفصلين أساسين في الموسم العاشورائيِّ.

ج- ضخُّ القوَّة في المجالس والمشاركة العاشورائيَّة

أَعْطوا المجالس الحسينيَّة قوَّة!
وأعطوا المواكب الحسينيَّة قوَّة!
شاركوا فيهما، وخاصَّة الشَّباب، إذ المطلوب منهم أنْ يكون لهم حضور مكثَّف.

يجب أنْ لا نسترخي، فهي عشرة أيَّام فحسب، ولذا نريد أنْ نستنفر فيها قُدُراتنا، وطاقاتنا؛ من أجل الحسين (عليه السَّلام)، ومن أجل عاشوراء.
إنَّ حضور المواكب هو مطلب أساس من الجمهور العاشورائيِّ.

وقد يسأل البعض:
ما حال مَن يتواجد في الشَّوارع، والاصطفاف على أطرافها، ومشاهدة المواكب على ذلك الحال، فهل يشكِّل مشاركة في الحضور؟!

وهل يُعدُّ مثل ذلك مشاركة في الموكب العاشورائيِّ؟!

إنَّنا لا نمنع بعض النَّاس الذين لا يستطيعون المشاركة أنْ يتواجدوا – وبكثافة – في مسايرة (مسيرات) المواكب، إلَّا أنَّه إذا توافرت القدرة على المشاركة، فالمشاركة – لا شكَّ – تشكِّل أساسًا في إنجاح الموكب العاشورائي.

ولربما أنَّ البعض يتعذَّر – هنا، وهناك – بأعذار؛ ليتخلَّف عن الموكب، إلَّا أنَّهم يجب أنْ يعوا ويُدركوا بأنَّه لا نريد لهذا الموكب العاشورائيِّ أنْ يضعف.

إنَّ الموكب يُشكِّل موكبًا تاريخيًّا لخطِّ الالتقاء بالإمام المنتظر (عليه السَّلام).

إنَّني إذا لم أكن مستعدًّا أنْ أطلع وأخرج ساعة واحدة لأمشيَ مع موكبٍ، فمتى سيكون عندي استعداد؛ لكي أتهيَّأ للقاء الإمام المنتظر (عليه السَّلام)؟!
د- إعلان الولاء، والمبايعة، والمواساة للإمام المُنْتَظَر وأهل البيت (عليهم السَّلام)

إنَّني إذا لك يكن لديَّ استعداد بمقدار ساعة واحدة، أو ساعة ونصف، وكنتُ أفضِّل الرَّاحة والاستراحة، والاستكانة على مسيرة مع موكب – حيث إنَّ مثل هذا يُعدُّ استنفارًا لمشار ولائيَّة، وإعلان مبايعة، وولاء للإمام المنتظر (عليه السَّلام) الحاضر في عاشوراء -، فكيَّف أقدِّم المواساة والولاء؟!

إنَّ الإمام المنتظر (عليه السَّلام) حاضر في عاشوراء، ونحن نعبِّر من خلال ممارساتنا العاشورائيَّة عن عزائنا له (عليه السَّلام)، وقَبْلَه عن عزائنا لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وللزَّهراء، ولأمير المؤمنين، ولأئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام).

أتبخل بجزء من وقتك على موكب؟!
أتبخل بجزء من وقتك على مجلس؟!
إنَّ المطلوب منَّا أنْ نعطي ما لدينا من طاقات، ونستفزَّ قُدراتنا، ونعلن ولاءنا لهذا الخطِّ المُبارك من خلال الموكب العاشورائيِّ.

فحذارِ حذارِ من أنْ يضعف هذا المظهر العاشورائيِّ!

نريد له أنْ له أنْ يبقى قويًّا!
أنْ يبقى واعيًا.
أنْ يبقى نظيفًا، حتَّى يؤدِّي مسؤوليَّته.
* التَّفكير الخطأ!

يقول البعض اليوم:
إنَّنا لا نحتاج إلى مجالس عاشورائيَّة، وأنْ نحضر المجالس، والمواكب، فلدينا الآن الإمكانيَّة للمشاهدة على التِّلفاز لكلِّ المواكب، والمآتم، وللاستماع إليها، فلماذا أحضر المآتم؟!
مثل هذا التَّفكير تفكير خطأ جدًّا، ومغلوط تمامًا.

لقد أكَّد أئمَّتنا (عليهم السَّلام) على الحضور!
لربما أنت تستمع، وتشاهد في التِّلفاز إلى خطيب أرقى من الذي في مأتمك، ولكن الحضور له قِيمة.
احضروا المآتم، والمواكب.

النقطة الثاَّنية – وهي -:
التَّفاعل الحقيقيُّ مع الموكب

إنَّنا هنا نحتاج إلى تفاعل حقيقيٍّ، وليس حضورًا جافًّا!

المطلوب هو الحضور الحقيقيِّ، وتفاعلٍ حقيقيٍّ عندما تحضر في موكب عاشورائيٍّ.

المطلوب أنْ يحضر وجدانك، ومشاعرك، وعواطفك في هذا الموكب العاشورائيِّ.

وكما أنَّ حضور وعيك مطلوب، فحضور قلبك، ومشاعرك، وضميرك، ووجدانك مطلوب أيضًا أنْ يحضروا مع موكب عاشوراء الحسين (عليه السَّلام).

المكوِّن الرَّابع: أجواء الموكب العاشورائيِّ

ما الذي تعنيه أجواء المواكب العاشورائيَّة؟

المطلوب أنْ تكون الأجواء العاشورائيَّة منسجمة مع أهداف وقِيم عاشوراء، وأنْ لا أدع جوًّا يحيط المواكب وفيه ما فيه من منافِيات مع أهداف عاشوراء!

* مُنَافِيَات عاشوراء

المُنافِي الأوَّل: تبرُّج بعض النِّساء، وانحراف بعض الشَّباب

هو خروج المرأة بزينتها، وتبرُّجها وحضورها لمشاهدة المواكب العاشورائيَّة، فهل مثل هذه تعيش عاشوراء؟!

أو هذا الشَّابُّ غير الملتزم الذي يستغلَّ الأجواء العاشورائيَّة لأهداف غير مشروعة، فهل هذا شابٌّ عاشورائيٌّ؟!
إنَّ الموكب يُمثِّل مسيرة إلَّا أنَّ هذه المسيرة تحيطها بها بعض الأجواء، كـ:
1- ظاهرة التَّبرُّج.
2- وظاهرة بعض الأزياء النِّسائيَّة.
3- وظاهرة الاختلاط بين الشَّباب والشَّابات في بعض مواقع المواكب الحسينيَّة.

فهذه كلُّها تشكِّل مظاهر تنسف أهداف الموكب العاشورائيِّ.

إنَّ الموكب العاشورائيَّ يريد أنْ يقرِّبنا من أهداف الحسين (عليه السَّلام)، وأهداف عاشوراء، ومثل تلك المظاهر تُصادر الأهداف الحقيقيَّة للمواكب العاشورائيَّة.

المُنافِي الثَّاني: تعارض أوقات المواكب مع الصَّلاة

توجد في بعض المواكب العاشورائيَّة نقطة انعدام تنظيم أوقات المواكب بحيث تتعارض مع أوقات الصَّلوات.

إنَّ الحسين (عليه السَّلام) وهو في قلب المعركة بكربلاء طلب إيقاف تلك المعركة؛ من أجل أنْ يُصلِّي!، وأنا أُقيم عاشوراء وما تعنيني الصَّلاة؟!

ولذا، فعلى مَن يُمارسُ دور الإشراف على المواكب العاشورائيَّة أنْ يلتفت إلى مسألةٍ، وهي ألَّا تتعارض أوقات المواكب العاشورائيَّة مع أوقات الصَّلاة.

المُنافِي الثَّالث: ظاهرة الخِلافات والصِّراعات في المواكب

تتحرَّك في أجواء مواكب بعض المناطق ظاهرة الخلافات، والصِّراعات:
صراعات بين مآتم!
وصراعات بين مواكب!
وصراعات بين أوقات!
وأتمنَّى أنْ تكون هذه الظَّاهرة – إنْ شاء الله تعالى – غير بارزة كثيرًا، إلَّا أنَّنا من اللَّازم أنْ نحذَر منها؛ لأنَّ عاشوراء يجب أنْ توحِّدنا، وشعارنا الدَّائم: عاشوراء يوحِّد.

إنَّ خطاب عاشوراء يوحِّد، فهو:
يوحِّد مآتم.
يوحِّد مواكب.
يوحِّد جماهير.
يوحِّد علاقات.
هذه هي عاشوراء.

إنَّنا نريد أنْ نطرح عاشوراء للعالم، ولكلِّ المذاهب، وإذا بنا في الدَّاخل الشِّيعيِّ نختلف في موسم عاشوراء!!
إنَّ مثل هذا الاختلاف يصادر رسالة عاشوراء، وأهداف عاشوراء.

أكتفي بهذا القدر وأترك الفرصة المحددة من قبل الإخوان إلى الأسئلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى