حديث الجمعةشهر جمادى الثانيةملف شهر رجب

حديث تامعة 397: كيف يجب أنْ نعيش مناسبة الزَّهراء(ع) (2) – نستقبلُ شهر رجب الأصب – السَّيد الصَّدر جهادٌ وشهادة (2)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهُداةِ الميامين، وبعد فمع العناوين التالية:


كيف يجب أنْ نعيش مناسبة الزَّهراء عليها السَّلام:
أنْ نعيشَ ميلادَ الزَّهراء فَرَحًا وِجدانيًا وعاطفيًا أمرٌ مطلوبٌ وغيرُ مرفوض، فمن خلال هذا التعاطي الوجداني والعاطفي يتجذَّرُ الانصهارُ والذوبان، فأيّ محاولةٍ لتجفيفِ العاطفيةِ، وإخمادِ الوجدانِ هيَ مصادرةٌ للوهجِ والحرارةِ، فيجب أنْ تستمرَ البَسمة في مناسباتِ الفرحِ وأنْ تستمرَ الدمعةُ في مناسبات الحزن، وهذا ما أكَّدهُ الحديثُ «يَفْرَحوُنَ لِفرحِنِا ويَحزَنُونَ لِحُزنِنا»..


وإنْ كنّا نفهمُ هذا الحديثَ بطريقةٍ تتجاوزُ المعنى السَّطحي المتداول بين النَّاسِ، حيث يربطونَه بالمناسباتِ التاريخيةِ فقط..
ففي مناسبات الولادة والبعثة والهجرة مطلوب أنْ نفرحَ لأنَّ هذا يُمثِّل فَرحَهُمْ، وفي مُناسباتِ الوفاةِ والشهادةِ مطلوبٌ أنْ نحزنَ لأنَّ هذا يُمثِّلُ حزنَهُم، هذا صحيح..


إلَّا أنَّ لحديث«يَفْرَحوُنَ لِفرحِنِا ويَحزَنُونَ لِحُزنِنا» معنى أعمق من هذا المعنى حينما نفهم ما يفرحُ أهلَ البيتِ وما يحزنُ أهلَ البيتِ…
ما يفرحُهمْ هو كلُّ ما يُرضي اللهَ وما يحزنُهم هو كلُّ ما يُغضبُ اللهَ، فالطاعةُ والتقوى والصَّلاحُ والخيرُ والمحبَّةُ والتّسامحُ والأخوَّةُ والتآلفُ، والعطاءُ والبذلُ، والتضحية والجهادُ في سبيلِ الله، والدعوةُ والإصلاح والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ ومحاربةُ الفسادِ والانحرافِ والعبثِ والشّر… كلُّ هذا يُفرحهُم، فإذا أردَنا أنْ (نفرحَ لفرحهم) فيجبُ أنْ نكونَ في كلِّ هذه المواقع التي ترضي اللهَ تعالى…


وأمَّا ما يُحزنُ أهلَ البيتِ عليهم السَّلام فهو كلّ ما يُغضبُ اللهُ تعالى، كالعصيانِ، والفسقِ، والفجورِ، وارتكابِ المحرَّماتِ، وتجاوزِ الحدود الشَّرعيةِ، وممارسةِ الشَّرِ، والفسادِ، والتباغضِ، والتدابرِ، والتهاجرِ، والكراهيةِ، والعداوةِ للمؤمنين، وعدمِ العطاءِ والبذلِ، والتضحية، وتركِ الجهادِ في سبيلِ الله، والدعوةِ، والإصلاحِ، والأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، وتركِ محاربة الفسادِ والانحرافِ والعبثِ والشّرِ، كلُّ هذا يُحزِنهُم، فإذا أردنا أنْ (نحزنَ لِحزنِهم) فيجب أنْ لا نكونَ في كلِّ هذه المواضع..
وهذا ما أكَّدته كلماتُهم عليهم السَّلام:


• قال أمير المؤمنينَ عليه السَّلام:
«شيعتي واللهِ الحلماءُ، العلماءُ باللهِ ودينِهِ، العاملونَ بطاعتِهِ وأمرِهِ، المهتدونَ لحبِّهِ، وأنصارُ عبادِهِ، جُلَّاسُ زُهَّادِهِ…
– إلى أن يقول -: تُعرفُ الرَّبانيةُ في وُجُوهِهِم، والرهبانيَّةُ في سمتِهم، مصابيحُ كلِّ ظلمةٍ، ورياحينُ كلِّ قبيلةٍِ،… – إلى آخر كلامه عليه السَّلام -».


• وفي كلام آخر قال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«مَنْ أحبَّنَا فليعملْ بعملِنَا، ويستعنْ بالورع، فإنَّه أفضلُ ما يُستعانُ به في الدُّنيا والآخرة،…الزموا الصِّدقَ فإنَّه منجاةُ، ارغبوا فيما عندَ اللهِ، واطلبوا مرضاتَهُ وطاعتَهُ واصبروا عليهما،… تمسَّكُوا بما أمركم اللهُ به،… – إلى آخر كلامه -».


• وقال الإمام البّاقرُ عليه السَّلام لجابر بن يزيد الجعفي:
«يا جابرُ: أيكتفي مَنْ انتحلَ التشيُّعَ أنْ يقولَ بحبِّنا أهلَ البيت؟ فواللهِ ما شيعتُنَا إلَّا مَنْ اتَّقى الله وأطاعَهُ، وما كانوا يُعرفُونَ – يا جابرُ – إلَّا بالتواضعِ والتخشُّعِ، وكثرةِ ذكرِ اللهِ، والصَّومِ، والصَّلاةِ، والعهُّدِ للجيرانِ من الفقراءِ وأهلِ المسكنةِ والغارمينَ والأيتام، وصدقِ الحديثِ، وتلاوةِ القرآنِ، وكفِّ الألسنِ عن النَّاسِ إلَّا من خير… –إلى أنْ قال -: فاتقوا الله واعملوا لما عند اللهِ، ليس بين اللهِ وبين أحدٍ قرابةَ، أحبُّ العبادِ إلى اللهِ وأكرمُهمُ عليه أتقاهُم له، وأعملهُم بطاعتِهِ،… مَنْ كانَ للهِ مُطيعًا فهو لنا وليٌّ، ومَنْ كانَ للهِ عاصيًا فهو لنا عدو، ولا تُنال ولايتُنا إلَّا بالورعِ والعمل».


• قال الإمام الصّادق عليه السَّلام:
«ليس مِن شيعتِنا مَنْ وافقنا بلسانِهِ، وخالفَنا في أعمالِنا وآثارِنا، ولكن شيعتُنا مَنْ وافقَنا بلسانِه، وقلبِهِ، واتَّبع آثارَنا، وعَمِلَ بأعمالِنا، أولئك شيعتُنا».
للحديث تتمةٌ إنْ شاء الله تعالى.


نستقبلُ شهر رجب الأصب:
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ…﴾ {التوبة/36}
الأشهر الحُرُم هي: المحرم، رجب، ذو القعدة، ذو الحجة.
سُمِّيت بالأشهر الحُرُم لأنَّ أهلَ الجاهليةَ كانُوا يحرِّمونَ فيها القتال تعظيمًا لها، فلمَّا جاء الإسلامُ لم يزدْهَا إلَّا حُرْمةً وتعظيمًا…
فشهر رجب أحد الأشهر الحُرُم، وسُمِّي هذا الشهر بـ (الأصب) لأنَّ الله تعالى يصبُّ فيه الرحمةَ على عباده صبًّا.
وهذا الشهر احتضن مجموعة مناسبات مهمة:
• البعثة النبوية في السابع والعشرين من رجب.
• مولد أمير المؤمنين في الثالث عشر من رجب.
• مولد الإمام الباقر عليه السَّلام في أول رجب.
• شهادة الإمام موسى بن جعفر عليهما السَّلام في الخامس والعشرين من شهر رجب.
• مولد الإمام الهادي عليه السَّلام في الثاني من رجب.
• شهادة الإمام الهادي في الثالث من رجب.
• مولد الإمام الجواد عليه السَّلام في العاشر من شهر رجب.
• وفاة الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين عليه السَّلام في الخامس عشر من شهر رجب.
• وفاة مؤمن قريش أبي طالب عمّ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم في السادس والعشرين من شهر رجب.
فشهر رجب حافل بمناسباتٍ إيمانيةٍ كبيرةٍ غنيةٍ بالعطاءِ الروحي والأخلاقي والثقافي والاجتماعي والجهادي، فما أحوجنا أنْ نحوِّل هذه المناسباتِ إلى محطَّاتٍ تعبِّئُنا إيمانيًا وفكريًا وروحيًا، وأخلاقيًا، وسلوكيًا، ورساليًا…
فقيمة الاحتفاء بالمناسبة الدّينية تتحدَّد مِن خلال عنصرين أساسين:
العنصر الأول: مقدار ما نتعلَّم منها.
العنصر الثاني: مقدار ما نتمَّثل ممَّا تعلّمنا.
فلا قيمة لاحتفاءٍ لا نتعلَّم منه شيئًا.
ولا قيمة لما تعلَّمناه إذا لم نعمل به.
• جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم فقال: ما ينفي عنِّي حجةَ الجهلِ؟
قال صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم: العلم
قال: فما ينفي عنِّيحجة العلم؟
قال صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم: العمل».
أيُّها الأحبَّة الكرام: شهر رجب محطة مهمة مِن محطَّاتِ التعبئة الروحية، فعليكم بالجدِّ والاجتهاد في القيام ببعض الأعمال المندوبة، إضافةً إلى المحافظة على أداءِ الواجبات واجتناب المحرَّمات.
ومن هذه الأعمال المندوبة والمؤكَّد عليها في شهر رجب العظيم:
(1) الصِّيام:
• ففي الحديث عن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليهِ وآلِهِ وسلَّم:
«مَنْ صامَ من رجب يومًا إيمانًا واحتسابًا استوجَبَ رضوانَ اللهِ الأكبر، وأطفأ صومُهُ في ذلكَ اليوم غضبَ اللهِ، وأغلق عنه بابًا من أبوابِ النَّار».


• وعنه صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم:
«ومَنْ صام ثلاثة أيام من رجب كتبَ اللهُ له بكلِّ يوم صيام سنة،ومَنْ صام سبعة أيام من رجب أغلقت عنه سبعة أبواب النّار، ومَنْ صام ثمانية أيامٍ من رجب فتحت له أبواب الجنَّة الثمانية…».
والحديث طويل…


• وروى الصدوق عن عليّ بن سالم عن أبه قال: دخلت على الصَّادق عليه السَّلام في رجب، وقد بقيت منه أيام فلمَّا نظر إليَّ قال لي:
«يا سالم هل صمتَ من هذا الشهرِ شيئًا؟ قلت لا والله يا ابن رسولِ الله، قال لي: فقد فاتك من الثّواب ما لم يعلم مبلغه إلَّا الله عزَّ وجلَّ…
فقلت له: يا ابنَ رسولِ اللهِ فإن صُمت ممَّا بقي منه شيئًا هل أنالُ فوزًا ببعض ثواب الصائمين فيه؟
فقال عليه السَّلام: يا سالم مَنْ صامَ يومًا من آخر هذا الشهر كان ذلك أمانًا من شدَّة سكراتِ الموتِ، وأمانًا من هولِ المطَّلع وعذابِ القبرِ،
ومَنْ صام يومين من آخر هذا الشهر كان له بذلك جوازًا على الصِّراط،
ومَنْ صام ثلاثة أيام من آخر هذا الشهر أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأعطي براءة من النار».


• وفي بعض الروايات أنَّه من لم يقدر على الصوم يُسبِّح في كلِّ يوم مائة مرة بهذا التسبيح لينال أجر الصِّيام فيه:
«سُبحانَ اللهِ الجليل، سُبحانَ مَنْ لا ينبغي التسبيح إلَّا له، سُبحانَ الأعزّ الأكرم، سُبحان مَنْ لبَس العزَّ وهو له أهل».


(2) الإكثار من الاستغفار في هذا الشهر ففي ذلك ثوابٌ عظيم كما أكَّدت الروايات..
والاستغفار على نحوين:
أ‌- الاستغفار المطلق بلا تحديد الزمان والمكان والعدد:
(استغفر الله) (أستغفر الله ربي) (استغفر الله ربي وأتوب إليه) قال تعالى ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ {نوح/10}
• وعنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«خير الدعاء الاستغفار»،«خير العبادة الاستغفار».


ب‌- الاستغفار المحدَّد:
1- حين المعصية: «لكلِّ داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار».
2- الاستغفار بالأسحار: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ {آل عمران/17} ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ {الذاريات/18}
3- الاستغفار في شهر رمضان، وشهر شعبان، وشهر رجب، وفي بعض اللَّيالي والأيام المخصوصة (ليلة الجمعة ويوم الجمعة/ ليالي القدر/ الأعياد).
• في الحديث:
«مَنْ استغفر في رجب سبعين مرة بالغداة وسبعين مرة بالعشي يقول: (استغفر الله وأتوب إليه) فإذا بلغ سبعين مرة رفع يديه وقال: (اللَّهُم اغفر لي وتُب عليَّ) فإنْ مات في رجب مات مرضيًا عنه، ولا تمسّه النَّار ببركة رجب».


(3) الصَّلوات المندوبة:
أ‌- صلوات مندوبة مطلقة: صلاة الليل، صلاة جعفر، صلاة الوصية، النوافل الراتبة.
ب‌- صلوات مندوبة خاصة بهذا الشهر (أقرأوا كتاب مفاتح الجنان)
وأشير هنا إلى: ليلة الرغائب
وهي أول ليلة من ليالي الجمعة من رجب.
وسمِّيت ليلة الرغائب وذلك لعظيم الثواب فيها، والذي يُرغبُ فيه، وهي ليلة فيها فضل عظيم…
وورد عملٌ خاصٌ بهذه الليلة: «أنْ تَصوم أول خميس من رجب، ثمَّ تصلِّى بين المغرب والعشاء وقيل بين العشاء والعتمة صلاة مخصوصةً (يمكن الرجوع إلى مفاتيح الجنان لمعرفة تفاصيل هذه الصَّلاة) وثواب هذا العمل – حسب الرواية المذكورة في بعض المصَّادر – عظيم جدًّا.. ورغم وجود نقاش حول هذه الرواية، إلَّا أنَّ بعض الكتب المعتمدة ذكرت هذه الصَّلاة، وحتى رسائل عدد من الفقهاء أوردت الصَّلاة… فلا مشكلة أنْ يؤتى بها برجاء المطلوبية كما هو شأن الكثير من المستحبات المدوَّنة في الرسائل العملية اعتمادًا على قاعدة التسامح في أدلة السنن، أو أحاديث (مَنْ بلغه) وفي هذه الأحاديث ما هو صحيح بلا إشكال…
أيُّها الأحبَّة: استزيدوا في هذا الشهر من الصَّلاةِ، والذكرِ، والدعاءِ، وتلاوة القرآن، والصَّدقات، وأعمال البِّر، ومختلف أنواع الطَّاعات والقربات…


السَّيد الصَّدر جهادٌ وشهادة:
حياة السَّيد الصَّدر كلُّها جهادٌ وعطاءٌ، وتَوَّجَ هذه الحياةَ بشهادةٍ مُشرّفة، ولا تسع كلمةٌ عابرةٌ أنْ تلامسَ شيئًا مِنْ هذه المسيرة العملاقة، إلَّا أنَّني في هذه الكلمةِ العاجلةِ أحاولُ أنْ أطلَّ على بعضِ لقطاتٍ عاجلةٍ من جهادِهِ العلمي والسِّياسي.
1- جهادُهُ العلمي والفكري والثقافي:
كتاباتُ السَّيدِ الصَّدرِ ونتاجاتُه، ومحاضراتُه تشكِّلُ مشروعًا ثقافيًا نهضويًا متكاملًا وشاملًا، لم يكن يكتبُ وينتجُ، ويحاضرُ، ويُدرِّسُ للاستهلاكِ، أو ليعبِّر عن قُدرةٍ علميةٍ وفكريةٍ وأدبيةٍ متميزةٍ جدًّا، ومُبْدعةٍ جدًا، أو لمجرد المساهمة في إثراء الواقع العلمي والثقافي…
بل كان يحملُ في عقلِهِ مشروعًا تغييريًا كبيرًا، متكاملًا يعتمد الإسلام في مواجهة المشروعات المناهضة بكلِّ صياغاتِها، وتنوعاتِها، ومنطلقاتِها…
وهكذا جاءتْ كتاباتُ السَّيد الصَّدر ونتاجاتُه ومحاضراتُه متنوعةً وشاملةً، ومتكاملةً…
– كتَب ودرَّسَ وحاضَرَ في الفقه والأصول.
– وفي الفلسفةِ والمنطق والأخلاق.
– وفي الاقتصادِ وشؤونِ البنوكِ والمصارف.
– وفي أمور العقيدة وأسس الدِّين ومبادئ الإسلام.
– وفي تفسير القرآن وعلومه وسننه ومختلف آفاقه.
– وفي قضايا التاريخ والسيرة والتراث..
– وفي شؤونالمجتمع ومشكلاتِه وأدوات نهوضه.
– وفي مسائل السِّياسة والحكم والدولة.
– وفي أسس العمل الإسلامي والحركي والتنظيمي.


2- جهاده السِّياسي:
وهذه لمحات عاجلةٌ من جهادِهِ السِّياسي:
أ‌- كان يقف دائمًا مع انتفاضات الشعب العراقي:
في سنة (1397هـ – 1977م) منع النظام في العراق (مواكب المشاةِ إلى كربلاء في أربعينية الحسين).
وقد تحدَّتْ الجماهير هذا المنع في مسيراتٍ حاشدة (يوم الجمعة 17صفر 1397هـ) زاحفةً إلى كربلاء، صارخةً بشعار التحدِّي (لو قطَّعوا أرجلَنَا واليدين نأتيكَ زحفًا سيدي يا حسين).
وأصدر السَّيد الصدر خطابه للجماهير قائلًا: (إنَّ هذه المواكب شوكة في عيون حكَّام الجور، إنَّ هذه المواكب وهذه الشعائر هي التي زرعتْ في قلوب الأجيال حبَّ الحسين عليه السَّلام فلا بدَّ من بذلِ كلَّ الجهودِ للإبقاء عليها، رغم حاجة بعضها إلى التعديل والتهذيب).


ب‌- كان جريئًا في الدفاع عن قضايا الشعب العراقي نقرأ هذا الخطاب الموَّجه للسُّلطة وللنظام:
«أيُّ سلطةٍ هذه، وأيُّ نظام هذا، إنَّكم كمَّمتم الأفواه، وصادرتم الحرياتِ، وخنقتم الشعبَ بقوةِ النَّارِ والحديد، تريدونَ شعبًا ميِّتًا يعيشُ بلا إرادةٍ، تريدونَ شعبًا بلا كرامة، وحين يُعبِّر شعبُنا عن إرادتهِ، وحينما يتخذ موقفًا من قضية ما، وحين تأتي عشراتُ الآلاف من أبناء شعبنا لتعبِّر عن ولائها للإسلام والمرجعية تقوم قائمتكم، فلا تحترمونَ شعبًا، ولا دينًا، ولا قيمًا، بل تلجأون إلى القوَّة لتكمموا الأفواه، وتصادروا الحريات، وتسحقوا كرامة الشعب، أين الحرية التي تدَّعونها، وجعلتموها شعارًا من شعاراتكم… – إلى آخر خطابه -».


السَّيد الصَّدر يُصمِّم على الشهادة:
في آخر خطاب وجَّهه إلى أبنائه ومحبِّيه:
«وأنا أُعلنْ لكم يا أبنائي أنِّي صمَّمتُ على الشهادة، ولعلَّ هذا آخر ما تسمعونَهُ منِّي، وإنَّ أبواب الجنَّة قد فتحتْ لتستقبل قوافل الشهداء حتّى يكتب الله لكم النصر…».
واعتقل السَّيد الصَّدر الاعتقال الأخير في 5/4/1980م وفي اليوم التالي اعتقلوا أخته العَلَوية بنت الهدى.
مارسوا مع السَّيد الصَّدر أقسى ألوان التعذيب…
– في بعض الروايات أنَّهم قيَّدوه بالحديد…
– كان الطاغية صدَّام نفسه يباشر تعذيبه…
– كان السوط البلاستيكي الصّلب يُهشِّم رأس السَّيد الصَّدر…
– ويتهاوى بعنفٍ وقسوةٍ على وجهه وبدَنِه…
– ولعلَّ الكلماتِ النابية والبذيئة التي اسمعوها السَّيد الصَّدر كانت أقسى وأشدّ عليه من السِّياط والحديد ومن كلِّ عذابات الجسد…
وكان نصيب العلوية نصيب العلوية بنت الهدى من التعذيب ما لا يمكن تصوره فضلًا عن تحمّله، وكانوا أحيانًا يُعذِّبونها على مرأى ومنظر من الشهيد الصَّدر، مزيدًا في إيذائه وإيلامِهِ…
وأخيرًا اتخذ الطاغية قراره الطائش بإعدام السَّيد الصَّدر وأخته العلوية، وكان بيد الطاغية مسدَّس، فأفرغ بعضَ رصاصاتِه الطائشة في رأسِ السَّيد الصَّدر، وفي قلبِهِ، فسقط على الأرض مضرجًا بدمائِهِ…
وكأنِّي بالشهيد الصَّدر في تلك اللحظاتِ قد استحضر مشهد عاشوراء حينما اخترق السهمُ المثلثُ قلبَ جدِّه الحسين، وسقط على ثرى كربلاء، مضرَّجًا بالدماء…
وبعد أنْ أفرغ الطاغية بعض رصاصاتهِ في رأسِ وقلبِ السَّيد الصَّدر…
توجَّه إلى العَلَوية بنت الهدى، وأفرغ في رأسها وقلبها بعضَ رصاصاتٍ مجنونةٍ، فسقطتْ العَلَويةَ الطاهرة المظلومة مُضرَّجةً بدمائِها..
وهكذا تعانقت الرّوحان روحُ الشهيد الصَّدر وروحُ الشهيدة بنت الهدى، وهكذا تمازج الدمان الطاهران…
عاشا معًا في دربِ الجهاد، وعاشا معًا كلَّ معاناةِ هذا الدرب، وعاشا معًا كلَّ العذاباتِ، وكلَّ الآمالِ والآلام، وختما معًا حياتَهُما بالشهادة وأصبحا معًا عنوانين ورمزين كبيرين، تترسم خطاهما كلُّ الأجيال المؤمنة، وأصبحا معًا أنشودة النصر يردِّدهَا كلُّ الثُّوار والمجاهدين…


الجثمان الطاهر يوارى سرًّا:
في مساءِ التاسع من نيسان 1980م، وفي حدود العاشرة ليلًا قطع التيار الكهربائي عن مدينةِ النجف الأشرف، وطُوِّقت المدينة بقواتِ الأمنِ، وفي ظلام الليل الدامس، تسلَّل مجموعة من قوات الأمنِ إلى دار السَّيد محمد صادق الصَّدر – ابن عم السَّيد الصَّدر – وطلبوا منه أنْ يصحبهم إلى بناية المحافظة، ومضى معهم، وقيل أخذوه معصوب العينين…
ومن هناك أخذوه إلى مقبرة وادي السَّلام، وهنا كانت الصدمة الفاجعة، قالوا له: هذه جنازة الصَّدر تمَّ إعدامه…
وكشفوا عن وجهه وسألوا السَّيد محمد صادق الصَّدر: هل هذا هو؟ متأكد منه؟ حتى لا تقولوا ليس هو؟
فاسترجع السَّيد محمد صادق قائلًا: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، وسلَّموا السَّيد محمد صادق الصَّدر ورقةً كتب عليها: (إعدام رميًا بالرصاص)
فبكى السَّيد ولطم وجهه وقال: أصدرتم حكم الإعدام.
– قال السَّيد لهم: لا بدَّ من تغسيله..
– قالوا: تمَّ تغسيله وتكفينه..
– قال السَّيد: لا بدَّ من الصَّلاة عليه..
– قالوا: صلِّ عليه.. فصلَّى عليه..
– ثمَّ قالوا: هل تحبّ أنْ تراه..
– قال السَّيد: نعم.
فتحوا التابوت، فشاهد السَّيد الصّدر مضرجًا بدمائه وآثار التعذيب على كلِّ مكان من وجهه، وقد أحرقت لحيتُه وهَشَّمت رصاصة مقدَّمَ جمجمتِه فوق إحدى عينيه…
وهكذا تمَّ مواراة الشهيد الصَّدر… وبقي قبره مخفيًّا لسنين طويلة، حتى سقط النظام، وشاءت إرادة الله أنْ يكونَ للشهيد الصّدر قبرٌ شاخصٌ، ومَعْلَمٌ بارزٌ، يؤمُّهُ ويقصده الملايينَ من الزائرين والعاشقين…
أمَّا الشهيدة بنت الهدى، فقد تعدَّدت الرِّوايات حول جثمانها الطاهر:
– فقيل أنَّ جثمانها سلِّم مع جثمان أخيها السَّيد الصدر..
– وقيل أنَّها دُفنت في مقابر الكرخ ببغداد..
– وقيل إنَّ جثمانها لا يُعلم مصيره..
– وقيل إنَّ جثمان الشهيدة العَلَوية بنت الهُدى قد أُذيب بالمواد الكيماوية..
وهكذا أبت الشهيدة العَلَوية بنت الهدى إلَّا أنْ تُشارك جدَّتِها الصَّديقة فاطمةَ الزَّهراء في خفاء قبرها وكيف لا وهي فاطمةُ هذا العصر..
ملاحظة:
اعتمدنا في ما سقناه من معلومات على مصدرين أساسين:
• شهيدُ الأمَّةِ وشاهِدُها: للشيخ محمد رضا النعماني.
• محمد باقر الصَّدر السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق: لأحمد عبد الله أبو زيد العاملي..
أيُّها الأحبّة:
أعتذر حيث لم يتسع الوقت للحديث عن الشأن السِّياسي المحلي…
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى