قضايا الشباب

المربي القدوة في وصايا لقمان الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين و الصُّلاة و السُّلام على سيد الأنبياء و المرسلين محمد وعلى أهل بيته الهداة المعصومين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


 لا زلنا في سياق التمهيد للحديث حول ( وصايا لقمان الحكيم ) والتي شكّلت (( برنامجاً تربوياً نموذجياً )) في توجيه الأبناء وصياغة شخصياتهم على المستوى الفكري والروحي والسلوكي .


 وأهم ما يميز لقمان الحكيم أنّه كان (( المربي القدوة ))، أي أنّه بدأ بتربية نفسه، قبل أن يتوجه إلى ابنه و إلى الناس بالوعظ و التربية .


من الشروط الأساسية لنجاح التوجيهات الصادرة من المربين ( آباء وأمهات، مدرسين ، علماء، خطباء، وعاظا ) أن يبدأ هؤلاء المربون والموجهون بأنفسهم وإلاّ فإنّ توجيهاتهم لن تجد طريقها إلى التأثير .


تصوروا واعظاً يأمر الناس بالخير والصلاح والتقوى، ويرى الناس في سلوكه ما يخالف ذلك، كم سيكون لمواعظه وتوجيهاته من أثر ؟


(( يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) الصف / 3


(( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) البقرة /44


وجاء في الحديث المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) :


(( من دعا الناس إلى قول أو عمل، ولم يعمل هو به لم يزل في سخط الله حتى يكّف أويعمل  بما قال أو دعا إليه ))


وفي حديث آخر.. (( كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاة الناس بألسنتكم ))


·وفي وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبي ذر :


(( يا أبا ذر يطّلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار، وانّما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم و تعليمكم ؟


فيقولون : إنّا كنا نأمركم بالخير و لا نفعله ))


 نخلص إلى القول بأنّ الموجهين و المربين ( العلماء،الخطباء،الأساتذة، الدعاة، الآباء والأمهات ) يجب أن يبدأوا بتأديب وتربية أنفسهم لتكون لتوجيهاتهم تأثيراتها العملية، كما كان لقمان الحكيم ((المربي القدوة )) و(( الموجه الملتزم)) ولهذا نجد في مواعظه طابعاً ربانياً روحانياً مؤثراً في القلوب والنفوس، فالكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان ..


وحيث أننّا هنا نطرح لقمان نموذجاً للأب المربي من خلال وصاياه إلى ابنه كما دوّنها القرآن الكريم، فيجب أن نركّز الحديث حول (( الآباء والأمهات )) .


  أيّها الآباء، وأيتها الأمهات ..


كونوا القدوة الحسنة لأبنائكم وبناتكم، كونوا المربين والموجهين من خلال أعمالكم وليس من خلال الكلمات فقط ..


حذارِ أن يجد أبناؤكم وبناتكم في سلوككم ما يدفعهم إلى الانحراف والعصيان، التوجيه العملي له آثاره التربوية الكبيرة جداً، فالأبناء- وخاصة الصغار- يحاولون دائماً أن يترسموا سلوك الآباء والأمهات .


 نستعين بالأمثلة التالية :


 المثال الأول : إذا كان الأبوان محافظين على الصلاة، هيأ ذلك الجو  للأبناء أن يكونوا محافظين على الصلاة و العكس هو العكس ..


 المثال الثاني: إذا كان الأبوان يداومان على تلاوة القرآن نشأ الأولاد كذلك ..


أمّا إذا كان القرآن مهجوراً في البيت، فهل نتوقع أن ينشأ الأبناء على حب القرآن وتلاوة القرآن.


· البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر فيه الله تعالى تحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، ولا يذكر فيه الله تعالى تهجره الملائكة، وتحضره الشياطين


المثال لثالث:إذا كان الأبوان يمارسان الكذب دائماً، فماذا ننتظر من الأبناء ..؟


وقد تصدر من الآباء أو الأمهات بعض التصرفات تزرع عند الأبناء عادة الكذب .


·تُطرقُ الباب .. يوجّه الأب أو الأم الطفل :


اذهب وقل للطارق إنّ أبي غير موجود أو إنّ أمي غير موجودة، ينفّذ الطفل ذلك بكل براءة ولكنه تعلم شيئاً اسمه (( الكذب ))


· أن يهدئ الآباء أو لأمهات أطفالهم بالوعود الكاذبة.


· (إذا وعدتم الصبيان فأنجزوا  )


·( إذا وعد أحدكم صبيّه  فلينجز )


· ( لا يصح الكذب في الجدّ وفي الهزل ولا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي )


المثال الرابع : إذا كانت الأمهات محافظات على الستر والعفاف والحجاب الإسلامي، كان لذلك تأثيراته على التزام البنات، واهتمامهن بالستر والحجاب، والعكس يخلق أجواء الانحراف والتمرد و العصيان .


المثال الخامس : إذا كانت أجواء الأسرة فيها الكثير من المخالفات الشرعية كالاستماع إلى الغناء المحرم والموسيقى المحرمة، والمشاهدات التلفازية المحرمة، فلا شك أنّ هذا يوفر أجواء الفساد والفسوق للأولاد والبنات، ويتحمّل الآباء والأمهات هذه المسؤولية، تصوروا أن بعض الآباء – وفي هذا البلد – يعرضون أفلاماً جنسية على أبنائهم وبناتهم الصغار الذين تترواح أعمارهم بين(7- 9 سنوات)، كما صّرحت بذلك إحدى العاملات في لجنة حماية الطفل حسب ما نشر في الصحافة المحلية .


 المثال السادس : إذا كان الأبوان يأكلان الحرام، ويشربان الحرام .. فكيف ينشأ الأبناء ؟


إنّ إعطاء الأكل الحرام إلى الأطفال يخلق عندهم الإستعدادات الذاتية للانحراف، حيث تموت المناعة الداخلية، والحصانة الروحية فيسقط هؤلاء الأطفال بسهولة في قبضة المؤثرات الانحرافية الأخرى في خارج الأسرة .


فكم يجني هؤلاء الآباء و الأمهات على أبنائهم .


· هل تعلمون أنّ بعض الآباء غير الملتزمين يعلمون أبناءهم الصغار على شرب الخمر – كما حدثني بذلك أحد الأخوة المؤمنين –


·بل أنّ هناك آباء يصطحبون أبناءهم إلى ( البارات و مواخر الخمور)


إنّها جريمة كبرى في حق هؤلاء الصغار يمارسها هذا الصنف من الآباء الذين لا يحملون ضميراً أخلاقياً ولا ضميراً إنسانياً .


هذا هو أعنف ألوان الاعتداء على الطفولة وإذا كانت هناك لجان ومؤسسات لحماية الطفولة ضد العنف والاعتداء، فيجب أن تضع في أولويات مسؤولياتها الدفاع عن الطفولة من تصرفات هؤلاء الآباء الفساق والمنحرفين الذين يقهرون أبناءهم على الفسق والإنحراف، وإذا كان الاعتداء على جسد الطفل جريمة لا تغتفر، فإنّ الاعتداء على روحه أشد جرماً، وجناية..


 وهنا أود أن أقول كلمة صريحة :


إنّ الذي يهيء لهذه الجرائم، وهذه الممارسات الشائنة في حق هذا الجيل الناشئ هو هذه ( التسهيلات) الموجودة في هذا البلد لارتكاب الفجور، وتعاطي شرب الخمور، فأماكن اللهو المحرم، وأسواق الدعارة، والبارات ومحلات الخمور منتشرة ليس في الفنادق و الصالات الراقية فقط، بل امتدت هنا وهناك، وزحفت إلى قلب الأماكن الآهلة بالناس، والمناطق الملتزمة بالدين والقيم، مما وفّر الفرص السهلة لأبناء هذا الجيل أن يسقطوا في ممارسة هذه الأعمال الشائنة ، وهكذا تتحرك مشروعات الفساد والعبث بأخلاق البلد ودينه وهويته .


حدثني أحد الأخوة الذين أثق بهم أنّه حاول أن يراقب بعض الأماكن المخصصة لبيع الخمرة والدعارة – وللعلم أنّ هذا المكان في منطقة قريبة جداً من أحياء تسكنها العوائل المحافظة والملتزمة – وإننا نوجّه كل المؤمنين الغيارى على دينهم، وقيمهم، وأعراضهم أن يراقبوا ويحاصروا هذه الأماكن الفاجرة المدمرة، ولتكن الأساليب مدروسة وحكيمة ..


يقول هذا الأخ أنّه وفي أثناء مراقبته لهذا المكان الموبوء شاهد فتىً صغيراً في الرابعة عشرة من العمر أو يزيد قليلاً دخل هذا المكان، ولبث بعض الوقت، ثم خرج وبصحبته واحدة من بائعات العهر والفجور والدعارة، ولا شك أنّه ابتاع زجاجة خمرة لتكتمل اللذة المحرمة (( العُهروالسُكر )) فما ظنكم بهذا البلد الصغير تنتشر فيه تجارة العُهر والسُكر؟!


ما ظنكم بهذا البلد الصغير، وأطفاله، وشبابه الذين لم يتجاوزوا الرابعة عشرة من العمر، يرتادون أماكن العُهر والسُكر ؟


إن مستقبلاً مرعباً مخيفاً ينذر بكل الخطر ينتظر هذا البلد، أجيال هذا البلد، هوية هذا البلد،  إذا بقيت أجواء الفساد الأخلاقي تعبث بهذا البلد، وتنهش في قيمه وأخلاقه.


 قد يقال :لماذا تتحدثون بهذه اللغة المتشائمة ؟!


أليس المشروع الإصلاحي الذي تعيشه البحرين، وفي طموحاته الكبيرة يبعث على الأمل بمستقبل زاهر مشرق ؟


وتعقيباً على هذا الكلام نقول:


 أولاً : إننّا لا نتحدث بلغة متشائمة، إنّها اللغة التي تحاسب الواقع بكل موضوعية، وبكل صراحة، وإنّه لمن الخيانة لهذا البلد، ولهذا الشعب أن تسكت الكلمة، وأن تهادن الباطل وأن تجامل الفساد والانحراف .


 ثانياً : ليس مشروعاً إصلاحياً ؛ هذا المشروع الذي لا يضع في أولوياته حماية أخلاق البلد، وقيمه، ودينه ، وهويته الإيمانية والروحية، وإذا قدر لهذا المشروع أنه استطاع أن يبرهن على مصداقيته، واستجاب لشيء من طموحات الشعب، المادية والمعنوية، فإنّ جماهيرنا سوف تبقى تعيش كل القلق ، وكل الريبة إذا لم تطمئن على سلامة دينها، وقيمها، وأخلاقها، وهويتها ..


 ثالثاً : إن الخطابات النظرية التي يعتمدها المشروع الإصلاحي لن تقدر على أن تخلق الاطمئنان والرضا في القلوب والنفوس إلاَّ إذا تحوّلت هذه الخطابات إلى مبادرات حقيقية متحركة على الأرض، ولم تكن مجرد أدوات لتخدير الناس، واستمالة العواطف والمشاعر ، خاصةً وأنّ عدداً من الإجراءات والقوانين قد أوجدت (( خيبة أمل )) كبيرة عند الجماهير، وما يترتب على ذلك من(( تعقيد صعب)) في التعاطي مع المشروع بكل صياغاته وتشكلاته .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى