حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 494: منهج الحوار مع الآخر –

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ، محمَّدٍ وآلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:

منهج الحوار مع الآخر
فقد قال الله تعالى مخاطبًا نبيَّه (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): ﴿… وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ (سورة النَّحل: الآية125).
هذا النَّصُّ يُحدِّدُ (منهج الحوار مع الآخر) الآخرَ في الدِّين، الآخرَ في المذهب، الآخرَ في الفكر، الآخرَ في السِّياسة.
مطلوبٌ أنْ نتحاور ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ إذا اختلفنا دينيًّا، ومذهبيًّا، وثقافيًّا، وسياسيًّا.
فئات المُخْتَلَفِ معهم
يمكن تصنيف النَّاس الَّذين يختلفون إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: المُتهاجِرون
الَّذين إذا اختلفوا (تهاجَرُوا)، و(تقاطعوا)، و(تدابَرُوا)، فلا يُكلِّم بعضهم بعضًا لا إيجابًا ولا سلبًا، وهذا ما عبَّرت عنه الرِّوايات بـ(الهجران):
1- قال النبي (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “هجر المسلم أخاه كَسَفْكِ دمَهُ” (كنز العمال9/32، المتقي الهندي).
هكذا يُغلِّظُ الدِّين على قضيَّة التَّهاجر والتَّقاطع والتَّدابر، فهي في مستوى أنْ تسفك دمَ أخيك، لأنَّك بهجرانك أخيك فقد ألغيتَ وجودَه، وكيانَه، وهُويَّته، فمجرَّد الاختلاف في الرَّأي لا يبرِّر التَّهاجر، والتَّقاطع، والتَّدابر، والتَّخاصم.
نعم، هناك استثناء حينما يكون (الهجران) هو الوسيلة؛ لتصحيح موقف، ولمواجهة واقع فاسد، وللنَّهي عن المنكر.
2- قال الإمام عليٌّ (عليه السَّلام): “أمرنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) أنْ نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرَّة” (الكافي5/59، الشيخ الكليني).
3- وقال الإمامُ الصَّادق (عليه السّلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (سورة المائدة: الآية79): “أَمَا إنَّهم لم يكونوا يدخلون مداخِلَهُمْ، ولا يجلسون مجالسهم، ولكن كانُوا إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم، وآنسوا بهم”! (بحار الأنوار97/85، العلَّامة المجلسي).
إذًا هنا (المقاطعة) وسيلة من وسائل التَّصدِّي للمنكر، وللباطل، وللفساد، وللانحراف، وللأوضاع الخطأ.
أمَّا أنْ يكون (التَّقاطع، والتَّهاجر) لمجرَّد اختلاف الآراء والقناعات، فهذا أمر مرفوض كلُّ الرَّفض، وشدَّدت الرِّوايات على التَّحذير منه، فـ:
أ- قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث” (الترغيب والترهيب في الحديث الشَّريف3/454، عبد العظيم المنذري).
ب- وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “أيَّما مُسْلَمَيْنِ تهاجرا، فمكثا ثلاثًا لا يصطلحانِ إلَّا كانا خارجينِ من الإسلام، ولم يكن بينهما ولاية، فأيُّهما سبق إلى كلام أخيه كان السَّابق إلى الجنَّة يوم الحساب” (الكافي2/345، الشيخ الكليني)
ج- وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “لا يفترق رجلان على الهجران إلَّا استوجب أحدهما البراءة واللَّعنة، وربَّما استحقَّ ذلك كلاهما.
فقال له مُعتَّب: جعلني الله فداك، هذا الظَّالم، فما بال المظلوم؟!
قال: لأنَّه لا يدعو أخاه إلى صِلَته، ولا يتغامس [يتغافل] له عن كلامه، سمعت أبي يقول: إذا تنازع اثنان، فعازَّ أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتَّى يقول لصاحبه: أَيْ أخي، أنا الظَّالم حتَّى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه، فإنَّ الله تبارك وتعالى حَكَمٌ، عَدْلٌ، يأخذ للمظلوم من الظَّالم” (الكافي2/344، الشيخ الكليني)
وأؤكِّد مرَّة أخرى: إنَّ التَّقاطع تارة يكون من أجل قضايا شخصيَّة، ومصالح ذاتيَّة، فهذا مرفوض، ومشدَّد على استنكارِهِ.
وتارة يكون غضبًا لله تعالى، وفي مواجهة انحراف وفساد وظلم، ولا تكون هناك وسيلة أخرى غير القطيعة والهجران، فهذا استثناء.
هذا الهجران لا يعبِّر عن كراهية تجاه الآخر، وإنَّما عن رغبة جادَّة في إصلاحه، وفي إنقاذه من واقع فاسدٍ أو خطأ.
الفئة الثَّانية: المتحارِبون
الَّذين إذا اختلفوا (تواجَهوا)، و(تصارعُوا)، و(تحاربُوا)، و(تقاتلوا)!
هنا يتحوَّل (الاختلاف) إلى (خصومة مستحكمة)، وإلى (عداوة فاتكة)، ومآلات (الخصومات المستحكِمة) مآلات مدمِّرَة، تدمِّرُ جماعاتٍ، وتدمِّرُ كياناتٍ، وتدمِّرُ أوطانًا، وتدمِّرُ مقدَّراتٍ ومقدَّساتٍ، وتدمِّرُ أرواحًا، وأموالًا، وأعراضًا.
1- في الكلمة عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): “الخصومة تمحقُ الدِّين، وتحبط العمل، وتورث الشَّك” (التَّوحيد، الصَّفحة458، الشَّيخ الصَّدوق).
2- وفي الكلمة عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “لا يخاصم إلَّا رجل ليس له ورع، أو رجلٌ شاك” (التَّوحيد، الصَّفحة458، الشَّيخ الصَّدوق).
عصر الخصومات!
إنَّنا في عصر (الخصومات):
-الخصومات في الأديان.
-الخصومات في المذاهب.
-الخصومات في قضايا الفكر، والثَّقافة.
-الخصومات في قضايا السِّياسة.
مهندسو الخصومات!
وهناك من يُهندس لهذه الخصومات!
هناك مهندسونَ لخصوماتِ الأديان!
وهناك مهندسونَ لخصوماتِ المذاهب!
وهناك مهندسونَ لخصوماتِ الثَّقافة!
وهناك مهندسونَ لخصوماتِ السِّياسة!
وربَّما تبرقع هؤلاء المهندسون ببراقع كثيرة!!
فمِن مهندسي الخصومات (علماء أديان)!
ومن مهندسي الخصومات (علماء مذاهب)!
ومن مهندسي الخصومات (رجال فكر)!
ومن مهندسي الخصومات (رجال سياسة)!
ومن مهندسي الخصومات (رجال إعلام)!
رافضو الخصومات!
لا يمكن للأديان الحقَّة أنْ تعيش الخصومات.
ولا يمكن للمذاهب الحقَّة أنْ تعيش الخصومات.
ولا يمكن للثَّقافات الحقَّة أنْ تعيش الخصومات.
ولا يمكن للسِّياسات الحقَّة أنْ تعيش الخصومات.
مواطن الخصومات
نعم، الخصومة تكون بين الحقِّ والباطل.
والخصومة تكون بين الخير والشَّرِّ.
والخصومة تكون بين العدل، والظُّلم.
والخصومة تكون بين الصَّلاح، والفساد.
وحتَّى هذه الخصومة يجب أنْ تكون محكومة للعقل، والرُّشد، والحكمة، وليست مأسورة للجهل، والهوى، والطَّيش.
انفلات الخصومات!
مأساة عصرنا الحاضر أنَّ الخصومات منفلتة، ولذلك أنتجت: حروبًا مدمِّرة، ومآسيَ مرعِبة، وأوضاعًا متفجِّرة، وخياراتٍ متطرِّفة، وقناعاتٍ متشدِّدة.
خصومات المسلمين!
وإذا أردنا للحديث أنْ يلامس (واقع المسلمين)، فالحديث فيه شجون وشجون، فخصومات المسلمين بلغت ذروتها، فالتَّطرُّف الدِّينيُّ، والمذهبيُّ، والثَّقافيُّ، والسِّياسيُّ يعبث بدماء المسلمين، وبأموال المسلمين، وبأعْراض المسلمين، وبمقدَّسات المسلمين، وبكلِّ أوطان المسلمين، وبكلِّ شعوب المسلمين.
ليس في هذا الكلام أيُّ تهويل، ولا ينطلق من روح يائسة متشائِمة، ولا يعبِّر عن قناعة ملتبِسة ومرتبكة، ولا يريد أنْ يكرِّس هذا الواقع السَّيِّئ، وإنَّما هو استجابة لنداء الدِّين والضَّمير.
هذا النِّداء يفرض علينا:
أنْ نقول: (لا) لكلِّ الخصومات المدمِّرة بين المسلمين.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ الصِّراعات المرعبة.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ أشكال العنف، والتَّطرُّف، والإرهاب.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ الخَيارات السَّيِّئة، والضَّارة.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ أشكال العبث بأوضاع المسلمين.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ الفتن، والعصبيَّات.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ صُنَّاع الكَرَاهيَّات، والعداوات.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ تجَّار الحروب.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ العابثين بالمحبَّة، والتَّسامح، والتَّآلف، والتَّقارب.
أنْ نقول: (لا) لكلِّ سماسرة الرُّعب، والخوف.
الفئة الثَّالثة: المتحاوِرون
الَّذين إذا اختلفوا تحاوروا ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ (سورة النَّحل: الآية125).
هذا ما يجب أنْ يكون عليه واقعنا الدِّينيُّ، والمذهبيُّ.
هذا ما يجب أنْ يكون عليه واقعنا الثَّقافيُّ.
هذا ما يجب أن يكون عليه واقعنا السِّياسيُّ.
إذا اختلفنا في رؤانا الدِّينيَّة والمذهبيَّة، فلنتحاور ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.
إذا اختلفنا في رؤانا الثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، فلنتحاور ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.
إذا اختلفنا في رؤانا السِّياسيَّة، فلنتحاور ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.
ليس صحيحًا أنْ نتقاطع، ونتدابر، ونتهاجر.
وليس صحيحًا أنْ نتصارع، وأنْ نتحارب، وأنْ نتواجه.
المطلوب أنْ نتحاور، ولكن ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ كما أمر القرآن الكريم.
وما معنى الحوار ﴿… بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾ (سورة النَّحل: الآية125)؟
الحوار – أيُّ حوار – دينيًّا كان أو سياسيًّا له (منطلقات)، وله (غايات)، وله (أدوات).
فيجب أنْ تكون المنطلقاتُ صادقةً.
ويجب أنْ تكون الغايات واضحةً.
ويجب أنْ تكون الأدوات مشروعةً.
دعونا نطرح (الحوار السِّياسيَّ بين الأنظمة الحاكمة والقوى المعارضة) نموذجًا؛ لكي يكون هذا الحوار ناجحًا، فالمطلوب:
أولًا: أنْ تكون منطلقاتُه صادقةً
فإذا صدقت نوايا الأنظمة في البحث عن (علاجات جادَّة) لأزمات الأوطان، وكذلك صدقت نوايا المعارضة، فإنَّ ذلك يوفِّر فرصةً كبيرةً للوصول إلى (العِلاجات الصَّائبة).
أمَّا إذا كانت (نوايا أطراف الحوار) غير صادقة وغير جادَّة، أو كانت (نوايا أحد الأطراف) كذلك، فإنَّ (الحلول والعِلاجات) سوف تتعثَّر.
فلا قيمة لكلِّ الحوارات السِّياسيَّة إذا لم تكن مدفوعةً من خلال (منطلقات صادقة، وجادَّة)، وسوف تكون هذه الحوارات لمجرَّد (الاستهلاك، والمتاجرة السِّياسيَّة)، وإضاعة للأوقات، وهدر للجهود والطَّاقات.
وبالتَّالي سوف تتكرَّس الأزمات، وربَّما تتحوَّل إلى مآزقَ، وهكذا تقتل كلَّ الفرص لأيَّة علاجاتٍ جادَّة وصائبة.
هذا (أولًا).
ومطلوبٌ لكي يكون الحوار ناجحًا:
ثانيًا: أنْ تكون أهدافُ وغاياتُ الحوار واضحةً، ومتَّفقًا عليها بين أطراف الحوار
إذا كانت هناك (ضبابيَّة) في الأهداف، أو كانت (تباينات بين الأطراف) في هذه الأهداف فسوف يتحرَّك الحوار في اتِّجاهاتٍ متعاكسةٍ، ومتعارضةٍ، ومتباينةٍ.
ومآل حوار من هذا النَّوع هو الفشل بلا إشكال!
فما تراه أنظمة الحكم (إصلاحًا) تراه قوى المعارضة (إفسادًا)!
وما تراه أنظمة الحكم (إفسادًا) تراه قوى المعارضة (إصلاحًا)!
نعم، ربَّما يكون التَّعارض ليس على هذا المستوى من (التَّضاد)، وإنَّما الاختلاف في (كمِّ)، أو في (كيف) الإصلاحات، فتراها الأنظمة (إصلاحاتٍ مجزيةً)، وتراها القوى المعارضة (إصلاحاتٍ غير مجزية)، وهنا يمكن للحوارات السِّياسيَّة الجادَّة أنْ تعالج هذا الاختلاف، فهو لا يشكِّل عقدةً صعبة أمام الإرادة الصَّادقة السَّاعية إلى معالجة (أزمات الأوطان)، و(إشكالات الإصلاح).
فمن أساساتِ نجاح الحِواراتِ أنْ يتَّفق الأطراف على أهداف واضحة يجب أنْ تُحَرِّك الحوارات في اتِّجاهها.
ومتى تمَّ الاتِّفاق على الأهداف، فلن يكون الأمر عسيرًا في البحث عن الوسائل الصَّالحة؛ لإنجاز هذه الأهداف.
هذا أولًا، وثانيًا.
وأمَّا:
ثالثًا: أنْ تكون أدوات الحوار مشروعة
فمطلوبٌ؛ لكي يكون الحوارُ ناجحًا أنْ تكونَ (أدواتُ الحوارِ مشروعةً).
ومن أهم هذه الأدوات أنْ تكون لغة الحوار نظيفةً.
تصوَّروا حِوارًا تُمارسُ فيه (لغة القَذْف، والاتِّهام)، هل يمكنُ اعتبارَه حِوارًا مُؤَهَلًا؛ لمعالجة خلافاتٍ ربَّما تكون معقَّدة كما هي خلافات الدِّين، وكما هي خلافات السِّياسة.
هذه اللُّغة مقيتةٌ وسيِّئةٌ، وتحمل معطياتٍ سلبيَّةً كبيرةً جدًّا، وتدفع بالخِلافات إلى المزيد من التَّعقيد، والتَّكريس.
وبالعكس حينما تكونُ لغةُ الحوارِ في غايةِ النَّظافةِ، والمحبَّةِ، والتَّسامح، فإنَّها تفتح القلوب والعقول، وتَكْسَحُ الكثيرَ من التَّعقيداتِ في قضايا الحوارِ، وتقارب بين الرُّؤى، والقناعات، وتقصِّر المسافات بين الأطراف المتحاورة.
فما أكثر الحوارات الفاشلة بسبب اللُّغة الفاشلة!
وما أكثر الحوارات النَّاجحة بسبب اللُّغة النَّاجحة.
فمسؤوليَّة المتحاورين في قضايا الدِّين، وفي قضايا السِّياسة أنْ يكونوا مؤهَّلين نفسيًّا، وروحيًّا، وأخلاقيًّا قبل أنْ يكونوا مؤهَّلين فكريًّا، وثقافيًّا، وأدبيًّا، وسياسيًّا.
ليس مآزق الأوطان هو (غياب الحوارات) فقط، بل مآزق الأوطان وجود (الحوارات الفاشلة)، لأنَّ هذا النَّمط من الحوارات له مآلاتٌ سلبيَّة كبيرةٌ، ومُنتجاتٌ ضارَّةٌ بقضايا الأوطان، وآمال الشُّعوب.
وهذا النَّمط من الحوارات يُعِّد (الخَيارات الصَّالحة)؛ لمعالجة الأزمات، وإنهاء المآزق.
وخلاصة القول: لكي نعالجَ قضايا الخلافاتِ الدِّينيَّةِ، وقضايا الخلافاتِ السِّياسة نحتاج أنْ نتحاور، لأنَّ غياب (الحوار) يكرِّس الواقع الخطأ.
ونحتاج إلى (حوار صادق)، لأنَّ الحوار الصَّادق هو الذي يُشكِّل المنطلق لمقاربة (الخلافات)، و(تحفيز الإرادات) في الاتِّجاه الصَّحيح.
ونحتاج إلى (حوار مؤسَّسٍ على أهدافٍ واضحة)؛ لكي تتَّجه الرُّؤى في المساراتِ الصَّحيحة، ولكي يكون الحوار قادرًا على إنهاء التَّأزُّمات فيما هي قضايا الدِّين، وفيما هي قضايا الثَّقافة، وفيما هي قضايا السِّياسة.
ونحتاج إلى (حوارٍ أدواتُه نظيفة)؛ لكي تتجاذب الرُّؤى، وتتقارب القناعات، وتتلاحم الإرادات.

المسؤول عن الحوار الهادف
1- إنَّ إنتاج هذا النَّمط من الحوار هو (مسؤوليَّة أنظمة حاكمة).
2- ومسؤولية (قُوى فاعلةٍ) دينيَّةٍ، وثقافيَّةٍ، واجتماعيَّةٍ، وسياسيَّةٍ.
3- ومسؤوليَّة (شارع، وجماهير).
ورغم تفاوت المسؤوليَّات، فإنَّ غيابَ أيةِ وُحْدةٍ من هذه (الوحدات) له تأثيراتُه على (ولادةِ الحوار)، وعلى (مساراتِهِ)، وعلى (منتجاتِهِ، ومعطياتِهِ).
ويخطئ كلَّ الخطأ مَنْ يعتقد أنْ الحوارَ بكلِّ ألوانِهِ وصبغاته يمكن أنْ تنفرد بإنتاجه جهة واحدة!
نعم، يمكن لأيّ جهةٍ أن تعقِّد الحوار، وأنْ تربك مساراته، ومنتجاته.
القدس تستصرخُ الأمَّة
أملنا كبير أنْ تسترشدَ (أمَّتُنا الإسلاميَّةُ) في ذِكرى مولد نبيِّها الأكرم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) كلَّ الهَدْيِ، والرُّشدِ، والحكمةِ؛ لكي تتقارب، وتتآلف، وتتحاور في معالجةِ كلِّ قضاياها، وكلِّ خلافاتِها، وكلِّ أزماتِها، وكلِّ أوضاعها؛ لتكون ﴿… خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ …﴾ (سورة آل عمران: الآية110).

خاصَّة وهي تواجه أقسى التَّحدِّيات، والمؤامرات، فها هي القدس أُوْلى القِبْلَتَين، وثالث الحَرَمين، ومسرى النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) تستصرخ المسلمين، حيث تتعرَّض إلى جناية كُبرى، ومؤامرة عظمى في العمل على تحويلها عاصمةً إلى الكيان الصَّهيونيِّ الغاصب، وفي هذا تحدٍّ صارخ لكرامةِ العرب والمسلمين!
فهل يستنهض هذا القرارُ الآثمُ شيئًا من نخوة الأمَّةِ بِعَرَبِها، ومسلميها، بحكَّامها، وشعوبها؟!
بكلِّ مكوِّناتها، وطوائفها، ومذاهبها، إذا كان هناك بقيَّة من عزَّةٍ، وكرامةٍ، وإرادة، وبقيَّة من ضمير؟!
القرار خطير، وله تداعيات مدمِّرة على أوضاع المنطقة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى