حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 512: الحجُّ عرفةَ!| وصايا للواقفين بعرفات | الدُّعاء لصلاح أوضاع المسلمين |الوضع الصِّحِيُّ لآية الله الشَّيخ عيسى أحمد القاسم

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

الحجُّ عرفةَ!
قاله تعالى: ﴿… فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ …﴾ (سورة البقرة/198).

بعد أيَّام يقف الحجيجُ على أرضِ عرفاتٍ من زوال اليوم التَّاسع من ذي الحجِّة، وحتَّى الغروب.

هنا نتناول بعض عناوين:

لماذا سُمِّيت بِعَرفات؟
عدَّةُ آراءٍ:
الرَّأي الأوَّل: سُمِّيت بذلك، لأنَّ جبرئيل أخذ بيد نبي الله إبراهيم (عليه السَّلام)، وعرَّفه مناسكه! فقال: عرفت، عرفت.

الرَّأي الثَّاني: سُمِّيت بذلك، لأنَّ آدم وحواء (عليهما السَّلام) بعد نزولهما من الجنَّة اجتمعا فيها، فتعارفا بعد أنْ كانا قد افترقا!

الرَّأي الثَّالث: سُمِّيت بذلك، لأنَّ جبرئيل (عليه السَّلام) قال لآدم (عليه السَّلام) في هذه البقعة: اعترف بذنبك، واعرف مناسكك.

الرَّأي الرَّابع: سُمِّيت بذلك، لاعتراف النَّاسِ بذنوبهم أمام ربِّهم.
الرَّأي الخامس: سُمِّيت بذلك، لعلوِّها، وارتفاعها.

العُرْف في اللَّغة: ما ارتفع، ومنه: (عُرْف الدِّيك): لحمة مستطيلة في أعلى رأس الدِّيك، كذلك (عرف الفرس) (انظر: الصِّحاح4/1400، الجوهري).
وورد في تفسر كلمة: (الأعراف) في قوله تعالى: ﴿… وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ …﴾ (سورة الأعراف: الآية46).

إنَّه (مكان مرتفع بين الجنَّة والنَّار).
وقيل: (موضع عالٍ على الصِّراط).

* ثواب الوقوف بعرفات

1- في الحديث: “إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لمَّا حجَّ حجَّة الوداع وقف بعرفة، فأقبل على النَّاس بوجهة، وقال: مرحبًا بوفد الله – ثلاث مرَّات- الذين إنْ سألوا أُعْطُوا، وتُخلف نفقاتهم، ويجعل لهم في الآخرة بكلِّ درهم ألف من الحسنات.
ثمَّ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): يا أيُّها النَّاس، ألا أُبشِّركم؟
قالوا: بلى يا رسول الله!
قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إنَّه إذا كان هذه العشية باهى الله بأهل هذا الموقف الملائكة، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبيدي، وإمائي وأتوني من أطراف الأرض شعثًا غُبرًا، هل تعلمون ما يسألون؟
فيقولون – الملائكة -: ربَّنا يسألونك المغفرة!
فيقول – الله جلَّ جلاله -: أشهد أنِّي قد غفرت لهم، …” (مستدرك الوسائل8/36، الشَّيخ النوري الطبرسي).

2- وفي حديث آخر عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “…، فإذا وقفوا في عرفات، وضجَّت الأصوات بالحاجات باهى الله بهم ملائكة سبعِ سماوات، ويقول: يا ملائكتي، وسكَّان سماواتي، أَمَا ترون إلى عبادي أتوني من كلِّ فجٍّ عميق شعثًا غُبرًا، قد أنفقوا الأموال، وأتعبوا الأبدان؟!
فوعزَّتي، وجلالي لأَهَبَنَّ مسيئَهم بمحسنهم، ولأُخرجنَّهم من الذُّنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم، …” (الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة148، محمَّد الريشهري).

3- وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “الحجُّ عرفات.
الحجُّ عرفات.
الحجُّ عرفات” (الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة214، محمَّد الريشهري).

4- وعنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “ما من يوم أكثر أنْ يُعتق الله فيه عبدًا من النَّار من يوم عرفة، …” (الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة214، محمَّد الريشهري).

6- وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “مِن الذُّنوب ذنوب لا تغفر إلَّا بعرفات” (الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة220، محمَّد الريشهري).

7- وعن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “قيل: يا رسول الله، أيُّ أهل عرفات أعظم جُرمًا؟
قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): الذي ينصرف من عرفات وهو يَظنُّ أنَّهُ لم يُغفر له” (الحج والعمرة في الكتاب والسُّنَّة، الصَّفحة220، محمَّد الريشهري).
هنيئًا هنيئًا لكم أيُّها الواقفون في عرفات.

عرفة قِبلة القلوب الوالهة
في يوم عرفه تتَّجه قلوب الملايين من المسلمين إليكم.
إلى صرخاتكم الضَّارعة.
إلى كلِّ دمعة تسقط من عيونكم وأنتم تخاطبون ربَّكم: (ربَّنا أَسْرَفنا على أنفسنا، وظلمنا أنفسنا، وتجرَّأنا، وارتكينا المعاصي والذُّنوب، وجئناك ربَّنا في هذه اللَّحظات تائبين، مستغفرِين، منيبين. جئناك ربَّنا نطلب العفو، والرَّحمة.
فهل تردُّنا خائبين؟
لا ما هكذا الظَّنُّ بِكَ، وَلاَ المَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ.
فنحن ضيوفك يا ربُّ، فارحمنا، فارحمنا، فارحمنا.
جئناك ضارعين باكين.
فارحم تضرُّعنا.
وارحم دموعنا، فإنَّك أقسمت بعزَّتك، وجلالك أمْ لا تعذب بالنَّار الباكين، الضارعين، المصلِّين السَّاجدين.
فها هي دموع عبيدك العاصين المذنبين، فاقبلها يا رب، يا رب، يا رب.
هذه قطرات من دموع مخافةً من عذابك، وطمعًا في ثوابك، واعترافًا بربوبيَّتك.
يا ربّ، هذه دموعنا ضارعة إليك، متوسِّلة بعفوك، برحمتك، بكرمك، بإحسانك.
اللَّهمَّ، هذه دموع التَّوبة ترطِّب أجفاننا، فرحماك يا رب، رحماك يا رب، رحماك يا رب!
عفوك يا رب، عفوك يا رب، عفوك يا رب.
فالذنُّوب قد أثقلت ظهورنا.
والأوزار قد أرهقت كواهلنا.
وما لنا لا نبكي، وقد خفقت عند رؤوسنا أجنحةُ الموت.
ما لنا لا نبكي، وأمامنا ظلمة القبور، وضيق اللُّحود.
ما لنا لا نبكي، وأمامنا سؤال منكر ونكير.
ما لنا لا نبكي، ونحن نذكر خروجنا من قبورنا عُراة أذلَّاء، حاملين أثقالنا على ظهورنا، ننظر مرَّة عن أيماننا، وأخرى عن شمائلنا، إذ الخلائق في شأن غير شأننا، لكلِّ أمرىء يومئذٍ شأنٌ يغنيه، وجوه يومئذن مسفرة، ضاحكة مستبشرة، ووجوهٌ يومئذٍ عليها غبرة، ترهقها قترةٌ وذلَّة!

* وصايا للواقفين بعرفات
أيَّها الواقفون في عرفات:
1- أحسنوا الظَّن بربِّكم.
2- فرِّغوا قلوبكم من كلِّ ما يشغلكم عن الله تعالى.
3- استحضروا كلَّ ذنوبكم وضعوها بين يدِّ رحمة الله تعالى.
4- أخلصوا النَّوايا لله تعالى.
5- جدِّدوا التَّوبة الصَّادقة.
كم هي ثمينة وغالية كلُّ لحظة من لحظات هذا الموقف في أيَّة لحظة.
6- اسألوا العودة، ثمَّ العودة، ثمَّ العودة.

* الدُّعاء لصلاح أوضاع المسلمين
يوم عرفة يوم الدُّعاء.
ويوم عرفة يوم الاستجابة.

1- في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): “ما من برٍّ، ولا فاجرٍ يقف بجبال عرفات، فيدعو الله، إلَّا استجاب الله له!

أمَّا البرُّ، ففي حوائج الدُّنيا والآخرة.
وأمَّا الفاجر، ففي أمر الدُّنيا” (بحار الأنوار96/251، العلَّامة المجلسي).

2- وإذا كان الدُّعاء للغير فهو أعظم أجرًا، وأقرب استجابة، فـ”…، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: رأيت عبد الله بن جندب – من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السَّلام) – بالموقف – في موقف عرفه -، فلم أرَ موقفًا كان أحسن من موقفه، ما زال مادًّا يده إلى السَّماء، ودموعه تسيل على خدَّيه حتَّى تبلغ الأرض!
فلمَّا صرف النَّاس، قلت: يا أبا محمَّد، ما رأيت موقفًا قطُّ أحسن من موقفك!
قال: والله، ما دعوت فيه إلَّا لإخواني، وذلك لأنَّ أبا الحسن موسى (عليه السَّلام) أخبرني: إنَّه مَن دعا لأخيه بظهر الغَيْب نُودِي من العرش: ولك مائة ألف ضعف مثله، وكرهت أنْ أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب، أم لا؟!” (تهذيب الأحكام5/185، الشَّيخ الطوسي).

3- ونظير هذه الرِّواية ما رواه: “ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، قال: كنت مع معاوية بن وهب – من أصحاب الإمام الصَّادق (عليه السَّلام) – في الموقف – يعني: موقف عرفه – وهو يدعو، فتفقَّدت دعاءه، فما رأيته يدعو لنفسه بحرف!
ورأيته يدعو لرجل رجل من الآفاق، ويسمِّيهم، ويسمِّي آباءهم حتَّى أفاض النَّاس!
فقلت له: يا عمُّ، لقد رأيت منك عجبًا!
قال: وما الَّذي أعجبك ممَّا رأيت؟
قلت: إيثارك إخوانك على نفسك في هذا الموضع، وتفقُّدك رجلًا رجلًا!
فقال لي: لا يكون تعجُّبك من هذا يا ابن أخي، فإنِّي سمعت مولاي، ومولاك، ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة، …، وهو يقول: مَن دعا لأخيه في ظهر الغيب نادى ملك من السَّماء الدُّنيا: يا عبد الله، لك مائة ألف ضعف ممَّا دعوت!
وناداه ملك من السَّماء الثَّانية: يا عبد الله، ولك مائتا ألف ضعف ممَّا دعوت!
وناداه ملك من السَّماء الثَّالثة، … – وهكذا إلى أنْ قال الإمام (عليه السَّلام) -: وناداه ملك من السَّماء السَّابعة: يا عبد الله، ولك سبعمائة ألف ضعف ممَّا دعوت!
ثمَّ يناديه الله تبارك وتعالى: أنا الغنيُّ الذي لا أفتقر!
يا عبد الله، لك ألف ألف ضعف ممَّا دعوت.
فأيُّ الخطرين أكبر يا ابن أخي، ما اخترته أنا لنفسي، أو ما تأمرني به؟” (بحار الأنوار90/388، العلَّامة المجلسي).

* نداؤنا للواقفين بعرفات
وهنا نوجِّه نداءنا للواقفين في عرفات:
الدُّعاء الدُّعاء لكل المسلمين:
أنْ يحفظ الله تعالى أوطانهم.
وأنْ يصلح الله تعالى أوضاعم.
وأنْ يجمع شملهم.
وأنْ يوحِّد كلمتهم.
وأنْ يدفع عنهم مكائد أعدائهم.
وكلَّ الفتن، والمِحن.
وكلَّ المكاره، والشُّرور.
وكلُّ الخلافات، والصِّراعات.
وكلَّ أشكال التَّطرُّف، والعنف، والإرهاب.
وكلَّ العناء، والبلاء.
هذه قضايا مطلوبٌ أنْ تكون حاضرة في أدعية الضَّارِعين المبتهلِين على أرض عرفة.

لا شكَّ أنَّ الواقفين في يوم عرفه مشدودة قلوبُهم، وأرواحهم إلى الله سبحانه، طالبين الرَّحمة والمغفرة، وباحثين عن عطاءات الآخرة.

ولا عمل يرفد المسلم لفيوضات الرحمة والمغفرة، وبعطاءات الآخرة أعظم من (الاهتمام بأمور المسلمين).

في الحديث “إنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، قال: مَن أصبح لا يهتمُّ بأمور المسلمين، فليس منهم!
ومن سمع رجلًا ينادي يا لَلمسلمين، فلم يجبه، فليس يمسلم” (الكافي2/164، الشَّيخ الكليني).

فالدُّعاء للمسلمين في يوم عرفه، ولِمَا فيه صلاحهم، وخيرهم، ووحدتهم، وتقاربهم هو من أفضل القُرُبات، وأعظم الطَّاعات.

كلمة أخيرة: الوضع الصِّحِيُّ لآية الله الشَّيخ عيسى أحمد القاسم (حفظه الله تعالى ورعاه)

فيما يتَّصل بشأن سماحة آية الله الشَّيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله تعالى ورعاه، وحماه تعالى من كلِّ المكاره، والأسواء).

1- المتابعات العلاجيَّة مستمرَّة، ومُطَمْئِنة بحمد الله تعالى، وفضله.
2- صحَّة سماحته في تحسُّن.

وربما يحتاج بعض الوقت؛ لاستكمال بعض الفحوصات.

أدعية المؤمنين مستمرَّة بالشِّفاء العاجل لشيخنا المبجَّل، وبعودته سالمًا من كلِّ الأدواء، والأمراض.

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى