السيد في الصحافة

صحيفة الوسط:الفساد في “الأوقاف” حقيقة… ودخول “القضاء” مرهون بالإصلاح الجاد

 الغريفي في لقاء شامل مع “الوسط” “1”:
الفساد في “الأوقاف” حقيقة… ودخول “القضاء” مرهون بالإصلاح الجاد 2004- 11 – 23
النعيم عقيل ميرزا
 
  
لن تشعر أبدا أن من بين الأسئلة التي تدور في ذهنك سؤالا محرجا أو تافها، عندما تكون تلك الأسئلة موجهة إلى شخصية تعيش الانفتاح قلبا وقالبا، ولن تحدك حدود أو تؤطرك أطر وأنت تستنطق أحد الرموز الدينية في البحرين، والذي كان خارجها لأكثر من ربع قرن من الزمان ليعود إليها قبيل الانفراج السياسي في البحرين غير محتاج إلى الكثير من الوقت ليكون قاعدة شعبية، هكذا شعرت “الوسط” وهي تحاور السيد عبدالله الغريفي.
كان التنقل من حديث إلى آخر، ومن فكرة إلى أخرى تنقلا ممتعا وسهلا يسيرا في الوقت نفسه، فمن الأوقاف إلى القضاء إلى المجلس الأعلى إلى المجلس العلمائي… وكل ذلك من دون حواجز يمكن لها أن تحجب سؤالا، ومن دون تردد يمكن له أن يغيب إجابة… كل ذلك في لقاء شامل مع “الوسط” …
ما هو مشروعكم حيال إدارة الأوقاف الجعفرية، وأنتم ترون المجتمع والصحافة كيف فتحا هذا الملف على مصراعيه؟ وخصوصا أن العلماء لم يدخلوا طرفا في هذا التناول؟
– الأوقاف تشكل أحد المفاصل المهمة في البنية الدينية؛ كونها تنظم مساجد وحسينيات وحوزات ومؤسسات إسلامية بما يفرضه هذا الانتظام من حاجة إلى رؤى فقهية وأحكام شرعية، وإن غياب هذه الرؤى والأحكام يؤدي إلى انفلات خطير في شئون الأوقاف. ونظرا لكون الشئون الوقفية لها خصوصياتها المذهبية، ولكونها تلامس أوضاعا في داخل هذه الطائفة أو تلك، مما لا يسمح لأحد من خارجها بأن يتعاطى معها إدارة وانتفاعا، لذلك جاءت الدعوة إلى استقلالية الأوقاف بما لا يتنافى مع حق السلطة في الرقابة، وخصوصا فيما هو الشأن المالي، وهذه الاستقلالية ليست أمرا فاقدا للواقعية.
وفيما يخص الأوقاف الجعفرية، فنحن نطالب بأن يتوافر إشراف فقهي من قبل علماء اختصاصيين، وأن تتشكل إدارة ذات كفاءة عالية جدا، وتحدثنا بهذا في خطاباتنا، وفي لقاءاتنا مع المسئولين، وأما تفاصيل هذا المشروع فمتروكة لوقتها.
يقال إن وزير الشئون الإسلامية عرض عليكم في وقت سابق وقبل تشكيل إدارة الأوقاف الحالية، اقتراح اسمين لترشيحهما لدخول مجلس الإدارة فما مدى صحة ذلك، وإذا صح فلماذا رفضتم؟
– هذا صحيح، إلا اننا كنا نصر على أن تكون لعلماء الدين مساهمة حقيقية في اختيار المفاصل الأساسية في تشكيلة الإدارة كخطوة جادة في إنجاز المشروع الإصلاحي الكامل لشئون الأوقاف، وفي استقلالية هذه المؤسسة، وما تم عرضه من قبل وزير الشئون الإسلامية لترشيح عضوين إداريين لا يلبي شيئا بسيطا من الطموح الهادف إلى التغيير الحقيقي وليس إلى الترقيعات الجزئية التي تكرس الواقع الخاطئ.
ملف الأراضي الوقفية غير المسجلة ملف لايزال ينتظر الدخول عليه بقوة، وتعلمون أن ما لا يقل عن 800 أرض “معلقة” وغير مسجلة على رغم أن الأوقاف واضعة يدها على أكثرها، ما هو موقفكم من ذلك، وهل لديكم خطة أو استراتيجية لفتح هذا الملف، وخصوصا أن إدارة الأوقاف رمت الكرة خارج ملعبها عندما صرح مدير الأوقاف لـ “الوسط” بأن تسجيل الأراضي يحتاج إلى قرار سياسي؟
– نحن نؤكد – انطلاقا من المسئولية الشرعية – وجوب التحرك الجاد والهادف من أجل حماية جميع الوقوفات، وان أي تفريط في هذا الشأن سيتحمل مسـئوليته كل القادرين على توفير هذه الحماية، وخصوصا من يحضرون فعلا في مواقع الإدارة والإشراف. إن ملف الأراضي الوقفية المهددة بالضياع من الملفات التي تقع ضمن أولويات أية خطة تغييرية في أوضاع الأوقاف. ويجب أن يكون للعلماء دورهم الواضح في التصدي لهذا الملف من خلال خطاباتهم الدينية، ومن خلال كل الإمكانات المتوافرة لديهم وعلى كل المستويات.
هل أنتم مقتنعون بالتجاوزات التي تناقلها الناس والصحافة عما يحدث في الأوقاف؟ وما هو موقفكم مما يقال، وهل حاولتم الوقوف على بعض تلك التجاوزات ولو بصفة غير رسمية؟
– التجاوزات في قضايا الأوقاف تشكل مخالفات شرعية محرمة، وليست مجرد مخالفات قانونية، وأما التحقق من هذه التجاوزات والمخالفات فمسألة تخضع للإثباتات، ومتى توافرت وجب التصدي لها ومحاسبة كل المعنيين بهذا الشأن، ومما لا شك فيه وفق المعلومات المتوافرة، ووفق تصريحات صادرة عن إدارة الأوقاف أن هناك نسبة من التجاوزات حدثت فعلا، وهذا يفرض ضرورة الإسراع في تصحيح هذا الأمر. وأطلعنا بعض المتصدين لملاحقة أوضاع الأوقاف الشيعية على الكثير من الأوراق والملفات التي يجب أن تدرس باهتمام.
هل تسمح الفتاوى الفقهية بأن يتسلم إدارة الأوقاف من هم خارج السلك العلمائي؟ وهل تفضلون أن تقودون الأوقاف كعلماء؟
– قلنا إن علماء الدين يكون لهم دور حقيقي في الإشراف الفقهي على شئون الأوقاف، وأما الجهاز التنفيذي فيناط إلى أصحاب الكفاءات الإدارية، شريطة أن يتوافر هؤلاء على درجة عالية من الأمانة والنزاهة والنظافة وفق ما تحدده الشريعة الإسلامية؛ لكون هذا الموقع حساسا ومهما بما يحمله من مسئوليات كبيرة وخطيرة.
هل تشجعون على “الوقف” وتسليمه إلى إدارة الأوقاف الجعفرية؟ وهل ترون أن التركيبة الحالية في تشكيل إدارة الأوقاف تركيبة يمكن لها ممارسة دورها الطبيعي في تنمية الوقف؟
– إننا نشجع على الوقف وخصوصا ما يحمل عنوانا عاما كالخير العام والصدقة الجارية لضرورة هذا النوع من الوقوفات، وحاجة المشروعات الدينية والاجتماعية والثقافية إليها. كما ندعو إلى العمل الجاد من أجل تنمية الوقف في اتجاه الاستفادة الأفضل، والتوظيف الأنفع، وحتى لا يتعطل الوقف عن ممارسة دوره الفاعل والحقيقي. وهنا نؤكد ضرورة أن يخضع الوقف في تأسيسه وفي استثماره وفي تنميته للضوابط المقررة في الشريعة الإسلامية، ومن هذه الضوابط وجود الولاية / الصلاحية الشرعية على الوقف فلا يجوز لغير الولي أن يتصرف في شئون الوقف إلا بإذنه، فإن كان الواقف حدد وليا فهو الأولى بالوقف ولا يجوز لأحد مزاحمته ما دام يمارس ولايته بطريقة شرعية سليمة. وإذا لم يحدد الواقف وليا فللفقيه الجامع للشرائط، الإشراف أو تعيين من يشرف على الوقوف.
وبناء على هذا يجب على كل من يتصدى لأمور الأوقاف أن يتوافر على الصلاحية الشرعية التي تمنحه حق التصدي في كل أشكاله وممارساته.
ما هي وجهة نظركم في طريقة تشكيل مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية، وهل تقترحون طريقة أخرى للطريقة المتبعة حاليا؟

– أكدنا في هذا الاتجاه مجموعة أمور: – استقلالية الأوقاف، الإشراف الفقهي، اختيار أصحاب الكفاءات والقدرات للإدارة التنفيذية مع ضرورة توافر شرط الأمانة والنزاهة وفق ما تحدده الشريعة، آلية يتم الاتفاق عليها في اختيار الأعضاء، والتنسيق مع الجهات الرسمية في هذا الشأن.
يقال عنكم إنكم متحسسون من التعامل مع المؤسسة الرسمية، وإنكم لا تمتلكون استراتيجية واضحة؟ كيف تردون على هذا القول؟
– أبدا لا نعيش أية حساسية، ولا نملك أية عقدة في التعامل مع المؤسسة الرسمية، فهذه خطاباتنا، ومواقفنا، ولقاءاتنا مع المسئولين على كل المستويات أكبر شاهد على ذلك، وإن مجرد النقد والمحاسبة للممارسات الرسمية لا يعبر عن حساسية أو عقدة. كان لنا موقف إيجابي واضح في التجربة البرلمانية الأولى “المجلس التأسيسي والمجلس الوطني”، وكان لنا موقف واضح في مسألة الاستفتاء على الميثاق، وفي انتخابات البلديات، وكان لصمتنا في الانتخابات الأخيرة مبرراته الموضوعية المدروسة. وأما الانتماء للمواقع والمشروعات الرسمية فأمر خاضع للمعايير الشرعية، وللحيثيات الموضوعية، فمتى توافرت هذه المعايير والحيثيات في اتجاه الانتماء، فلا نجد أية مشكلة في التصدي لهذا الموقع أو ذاك الموقع.
ولكننا في الوقت نفسه نرفض كل الصيغ والمشروعات التي تحاول أن تصادر استقلالية الخطاب العلمائي وتحاول إلغاء الخصوصية المذهبية لما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة جدا لا يعوضها أن نكسب موقعا هنا أو موقعا هناك، ولعل تجربة المشاركة في بعض المواقع لم تكن مشجعة كثيرا. وإن حاول بعض المتحمسين أن يعطوا لتلك المشاركات مبررات فيها الكثير من النظر، ولست هنا في صدد مناقشة هذه المبررات ومحاسبتها، وأتمنى أن تكون هناك لقاءات علمائية لمعالجة هذه القضايا والوصول إلى قناعات مشتركة.
في كثير من المواقع الرسمية أنتم غير موجودين، الأوقاف، القضاء، المعهد الديني… وربما أن تيارا واحدا هو الذي يسيطر على أكثر تلك المواقع التي تخص الطائفة الشيعية… لماذا؟
– أن نقبل أو نرفض موقفا رسميا مسألة محكومة إلى رؤية فقهية واضحة، وإلى قراءة موضوعية محسوبة في كل نتائجها، ولا خيار لنا في ذلك. وليست المسألة رغبة ذاتية تبحث عن موقع هنا أو تعرض عن موقع هناك، وليست المسألة غبشا في الرؤية أو ارتباطا في استراتيجية الموقف. وهنا نؤكد نقطة في غاية الخطورة وهي تكريس نظرية الأمر الواقع. أن يأسرنا وأن يأسر خطابنا هاجس الأمر الواقع هو مساهمة مقصودة أو غير مقصودة في فرض ذلك الواقع الخاطئ، وفي التأسيس لحالات اليأس والإحباط والهزيمة. وهذا لا يعني ألا نفكر في مواجهة الواقع المفروض، ولكن ليس من سلامة التفكير أن نخلف في داخلنا إحساسا بالعجز في التصدي لذلك الواقع، وأن نوحي له بأنه القادر المنتصر في آخر الشوط.
هذا نمط من التفكير مسكون بالضعف والاستسلام والهروب إلى الأسهل، وفي ضوء ذلك: إن المشاركة في القضاء أو الأوقاف أو أي موقع آخر خاضعة لمجموعة حيثيات: أ- التوافر على المسوغ الشرعي. ب- التوافر على الحيثيات الموضوعية المبررة لهذه المشاركة. ج- التوافر على الشروط والمؤهلات.
وهذا لا يعني بالضرورة أن ندفع بالشخصيات العلمائية على كل المستويات إلى المشاركة، فمن المصلحة أن تبقى بعض الرموز العلمائية في خارج الارتباطات الرسمية؛ لكون دورها التبليغي والاجتماعي يفرض ذلك.
يتهمكم البعض بأنكم تتغنون بـ “الحوار” ولكنكم لا تحاورون، مستدلين بذلك على مقاطعتكم لأكثر المواقع الرسمية وخصوصا ذات الصبغة الدينية منها، كيف تردون؟

– أكرر القول إننا لا نعيش أية عقدة في التواصل مع المؤسسة الرسمية، وإنما المسألة في قبول الانتساب الرسمي أو رفضه خاضعة للمعايير الشرعية والحسابات الموضوعية كما هي القناعة بأن تبقى بعض الكفاءات العلمائية بعيدة عن كل القيود الرسمية؛ لكون هذه الكفاءات مسئولة أن تتحرك في مساحات اجتماعية تحددها الانتسابات الرسمية… ثم من قال: إننا لا نحاور؟ إن لقاءاتنا مع المسئولين، ومع النخب العلمائية والثقافية والسياسية، ومع الناس والجماهير شاهدة على نهج الحوار. إن إصرارنا على بعض المواقف التي تفرضها القناعات الفقهية، والرؤى الموضوعية لا يعني أننا لا نعترف بالحوار.
ما هي الكيفية التي تريدون أن يكون عليها القضاء الجعفري في البحرين، وهل لديكم تصور لهذا الجهاز المهم؟
– إننا نطالب بإصلاح القضاء، ونؤكد في هذا الاتجاه الحيثيات الآتية:
الحيثية الأولى، إيجاد آلية صحيحة لاختيار الكادر القضائي، وألا يبقى هذا الاختيار مرهونا للمحسوبيات والرغبات الرسمية.
الحيثية الثانية: التوافر على قضاة يمتلكون المؤهلات الآتية: “المؤهل العلمي المتقدم، والكفاءة التخصصية” في مجال الشريعة وخصوصا في مجال فقه القضاء. “المؤهل النفسي والروحي والسلوكي” من خلال امتلاك درجة عالية جدا من العدالة والنزاهة والاستقامة، ودرجة عالية من الاستعدادات النفسية التي تجعل القاضي قادرا على التعاطي مع أشد القضايا استفزازا وضغطا على النفس. “المؤهل العلمي” خبرة قضائية كافية… هذه هي المكونات الأساسية لهيكلة الكادر القضائي، وإلا فلو وضعنا أنجح القوانين بين يدي جهاز قضائي غير سليم فستكون النتيجة العبث والتلاعب بالقانون، أليس القضاء المدني والقضاء الجنائي محكومين لقوانين مدونة؟ هل حمت هذه القوانين المحاكم المدنية والمحاكم الجنائية من العبث والتلاعب والظلم؟
الحيثية الثالثة: التنظيم الداخلي لشئون القضاء باعتماد لائحة داخلية تحكم كل مسارات القضاء، وتؤسس لأحكام واضحة، وهذه اللائحة أو المدونة القضائية يشرف على وضعها خبراء في الشريعة من الفقهاء والمجتهدين ويمكن أن يستعان في القضايا الفنية وفي التطبيقات العملية بخبراء في القانون.
ونشترط بعد وضع هذه المدونة القضائية أن تحظى بموافقة وإمضاء أحد الفقهاء المعروفين المعتمدين… ولا نسمح بتدخل المؤسسة الوضعية “البرلمان” في هذا الشأن.
هل أنتم مستعدون لدخول هذا الجهاز القضائي، أو على الأقل ترشيح من ترونه مناسبا؟
– قلت إن بعض المستويات العلمائية ترى من مصلحة العمل الديني أن تبقى خارج الأجواء الرسمية. وأما مسألة الترشيح فخاضعة لتحرك المشروع الإصلاحي للقضاء، وتوافر الشروط والمؤهلات، وإعطاء العلماء البارزين دورهم في الترشيح والاختيار والمساهمة في إعادة هيكلة القضاء.
ما هو إشكالكم على دخول جهاز القضاء، وهل كل من دخل فيه مخطئ يحتاج إلى مراجعة موقفه؟
– متى توافرت الضوابط الشرعية التي تعتمد الكفاءة العلمية والعدالة والاستعدادات اللازمة، ومتى توافر المشروع الجاد لإصلاح القضاء، ومتى توافرت الآلية الصالحة للاختيار، فلا مشكلة في الأمر.
هل جلستم مع القاضيين الشيخ عبدالحسين العريبي، وعلي العريبي اللذين استقالا أخيرا، وما رأيكم في موقفهما؟
– لم نتوافر على فرصة للجلوس مع الأخوين الفاضلين، ونأمل أن يكون لنا لقاء للتعرف عن قرب على حيثيات هذا الموقف، وما نفهمه عنهما أنهما يملكان إخلاصا للاسلام، ويملكان قدرة على تشخيص المصلحة، وتحديد الموقف الشرعي. 
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى