قضايا الساحةقضايا عالمية

نزيف الدم في العراق و إغتيال السيد علاء الدين الغريفي

مازال نزيف الدم في العراق مستمرا، ومازالت الايدي الآثيمة تمارس حصد الارواح البريئة، وذبح الاطفال، والنساء والشيوخ، ومازالت قوى الشر، تدمر البلاد والعباد، وتعبث بكل الأوضاع، ومازالت عناصر الاجرام والارهاب والعنف والتطرف تنشر الرعب في كل العراق. ومازالت وسائل الاعلام الكاذبة تسمي ما يحدث في العراق مقاومة.
ومازال المخبولون الموتورون يسمون ذلك جهادا ودفاعا عن أرض العراق، ومازال الطائفيون الحاقدون يباركون هذا النزيف من الدماء، ومازال العالم صامتا يتفرج.
قد يقال: ان العالم يدين الارهاب والعنف والتطرف، هذا صحيح، الا ان هذه الادانة لا تكون الا حينما يقترب ذلك الارهاب والعنف والتطرف من تهديد مصالح الأنظمة السياسية الحاكمة، وأما اذا كان ارهابا وعنفا وتطرفا موجها ضد الشعوب، وضد مصالحها، فهو مبارك كل المباركة من قبل الأنظمة الحاكمة، بل تمارسه هذه الأنظمة، الا انها تعطيه عنوانا آخر وتعطيه مسمى آخر.
أميركا تحمل شعار مكافحة الارهاب والعنف والتطرف… فما مصداقية هذا الشعار؟
انه دفاع عن المصالح الأميركية فقط، اما اذا كان الارهاب والعنف والتطرف ضد الفلسطينيين فلا يشمله شعار المكافحة، بل الإدارة الأميركية هي الراعي الحقيقي للوجود الصهيوني بما يحمله هذا الوجود من أشرس ألوان الارهاب والعنف والتطرف.
وهكذا في العراق… فأميركا وان بدت أنها تلاحق الإرهاب والإرهابيين فإنما في حدود ما يحمي وجودها ومصالحها، وأما في خارج هذه الحدود، فلتدمر كل الأوضاع في العراق، وليذبح الأطفال، ولينتشر الخراب، ولتمارس الاغتيالات ضد الرموز الدينية والسياسية، فذلك لا يعني شيئا في قاموس المصالح الأميركية…
لماذا هذا الصمت على ما يجري في العراق؟ لماذا صمت الأنظمة الحاكمة في دولنا العربية والإسلامية؟ هل أن هذا النزيف من الدماء في العراق لا يمثل شيئا لدى الأنظمة؟ أم أن كونه يستهدف طائفة بعينها في الدرجة الأولى فهو لا يعني هذه الأنظمة، بل ربما يحظى بمباركتها؟ وإذا قالت بعض الأنظمة كلمة، فهي كلمة فيها الكثير من الاستيحاء.
مطلوب من أنظمة الحكم أن تقول كلمة صريحة واضحة، وأن تمارس ضغطا حقيقيا على قوى الإرهاب والقتل والاغتيالات في العراق، مطلوب من هذه الأنظمة أن تلعب دورا كبيرا في حماية أمن العراق واستقراره وفي إيقاف نزيف الدماء. إن عدم استقرار الوضع في العراق له انعكاساته الخطيرة على الوضع السياسي والأمني في كل المنطقة، فمن أجل حماية أوضاع هذه المنطقة وأمنها واستقرارها يجب أن يستقر الوضع في العراق، إن التفرج على مأساة العراق لن يكون في صالح المنطقة ولا في صالح أمنها واستقرارها، ولا في صالح أنظمتها وشعوبها.
ربما تعيش بعض أنظمة الحكم في البلدان العربية والإسلامية قلقا لأنه قد تغيرت المعادلة السياسية في العراق بعد سقوط الطاغية صدام، ولم يعد التهميش التاريخي لمساحة كبيرة من أبناء الشعب العراقي قادرا أن يستمر، ولم يعد الاستئساد الطائفي قادرا أن يفرض نفسه.


لماذا هذا القلق؟


وهذه تصريحات المرجعيات الدينية الشيعية في العراق تؤكد بقوة على ضرورة إشراك كل مكونات الشعب العراقي الدينية والسياسية والعرقية في صنع العراق الجديد، فلا إقصاء، ولا مصادرة، ولا تمييز ولا طائفية…
وهذا خطاب القيادات السياسية في مواقع السلطة وفي خارجها يؤكد حق الشعب العراقي بكل انتماءاته وأطيافه في أن يساهم في العملية السياسية، فما مبررات هذا القلق؟
إننا نخشى أن تكون العقدة التاريخية، والهاجس الطائفي وراء هذا القلق، ووراء هذا الصمت لما يجري في العراق.
إن الأنظمة السياسية الحاكمة إذا كانت تحمل عقدة تاريخية تجاه طائفة تنتمي للوطن هنا أو هناك فإن ذلك يدمر العلاقة بين الأنظمة والشعوب، ويؤزم الانتماء إلى الأرض والنظام، وعندما تتحرر الأنظمة من العقد والحساسيات المذهبية والطائفية فإن ذلك يعمق الولاء والانتماء والانفتاح…
نؤكد ضرورة أن تتعامل أنظمة الحكم في المنطقة مع مأساة الشعب العراقي بعيدا عن كل الحسابات الطائفية والمذهبية، وبعيدا عن كل العقد التاريخية.
ثم نتساءل مرة أخرى: لماذا صمت العلماء والمؤسسات الدينية في دولنا العربية والإسلامية تجاه ما يجري في العراق؟
إذا كنا نطالب علماء الشيعة ومرجعيات الشيعة ومؤسسات الشيعة أن تدين كل العمليات التي تستهدف السنة والشيعة في العراق، فإننا نطالب كذلك علماء السنة ومرجعيات السنة ومؤسسات السنة أن تدين كل العمليات التي تستهدف الشيعة والسنة.
لقد سمعنا صوتا صريحا وواضحا لمرجعيات الشيعة الدينية ولعلمائهم في داخل العراق وفي خارج العراق في إدانة عمليات الاغتيالات والقتل التي تجري في العراق. وما نتمناه أن نسمع صوتا واضحا وقويا للمرجعيات الدينية السنية في بقية الدول العربية والإسلامية يدين عمليات الذبح والقتل على الهوية التي تحدث في العراق. هذه العمليات ليست لها أية علاقة بعنوان الجهاد ومقاومة الاحتلال، فهل أن قتل واغتيال رموز الدين الأبرار الأخيار هو جهاد في سبيل الله؟ وهل أن ذبح الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ هو مقاومة للاحتلال؟
وماذا نسمي تدمير المساجد والحسينيات والمؤسسات والعبث بكل الأوضاع، ونشر الرعب في كل العراق؟ هل نسمي هذا جهادا ومقاومة؟
إن هذا يطيل عمر الاحتلال ويعطيه مبررات البقاء. الاحتلال مرفوض وفق كل الاعتبارات إلا أن ما يحدث في العراق لا يصب أبدا في اتجاه إنهاء الاحتلال.
بالأمس القريب، وفي يوم الجمعة الماضي تم اغتيال أحد الرموز الدينية في العراق وهو سماحة العلامة الكبير السيدكمال الدين الغريفي، ما علاقة هذا بمقاومة الاحتلال؟
وإذا كانت مزاعم هؤلاء القتلة أنهم يلاحقون كل المتعاملين مع قوات الاحتلال، فهذا السيد الجليل ليس له أية صلة إطلاقا بقوات الاحتلال، بل لا صلة له بالعمل السياسي، نعم هو أحد العلماء الذين أخلصوا لله عز وجل وأعطوا كل وجودهم وحياتهم من أجل خدمة دين الله والدفاع عن الإسلام وأحكامه وقيمه… كان “رضوان الله عليه” عالما ورعا تقيا، مارس دورا بارزا فقهيا وعلميا وثقافيا وتربويا واجتماعيا، وعرف عنه أنه من دعاة الوحدة والتقارب والمحبة… كما يعد من خطباء المنبر اللامعين، وقد اعتمدته المرجعية الدينية في النجف الأشرف ممثلا لها في بغداد.
فهل أن استهداف هذا العالم وأمثاله من الدعاة إلى الله تعالى هو الطريق إلى تطهير العراق من رجس الاحتلال؟ ولماذا هذا الاستهداف الخاص بطائفة معينة، وبعلمائها ورموزها ومؤسساتها؟ المسألة لا شأن لها بمقاومة الاحتلال. إن الذين يمارسون هذه الأعمال الشائنة هم أعداء الدين والقيم، وأعداء العراق. إنهم لا يمثلون أي انتماء إلى الإسلام، فمسئولية كل مرجعيات الدين السنية والشيعية أن يعلنوا البراءة منهم، وأن يستنكروا أعمالهم وجرائمهم…
فما أحوج أمتنا في هذا العصر إلى التلاحم والتآزر والتكاتف في مواجهة كل أشكال العبث بالقيم والمبادئ والمقدرات، وفي مواجهة كل مشروعات المصادرة والاستلاب وتدمير الهوية والأصالة… ما أحوج أمتنا في هذا العصر إلى نبذ الطائفية البغيضة بما تحمله من كوارث مدمرة للبلاد والعباد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى