المعارف القرآنيةمحاضرات إسلامية

مؤهَّلات منتسبِي إدارات الجمعيَّات القرآنيَّة

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقيت في يوم الثلاثاء بتاريخ: (11 صفر 1442 هـ – الموافق 29 سبتمبر 2020 م)، أُلقيت لـ(جمعيَّة اقرأ – الجمعيَّة العموميَّة)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة الكرام، ورحمة الله وبركاته.

مؤهَّلات منتسبِي إدارات الجمعيَّات القرآنيَّة

سعادة باللِّقاء
كم يسعدني هذا اللِّقاء مع الجمعيَّة العموميَّة لجمعيَّة اقرأ القرآنيَّة.
اللِّقاء معكم أيُّها الأحبَّة، يا حَمَلَة القرآن الكريم.
إنَّ اللِّقاء معكم من أجمل اللِّقاءات، ومن أعذبها، وأطهرها.
من خلال هذا اللِّقاء نلتقي بفيوضات القرآن الكريم.
وبركات القرآن الكريم.
وروحانيَّة القرآن الكريم.
ونسمات القرآن الكريم.
اللِّقاء محبَّب، وجميل، ومبارك إنْ شاء الله تعالى.
وأنا ألتقي مع الجمعيَّة العموميَّة لجمعية اقرأ، وهنا سيكون حديثي بهذا العنوان: مَنْ يكون في إدارة جمعيَّة قرآنيَّة يجب أنْ يتوفَّر على مجموعة مؤهَّلات.
مَن يرشح نفسَه.
مَن يضع نفسَه في موقع مسؤوليَّة إدارة جمعيَّة عنوانها جمعيَّة قرآنيَّة.
مطلوب أنْ يتوفَّر على مجموعة خصائص، ومجموعة صفات، ومجموعة مؤهلات.

مؤهَّلات أساس لمَن يتصدَّى للإشراف على المؤسَّسات القرآنيَّة
أتناول أربع مؤهلات أساس مطلوب أنْ يتوفَّر عليها كلُّ مَن يتصدَّى للإشراف والإدارة في المؤسَّسات القرآنيَّة.
المؤهَّل الأوَّل: امتلاك درجة عالية من الوعي بمسؤوليَّات الجمعيَّات القرآنيَّة
إنَّ الجمعيَّة القرآنيَّة ليست كبقيَّة الجمعيَّات.
الجمعيَّة القرآنيَّة لها وظائف، ومهام، ومسؤوليَّات.
إذ من الطَّبيعيِّ أنَّ كلَّ شخص يتصدَّى لمسؤوليَّة جمعيَّة معيَّنة مطلوب منه أنْ يمتلك مستوى عاليًا – وليس مستوى عاديًا – من الوعي بمسؤوليَّات هذه الجمعيَّة، وإلَّا ارتبك دور الجمعيَّة، ودور العمل فيها.
والجمعيَّة القرآنيَّة لها أهداف، ولها مسؤوليَّات، فليس من الصَّحيح أنْ يتصدَّى لإدارة جمعيَّة قرآنيَّة شخص لم يرتقِ بدرجة مقبولة من الوعي والبصيرة، والفهم بمسؤوليَّات الجمعيَّة القرآنيَّة؟!
ما هي وظائف الجمعيَّة القرآنيَّة؟
ما هي مسؤوليَّاتها؟
ما هي مهامُّها؟
ما هي وظائفها؟
ومن الطَّبيعيِّ جدًّا أنْ أيَّ شخص يجد نفسه أنَّه لا يملك الوعي الكامل بهذه المسؤوليَّات فمطلوب منه ألَّا يتصدَّى للعمل في إدارة هذه المؤسَّسة.
وأنا هنا لا أريد التَّفصيل في مسؤوليَّات الجمعيَّات القرآنيَّة، وإنَّما ألخِّصها في بعض العناوين السَّريعة.

مسؤوليَّات الجمعيَّات القرآنيَّة
المسؤوليَّة الأولى: إنتاج قُرَّاء، وحَفَظَة للقرآن الكريم
هذه مسؤوليَّة مهمَّة، ووظيفة من وظائف الجمعيَّات القرآنيَّة أنْ تُخرِّج لنا قرَّاء وحَفَظَة للقرآن الكريم.
وأنْ تنتج لنا قرَّاء يملكون درجة عالية من القدرة على التِّلاوة القرآنيَّة وفق الضَّوابط السَّليمة الصَّحيحة.
وإنتاج قرَّاء يُتقنون القراءة والتِّلاوة وفق الأسس والأصول والآداب القرآنيَّة، وآداب التِّلاوة القرآنيَّة.
فهذا هدف ووظيفة من وظائف الجمعيَّات القرآنيَّة.

المسؤوليَّة الثَّانية: إنتاج عُشَّاق للقرآن الكريم
قد أُنتِج قارئًا للقرآن الكريم، وتاليًا له يُتقن التِّلاوة إلَّا أنَّه لم يرتقِ إلى مستوى ودرجة أنْ يكون من عشَّاق القرآن الكريم.
هناك – في المسؤوليَّة الأولى – نصنع لسانًا قرآنيًّا، تاليًا للقرآن الكريم بمعنى أنَّ لسانه قادرٌ على أن يتلو القرآن الكريم بدرجة عالية.
فقد نكون أَنْتَجْنَا لسانًا قرآنيًّا إلَّا أنَّنا لم ننتج قلبًا قرآنيًّا!
فكما أنَّ الجمعيَّة القرآنيَّة مسؤولة أنْ تنتج ألسنة قرآنيَّة تتلو تلاوة وفق الضَّوابط – ضوابط التِّلاوة القرآنيَّة – وهذا إنتاج ألسنة قرآنيَّة، كذلك هي مسؤولة أنْ ننتج قلوبًا قرآنيَّة.
والقلب القرآنيُّ غيرُ اللِّسان القرآنيِّ.
إنَّ اللِّسان هو حركة اللِّسان وفق ضوابط التِّلاوة بينما القلب القرآنيُّ هو قلب يملك ذوبانًا، وانصهارًا، وعشقًا مع القرآن الكريم.
فكما هي مسؤوليَّة الجمعيَّة القرآنيَّة أنْ تنتج ألسنة قرآنيَّة مطلوب منها أنْ تنتج قلوبًا عاشقة للقرآن الكريم.
هذه مهمَّة أخرى، وهي كيف نصنع العشق القرآنيَّ؟، وهي غير كيف نصنع التِّلاوة؟
فيمكن أنْ أصنع لسانًا قرآنيًّا وفق ضوابط معيَّنة، لكن أنْ أصنع عشقًا قرآنيًّا فهذا يحتاج إلى ضوابط أُخرى.
إذًا، هذه مسؤوليَّة ثانية، غير مسؤوليَّة ووظيفة إنتاج اللِّسان القرآنيِّ، وهي وظيفة إنتاج القلب القرآنيِّ، القلب الذَّائب، والعاشق، والمرتبط وجدانيًّا، ونفسيًّا، وشعوريًّا، وروحيًّا مع القرآن الكريم.
هذا هو هدف ثانٍ من أهداف الجمعيَّة القرآنيَّة.

المسؤوليَّة الثَّالثة: إنتاج عقل قرآنيٍّ
قد أنتج لسانًا قرآنيًّا حافظًا ضوابط التِّلاوة.
وقد أنتج عاشقًا قرآنيًّا إلَّا أنَّني لا أنتج عقلًا قرآنيًّا!
إنَّ العقل مرتبط بالوعي، والفهم، والبصيرة.
كما أنَّ الجمعيَّة مسؤولة أنْ تنتج ألسنةً قرآنيَّة، ومسؤولة أنْ تنتج قلوبًا قرآنيَّة، فهي مسؤولة أنْ تنتج عقولًا قرآنيَّة، العقل القرآنيَّ هو العقل الفاهم، البصير، المتدبِّر للقرآن الكريم، الفاهم لمضامين القرآن الكريم بدرجة ونسبة ما.
لا أقول: إنَّ كلَّ مَن يتلو القرآن الكريم، وكلَّ قارئ له يجب أنْ يستوعب القرآن الكريم كلَّه وبدرجة استيعاب العلماء والفقهاء إلَّا أنَّه يمكنه أنْ يمتلك لونًا من الوعي القرآنيِّ، والفهم القرآنيِّ، والبصيرة القرآنيَّة.
إذًا، هنا إنتاج عقل قرآنيٍّ.
فيوجد عندنا إنتاج لسان قرآنيٍّ، وإنتاج قلب قرآنيٍّ، وإنتاج عقل قرآنيٍّ.

المسؤوليَّة الرَّابعة: إنتاج عاملين بالقرآن الكريم
قد تنتج الجمعيَّة لسانًا قرآنيًّا.
وقد تنتج الجمعيَّة عقلًا قرآنيًّا.
وقد تنتج قلبًا قرآنيًّا إلَّا أنَّها قد لا تنتج سلوكًا قرآنيًّا!
المهمُّ هو كيف تنتج الجمعيَّة سلوكًا قرآنيًّا.
إذا استطاعت الجمعيَّة أنْ تنتج سلوكًا قرآنيًّا لدى قرَّاء القرآن الكريم، ولدى النَّاس، ولدى الأُسر، فهنا قد حقَّقت الجمعيَّةُ أكبر أهدافها، وهو السُّلوك القرآنيُّ، والممارسة القرآنيَّة، والعمل القرآنيُّ، والأخلاق القرآنيَّة، والتَّقوى القرآنيَّة، فهذا هو المطلوب، وهو الأساس.
والسُّؤال: كيف نصنع تقوى القرآن الكريم عند النَّاس؟
وكيف نصنع السُّلوك النَّظيف القرآنيَّ؟

المسؤوليَّة الخامسة: إنتاج الحَراك القرآنيِّ
كيف يمكن للجمعيَّة أنْ تنتج دعاة قرآنيِّين، وليس فقط قراءً، وليس فقط عشَّاقًا، وليس فقط متمثِّلين فرديِّين بالقرآن الكريم.
وإنَّما هم دعاة وحَمَلة للقرآن الكريم، يدعون للقرآن، ولأهداف القرآن، وللتَّدبُّر القرآنيِّ.
فهذا حراكٌ قرآنيٌّ.
هذه خمس مسؤوليَّات – أهداف – أساس للجمعيَّة.
وتكمن قيمة الجمعيَّات القرآنيَّة بمقدار ما ترتقي بمستوى تحقيق هذه الأهداف الخمسة، فكلَّما ارتقت في تحقيق هذه الأهداف، فإنَّها ترتقي قيمتها.
إذًا، إذا تصدَّى شخص لجمعيَّة قرآنيَّة، فالمطلوب منه أنْ يملك وعيًا بهذه الأهداف حتَّى يعمل على تنشيط وتفعيل هذه الأهداف.
وإلَّا أنْ تأتي بشخص لا يمتلك درجة مقبولة من الوعي بأهداف الجمعيَّات القرآنيَّة، وتطلب منه أنْ يكون مسؤولًا، وإداريًّا في جمعيَّة قرآنيَّة، فهذه مسألة تربك أمر الجمعيَّة، وتهبط بمستوى أدائها؟
إذًا، في ضوء وعي الإدارات بهذه المسؤوليَّات تتحدَّد قيمة الإدارات القُرآنيَّة.
هذا المؤهَّل الأوَّل المطلوب في حَمَلَة القرآن الكريم، والمتصدِّين لإدارة أيِّ جمعيَّة قرآنيَّة وهو أنْ يملك هذا المتصدِّي للإدارة أنْ يملك درجة مقبولة – ولا أقول أنْ يمتلك الدَّرجة العالية، ولكن كلَّما كان يمتلك درجة أكبر كان أفضل -، أنْ يملك درجة مقبولة من الوعي بمهام ووظائف ومسؤوليَّات الجمعيَّة القرآنيَّة.
هذا هو المؤهَّل الأوَّل، وهو مؤهَّل الوعي بمسؤوليَّات الجمعيَّة القرآنيَّة.

المؤهَّل الثَّاني: امتلاك درجة عالية من الإخلاص لله تعالى
إنَّ العمل القرآنيَّ عمل عباديٌّ مقدَّس، بل هو عمل جهاديٌّ مقدَّس، ولا يرقى إليه عمل.
لا يوجد عمل يحظى بدرجة عالية من القيمة الإيمانيَّة كخدمة القرآن الكريم.
إنَّه جهاد، وعبادة.
هو جهاد وعبادة من الدَّرجة الأولى.
ولكن متى يرتقي هذا العمل القرآنيُّ إلى مستوى الجهاد؟
ومتى يرتقي هذا العمل القرآنيُّ إلى مستوى العبادة؟
هل يرتقي العمل القرآنيُّ إلى مستوى الجهاد والعبادة إذا لم يتوافر الإخلاص؟!
الإخلاص هو أنْ يكون العمل لله تعالى.
الحَراك لله تعالى.
النَّشاط لله تعالى.
الجهد لله تعالى.
الوقت لله تعالى.
ومتى كان العمل لله تعالى كان العمل – أي عمل – خالصًا.
صحيح عندنا في الفقه الدِّينيِّ الإسلاميِّ أعمال عباديَّة، وأخرى أعمال تَوَصُّلِيَّة، وأنَّ الأعمال التَّوصُّليَّة لا يُشترط فيها نيَّة القربة لله تعالى إلَّا أنَّ الثَّواب متوقِّف على نيَّة القُربة لله تعالى.
إنَّ الإنسان لا يحصل على ثواب الله إذا لم يكن عمله خالصًا لله تعالى.
إنَّ درجة الذَّوبان في الله، والعمل من أجل الله، ومن أجل التَّقرُّب إليه، ومن أجل نشر أحكام كتاب الله، وتلاوة كتاب الله تعالى فهذا جهاد، وعمل عباديٌّ مقدَّس.
إنَّ العمل لله تعالى لا من أجل عنوان آخر.
فمثلًا عندما يأتي شخص ويقول: أنا أريد أنْ أشتهر، فالنَّاس تقول عني أنَّني متصدٍ لجمعيَّة قرآنيَّة، فهذا عمل للنَّاس، وللشُّهرة، وللموقع، وللعنوان، وللمدح، مدح النَّاس وثنائهم، وهذا لا يحقِّق الثَّواب، والله تعالى لا يعطيه ثوابًا.
فهو عمل مبارك وكريم وطيِّب، ولكن إذا غاب الإخلاص فيه يغيب الثَّواب والعطاء الإلهيُّ.
قد يكون الإنسان لا يعمل لمدح النَّاس، او لثناء النَّاس، وإنَّما يعمل لله تعالى، إلَّا أنَّه مطلوب من النَّاس أنْ تقيِّم عمل هؤلاء الجنود الرَّبَّانيين.
هذا جنديٌّ ربَّانيٌّ يعمل للقرآن الكريم.
هو يعمل لا لأمدحه، ولكن مع ذلك مطلوب مني أنْ اُقيِّم عمله.
وأنْ أُثني على عمله.
وأمدح عمله.
وأبارك عمله.
فهذا لا توجد فيه مشكلة.
عندما تمدح النَّاس وتثني على جهود فلان وفلان من النَّشطِين الجادِّين في خدمة الأهداف القرآنيَّة، فهذا مطلوب.
ولكن لا أعمل حتَّى النَّاس تمدحني!
لا أعمل حتَّى النَّاس تثني عليَّ!
أمَّا النَّاس فمطلوب منها أنْ تُبارك، وتؤيِّد، وتدعم.
وإنَّ قيمة العمل القرآنيِّ يكون بحسب درجة الإخلاص، فلربما يملك شخص درجة 100 % من الإخلاص، وثانٍ يملك درجة 90 % من الإخلاص، وثالث يملك درجة 70 % من الإخلاص، ورابع يملك درجة 50 % من الإخلاص.
إنَّ المخلصين لهم مراتب، ودرجات.
إذًا، شرط أساس فيمَن يتصدَّى للعمل القرآنيِّ.
إنَّنا من القرآن الكريم نتعلَّم الإخلاص.
من القرآن الكريم نتعلَّم الذَّوبان في الله تعالى، ومن أجل الله سبحانه.
فهذا مؤهَّل ثانٍ مطلوب أنْ يتوفَّر عليه كلُّ مَن يتصدَّى للعمل القرآنيِّ، أو لجمعيَّة قرآنيِّة، أو لنشاط قرآنيٍّ.

المؤهَّل الثَّالث – للإدارديِّين في الجمعيَّة القرآنيَّة -: امتلاك درجة عالية من الفاعليَّة في أداء المسؤوليَّات
إنَّ الإدارة القرآنيَّة أمامها مسؤوليَّات كبيرة – كما ذَكرنا في النقطة الأولى – ومن الطَّبيعيِّ أنَّ مَن يتصدَّى لإدارة جمعيَّة قرآنيَّة، أو أيَّ مؤسَّسة أنْ يمتلك وعيًا بأهداف المؤسَّسة، وأنْ يمتلك فاعليَّة.
إن الوعي هو غير الفاعليَّة!
فلربما يمتلك الفرد وعيًا – أعلى درجات الوعي – بوظائف مؤسَّسة إلَّا انَّ فاعليَّته ليست بمستوى هذا الوعي.
إنَّ الفاعليَّة هي الحركيَّة.
هي الإنتاج العمليُّ السُّلوكيُّ.
إنَّ المطلوب منَّا إذا تصدَّينا إلى مؤسَّسة قرآنيَّة أنْ نفعِّل قدراتنا في أعلى مستوى من التَّفعيل.
وأقصد بالفاعليَّة هي توظيف القُدُرات، وتوظيف الوقت.
فإذا كانت لديك قدرات، وطاقات فكريَّة، وثقافيَّة، وعلميَّة، واجتماعيَّة، فكم قد حرَّكت منها، هل حرَّكت من طاقاتك 90 %؟
أو 80 %؟
أو 50 %؟
إنَّك كلَّما حرَّكت طاقاتك أصبحت فاعلًا أكثر.
فأيِّ قَدَر تملك من طاقات فحرِّكها لخدمة القرآن الكريم، فهذا هو معنى الفاعليَّة، وهي تفعيل القُدُرات، والإمكانات الذِّهنيَّة، والنَّفسيَّة، والعمليَّة، والسُّلوكيَّة.
كما لا بدَّ من تفعيل الوقت.
فبأيِّ قَدَر أعطيتُ من وقتي لخدمة الجمعيَّة القرآنيَّة، هل 10 %، أم 20 %، أم 50 %، أم 90 %؟
إذًا، عندما أتحدَّث عن فاعليَّة فأنا أتحدَّث عن توظيف طاقات، وتوظيف أوقات.
مستويات الفاعليَّة
إذا عرفنا أنَّ الفاعليَّة هي توظيف الطَّاقات، والأوقات، فإنَّ لها مستويات.
1. الفاعليَّة المنخفضة
حيث الفرد فيها يوظِّف من طاقاته – مثلًا – 5 %، فمثل هذه هي فاعليَّة منخفضة جدًّا – وهنا أنا لا أتحدَّث عن الذي قد جمَّد كلَّ طاقاته، وكلَّ فاعلياته، فذاك مشلول –، أمَّا هذا فيوظِّف من فاعلياته درجة منخفضة كـ: 5 %، أو 10 %.
أو يوظِّف من اوقاته 10 %، أو 5 %!
فهذا توظيف منخفض جدًّا.
2. الفاعليَّة المتوسِّطة
فهنا يوظِّف الفرد من فاعلياته 30 %، أو 40 %، أو 50 %، فمثل هذا توظيف ليس منخفضًا ولكنَّه كذلك ليس مرتفعًا، بل هو متوسِّط.
3. الفاعليَّة العالية
وهنا يُوظِّف الفرد من فاعلياته 70 %، أو 80 %، فهذه فاعليَّة عالية.
4. الفاعليَّة العالية جدًّا
إنَّ التَّوظيف العالي جدًّا هو التَّوظيف الذي يصل فوق 90 %!
فإذا تصدَّيت إلى مسؤوليَّة جمعيَّة فانظر إلى كم تمتلك من طاقات، ومن أوقات.
وكم أعطيت لخدمة الجمعيَّة القرآنيَّة من طاقاتك؟
وكم أعطيت لخدمة الجمعيَّة القرآنيَّة من أوقاتك؟
هذا هو المؤهَّل الثَّالث.

المؤهَّل الرَّابع – الأخير -: التَّمثُّل القرآني
ما معنى التَّمثُّل القرآنيُّ؟
بما أنَّك داعية للقرآن الكريم، وحامل للقرآن الكريم، وبما أنَّك متصدٍّ لإدارة جمعيَّة قرآنيَّة، فأنت تُعلن بأنَّك تحمل القرآن الكريم، فإذا لم تتمثَّل القرآن الكريم سلوكًا، وأخلاقًا، فكيف ستدعو للقرآن الكريم، وأهدافه، وخلقه، وتقواه؟!
أنت داعية للتَّقوى القرآنيَّة، فكيف ستدعو للتَّقوى القرآنيَّة وأنت لا تمارس التقوى القرآنيَّة؟!
أنت داعية للخُلُق القرآنيِّ، فكيف ستكون داعية للخُلُق القرآنيِّ، وأنت لا تتمثَّل الخلق القرآنيِّ؟!
أنت داعية للصِّدق القرآنيِّ، فكيف ستكون داعية للصِّدق القرآنيِّ وأنت لا تتمثَّل الصِّدق، ولا تتمثَّل الأمانة القرآنيَّة؟!
إذًا، التَّمثُّل والتَّطبيق القرآنيُّ هو الذي يُنجِح الصَّوت القرآنيَّ.
فأنت صوت القرآن الكريم.
أنت لسان القرآن الكريم.
فبمقدار ما تجسِّد القرآن الكريم في سلوكك، وفي واقعك، وفي أخلاقك، وفي تقواك، فأنت تنجح في أداء مهمَّتك.
وأنت بذلك تحمل عنوانًا كبيرًا!
الحديث يقول: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «أشراف أمَّتي حَمَلة القرآن، وأصحاب اللَّيل»( ) (الأمالي، الصَّفحة 305، الشَّيخ الصَّدوق).
إنَّ أشراف الأمَّة بالمصطلح الإيمانيِّ القرآنيِّ الشَّرف الإيمانيُّ.
شرف القُرب من الله تعالى.
الشَّرف في الآخرة.
«أشراف أمَّتي حَمَلة القرآن …» حَمَلَة القرآن الكريم ليس بألسنتهم فقط، بل بألسنتهم، وبعقولهم، وعواطفهم، وسلوكهم، وأخلاقهم، ونشاطهم، فهؤلاء هم «حَمَلَة القرآن».
القرآن يتحرَّك ليس قرآنًا جامدًا، كمَن يحمل مصحفًا في جيبه فهذا أيضًا حامل للقرآن الكريم؟
لكن: لا!
الذي يحمل القرآن الكريم هو الذي يحمله في عقله، وعواطفه، وسلوكه، ونشاطه، وأخلاقه، وفي كلِّ حركته، ولذلك ورد: «أشراف أمَّتي حَمَلة القرآن، وأصحاب اللَّيل».
«أصحاب اللَّيل» هم المصلُّون بالأسحار.
كيف يكونون أشراف الأمَّة وهم لا يتمثَّلون القرآن الكريم؟!
إنَّ الشَّرف موقع متقدِّم.
الشَّرف الإيمانيُّ هو شرف القُرب من الله تعالى.
وهذا يعني درجة عالية من التَّمثُّل، والعمل، والتَّطبيق بالقرآن الكريم.

 صنَّاع حَمَلَة القرآن الكريم
القائمون على المؤسَّسات القرآنيَّة هم صنَّاع حَمَلة القرآن الكريم.
أنت تصنع حاملًا للقرآن الكريم.
أنت إداريٌّ في مؤسَّسة قرآنيَّة يعني ذلك أنَّك تريد أنْ تُنتج حَمَلَة للقرآن.
مطلوب أنْ تكون قرآنيًّا.
الإداريُّون هم صنَّاع حَمَلَة القرآن الكريم.
كيف يمكنكم أنْ تكونوا صنَّاع حَمَلَة القرآن الكريم، وأنتم لستم قرآنيِّين؟!
إنَّ المطلوب من الإدارات أنْ تكون بمستوى راقٍ من التَّمثُّل العمليِّ للقرآن الكريم حتَّى يستطيعوا أنْ يصنعوا قرآنيِّين في كلِّ المستويات.

 قرآنيُّون صادقون
أختم كلمتي أيُّها الأحبَّة، والثِّقة بكلِّ مَن يتصدَّى للإدارة، وينجح في موقع الإدارة أنْ يكون قرآنيًّا صادقًا.
كونوا قرآنيِّين في وعيكم.
كونوا قرآنيِّين في عواطفكم، ومشاعركم، ووجدانكم.
كونوا قرآنيِّين في ألسنتكم.
كونوا قرآنيِّين في روحانيَّتكم.
كونوا قرآنيِّين في أخلاقكم.
كونوا قرآنيِّين في كلِّ سلوككم.
سدَّد الله تعالى خطاكم، ووفَّقكم، وتقبَّل عملكم.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى