حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 39: الاِسْتِجْمَام وَالتَّرْفِيه الصَّيفيّ – الاستثمار الواعي لزيارة العتبات المقدسة

حديث الجمعة 39 | 09 جمادى الأولى 1424| 10 يوليو 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

الحمد للّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام علـى سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

يتناول الحديث في هذا اللقاء موضوعاً بعنوان «الاستجمام والترفيه الصيفي» فالكثيرون يتخذون من الصيف فرصتهم للإستجمام والترويح والترفيه من خلال السفر أو من خلال البرامج والفعّاليات التي تزدحم بها أجواء الموسم الصيفي:

والإسلام يسمح للإنسان المسلم أن يرفّه عن نفسه من خلال الوسائل المشروعة للترفيه، بل ويشجع الإسلام على ذلك، فالترفيه جزء من المنهج التربوي الإسلامي، وله معطياته في حياة الإنسان، فمن خلاله تنشط الروح، وإذا نشطت الروح نشطت الكثير من الفعّاليات..

جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «السرور يبسط  النفس، ويثير النشاط» وبالعكس إذا أصيب الإنسان بالفتور النفسي أصبح يعيش حالة الاسترخاء، وبالتالي تسترخي لديه كلّ الفعّاليات،
ومن خلال الترفيـه المباح يتخلص الإنسان من أتعاب البدن.
قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لكل عضو من البدن إستراحة» ومن الواضح أن التخفيف من أتعاب البدن يجدّد للإنسان طاقته وحيويته ونشاطه، في حين أن الإرهاق البدني يعطّل قدرات الإنسان، ويجمّد فعالياته.
ومن خلال الاستجمام والترفيه المباح، يحمي الإنسان نفسه من الأزمات والإضطرابات النفسية(القلق، الهم والغم، الآلام) وإنّ تفـريغ النفــس من القلق والهم والآلام له تأثيراتـه الكبيرة على فاعلية الإنســان ونشاطاته.

نقرأ في هذا الإتجاه عدة أحاديث:
جاء في الحديث: للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه،وساعة يخلّي بين نفسه ولذاتها فيما يحل ويجمل
وورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنه قال: «ينبغي للإنسان العاقل أن يكون له: ساعة يقضي بها إلى عمله فيما بينه وبين اللّه عز وجل، وساعة يلاقي فيها إخوانه الذين يفاوضهم ويفاوضونه في أمر آخرته،
وساعة يخلّي بين نفسه ولذّاتها في غير محرّم فإنها عون على تلك الساعتين
وجاء عن الإمام الرضا (عليه السّلام) أنه قال: «واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة للّه لمناجاته،وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقاة والذّين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلّون فيها للذاتكم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات
وهنا نؤكد أنّ الإسلام يتشدّد في رفض كل ألوان الترفيه التي تعتمد الوسائل المحرّمة لما يترتب على ذلك من هدر للطاقات، وإضاعة للأوقات، وارتماء في أحضان الشهوات والإنسان مسئول عن أوقاته وطاقاته وأفعاله {وقفوهم إنهم مسئولون} {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتابِ لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها وَوَجدوُا ما عَمِلوا حاضراً ولا يَظْلِمُ ربـُّـك أحدا} الكهف/94
«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن ولايتنا أهل البيت»
«لا خير في لذة توجب ندماً وشهوة تعقب ألماً»
«نزهوا أنفسكم من دنس اللذات،وتبعات الشهوات»
فالحذر الحذر من الإنسياق وراء أساليب الشيطان، وإغراءاته، وغواياته،وإذا كان الإسلام قد سمح للإنسان المسلم أن يرفّه عن نفسه،فإنّه لم يسمح له أن يعتمد الوسائل المحرمة كالألعاب القمارية، والحفلات العابثة الفاسقة، والبرامج اللاهية، والسفرات غير الملتزمة.

والصيف مرتع خطير للشيطان، فلا يخلو بلد من بلدان هذا العالم من إستعدادات كبيرة «للسياحة الشيطانية» لا فرق في ذلك بين بلدان الكفر وبلدان المسلمين، فقد أصبحت السياحة الهابطة الفاسقة هي العنوان الأبرز في سياحات الصيف،وحسبكم هذه الإعلانات التي تضجّ بها الصحف ووسائل الإعلام المختلفة مما يندى له الجبين، وإذا كان هذا الأمر طبيعياً في بلدان لا تؤمن بالقيم الدينية والأخلاقية،فما بالنا في بلداننا التي تنتمي إلى الإسلام، وتدّعي الانتساب إلى الدين وقيمه، وتتعالى الأذانات في مساجدها وجوامعها وترتفع آيات القرآن في محطاتها الإذاعية والتلفازية ما بالنا في هذه البلدان نجد الانتهاكات الصارخة لقيم الإسلام بلا وجل ولا خجل، ولاحسابٍ لمشاعر المسلمين، حتى يصل الأمر إلى «حفلات» تعلن بكل وقاحة الحرب على «مبادىء الإسلام» و«قيم الدين» المسألة أيها المؤمنون ليست حفنة من الشــواذ والممسوخين روحياً وأخلاقياً، والمسكونين بنزعة العهر والدعارة والفسوق، المسألة ليست جماعات من شبانِ متأنثين باعوا أنفســهم للهوى والشيطان،المسألة ليست أعداداً من الساقطين في وحل القذارة، ونتن الفجور..

مشروع الاستكبار العالمي الخطير:
المسألة أكبر وأكبر وأكبر،إنه المشروع الكبير الذي تخطط له أجهزة العبث العالمي من أجل مصادرة هوية هذه الأمة ومصادرة قيمها الدينية والروحية، وهذا المشروع تنفذّه في مجتمعات المسلمين مؤسسات السلطة والحكم، وأنظمة السيّاسة،فهذه المؤسسات والأنظمة هي المسؤول الأول عن كلّ هذا «الدمار الأخلاقي» في بلدان المسلمين،ومن الغباء والحماقة أن نتصور أنّ هذه «الممارسات العابثة» تتحرك في غفلةٍ من «أجهزة الحكم» و«رقابة السلطات.»

وإنّه من البلاهة وأيّ بلاهة أن نحّمل المسؤولية إدارة فندق هنا أو فندق هناك،إننّا يجب أن نملك الصراحة والجرأة والشجاعة لنحمّل «السلطة» مسؤولية هذا الإنتهاك الخطير لقيم الدين ومشاعر المسلمين. وإلا فسوف نضحك على أنفسنا، والدمار الكبير الكبير قادم وخطير وخطير، إذا لم نمارس دورنا في التصدّي والمواجهة لمشروعات العبث الأخلاقي.
لا توقف هذه المشروعات المدمّرة خطب وكلمات إذا تجمّدت في داخل المساجد والجوامع والحسينيات.

ولا توقف هذه المشروعات المدمّرة بيانات وتصريحات إذا بقيت حبراً على الورق.
ولا توقف هذه المشروعات المدمّــرة إنفعالات غاضبة إذا لم تتحول إلى حركة تصدي ومواجهة.

دور الأمة في حماية قيم الإسلام ومبادئه:
إن أمةً لا تثأر لدينها وقيمها ولقضاياها المصيرية أمة مكتوب عليها الذل والعار والخزي والشنار.
إن أمةً لا تتحرك غَيرتُها الدينية حينما تـُنتهك قيمها ومبادئها وحُرماتها، أمة ميتة وفاقدة لكل معاني الحياة:
تمتحن الأمة في غَيرتِها الإيمانية، عندما تمسُّ «قيمها الروحية»، فشطر كبير من الأمة قد لا يملك غيرة على الدين والقيم، فلا يرفّ له طرفٌ، ولا يختلج في داخله شعورٌ، وهو يرى قيم الدين تنتهك وتستباح.
وشطر آخر يختزن في داخله الآهات والحسرات والآلام، ويحذر كل الحذر أن تبرز تلك المشاعر على شحنات الوجه أو من خلال فلتات اللسان، خوفاً أو مجاملــة أو مداهنــة أو محافظـة على ديناً يخشــى أن تفلت منـه.
وشطر ثالث يسمح لمشاعره الرافضة للفساد أن تعّبر عن نفسها من خلال كلمة لسان أو تقطيبة وجه إلاّ أن هذا التعبير يبقى وسيلة تنفيسٍ فقط، لا تحمل أيّ موقف عملي جاد في مواجهة الواقع المنحرف.

وشطر رابع من الأمة يحّول العواطف إلى مواقف فاعلة ومتحركة تحمل الإصرار على رفض الأوضاع الفاسدة، وتلاحق الظواهر المنحرفة من خلال كل الوسائل العملية الممكنة والمشروعة.

وقد يطرح هذا التساؤل: من الذي يحدد الوسائل العملية الممكنة والمشروعة في مواجهة حركة العبث والفساد الأخلاقي؟
نجيب عن هذا التساؤل: بأن حركة العبث والفساد الأخلاقي لها أكثر من مساحة، فبعض هذه المساحات يمكن لأي إنسان أن يحــدد وســيلة التصدّي والمواجهة متى ما توفّــر علــى الرؤيــة الموضوعيــة في تحديد حالة الفســاد، ومتى ما توفّر على الرؤية الفقهية في معرفة الحكم الشرعي.
والبعض الآخر من تلك المساحات والتي تعــّبر عن مشروعاتٍ للعبث والفساد تتبناها أجهزة سلطة، ومؤسسات نظام، وقوى مجتمع، فإن تحديد الوسائل العملية الممكنة والمشروعة في مواجهتها والتصدي لها، لا يمكن أن يترك لأيّ فرد، فهو يحتاج إلى درجة عالية من الرؤية الموضوعية والرؤية الفقهية، وهنا يجب أن تتعاون الكفاءات الإيمانية الواعية الملتزمة ممثلةً في النخب العلمائية والثقافية والسيّاسية لتحدد الوسائل الضرورية والقادرة على مواجهة مشروعات العبث والفساد.

ومن حق الأمة في جماهيرها الواسعة أن تطالب الرموز القيادية في تحديد الموقف الشرعي والعملي من تلك المشروعات.
إننا ندعو علماء هذا البلد الإسلامي سنة وشيعة أن يوحّدوا موقفهم في مواجهة مشروعات العبث والفساد الأخلاقي، وندعو كل النخب الثقافية والسياسية التي تحمل الغيرة على قيم هذا البلد أن يلتحموا مع علماء الدين في التصدّي الواعي المدروس.

كما ندعو الجماهير المخلصة لدينها وقيمها أن تعبّر عن دعمها ومساندتها لأيّ موقف يهدف إلى حماية القيم والأخلاق، ومواجهة أساليب العبث والفساد والإنحراف.

الاسـتثمار الواعي لزيارة العتبات المقدسة:
وقبل أن أنهي حديثي أود أن أشير بشكل عاجل إلى مسألة «السفر إلى زيارة العتبات المقدسة» فالكثير من العوائل المؤمنة تتخذ من الصيف فرصةً للتوجه إلى «المراقد المطهرة» ، وذلك من أفضل القربات والطاعات ، وهنا ننبه إلى ضرورة الإستفادة من الأجواء الروحانية في هذه الزيارات، فمن خلالها نتعبأ روحياً وإيمانياً وأخلاقياً فحذارِ أن نفوّت هذه الفرصة الثمينة، ومن المؤسف جداً أنّ الكثيرين من زوار العتبات المقدسة لايرجعون بحصيلة روحية واضحة، كونهم لا يستثمرون تواجدهم في تلك الرحابِ الطاهرة إستثماراً جاداً وهادفاً، وغالباً ما تأسرهم الرغبة في الترفيه النفسي على حساب المعطى الروحي الكبيرة الذي يوفّره القرب من تلك المراقد المشرفة، وإذا كان الإسلام- كما قلنا – لا يمنع من ترويح النفس وترفيهها ضمن الأجواء المشروعة إلا أن استرفاد العطاء الروحي في ظل تلك الرحاب الربانية هدف يجب أن يحرص عليه الزائرون ليربحوا بزاد التقوى وفيوض الإيمان وأعلى الدرجات.

ولا يفوتنا – في هذا السياق – أن نحذّر أولئك الذين يسيئون إلى أجواء هذه الرحلات الإيمانية المباركة، فينطلقون من خلالها في ممارسات شائنة، وتصرفات منحرفة، كما يفعل ذلك بعض الشباب والشابات غير الملتزمين، حيث يتخذون من هذه السفرات الدينية غطاءً لأفعالهم الزائفة وسلوكياتهم الفاسدة، ويتحمل المسؤولية في هذا الشأن الأسر والآباء والأمهات، وكذلك القائمون والمشرفون على هذه الحملات، بالإضافة إلى دور العلماء والمبلغين، فيجب أن تتضافر الجهود من أجل ترشيد هذه الرحلات وحماية أجوائها، والإرتقاء بها إلى مستوى أهدافها الربانية الكبيرة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسـنة وقنـا عذاب النار، ربّنا اصرف عنا عذاب جهنـم إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مسـتقراً ومقاما.ً

وآخــر دعوانـا أن الحمــد للّه رب العالمــين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى