حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 357: لا زالت قضية المجلس الإسلامي العلمائي تتفاعل

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد فمع هذا العنوان…


لا زالت قضية المجلس الإسلامي العلمائي تتفاعل:


لم يكن مفاجًأ قرار الحذف والإلغاء الذي طال المجلس الإسلامي العلمائي، فمنذ اليوم الأول لولادة هذا المشروع كان الموقفُ الرسمي هو الرفضُ والحذفُ والإلغاءُ والتصدّي والتشهيرُ والاتهام (راجعوا البيان الرسمي الذي صدر في حينه) وما رافق ذلك من إعلام مضاد…


منذ اليوم الأول قالوا عن مشروعنا أنّه مضرٌ بالوحدة الوطنية…


وقالوا عنه أنّه لا يملك شرعية قانونية…


وقالوا عنه أنّه يؤسّس للطائفية…


ثمَّ تطوّرت مقولاتهم، فاتهموهُ أنّه يحرّض على العنف والتطرّف والإرهاب…


واتهموه كذلك أنّه مشروعٌ سياسيٌ يتقمّصُ لباسَ الدين.. وما أكثر ما قالوا…


إذًا فمنذ انطلاقة المشروع كان هذا هو الموقف إلّا أنّه بفضل إصرارِ العلماءِ، وإصرارِ الجماهير الذي احتضنت هذا الوليد المبارك وذابت في أهدافه بقي المجلسُ الإسلاميُّ العلمائيّ، وأصبح واقعًا، وأصبح عنوانًا، وأصبح رقمًا صعبًا…


وسكنت السّلطة وصمتت بعض الوقت، إلّا أنّ هذا الصمت كان يخبئ خطةً للإجهاز على هذا المشروع…


وصدر تقرير البندر المشهور والذي فضح تلك الخطة المرسومة بما تحملهُ من استهدافاتٍ خطيرة جدًا، ولا أكشف سرًّا فالتقرير طُبِع و وُزّع، وأصبح متداولًا، وقرأهُ الكثيرون…


إلّا أنّني هنا لا أريد أنْ أنكأ الجروح المؤلمة في الحديث عن هذا التقرير المؤذي لطائفة تشكّل مكوّنًا كبيرًا في هذا الوطن…


وكذلك لا أريد أنْ أعكّر مزاج اللقاءات التي بدأتْ تتحرّك لإيجاد مخرج من أزمةٍ عصفت بكلّ أوضاع هذا البلد، خشية أنْ يُقال أنّنا نشوّش أجواء التفاهم والحوار…


ما أردت أنْ أقوله أنْ قرار الحل والإلغاء الذي طال المجلس الإسلامي العلمائي جاء في سياق خطة تفصيلية فضحها تقرير البندر…


إذًا هذا الحكم لم يكنْ مفاجًأ لنا، والجديد أنّه تحوّل من (قرار سياسي)) إلى ((حكم قضائي)) وإذ لم يكن هذا الحكم مفاجًأ لنا فهو لم يرعْبنا، ولم يُربكْنا…


كونه لم يُرعْبنا، لأنّنا انطلقنا في مشروعنا من ((التوكل على الله سبحانه))


· ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ…﴾ {الطلاق/3}


· ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ {الأنفال/49}


· ﴿ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ {آل عمران/173}


· ﴿ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾ {النساء/81}


فتوكلنا على الله العزيز الحكيم، القوي القهّار، وثقتُنا بتأييده ورعايته، لا يضعنا في موضع الرعب والخوف والانهيار والانهزام والتراجع…


وأمّا أنّه لم يُربكْنا، فلأنّ الرؤيةَ لدينا واضحةٌ كلَّ الوضوح، والخطوات ثابتةٌ كلَّ الثبات، والمسؤولياتِ لن تتوقف… لن تتوقفَ الدعوةُ إلى الله، ولنْ يتوقفَ الأمر بالمعروف، ولنْ يتوقف محاربة المنكر والفساد والانحراف، ولنْ يتوقفَ التصدّي للدفاع عن قضايا هذا الشعب، وحماية حقوقه المشروعة…


فالنصوص الدينية لا تسمح لنا أنْ نتوقف…


هذه آياتُ الكتاب العزيز تصرخ فينا:


·        ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ {آل عمران/104}


·        ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ {آل عمران/114} 


·        ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ {التوبة/112}


قد يُقال إنّ التصدّي للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداء المسؤوليات الرسالية يمكن أنْ يتم ذلك بشكل فردي، فلا داعي أنْ تتشكّل كيانات وتجمعات ومؤسّسات…


فالخطابات القرآنية تتحدّث عن مسؤوليات
 الأفراد كما هو واضح في النصوص المتقدّمة…
وهذا ما تؤكّده الكلمات الصَّادرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله…


·        ((يا أيّها النّاس إنّ الله يقول لكم: مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أنْ تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم))


·        ((لازال النّاسُ بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البّر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت البركات وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم نصيرٌ في الأرض ولا في السّماء))


ولنا تعقيب على هذا القول:


صحيح أنْ ((الأداءات الفردية)) في مجال الدعوة والتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأساس وهي مطلوبة، ومجزية إذا حقّقت الأهداف التي يريدها الشرع…


إلّا أنّ هذه الأداءات الفردية قد تعجز عن تحقيق الأهداف، وخاصة حينما يكون الوقاع الفاسد المنحرف تحرّكه كيانات حاكمة، ومؤسّسات منظمة، ومشروعات مخطّط لها، وأجهزة متطوّرة…


فهل يمكن أنْ يواجه هذا الواقع بممارسات فردية وبأساليب مبعثرة، وبمواقف عفوية ومرتجلة…


لابد حينئذ من أنْ تتشكّل ((أداءات جماعية)) وصياغات مؤسساتية، وخطط تتجاوز أدوار الأفراد…


فالشأن الدعوي والتبليغي، والشأن الثقافي، والشأن الاجتماعي، والشأن السّياسي، شؤون ربّما تعجز ((الأداءات الفردية)) في التعاطي معها، وتحقيق أهدافها، فمن الطبيعي جدًا تكون الحاجة إلى قائمة لممارسات جماعية ومشتركة، وممنهجة، ومدروسة…


ثمّ إنّ النصوص الدينية – كتابًا وسنّةً – خطابات عامة تتحدّث عن وظائف الدعوة والتبليغ والإرشاد والتوجيه والهداية والتربية والتثقيف والتعليم…


أمّا كيف تتحرّك هذه الوظائف فمتروك للأمّة حسب الحاجات، والظروف، والإمكانات، والقدرات، ربّما توحي الخطابات العامة بأنّ المطلوب أنْ تتوحد الجهود، وتتعاون القدرات، وتنتظم الممارسات في أداء تلك الوظائف…


وهذا ما تؤكّده مفردة ((التعاون))


·        كما في قوله تعالى:


﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ…﴾ {المائدة/2}


وهذا ما نستفيدهُ من مفردة ((الْحِكْمَة)) الواردة في قوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ {النحل/125}، والْحِكْمَةُ تعني اعتماد الأساليب الأنجح والأقدر والأصلح لتحقيق الأهداف، فمن الْحِكْمَةِ كلّ الحكمة في هذا العصر أنْ يكون ((الأداء التبليغي)) محكومًا لخطط مدروسة، وممنهجة، وموحدة، من أجل مواجهة مشروعات الإفساد التي تتحرّك بكل قدراتها المبرمجة، والمُمأسسة، والمُوجّهة من خلالِ أجهزةٍ منظمة…


ربّما يقال:


ليكن الأمر كذلك إلّا أنَّ التحرّك التبليغي والدعوي المنظم يجب أنْ يكون مجازًا من المؤسّسة الرسمية، كما هو التحرّك السّياسي المنظم، وكما هو التحرّك الثقافي المنظم…


ربّما يكون هذا مقبولًا في الشأن السّياسي والشأن الثقافي العام، أمّا أنْ ندعو إلى الله، وأنْ نأمر بمعروف، وأنْ ننهى عن منكر، وأن نصحح فسادًا، وأنْ نربّي أجيالًا على التقوى والعمل الصالح… فغير وارد إطلاقًا أنْ ننتظر الإمضاء من مؤسسة الرسميّة، ما دمنا نتحرّك ضمن الوظائف الشرعية، وبالأساليب الشرعية، ولاشك أنَّ هذه الوظائف، وهذه الأساليب لايمكن أنْ تربك أوضاعًا، وأنْ تفتت وحدةً، وأنْ تؤسّس صراعًا، وأنْ تمارس عنفًا وتطرّفًا وإرهابًا…


أمّا إشكالية العمل السّياسي حيث روّجوا أنَّ المجلس العلمائي مشروع سياسي قد تقمّص اللباس الديني، فهذا كلام بالطل لا أساس له من الصحة…


المجلس العلمائي مشروع ديني في منطلقاتهِ، وأهدافه، وغاياته، وأدواته…


حينما يقول المجلس العلمائي كلمته في الشأن السَّياسي هذا لا يعني أنّه تحوّل إلى مشروع سياسي كما هو حقّ أيّ مواطن على هذه الأرض أنْ يعبّر عن رأيه في الشأن السَّياسي وقد أعطى الدستور لكلّ مواطن حقّ التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو غيرها مادام ذلك بالأساليب المشروعة…


ولم تشترط المادة الدستورية أنّ حقّ التعبير السّياسي محصور في الانتماء إلى جمعية سياسية مرخصة…


وإذا كان الحكم الصادر في حقّ المجلس الإسلامي العلمائي قد ألغى هذا العنوان، فهو لا يملك القدرة أنْ يمنعنا أن نحمل عنوان إسلامنا، وعنوانَ قرآننا، وعنوان رسالتنا، وعنوان واجبنا الشرعي، وعنوان أهدافنا الرّبانية، وعنوانَ مساجدنا، وعنوان منابرنا…


فهل مجلسنا إلّا هذه العناوين…


وليس مجلسنا ((وريقات)) مكتوبًا فيها بعض مواد وبنود…


وليس مجلسنا ((مقرًّا)) في مبنى صغير محدود…


وليس مجلسنا بعض أجهزة وأدوات، إذا صودرت صودر هذا المجلس…


المجلس عنوان أكبر لا تقوى كلّ القرارات السّياسية أنْ تصادره، أو أنْ تحجّمه، أو أنْ تعطّله…


ولا يعني هذا أنْ ننسى ((المجلس = المؤسسة)) والكيان الخاص…


يجب أنْ يبقى المجلس – المشروع العلمائي –
 عنوان الظُلامة التي لا يجوز أنْ تنسى…
سوف يبقى القرار الظالم في حقّ المجلس العلمائي يلاحق السَّلطة، وكنا نتمنى أنْ يؤسّس في هذه المرحلة والتي تحرّكت فيها بعض المبادرات تحمل عنوان التفاهم أو الحوار من أجل إنتاج أوضاع جديدة، كنّا نتمنى أنْ يؤسّس لأجواء تخدم هذه المبادرة، أمّا أنْ يأتي قرار طال موقعًا يملك كلّ العمق في العقول والقلوب والمشاعر لدى مساحة كبيرة جدًا من أبناء الوطن فهذا لا يكشف عن صدقيةِ النوايا في البحث عن مخرج حقيقي لإنقاذ البلد من أزمته…  وهذا لا يكشف عن جدّية هذه المبادرات…


المرحلة في حاجة إلى إنتاج أجواء صالحة على كلّ المستويات، إذا كان هناك إرادة جادّة في تصحيح الأوضاع، وإذا كان هناك إرادة جادّة في إنقاذ الوطن…


وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى