قضايا الساحةقضايا عالمية

كارثـة الزلزال وطائـرة الموت

كارثـة الزلزال وطائـرة الموت


بقلوب مملوءة بالرضا والتسليم لأمر اللّه تعالى الذي لا رادّ له، وبأَلْسُنٍ ناطقةٍ بالحمد للّه، والثناء عليه في الضرّاء والسرّاء، وفي الشدة والرخاء، وبعيونٍ باكية لا يزيدها المصاب الفادح، والخطب الجلل إلاَّ تذللاً وانكساراً لإرادة اللّه التي لا تقهر ولمشيئته التي لا تهزم، هكذا تلقينا النبأ الكارثة، كارثة الزلزال في إيران، النبأ الذي كان له الصدى المؤلم الذي عمّ العالم، واهتزت له كل المشاعر، عشرات الآلاف من الضحايا الموتى والجرحى والمنكوبين والمشردين، وما لنا إلاّ أن نردد «إنّا للّه وإنا إليه راجعون» {وبشّرِ الصَّابرين الذّينَ إذا أصابتهُمْ مُصِيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، ألئك عليِهِمْ صلواتٌ مِن ربِّهِمَ ورَحْمةٌ وأؤْلئَك هم المُهْتَدوُن}، فإرادته تعالى ماضية، وقدرُهُ جارٍ، وحكمتُه بالغة، ويبقى الصبرُ والتسليمُ والرضا، وتبقى الحاجة إلى التأملِ والتدبرِ واستلهامِ العبر والدروس الإلهية.
إنَّ الزلازل والكوارث رغم ما تحمله من مآسي وآلامٍ وآهاتٍ وعذاباتٍ قد يصعب أن يستوعبها الكثير من الناس هي إنذارات إلهية للإنسان، الإنسان في كلِّ مكان على وجه هذه الأرض، الإنسان المؤمن والكافر، الطائع والفاسق، البر والفاجر، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، هذه الزلازل مهما كان حجمها وفظاعتها وفق حسابات الإنسان، فهي صغيرة وصغيرة وصغيرة جداً، بل ذرة ضائعة في متاهات الزمن، حينما تقاس بالزلزال الأكبر الذي ينتظر الأرض في آخر أشواط الحياة في هذه الدنيا: {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدّث أخبارها بأنَّ ربَّك أوحى لها، يومئذ يصدرُ الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذَرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذَرةٍ شراً يره}.


{يا أيهّا الناس اتقّوا ربَّكم إنَّ زَلْزَلة الساعةِ شيء عظيم، يوم ترونها تذَهلُ كلُّ مُرضعة عمّا أرضعت، وتضع كلُّ ذاتِ حملٍ حملَها، وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى ولكنَّ عذابَ اللّه شديد}.


فزلزالات الأرض الصغيرة والكبيرة تذكرنا بالزلزال الأكبر، وتذكرنا بالنهاية التي تنتظر الإنسان على هذه الأرض، لتبدأ الحياة مشوارها الأبدي ويبدأ الإنسان رحلته الأبدية {فأمّا مَنْ ثَقُلتْ موازينهُ فهُوَ في عِيشَة راضية. وأمَّا مَنْ خَفَّت مَوازينهُ فأمُّهُ هَاوِيةٌ. وما أدراكَ مَاهِيَةْ. نارٌ حامية}.
وإذا كان لنا أن نتألم ونبكي لما أصاب أخوتنا في إيران نتيجة هذا الزلزال المروّع فإنّنا نحتسب الضحايا عند اللّه تعالى، فهو الربّ الرحيم الودود وهو وليّهم وإليه يرجعون، فنسأله تعالى أن يجعلهم «في مقعد صدق» في صحبة الأخيار والأبرار والصالحين.


وبهذه المناسبة الأليمة نرفع عزاءنا إلى صاحب العصر والزمان وإلى ولي أمر المسلمين آية اللّه السيد الخامنئي حفظه اللّه تعالى، وإلى مراجع الدين، وإلى الشعب المسلم في إيران وإلى جميع المسلمين. سائلين المولى العلي القدير أن يتغمد الأموات بوافر رحمته، وأن يمنّ على الجرحى بالصحة والعافية، وأن يشمل المنكوبين برعايته تعالى، وهنا نذكرّ أحبتنا المؤمنين بيوم التضامن مع الشعب الإيراني في هذه المأساة، هذا اليوم الذي يبدأ الليلة وغداً الجمعة، وحسب المناشدة التي أصدرها عدد من علماء الدين، وإنّنا على ثقة بأنّ أبناء شعبنا في هذا البلد المسلم سبّاقين إلى المواساة والبذل والعطاء فجزاهم اللّه خير الجزاء.


وفي الختام يجب أن لا ننسى أن نعزّي أخوتنا في لبنان بمناسبة الفاجعة الكبيرة التي حلّت بالشعب اللبناني نتيجة سقوط الطائرة المنكوبة، طائرة الموت وكان لهذا الحدث المفجع صداه المؤسف، وقد اتشحت لبنان في قراها ومدنها بالسواد والحزن في تشييع جثامين ضحايا الكارثة، تغمدهم اللّه بوافر الرحمة والمغفرة والرضوان.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى