حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 235: وظيفتنا في موسم عاشوراء – رسالة إلى نواب الشعب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين…


أتناول في هذا اللقاء أكثر من عنوان:
وظيفتنا في موسم عاشوراء:
يمكن أن نحدّد هذه الوظيفة من خلال مجموعة نقاط:
أولًا: أن نعيش مأساة الإمام الحسين عليه السلام…
أن نعيش الحزن العاشورائيّ، أن نعيش البكاء والدمعة..
فما جرى على الحسين، وآل الحسين، وأصحاب الحسين في يوم عاشوراء، أمرٌ عظيمٌ بكت له السّموات والأرض، واهتزّ له العرش، لقد أصرّ القوم اللئام على قتل الحسين، وذرّية الحسين، وأصحاب الحسين… وهم يعلمون أنّه سبط رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهم يعلمون أنّه ابن الزّهراء بضعة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهم يعلمون أنّ أباه عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله.
في ظهيرة عاشوراء وقف الإمام الحسين أمام هذا الحشد من كتل الضّلال وخاطبهم:
• أنشدكم الله انسبوني من أنا؟
– أنت الحسين سبط رسول الله [صلّى الله عليه وآله].
• أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة بنت محمد؟
– اللهمّ نعم.
• أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟
– اللهمّ نعم.
• أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله أنا متقلِّده؟
– اللهمّ نعم.
• أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟
– اللهمّ نعم.
• فبما تستحلّون دمي؟!!
– قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشًا…


هكذا مارسوا أكبر جريمةٍ في التاريخ…
ذبحوا حتى الأطفال الصغار…
حرقوا خيام الحسين…
سبوا عيالات الحسين…
فكيف لا نبكي الحسين؟
لن تهدأ الدمعة على الحسين…
لن تسكت الصرخة على الحسين..
هذا الانصهار الوجداني العاطفي له قيمته الكبيرة في ديمومة مأساة عاشوراء، وفي ديمومة التعاطي مع فاجعة كربلاء.
هناك من يريد أن يجفّف الدمعة العاشورائيّة..
وهناك من يريد أن نتخفّف من الحزن العاشورائي..
هذا أمرٌ لا يمكن أن يكون..
نعم يجب أن نعطي للدمعة وعيها العاشورائي..
وأن نعطي للحزن مضمونه العاشورائيّ..
وهذا ما تؤكِّده الوظائف الأخرى.


ثانيًا: أن نعيش الولاء العاشورائيّ…
وماذا يعني الولاء العاشورائي؟
إنّه الولاء للحسين، ونهج الحسين، وثورة الحسين…
والولاء يعبِّر عن العشق والذوبان والانصهار..
والولاء يعبِّر عن الانتماء والتأسّي والاقتداء..
والولاء يعبِّر عن التضحية والعطاء..
وإلّا كان ولاءً كاذبًا، فارغًا، راكدًا…
والولاء للحسين هو تجسيدٌ لولاء الله، وولاء رسول الله صلّى الله عليه وآله، وولاء الإسلام، وولاء القرآن…
كاذبٌ من يدّعي الولاء للحسين، وهو لا يعيش الولاء لله تعالى، وهو لا يعيش الولاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله وهو لا يعيش الولاء للإسلام، وهو لا يعيش الولاء للقرآن..
يخطئ من يتصوّر أنّ الحديث عن الولاء للحسين هو حديثٌ يُشطِّر الولاءات في داخل الأمّة، ويُخندِق النّاس ضمن معسكرات…
ولذلك أثاروها ضجّة حينما تكلّمنا عن معسكر الحسين، ومعسكر يزيد…
قالوا: إنّه تشطير، وخندقة، وتجزءة الأمر الذي يضرّ وحدة الأمة، وبوحدة الشعوب…
هذا كلام باطل…
فنحن حينما نتحدّث عن معسكر الحسين، لا نتحدّث عن طائفة، عن مذهب، عن جماعة، نتحدّث عن كلّ الذين ينتمون إلى الحقّ في مواجهة الباطل، كلّ الذين ينتمون إلى العدل في مواجهة الظّلم، كلّ الذين ينتمون إلى الصّلاح في مواجهة الفساد، كلّ الذين ينتمون إلى الخير في مواجهة الشّر..
وليس هذا بدعا من القول… فاقرأوا القرآن فآياته صريحة في الحديث عن مجموعة عناوين متقابلة:
– الهدى والضّلال.
– الإيمان والنفاق.
– الحقّ والباطل.
– العدل والظلم.
– الصلاح والفساد.
– الخير والشر.
– الأنبياء والمستكبرين.
– الأخيار والأشرار.
– المتّقين والعاصين.


وهل انتهت هذه العناوين في واقعنا المعاصر؟
للحديث تتمّة إن شاء الله تعالى….


رسالة إلى نواب الشعب:
أيّها النّواب الأكارم….
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
لقد شارك عددٌ كبيرٌ من أبناء هذا الشعب، وأوصلوكم إلى مقاعد البرلمان، رغم كلّ الاحباطات، والتأزّمات، ورغم كلّ الملاحظات، والإشكالات…
إنّ الشعب ينتظر منكم الكثير الكثير…


أولًا:
إنّ الشعب ينتظر منكم – أيّها النواب – خطوات صادقة وجريئة في إصلاح العمليّة السياسيّة، والتي لا زالت مصابة بالعجز والإعاقة، فعمليّة سياسيّة لا تملك دستورًا تعاقديًّا، ولا تملك برلمانًا كامل الصلاحيّات، ولا تعبِّر عن شراكةٍ حقيقيّة، هي عمليّة غير سليمة..
لا بدّ من إعادة النظر في مجمل العمليّة السياسيّة من أجل إنتاج الثّقة لدى الناس، فالجميع من المشاركين والمقاطعين يطمحون إلى مشروعٍ سياسيٍّ جادٍ وحقيقيّ..


أيّها النّواب:
يجب أن تمارسوا مسؤوليّاتكم بصدقٍ وإخلاص، وجرأةٍ في إصلاح الواقع السياسيّ الخاطئ، وإنّه لخيانة لهذه المسؤوليّات أن يتخلّى النّواب عن واجبهم في تصحيح العمليّة السياسيّة، لم يعطكم الشعب كلمته من أجل أن تكرّسوا واقعًا سياسيًا خاطئًا، يجب أن تكونوا الأمناء، وأن تكونوا الأقوياء في قول الكلمة الجريئة التي لا تداهن، ولا تساوم، ولا تخون…
إنّ القوى السياسيّة المشاركة والمقاطعة تطالبكم أن تتحمّلوا واجبكم الدينيّ والوطنيّ في الإصلاح السياسيّ…
كما إنّ كلّ الجماهير تقف بكلّ قوةٍ وإصرارٍ معكم وأنتم تطالبون بإصلاح العمليّة السياسيّة.


ثمّ إنّ هذه القوى، وهذه الجماهير سوف تقف مندّدة بأيّ استرخاء، أو ضعف، أو مساومة، أو خيانة تصدر عن أيّ نائبٍ من نوّاب هذا الشعب…
وهنا نؤكّد على ضرورة أن تكون السلطة مع خيار الشعب ونوّابه في الدفع بالعمليّة السياسيّة نحو الاتجاه الصحيح، وإلّا فسوف يبقى الواقع السياسيّ يتحرّك في مساراته الخاطئة، وهذا يفرض أن تعترف السّلطة بوجود خللٍ في العمليّة السياسيّة، أمّا إذا أصرّت السلطة على تبرءة هذه العمليّة من النواقص والأخطاء فهذا لا يخدم الممارسة السياسيّة، ولا يصحّح مساراتها.


ثانيًا:
إنّ الشعب ينتظر – أيّها النّواب- معالجة جادة لأوضاعه المعيشيّة والسكنيّة، فالكثير من أبناء هذا الشعب يعيشون أوضاعًا معيشيّة وسكنيّة صعبة جدًا، هناك محاولات لمعالجة الوضع المعيشي والسكني إلّا أنّها محاولات لا ترقى إلى مستوى التصدّي الحقيقي للتعاطي مع هذه الأزمة التي تحاصر الكثير من أبناء هذا الوطن، ففي حين يملك أشخاص متنفّذون، وأثرياء المساحات الشاسعة، لا يجد المواطن البائس المحروم بضعة أمتارٍ تؤويه، وتؤوي عائلته، وأطفاله.. وفي حين تتكدّس الأموال في حسابات الأثرياء الكبار والصغار، لا يجد المواطن البائس المحروم لقمة عيش يسدّ بها رمقه، ورمق عائلته، وأطفاله، ولا يجد لقمة قماشٍ يواري بها جسده، وجسد زوجته، وأطفاله…


أيّها النّواب:
تحمّلوا الأمانة بصدق، وإخلاص، وضعوا في قائمة أولوياتكم أوضاع المواطنين المعيشيّة والسكنيّة، وأوضاع العاطلين والباحثين عن العمل وأوضاع البؤساء والمحرومين…
إنّ مسؤوليّة الدولة أن توفّر ضمانًا معيشيًّا كافيًا وحياةً مقبولة، لكلّ المواطنين العاجزين عن العمل…
ومسؤوليّة الدولة لا تلغي مسؤوليّة كلّ القادرين من أصحاب المال أن يكونوا في عون البؤساء والمحرومين…
• وفي الحديث:
«مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى».
• وفي الحديث:
«من كان عنده فضل ثوبٍ فعلم أن بحضرته مؤمن يحتاج إليه، فلم يدفعه إليه، أكبّه الله في النّار على منخريه».


ثمّ إن مسؤوليّة الدولة أن توفّر فرص العمل لكلّ القادرين العاطلين، وممّا يؤسف له أن نجد في هذا البلد أعدادًا كبيرة من العاطلين، وفيهم حملة شهادات عليا، وأصحاب كفاءاتٍ متقدّمة، في حين تستورد الدولة من الخارج من يملأ شواغر المؤسّسات، وفي البلد من يملك تلك الكفاءات وأكثر، إنّه لأمرٌ غريب، بلد يزدحم بالعاطلين من أصحاب الكفاءات والشهادات العالية، وحكومته تفتِّش عن عمالةٍ وكفاءات من الخارج…
شخص – أعرفه- يحمل شهادة عليا – بدرجة بروفسور- في تخصّص علميّ مهم جدًا، ويملك شهادة دكتوراء في مجالٍ علميٍّ آخر.. صدّقوني أنّ هذا الشخص ومنذ أن رجع إلى هذا البلد قبل سنواتٍ طويلة، وحتى هذه اللحظة يعيش عاطلًا، وبلا عمل، في بلدٍ يبحث عن كفاءات من الخارج.. ومثل هذا عشرات، بل مئات…


ثالثًا:
إنّ الشعب ينتظر منكم – أيّها النّواب – أن تكونوا الأمناء على دين هذا الشعب، وقيمه، وأخلاقه..
إذا كان في هذا الشعب من يصرخ من الجوع، ومن يبحث عن مسكن، ومن يطالب بعمل، فإنّ كلّ الشعب يطالب بحماية الدّين والقِيّم والأخلاق في بلدٍ له تاريخه الدينيّ العريق، وله أصالته الإيمانيّة المتجذِّرة، وله سمعته الكبيرة فيما مضى من الزّمن على مستوى القِيَم والأخلاق.
لن يرضى هذا الشعب أن نسدّ جوعة معدته، وأن نكسو عورة بدنه، وأن نوفّر له سكنًا يأويه، إلّا أنّنا نعبث بدينه وقِيَمه وأخلاقه..
البحرين البلد المسلم العريق، يضجّ اليوم بالمفاسد، والمنكرات والمحرّمات، لا نريد أن نتجنّى على سمعة هذا البلد، فنحن أحرص الناس على هذه السمعة، إلّا أنّ الواقع يصرخ بالكثير من مظاهر الفساد، اللهو المحرم، الخمور، الدعارة، الليالي الحمراء، الملاهي، المراقص…
ربّما يرى البعض في هذا عناوين تقدّم، وانفتاح، ومصدر نمو اقتصادي، وازدهار سياحي.. فإذا غابت الدعارة، ومنعت المومسات، وعطّلت الصالات وحرّمت الخمور والمسكرات، شكّل ذلك خطرًا كبيرًا على السياحة والاقتصاد…


عجيبٌ هذا المنطق في بلدٍ يقول دستوره أنّ دين الدولة الإسلام، وأنّ الشريعة مصدر قوانينه…
عجيبٌ هذا المنطق في بلد مسلم، غالبيّة شعبه العظمى لا تسمح بأن تنتهك حرمات الدّين والقِيَم والأخلاق…
عجيبٌ هذا المنطق في بلدٍ تزدحم مدنه وقراه بالمساجد والمنائر، والمؤسّسات الدينيّة، وعلماء الدّين، وخطباء المنابر، والحوزات والجمعيّات…
أيّ قيمةٍ لأموالٍ مغموسة بالحرام..؟
ثمّ في أيّ الجيوب تصبّ هذه الأموال؟


أيّها النّواب الأفاضل:
إنّ الشعب الذي أوصلكم إلى مقاعد البرلمان، يحمّلكم كلّ المسؤوليّة في أن تطهّروا هذا البلد من هذه الموبقات…
قد يقال: لو اجتمع كلّ النواب، فربّما تسقط المشروعات، فهناك مجلس شورى، وهناك حكومة..
أيّها النّواب – إذا كنتم غيارى على الدّين والقِيَم – يجب أن تقولوا الكلمة الجريئة لله، للدّين، للتاريخ..
أمّا الموقف الآخر المضادّ فسوف يتحمّل مسؤوليّته أمام الله، والدّين، والشعب..


رابعًا:
إنّ الشعب ينتظر منكم – أيّها النّواب الأفاضل – أن تفتحوا ملفّاتٍ كثيرة، مهمّة، وخطيرة..
من هذه الملفّات:


(1) ملف التميّيز:
فهو ملّف لم يفتح في الفصلين التشريعيّين السابقين، رغم محاولة كتلة الوفاق تحريكه، إلّا أنّ إصرار السلطة، وإصرار النّواب الآخرين، أبقى هذا الملف مغلوقًا، وإذا استمر هذا الإغلاق فسوف يقود ذلك إلى نتائج وخيمة.


(2) ملف التجنيس:
بما يحمله هذا الملّف من تداعياتٍ خطيرةٍ على أمن هذا البلد واستقراره، ووحدة نسيجه السكانيّ والاجتماعيّ، وهذا الملف هو الآخر لم يتحرّك بالحجم المطلوب..


(3) ملف الفساد المالي والإداري:
وهو ملف حساس، لا يجوز التهاون فيه، إنّ الفساد الإداري والمالي ينخر في مؤسّسات الدولة بشكلٍ مرعب، فهل يملك النّواب الجرأة والشجاعة في أن يقاربوا هذا الملف حمايةً لهذا البلد من كلّ أشكال العبث والفساد.


(4) ملف التعذيب:
لا نريد أن نتدخّل في شأن التحقيق، وفي شأن القضاء، إلّا أنّ ما سمعناه من كلمات المتّهمين أمام المحكمة، وما أكّده عددٌ من المحامين، وما اشتهر على الألسن من وجود تعذيبٍ شرسٍ جدًا، إن صحّ هذا فالمسألة في غاية الخطورة، فهذا يشكِّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ولكلّ ما أثبته الدستور والميثاق، وهنا يأتي دوركم أيّها النّواب في أن تمارسوا مسؤوليّاتكم في متابعة هذا الموضوع بكلّ صدقٍ، ونزاهة، وجرأة، إذا كنتم أمناء على كرامة المواطنين، وحراسة القوانين، إنّ وظيفة النّواب أن يراقبوا أداء الحكومة، وممارسات السلطة، وأن يحاسبوا كلّ ما يصدر عن المؤسّسات والأجهزة الرسميّة، هذه هي مهمّة ومسؤوليّات البرلمانات في العالم إلى جانب مهمّته التشريعات وإصدار القوانين، إنّه من الخيانة للوطن والشعب والقانون أن يداهن النواب السلطة فيما يصدر عنها من أخطاء ومخالفات، وتجاوزات، إذا توفّرت الأدلة على ذلك…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى