حديث الجمعةشهر صفر

الوضع والتزوير في الأحاديث وتجديد العهد في الأربعين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


متابعة لمسألة الوضع والتزوير في الأحاديث:
يستمر بنا الحديث حول (مسألة الوضع والتزوير في الأحاديث) وفي سياق معالجة (الدوافع) تناولنا نوعين من الدوافع:
الدوافع السياسية والدوافع المذهبية
نضيف هنا دوافع أخرى:


الدوافع الدينية:
راجت في مرحلة من تاريخ السنة النبوية ظاهرة وضع الأحاديث من أجل (الترغيب والتهيب)، وقد مارس هذا الوضع رجال معروفون بالصلاح، بهدف دفع الناس إلى ممارسة بعض الأعمال، واجتناب أعمال أخرى، وكان أصحاب هذا اللون من الوضع يتوهمون أنّه يتقربون إلى الله تعالى بذلك حيث يرغبّون الناس في الطاعات ويحذرّونهم من المعاصي، وهذا المنحى مرفوض إسلاميا، لان الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله حرام حتى لو كانت الدوافع صحيحة، والأغراض نظيفة.
جاء في بعض مصادر الحديث: أن رجلا من الزهاد كان يكثر من وضع الأحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لم فعلت هذا؟
فقال: رأيت الناس قد زهدوا في القرآن فأحببت أن أرغبهم فيه.
فقيل له: إن النبي صلى الله عليه وآله قال:”من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”
فقال: ما كذبت عليه، إنما كذبت له.
بهذا الغباء الديني انتشرت أحاديث كاذبة، وراجت مقولات نسبت إلى الدين، والدين منها براء.


الدوافع الشخصية:
الكثير من الوضاعين كانت تدفعهم أغراض شخصية وأهداف مصلحيه لسلوك هذا اللون من العبث والكذب والتزوير.
ونعني بالدوافع الشخصية:
• الرغبة في الحصول على مكاسب مادية
• الرغبة في التزلف إلى البلاطات الحاكمة


 نسوق هنا شواهد تاريخية لهذا اللون من الوضع:
1. دخل أبو البحتري وهب بن وهب قاضي بغداد على هارون الرشيد، وكان هارون يطير الحمام، فقال الرشيد لأبي البحتري: هل تحفظ في هذا شيء؟
قال: نعم حدثني هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي[صلى الله عليه وآله] كان يطير الحمام (يقرأ: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد324:12)


2. دخل غياث بن إبراهيم على المهدي العباسي وكان يحب اللعب بالحمام، فطلب منه أن يحدّثه في ذلك، فروى غياث حديثا عن أي هريرة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:”لا سبق إلا في حافر أو نصل أو جناح” فأمر له المهدي بعشرة الآف درهم فلما قام غياث قال: أشهد أنه قفا كذّاب على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): جناح، ولكنّه أراد أن يتقرب إليّ(تاريخ بغداد 324:12)


3.  روى شاه بن بشير بن ماميان(وكان من الوضاعين في عصر العباسين) عن جابر بن عبدالله مرفوعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:”أتاني جبرئيل وعليه قباة أسود، ومنطقة وخنجر، فقلت : ما هذا؟
فقال:يأتي زمان يكون لباسهم كهذا
قلت: يا جبرئيل من يكون رئيسهم؟
قال: من ولد العباس
(يقرأ:الإمام الصادق 264:1)


هكذا كانوا يتزلفون إلى الخلفاء والسلاطين من أجل دنيا ومال، وجاه، ومنصب، ولو باعتماد الكذب والتزوير واختلاق الأحاديث المنسوبة إلى نبي الإسلام صلى الله عليه وآله.
هكذا تموت الضمائر، وتنسخ القيم، ويباع الدين في مزادات الأنظمة الحاكمة، وعلى أعتاب البلاطات.
وإذا كان التاريخ يحمل الكثير الكثير من الشواهد والأمثلة، فإن الحاضر هو الآخر غني بالشواهد والأمثلة حيث يتبارى باعة الدين والضمير في التزلف لأنظمة الحكم وتشويه الحقائق من أجل نهم مادي أو من أجل  شهوة منصب، أو رغبة في جاه، لسنا ضد التواصل  مع الأنظمة الحاكمة إذا كان ذلك من أجل إصلاح، أو كلمة حق، أو ردع عن غي، أو من أجل مناصرة المظلومين والمحرومين، أو من أجل الدفاع عن حقوق الناس.
أما التواصل الذي يحمل التزلف الكاذب، ومداهنة الأنظمة، والسكوت عن الظلم والجور والعبث والاستبداد، وهدر الكرامات.
 أما التواصل الذي يشكل عونا على الباطل وترويجا للفساد، وتخديرا للشعوب، وإخمادا للأصوات، فهو تواصل مرفوض، وهو جناية لا تغتفر وهو مشاركة في الظلم والعبث والاستبداد، وهو خيانة للدين والضمير والوطن والشعوب.
الإخلاص للنظام أن نحاسب أخطاءه، أن نصحح مساره، أن نواجه طغيانه، أن نرفض عدوانه، أن نصارح رجاله، أن نقوّم سياسياته، لا أن نبارك أخطاءه، وأن نجامل مواقفه، وأن نجبن أمام طغيانه وان نتخاذل في مواجهة عدوانه، وأن نداهن رجاله، وأن نمجّد سياساته.


الأربعين تجديد العهد مع الإمام الحسين عليه السلام:
قضية الإمام الحسين يجب أن تبقى في الذاكرة، في الوعي، في الوجدان، في كل حركة الحياة.
أعداء هذه القضية يصرّون على مسحها من الذاكرة والوعي والوجدان ومن كل حركة الواقع.
لماذا هذا الإصرار؟
• لأن قضية الإمام الحسين(ع) إدانة صارخة لكل الحكم المستبدة.
• و لأن ضيقة الإمام الحسين(ع) إدانة صارخة لكلّ عملاء الأنظمة المستبدة.
• ولأن قضية الإمام الحسين إدانة صارخة لكل المتاجرين بالدين من أجل خدمة الحاكم والسلاطين.
لذلك يصر هؤلاء في كلّّ زمان على مواجهة قضية الإمام الحسين(ع)، وعلى محاربة شعائر الإمام الحسين(ع).
1. قضية الإمام الحسين إدانة صارخة لكلّ الأنظمة المستبدة:
الحسين عليه السلام صرخة في وجه يزيد، وفي وجه نظامه المستبد، الظالم، العابث بالحقوق المنتهك للحرمات، وهكذا الحسين عليه السلام صرخة في وجه كل حاكم ظالم مستبد، عابث بالحقوق، منتهك للحرمات، من هنا نفهم لماذا يصرّ حكام الجور في كل زمان على إسكات صوت الإمام الحسين، وعلى محاربة قضية الإمام الحسين، وعلى مواجهة شعائر الإمام الحسين عليه السلام.


2. قضية الإمام الحسين عليه السلام  إدانة صارخة لكل العملاء الذين باعوا أنفسهم للأنظمة المستبدة من أجل مناصب زائفة، وأموال ملوثة ودنيا فانية.
– عبيد الله بن زياد أحد الغارقين في العمالة لنظام الطاغية يزيد بن معاوية، وكان أسطورة في الإرهاب وسفك الدماء، وقد عبأ كل الوسائل من أجل حرب الإمام الحسين بن علي (ع).
– عمر بن سعد، العميل الأحمق، الشخصية الخانعة الذليلة، المأسورة لهو الدنيا، قاد الجيش لقتال الحسين، وقد خسر الدنيا والآخرة.
– شمر بن ذي الجوشن الكلب الأبقع، أحقر العملاء، مارس أبشع جريمة في التاريخ حيث جثى على صدر الحسين وحزّ الرأس الشريف.
– حرملة بن كاهل الأسدي العميل الحاقد الذي تحجرّ قلبه، ومات ضميره فرمى رضيع الحسين بسهم ذبحة من الوريد إلى الوريد، وقيل أنه الذي وجه السهم المثل إلى قلب الحسين عليه السلام.
– أبو الحقوق الجعفي العميل الوقح الذي امتدت يده الآثمة لترمي سهما أصاب جبهة الحسين المقدسة.
– مالك بن النسر الكندي عميل أهوج حاقد وهو الذي شتم الحسين، وهوى بسيفه الطائش على رأس الحسين.
– وقائمة العملاء الحاقدين كثيرة وكثيرة، فإذا كانت قضية الحسين عليه السلام إدانة صارخة لنظام يزيد بن معاوية فهي إدانة صارخة أيضا لكل عملاء النظام الكبار والصغار، وهي كذلك إدانة صارخة لعملاء الأنظمة المستبدة في كل زمان.
– فكم هي متكررة شخصية عبيد الله بن زياد؟
– وكم هي متكررة شخصية عمر بن سعد؟
– وكم هي متكررة شخصية شمر بم الجوشن؟
– وكم هي متكررة شخصية حرملة بن كاهل؟
– وكم هي متكررة شخصية شبث بن ربعي؟
– وكم هي متكررة شخصية أبي الحتوف؟
– وكم هي متكررة شخصية مالك بن النسر؟
وهكذا يتكرر عملاء الأنظمة الظالمة، وهكذا ينفذون أوامر الأنظمة الجائرة في سفك دم الحسين، وأنصار الحسين والسائرين في خط الحسين.
نعم قضية الحسين صرخة مستمرة في وجه هؤلاء العملاء في كل زمان،من هنا نفهم لماذا يصرّ عملاء الأنظمة المستبدة على إسكات صوت الحسين وعلى مسح قضيته من ذاكرة الأجيال ووجدان الأجيال، وحركة الأجيال.


نتابع الحديث في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى