حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 499: نريدُهُ وَطَنًا جَمِيْلًا – وقفات توضيحيَّة – من حقوق النَّاس على الأوطان – ملف التَّجنيس

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد فمع هذا العنوان:

نريدُهُ وَطَنًا جَمِيْلًا
مَنْ ينتمي إلى وَطَنٍ يتمنَّى بكلِّ تأكيدٍ أنْ يكونَ وطنُهُ جميلًا.
ومتى يكونُ الوطنُ جميلًا؟
يكونُ الوطنُ جميلًا حينما يكونُ دينُهُ جميلًا!
وحينما تكون سياستُهُ جميلةً.
وحينما يكون أمنُهُ جميلًا.
وحينما يكون اقتصادُهُ جميلًا.
وحينما تكون أوضاعُهُ الاجتماعيَّةُ جميلةً.
وحينما تكون مساراتُه ُالحقوقيَّةُ جميلةً.
ويفقد الوطنُ كلَّ جمالِهِ إذا فَقَدَ جمالَ الدِّين، والقِيم، والمُثُل.
وإذا فقد جمالَ السِّياسة!
وإذا فقد جمالَ الأمنِ، وجمالَ العدل، وجمال الرِّفق، وجمال التَّسامح.
وإذا فَقَد شيئًا من مساراتِهِ الحقوقيَّة فيما هي حقوق الوطن، وفيما هي حقوق المواطن.

وقفات توضيحيَّة
وهنا بعضُ وَقْفَاتٍ توضيحيَّةٍ:

الوَقْفَةُ الأولى: المواطنُ له حقوقٌ، وعليهِ مسؤوليَّاتٌ
كلُّنا أبناءُ هذا الوطن: السُّنةُ، الشِّيعةُ، المكوِّنات، الجميع أبناءُ وطنٍ واحدٍ، خيرُهُ يجب أنْ يكون للجميع، أمنُهُ للجميع، عدُلُه للجميع، كلُّ عطاءاتِهِ للجميع.
جميعُنا لنا حقوقٌ على هذا الوطن.
وجميعنا علينا مسؤوليَّاتٌ تجاه هذا الوطنِ.
فلا يجوز التَّفريط في الحقوق.
ولا يجوز التَّفريط في المسؤوليَّات.
وحينما ترتبك هذه المعادلة – معادلة الحقوق، والمسؤوليَّات – ترتبك العلاقة مع الوطن.
وعندما ترتبك العلاقةُ مع الوطن ترتبك الكثير من الأوضاع، وتبدأ تتشكَّل (الأزمات)، وتتحرَّك الصِّراعات، وتتعَّقد العلاقات.
مطلوبٌ – جدًّا – أنْ تُصحَّح معادلة الحقوق، والمسؤوليَّات، وهذا يفرضُ:
أوَّلًا: تحديد الحقوق بصدق وإنصاف
أنْ تُحدَّد (الحقوق) بكلِّ دقّةٍ، وبكلِّ بصيرةٍ، وبكلِّ صِدْقٍ، وبكلِّ إنصافٍ.
وكذلك يجب أنْ تُحدَّد (المسؤوليَّات) بنفس الدّقَّةِ، والبصيرةِ، والصِّدقِ، والإنصافِ.
وأيُّ خطأ أو خَلَلٍ في إنتاج معادلة الحقوق والواجبات سوف تكون له نتائج وخِيمة، وضارَّةٌ كلُّ الضَّرر بالوطن.

هناك أنظمة تؤكِّد على (المسؤوليَّات = مسؤوليَّات المواطَنَة)، وتتغافل عن (الحقوق = حقوق المواطَنَة).
وهناك شعوبٌ تمارس العكس، تؤكِّد على (الحقوق = حقوق المواطَنة)، وتتغافل عن (المسؤوليَّات = مسؤوليَّات المواطنة).
هذان المساران خاطِئان.

والصَّحيح أنْ تتكامل، وتتعادل، وتتزاوج (الحقوق، والواجبات).

ثانيًا: تفعيل التَّصحيح العمليِّ
لا يكفي تصحيح المعادلة نظريًّا، فكثيرًا ما تبقى (التَّصحيحات) مجرَّد رؤى لا تتحرَّك على أرض الواقع، ومجرَّد (نظريَّات) لا تتحوَّل إلى (تطبيقات)، وإلى (ممارسات)!
وهنا تكون (العقدة) الصَّعبة.

وهنا تكون الضَّرورة في البحث عن (منتجاتٍ عمليَّةٍ جادَّة) تُعطي لمعادلة (الحقوق والمسؤوليَّات) قدرتَها على التَّحرُّك، وعلى التَّحوُّل من الأقوالِ إلى الأفعال.

ثالثًا: إنتاج المعادلة الصَّائبة
إذا تمَّ إنتاج المعادلة – معادلة الحقوق، والمسؤوليَّات – إنتاجًا صائبا، وصادقًا، فيجب التَّفكير في وضع (المحصِّنات) التي تحمي حركة (المنتجات) في مواجهة (الإشكالات)، و(المُعوِّقات) و(التَّعقيدات)، و(التَّراجعات)، و(الانتكاسات)، فالمسألة ليست فقط (كيف نبدأ)؟
المسألة الأصعب: (كيف نستمر)؟
الوَقْفَة الثَّانية: الجمال بصلاح المواطن والأوطان
قلنا: يكون الوطن جميلًا حينما تكون سياستُهُ جميلة.
ومتى تكون السِّياسة جميلة؟
تكون كذلك:
حينما يكونُ همُّها صلاحَ الوطن.
وحينما يكونُ هدفُها راحةَ الشَّعب.
وحينما يكونُ شعارُها العدل.
وحينما يكونُ نهجُها الرِّفق.
وحينما تكونُ غايتُها أمنَ الوطن، والشَّعب.
وحينما يكونُ عنوانُها الخير لكلِّ أبناءِ الوطن.
هكذا تكون السِّياسةُ جميلةً.
حينما تكون حياة النَّاس جميلة، وقلوبُهم جميلة، وأرواحُهم جميلة، وعواطفُهم جميلة، وعلاقاتُهم جميلة.
حينما تملك السِّياسة القلوب، والعقول، والمشاعر، فهي سياسة جميلة، وهي سياسة حكيمة، وهي سياسة صائبة، وهي سياسة خيِّرة.

الوقفة الثَّالثة: الجمال باقتصاد وطنٍ ينعم فيه الجميع
وقلنا: يكون الوطن جميلًا حينما يكون اقتصادُه جميلًا.
ومتى يكون الاقتصاد جميلًا؟
لا يعطي الاقتصادَ جمالًا (أبنيةٌ، وعمارات)، فالبناء والإعمار مطلوبٌ جدًّا، فهو مظهر رخاءٍ وازدهار، ولكن لا قِيمة لكلِّ هذا إذا لم ينعكس خيرًا على كلِّ أبناءِ الوطن.
فالقيمة كلُّ القيمة للرَّخاء حينما يكون في صالح كلِّ الوطن، وكلِّ أبناء الوطن.
البناء، والإعمار، والثَّراء يُعطي للوطن جمالًا حينما لا يبقى في الوطن فقراء، وبائسون.
حينما لا يبقى في الوطن مَنْ يبحث عن لقمةِ عيش.
حينما لا يبقى في الوطن مَنْ يبحث عن مأوى.
حينما لا يبقى في الوطن مَنْ يبحث عن ضرورات الحياة.
نعم، نريد أنْ يكون في الوطن بناءٌ وإعمار، ولكن ما قِيمة أبنية شامخات، وفي أرض الوطن أكواخ، وبيوت مُتَدَاعِيَات؟!
جمال الاقتصاد حينما ينتهي البؤس، والحرمان.
أنا أعلمُ جيِّدًا أنَّ البلد يمرُّ بأزماتٍ اقتصاديَّة حادَّة، نتمنَّى أنْ تعالج بكلِّ حكمةٍ، ودِراية، وبكلِّ صدق وإخلاص، وبكلِّ تعاونٍ وتشاور، وبكلِّ موضوعيَّة وواقعيَّة.
وأنا أعلمُ جيِّدًا أنَّ (الغلاء) أصبح شَبَحًا مُرعِبًا، يلاحق مساحاتٍ كبيرةً من أبناء هذا الوطن بكلِّ طوائفه، ومذاهبه، ومكوِّناته!
وأنا أعلم أنَّ هناك بطالةً واسعةً أرهقت كواهل الكثير من العوائل والأسر، وأنتجت قلقًا بات يلاحق أعدادًا كبيرة من أبناء هذا الوطن!
وتأتي الضَّرائب لتضيفَ عِبْئًا جديدًا!!
إنَّنا جميعًا ننتظر اليوم الذي تنتهي فيه (أزمات الاقتصاد)، و(أزمات المعيشة)، و(أزمات السَّكن)، و(أزمات البطالة)؛ ليكون الوطن جميلًا.
فلا جمال للوطن واقتصاده مأزم!
ولا جمال للوطن وأوضاع المعيشة ضاغطة!
ولا جمال للوطن وفيه جائع، وعريان، ومَنْ لا يملك مأوى!

الوقفة الرَّابعة: الجمال بالأمن والأمان
نعم نريدُهُ وَطَنًا جميلًا، ولكن لا جمال طرقٍ وشوارع فقط!
هذا مطلوبٌ جدًّا جدًّا؛ فهو مظهر تقدُّم، ونموٍّ، ورفاه.
مطلوبٌ أنْ تكون الشَّوارع، والطُّرق في المدنِ والقرى مظاهر جمالٍ ورفاه، لا مظاهر أذًى وتخلُّف.

ولكن الجمال الأرقى للشَّوارع والطُّرق حينما تحمل الأمنَ كلَّ الأمنِ، والسَّلامَ كلَّ السَّلام والمحبَّة كلَّ المحبَّة، والتَّسامحَ كلَّ التَّسامح، والرِّفقَ كلَّ الرِّفق، والأخوَّة كلَّ الأخوَّة، والتَّآلف كلَّ التَّآلف، والصَّفاء كلَّ الصَّفاء، والتَّعاونَ كلَّ التَّعاون، والتَّكافلَ كلَّ التَّكافلَ، والعدلَ كلَّ العدلِ، والخيرَ كلَّ الخير.

هكذا تكونُ الأرضُ جميلةً وطيِّبةً ومباركةً حينما تحتضن الأمنَ، والسَّلامَ، والمحبَّةَ، والتَّسامح، والرِّفقَ، والأخوَّة، والتَّآلفَ، والصَّفاءَ، والتَّعاون، والتَّكافل، وكلَّ العدل، وكلَّ الخير.
وهكذا يكون الوطن جميلًا حينما تتحرَّر القلوب من الأحقاد، والضَّغائن، والكراهياتِ، والعداواتِ، والعصبيَّات.
هذا هو جمال الوطن!
كم تعطي الأشجار، والأزهار للوطن جمالًا!
وكم تعطي البساتين، والحدائق للوطن بهاء!
هكذا كانت أرضنا خضراء، فأصبحت يابسة!
هكذا كان!، هذا وطن النَّخيل، فأين نخيله؟!
وهكذا كان هذا بلد العيون، فأصبح بلا عيون!
فخسرنا الكثير الكثير من هذا الجمال، وهذا البهاء!
معافاة المواطن والوطن هما الأهم
هنا الحاجة إلى جمالٍ أكبر من جمالِ الأشجار والأزهار، وأعظم من بهاءِ البساتين والحدائق.
حاجتنا إلى أشجارِ المحبَّة.
حاجتنا إلى أزهار التَّسامح.
حاجتنا إلى بساتين الأخوَّة.
حاجتنا إلى حدائق التَّآلف.
حاجتنا إلى جمالِ السِّياسة، وإلى جمال الأمن، وإلى جمال العدل، وإلى جمال الحقوق، وجمالِ الاقتصاد.
حاجتنا إلى جمال الوطن كلِّ الوطن.
يؤلمنا أنْ تبقى أوجاعُ الوطن، وآلامُ الوطن، وآهاتُ الوطن!
يقلقنا أنْ تبقى أتعابُه، وعناءاتُه.
يزعجنا أنْ تبقى أزماتُه، وتعقيداتُه.
والحديثُ عن (معافاةِ الوطنِ) ليس ترفًا واستهلاكًا، وليس (أمنيات) تناغم المشاعر والعواطف، وليس حديثَ (مساوماتٍ)، و(مزايداتٍ).
إنِّي أقول الكلمة وقد وضعت في حسابي خشية الله تعالى، لا خشية أحد من البشر، ولا أزعم لنفسي أنِّي فوق أنْ أَخطأ، فالعصمة لأهلِ العصمة (عليهم السَّلام)، فإنْ أصبتُ فبتوفيقه تعالى وتسديده، وإنْ أخطأتُ فأنا المسؤول عن خطئي، وتبقى الاستعانة بالله (عزَّ وجلَّ) على تسديد الخُطَى، ويبقى (التَّناصح الصَّادق)، و(التَّحاور النَّظيف) هو الطَّريق؛ لتصحيح الرُّؤى، وتوجيه المسار، وغير هذا الطَّريق هو خطأ كبير في حاجة إلى معالجة، ولن أسمح لنفسي أنْ أتَّهم أحدًا ممَّن فهمني خطأً!

نسأله تعالى أنْ يعيننا على أنفسنا، وأنْ يرشِّدنا طريق الصَّلاح، والرَّشاد، وأنْ يجنِّبنا مزالقَ العداوات، والخلافات، والمهاتَرات، والعصبيَّات.

أيُّها الإخوة الأعزَّة، حينما أتحدَّث عن جمال الوطن، وخير الوطن، وأمنِ الوطن، وصلاح الوطن، فليس (انْئِسَارًا) لمقولات السِّياسة في هذا العصر، وليس (انبهارًا) بأضواء السِّياسة، وإنَّما لأنَّ ديننا يفرض علينا (أنْ نحبَّ الوطن)، فـ:
1- في الحديث عن نبيِّنا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “حبُّ الوطن من الإيمان” (الخصائص الفاطمية1/17، الشَّيخ محمد باقر الكجوري).
2- وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): “عمِّرت البلدان بحبِّ الأوطان” (ميزان الحكمة4/3566، محمَّد الريشهري).
3- وفي كلمة أخرى له (عليه السَّلام): “مِن كرمِ المرء بكاؤُهُ على ما مضى من زمانِه، وحنينُهُ إلى أوطانِهِ، وحفظُهُ قديم إخوانِهِ” (ميزان الحكمة4/3566، محمَّد الريشهري).
وفي هذا السِّياق أحاديث كثيرة تحدِّد المسؤوليَّة تجاه الأوطان!
وبقدر ما يجب على النَّاسِ أنْ يتحمَّلوا (مسؤوليَّاتهم) تجاه الأوطان، ويمنحوها (حبَّهم)، و(حراستَهم)، و(دفاعَهم)، فإنَّه يجب على الأوطان أنْ توفِّر لأبنائها كلَّ (حقوقهم)، وكلَّ (مصالحهم)، وكلَّ (أمنهم).

من حقوق النَّاس على الأوطان
وكما للأوطان حقوق على النَّاس، فللنَّاسِ حقوق على الأوطان – كما تقدَّم الكلام عن ذلك -، فـ:
1- في الحديث عن نبيِّنا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “لا خير في الوطن إلَّا مع الأمن والسُّرور” (ميزان الحكمة4/3566، محمَّد الريشهري).
2- وفي كلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلام): “شرُّ الأوطان ما لم يأمن فيه القُطَّانُ” (عيون الحكم والمواعظ، الصَّفحة295، علي بن محمَّد الليثي الواسطي).
هكذا تتكامل (الحقوق، والمسؤوليَّات) في علاقة النَّاس بأوطانهم، وكلَّما ارتقى مستوى هذا التَّكامل كانت الأوطان بخير، وكانت الشُّعوب بخير.

كلمة أخيرة: ملف التَّجنيس يفرض المعالجةَ بجرْأة
وفي الختام هذه كلمة سريعة.
ما حدث هذه الأيَّام من ضجَّة كبيرة حول (التَّجنيس) أمرٌ يفرض المعالجة العاجلة لهذا الموضوع، وبكلِّ واقعيَّةٍ، وشفافيَّةٍ، وجُرْأةٍ.

فقضيَّةٌ لها تداعياتُها الصَّعبة جدًّا على الوطنِ، وعلى المنطقة مطلوبٌ أنْ تُدرسَ بكلِّ جدِّيَّةٍ وشجاعةٍ، وأنْ يُعاد النَّظر في (حيثيَّاتِها)، و(معطياتِها) خشية أنْ تتراكم (التَّداعياتُ) الضَّارَّةُ بمصالحِ الوطن، وهُويَّته، وتركيبتِهِ، فتصبح معالجاتُها في غايةِ الصُّعوبة، والتَّعقيد.

كلُّ الدُّعاء أنْ يتعافى الوطن من كلِّ الأدواء، وأنْ يُصان من كلِّ الأخطار.
وآخر دعوانا أنْ الحمدِ للهِ ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى