المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (3) الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل (الاستعداد الثالث: الاستعداد الرُّوحي)

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الثَّالثة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الجمعة بتاريخ: (3 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 16 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

الاستعدادات لاستقبال الشَّهر الفضيل
(3- الاستعداد الرُّوحي)

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتابع الحديث حول الاستعدادات لشهر الله، ولشهر الصيام، تناولنا الاستعداد الفقهي، وتناولنا الاستعداد الفكري الثَّقافي، في هذا الحديث أتناول الاستعداد الثَّالث وهو الاستعداد الرُّوحي.
الاستعداد الرُّوحي يختلف عن الاستعداد الفقهي ويختلف عن الاستعداد الثَّقافي.

الاستعداد الثَّالث: الاستعداد الرُّوحي
ما نقصد بالاستعداد الرُّوحي؟
يتمثَّل هذا الاستعداد الرُّوحي في أمرين أساسين:
الأمر الأوَّل: تصفية النِّيَّة (الإخلاص)
تنفية النِّيَّة في الدَّاخل، وهو ما يعبَّر عنه بالإخلاص.
الإخلاص شرطٌ أساس ومرتكز في العبادة، الإخلاص هو أن أنقِّي القلب، وأنقِّي الدَّاخل، هذا يسمَّى إخلاص لله.
لا أصلي رياء، ولا للشُّهرة.
فالاستعداد الرُّوحي يعني تصفية النِّيَّة وهو ما يُعبَّر عنه بالإخلاص.

الأمر الثَّاني: تطهير القلب من الشَّوائب والتَّلوُّثات
بأن يكون القلب ليس فيه غش، وليس فيه دغل، وليس فيه نفاق، هذا معنى تطهير قلب.
•ولذلك جاء في الخطبة الرَّمضانيَّة – والتي نؤكِّد على ضرورة قراءتها لكلِّ الصَّائمين، الخطبة موجودة في بدايات كتاب الصَّوم في مفاتيح الجنان، بمقدار صفحة ونصف، خطبة مهمَّة جدًّا، قادرة على أن تهيِّئنا بكلِّ أنواع التهيئة، فاقرأوا هذه الخطبة -:
جاء في الخطبة الرَّمضانيَّة للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«فأسألوا الله ربَّكم بنيَّات صادقةٍ، وقلوبٍ طاهرةٍ [هذا استعداد روحي] أنْ يوفِّقكم لصيامِهِ وتلاوة كتابه، فإنَّ الشَّقيَّ مَنْ حُرم غفران الله في هذا الشَّهر العظيم». (الصَّدوق: الأمالي، ص 154)
صيام بلا نيَّة صادقة وبلا قلب طاهر، صيام لا يحقِّق أهدافه، يجب أن نصوم صيامًا يحقِّق لنا الأهداف:
رضا الله
القرب من الله
المغفرة.
«فإنَّ الشَّقيَّ مَنْ حُرم غفران الله في هذا الشَّهر العظيم»
أيُّ شقاء أعظم من أن يُدرك إنسان شهر الله ولا يُغفر له، هذا من أشقى الأشقياء.
•وفي حديث آخر يقول: «من انسلخ من شهر رمضان ولم يغفر له فلا غفر الله له» (ابن طاووس: إقبال الأعمال 1/454)
•وعن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «…، من أدرك والديه ولم يؤدِّ حقَّهما فلا غفر الله له، …، من ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فلا غفر الله له، …، ثمَّ قال: من أدرك شهر رمضان ولا يتوب فلا غفر الله له، …». (البروجردي: جامع أحاديث الشِّيعة 9/33، ب48، ك577)
إذا أدرك إنسان أبويه فلم يبر بأبويه، ولم يُحسِن إليهما، ولم يتوَّفق إلى طاعتهما، فهذا يكون محرومًا، فإنَّ من أهمِّ مظانِّ مغفرة الله إدراك الوالدين والبرُّ بالوالدين.
«…، من أدرك والديه ولم يؤدِّ حقَّهما فلا غفر الله له، …، من ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فلا غفر الله له». اللَّهم صلِّ على محمد وآل محمد.
إذن، نحتاج إلى استعداد روحي بمعنى أن نصفِّي النِّيَّات ونطهِّر القلوب.

وظيفة الاستعداد الرُّوحي
ما هي وظيفة الاستعداد الرُّوحي؟
قلنا وظيفة الاستعداد الفقهي تصحيح الصِّيام، ووظيفة الاستعداد الفكري الثَّقافي الارتقاء بمستوى الصِّيام.
ما هي وظيفة الاستعداد الرُّوحي؟
وظيفة الاستعداد الرُّوحي هي: قبول الصِّيام.
ليس كلُّ صيام صحيح، وليس كلُّ صيام واعٍ هو صيامٌ مقبول عند الله، فشروط القبول هي شروط أخرى غير شروط الصِّحَّة وغير شروط الوعي، فالإخلاص شرطٌ لقبول الصِّيام.
فالاستعداد الروحي من الشُّروط الأساس لقبول الأعمال.
فربَّما توفَّر الاستعداد الفقهي فكان الصِّيام صحيحًا.
وربَّما توفَّر الاستعداد الثَّقافي فكان الصَّيام واعيًا.
وربَّما لم يتوَّفر الاستعداد الرُّوحي فكان الصِّيام، غير مقبول.
فإذن، نحتاج إلى استعداد روحي.

ما هو المطلوب لإنتاج الاستعداد الرُّوحي
كيف نصنع الاستعداد الرُّوحي؟
كيف نصنع طهارة القلب؟
كيف نصنع الإخلاص؟
هذا يحتاج إلى:
-قراءات روحيَّة، وقراءات أخلاقيَّة
-حضور دروس الأخلاق
-المحاسبة، المشارطة، المراقبة
ما معنى المشارطة والمراقبة والمحاسبة؟
هذه أمور ترتقي بالمستوى الرُّوحي عند الإنسان.
يجب على الإنسان في كلُّ يوم أنْ يحدِّد له ثلاث أوقات: وقت للمشارطة، ووقت للمراقبة، ووقت للمحاسبة.
ما معنى أن نحدد وقتًا للمشارطة، ووقتًا للمراقبة، ووقتًا للمحاسبة؟
1-المشارطة: في أوَّل ومطلع كلِّ يوم
بعد صلاة الفجر مثلًا، يجلس الإنسان جلسة مع النَّفس، يشارط نفسه:
أيَّتها النَّفس كوني في هذا اليوم طائعة ومستقيمة وملتزمة بأحكام الله.
هنا يوجِّه خطابات، ونداءات، وتحفيزات، لنفسه، ولروحه، بأن تكون في هذا اليوم القادم مستقيمة، ملتزمة، مطيعة، مبتعدة عن مظانِّ الشَّيطان، ومبتعدة عن المعاصي.
أيَّتُها النَّفس إنْ أطعتِ الله كنت من الفائزين، وإنْ عصيتِ الله كنت من الأشقياء المعذَّبين.
هذه مشارطة بينه وبين نفسه.
إذن، هنا خطاب، وحديث، ومكاشفة، بين الإنسان وبين نفسه، هذه يسمِّيها علماء الأخلاق (المشارطة).
2-المراقبة: أثناء حركة اليوم من الفجر إلى وقت النَّوم
يحتاج الإنسان إلى مراقبة.
المراقبة: هي المتابعة، متابعة الفكر، ومتابعة السُّلوك، ومتابعة الحركة، ومتابعة النَّشاط، ومتابعة أي عمل يصدر من الإنسان من فعلٍ أو ترك.
فالإنسان قد شارط نفسه في بداية النَّهار، وهنا أثناء حركته يراقب، ويتابع.
3-المحاسبة: آخر النَّهار
إذا جاء آخر النَّهار وقبل أن ينام يحاسب: ماذا صنعت في يومي؟ هل أطعت الله؟
إن أطعت الله شكرت الله، وشكرت نفسي؛ لأنَّها استقامت على خطِّ الطاعة.
وإن عصيت الله أندم، وأستغفر، وأتوب، وأرجع إلى الله، وأؤنِّب النَّفس.
هذه كلها تسمَّى المحاسبة، (المشارطة والمراقبة والمحاسبة).
إذن، نحن نحتاج أن نصنع الجانب الرُّوحي، حتى نوفِّر للصِّيام شروط القبول.

وهذا البناء الرُّوحي يحتاج إلى:
-صبر طويل
-ترويض طويل
-معاناة طويلة
الفارق بين التَّنظيف الجسدي والتَّنظيف الرُّوحي.
هناك فرق بين أن أطهِّر ثوبي، فعملية تنظيف الثَّوب سهلة، وكذلك عمليَّة تنظيف البدن، فما أسهل أن أنظِّف ثوبي، بأن أضعها في المغسلة وأصب عليها قليلًا من الماء والصَّابون، فإنَّها تنظف.
وما أسهل أن أنظِّف بدني، بأنْ أقف تحت الماء وأصب الماء على بدني، وأضع الصابون، فينظف البدن.
عملية لا تستهلك الكثير، ولا تحتاج إلى معاناة كثيرة.
لكن تنظيف القلب وتنظيف الرُّوح تحتاج إلى معاناة صعبة، وتحتاج إلى ترويض كبير، حتى أستطيع أنْ أنقِّي الغشَّ من داخلي، وأنقِّي النِّفاق من داخلي، وأنقِّي الكذب من سلوكي، وأنقِّي الغِيبة في سلوكي، هذه عمليَّة صعبة، تحتاج إلى مجاهدة طويلة، وتحتاج إلى ترويض طويل، وتحتاج إلى معاناة طويلة.
إذن، أنا بحاجة حتى أعيش الصِّيام بمعناه الأرقى، وبمعناه الأسمى، وبمعناه المقبول، لا بدَّ أن أتوافر على استعداد روحي.
بقي الحديث عن الاستعداد العملي يأتي في حديث قادم إن شاء الله.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى