حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 454: التَّقاربُ السُّنِّيُّ الشِّيعيُّ هو خَيَارُ الأوطانِ – لانريد وطنًا مأزومًا متوتِّرًا – الخمس من مُسلَّمات المذهب الإماميِّ – زيارةُ وفد صهيونِّيٍّ إلى البحرين

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين..

وبعد: فنتابع الحديث حول هذا العنوان:

التَّقاربُ السُّنِّيُّ الشِّيعيُّ هو خَيَارُ الأوطانِ
عَرَضتْ الكلمةُ المتقدِّمة في الأسبوع الماضي لثلاثةِ مَواقفَ سلبِّيةٍ من قضيَّة التَّقاربِ السُّنِّيِّ الشِّيعيِّ، وكان لكلِّ موقفٍ منطلقه في الرفض..

فالموقفُ الأوَّلُ ينطلقُ في رفضِهِ للتَّقاربِ بين المذاهب من رُؤيةٍ متعصِّبةٍ متشدِّدةٍ تلغي الآخَرَ وتكفِّرهُ، الأمر الَّذي لا يسمحُ بأيِّ شكل من أشكال التَّواصلِ، لأنَّ هذا التَّواصل يعطي المذهب الآخر لونًا من الشَّرعيَّة!

والموقف الثَّاني ينطلقُ في رفضهِ من رؤيةٍ خطأٍ تفهم التَّقاربَ تنازلًا عن بعض مُسَلَّماتِ الانتماء المذهبيِّ.

والموقفُ الثَّالثُ يَنْطلقُ من هَواجِسَ مَشْحُونةٍ باليأسِ والإحباطِ، حيث القراءة لكلِّ تجاربِ التَّاريخ والتي كانت مآلاتُها دائمًا إلى الفشل والتَّعثُّر.

والمواقفُ الثَّلاثةُ في كلِّ منطلقاتها مرفوضة عقلًا وشرعًا، مهما حاول أصحابُها أنْ يمنحوها شيئًا من العقلنةِ والشَّرعنة، ومهما حاولوا أنْ يدافعوا عنها، فالقطيعةُ بين المذاهب لا يمكن – إطلاقًا – أنْ تكونَ خيارًا يقرُّهُ العقلُ، أو الشَّرعُ، وهو خَيَارٌ مُدمِّرٌ ومُرعُبُ يقودُ الأوطانُ إلى أخطرِ الكوارثِ والمآلاتِ.

ليس أمامَ الأوطانِ؛ لكي تكونَ آمِنةً ومُسَتَقرَّةً، ولكي تكونَ شعوبُها مُتَحابَّةً ومُتَسامحةً إلَّا خيارُ الوَحْدَةِ، والتَّقاربِ، والتَّآلفِ.

وأمَّا خيارُ الفُرقةِ والتَّحاربِ والتَّباغضِ، فهو خيارٌ يُؤَسِّسُ لأوطانٍ مَرْعُوبةٍ مضطَّربةٍ، ولشعوبٍ مدمَّرة، ومُحطَّمةٍ، ومأزومةٍ.

مطلوبٌ مِن كلِّ الأوفياءِ لأَوْطانِهم ولشعوبِهم أنْ يُمارسُوا بكلِّ صِدْقٍ وإخلاصٍ وجدٍّ وعزيمةٍ أدْوَارَهُمْ في التَّصدِّي لكلِّ مَشرُوعَاتِ الفتنةِ والتَّفتيتِ والتَّمزيق.

وأنْ يُكَرِّسُوا كلَّ قُدُراتِهم، وطاقاتِهم، وإمكاناتهم في الدَّفعِ بخياراتِ الوحدةِ، والتَّقارب، والتَّآلفِ والتَّسامح.

لكي نُسقِطَ الحديثَ على واقعِ هذا الوطن
تحدَّثت الكلِمةُ عن مواقفَ ثلاثةٍ رافضةٍ لخيار الوَحدةِ والتَّقارب:
•الموقفُ المتعصِّبُ المُتشدِّد.
•الموقفُ المأسورُ للفهم الملتبس.
•الموقفُ المَسْكُونُ باليأس والإحباط.
فإذا أردنا أنْ نقاربَ واقعنَا في هذا الوطن الحبيب (البحرين) في ضوء هذه المواقف، فهل نجدُ لها حُضُورًا شاخِصًا؟
وهل نجدُ لها خِطابًا واضحًا؟

لستُ مُتجنِّيًا على وطني، ولا على أبناءِ وطني إنْ قُلتُ – وبكلِّ ألمٍ، ومَرَارَةٍ -: إنَّ في هذا الوطنِ مَنْ يحمل درجاتٍ عاليةٍ من التَّعصُّب، والتَّشدُّدِ، وفي هذا الوطن مأسُورونَ لفهمٍ مُلْتَبِسٍ، وفي هذا الوطن مسكونُونَ باليأسِ، والإحباط.

لا أتَّهمُّ بهذا جهةً، أو طائفةً، أو مَذْهبًا، أو مُكَوّنًا، فقَدْ نجدُ حالاتِ التَّعصُّب، أو التَّشدُّد، وقَدْ نجد حالاتِ الغَبَشِ والالتباس، وقَدْ نجدُ يائسينَ ومُحْبَطينَ، قَدْ نجدُ هذا أو ذاك في مواقعَ متعدِّدةٍ، قد تنتسبُ للسُّلطةِ، أو لهذا المذهبِ أو لذاكَ المذهب، لهذا المكوّن أو لذاكَ المكوّنِ، لهذا الفصيل أو لذاكَ الفصيل.

حينما نقرأ الخِطابَ والممارساتِ لكلِّ المواقع، فسوفَ نجدُ بعضَ خِطابٍ، وبعضَ ممارساتٍ تحملُ شيئًا واضحًا من تعصُّبٍ وتشدُّد، أو شيئًا واضحًا من إلتباسٍ وإرتباكٍ، أو شيئًا واضحًا من يأسٍ وإحباطٍ.

وحينما أقولُ بعضَ خطابٍ، أو بعضَ ممارسات حتَّى لا أتَّهم كلَّ الخطاب، ولا كلَّ الممارساتِ وإلَّا كنتُ جانيًا وظالمًا.

ففي هذا الوطنِ الكثيرُ من الخِطابِ الرَّشيدِ، والمُنصِفِ، والمعتدلِ، والمتسامحِ.
وفي هذا الوطنِ الكثيرُ من الممارسات التي تحمل الرُّشدَ، والإنصافَ، والاعتدالَ، والتَّسامح.
هنا تأتي مسؤوليَّةُ الأوفياءِ لهذا الوطنِ في مواقعِ الحُكْمِ كانوا، أو في أيَّةِ مواقعَ أخرى أنْ يُكرِّسُوا هذا الخطابَ، وهذه الممارساتِ.

ولا شَكَّ أنَّ مواقعَ الحكمِ تتحمَّلُّ مِن المسؤوليَّةِ في هذا السِّياقِ أكبرَ بكثير ممَّا تتحمَّلُهُ المواقعُ الأخرى، وإنْ كانتْ مسؤوليَّةُ تلك المواقعُ تبقى كبيرة.

لانريد وطنًا مأزومًا متوتِّرًا
وهنا كلمةٌ أقولها؛ من أجلِ هذا الوطنِ الذي نحملُ له كلَّ الوَلاءِ والوَفاءِ، ولن نفرِّط بأمنِهِ، ولا بذرَّةٍ من ترابِهِ، ولا نريد له إلَّا كلَّ الخير والصَّلاح، وكلَّ الاستقرار والازدهار: إنَّنا لا نريدُ لهذا الوطن أنْ يبقى مأزومًا.

إنَّنا لا نريدُ لهذا الوطنِ أنْ تستنفرَ في داخلِهِ التَّوتُّراتِ بكلِّ منتجاتِها المذهبيَّة، والسِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، والأمنيَّةِ.

إنَّنا لا نريدُ لهذا الوطن أنْ يموت في داخلِهِ الحبُّ، والتَّسامحِ.
إنَّنا لا نريد لهذا الوطنِ أنْ تتآكل فيه الثِّقةُ بين الحاكمِ والمحكوم.
إنَّنا لا نريد لهذا الوطنِ أنْ تسودَ فيه لغةُ المخاصمةِ بدلًا من لغة المسالمة.
إنَّنا لا نريد لهذا الوطنِ أنْ تتشكَّلَ لدى أبنائِهِ من كلِّ الطَّوائف، والمذاهبِ، والمكوّناتِ أيَّةُ هواجسِ غُبْنِ وظُلامة.

هنا أعبِّرُ عن واحدٍ من هذا الهَواجِسِ، وليس بدافعِ التَّحريض والتَّوتير، إنَّما هي الخشيةُ أنْ تتحوَّل هذه الهَواجِسُ منتجاتِ تأزيم ضارَّةِ بهذا الوطن، فكثيرًا ما تتحوَّل بعضُ الهَواجسِ إذا استمرَّتْ إلى أسباب تأزيم، ومكوِّناتِ توتَّر، وربَّما تحوَّلتْ إلى مآزق خطيرة.

الخمس من مُسلَّمات المذهب الإماميِّ
نعم، هنا أعبِّر عن واحد من هذه الهواجس التي باتت تقلق مكوِّنًا كبيرًا من مكوِّناتِ هذا الوطن، هذا الهاجسُ يرتبط بشأنٍ مسألةٍ من مُسلَّمَاتِ المذهب الشِّيعيِّ الإماميِّ، وهي مسألة (الخمس)، فمنذ تاريخٍ طويل جدًّا وأبناءُ هذا المذهب في هذا الوطن يمارسونَ هذه الفريضةَ الدِّينيَّةِ بكلِّ حُرِّيَّة وبلا أيَّة تعقيداتٍ، وتقيدات، وهي ميزة يفتخرُ بها هذا الوطن.
فلماذا برزتْ في الآونةِ الأخيرة بعض مُكدِّراتٍ، ومعوِّقات، ومضايقات، وحتَّى وصلتْ النَّوبةُ إلى المحاسباتِ، والمحاكماتِ!

إنَّ السُّلطة لا تعتبر ذلك محاكمةً لفريضة الخمس، وإنَّما هي ملاحقة لحركة المال غير المشروع، والمال الملوَّث!

لا نرفض أنْ يُلاحقَ المالُ غيرُ المشروع، والمالُ القَذِرُ والملوَّث، والذي يشكِّل مصدرَ فسادٍ وإفسادٍ للوطن، ومصدرَ عبث بالقِيم والمُثُل، فمسؤوليَّة السُّلطة أنْ تحصِّن البلد في مواجهة كلِّ أشكالِ هذا العبث.

إلَّا أنَّ التَّساؤل الكبير: متى كان علماءُ صُلحاءُ أتقياءُ – كما يشهد كلُّ تاريخهم، وكما يشهد لهم كلُّ الذي عرفوهم – متى كان هؤلاء يتعاطون مع الأموال الملوَّثةِ، والقَذِرة؟!
ومتى كان هؤلاء يخونون شرع الله تعالى؟!
ومتى كان هؤلاء يبيعون ضمائرهم للشَّيطان؟!
ومتى كان هؤلاء سماسرة في أسواقِ التَّبيض للأموال القذرة؟!
لا واللهِ، ما كانوا، ولن يكونوا كذلك.

إنَّهم أمناء على أموال الله سبحانه، فالخمس فريضة دينيَّة ثابتة وفق رؤية المذهب الشِّيعيِّ، بل هي من مسلَّمَات هذا المذهب.

ومنذ عصر الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) وأتباعُ هذا المذهبِ يمارسون هذه الفريضة وفق توجيهات الأئمَّة (عليهم السَّلام).

واستمرَّ الشَّيعةُ بعد عصر الأئمَّة (عليهم السَّلام) في أداء هذه الفريضة حسبما هو مقرَّر في الكتب الفقهيَّة، والتي سيَّجت حركة هذا المال تسييجًا شرعيًّا محكمًا؛ لكي لا تنزلق مساراتُه، ولكي لا تنحرف غاياتُه، وأَهدافُهُ.

فلا يمكن أنْ تكون منابعُه ملوَّثةً، وغير نظيفة.
ولا يمكن أنْ تكون مصارِفُهُ موبوءةً، وقذرةً.
وهنا شدَّدتْ الشَّريعةُ؛ لكي تحصِّنَ حركةَ هذا المال، أنْ يكون الأمناءُ عليه يمتلكون درجاتٍ عاليةٍ من التَّقوى والورع، والكفاءة الفقهيَّة، والرُّشد في توظيف هذا المال في خدمةِ مصالح النَّاس المشروعة والنَّظيفة.

وكم يُخفِّفُ هذا المالُ على الدَّولة الكثير من الأعباء في كفالة الفقراء والمعوزين فيما هي شؤونهم المعيشيَّة، والسَّكنيَّة، والعلاجيَّة، وفي خدمة البرامج العلميَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والتَّربويَّة، وفي كلِّ ما ينهض بمصالح الوطن.

بعد هذه الوقفة العاجلة مع فريضة الخمس أعود للهاجس الذي بات يُقلق أبناء هذا المذهب فيما هي بعض الإجراءاتِ التي طالت حركة الخمس، وبلغت حدَّ المحاكمات، ممَّا خلق إحساساتٍ متوتِّرةً، وانفعالاتٍ نخشى أنْ تنفلت.

فكم تمنَّينا أنْ لا تزجَّ البلد في تدافعاتٍ، وتوتراتٍ ممَّا يضرُّ بأوضاع هذا الوطن، وبوحدة مكوِّناتِه.

وكم تمنَّينا أنْ توجَّه كلَّ الاهتماماتِ في خدمةِ أهداف الوطن الكبرى.

إنَّه من الرُّشدِ السِّياسيِّ أنْ تُزاح كلُّ المُعوِّقاتِ التي تُعطِّلُ حركةَ الإصلاحِ، والبناء، ومن أخطرِ هذه المعوِّقاتِ (استعداء المكوِّنات) ممَّا يستنفر لدى أبنائها (حالاتِ القلق)، ما يؤدِّي إلى أنْ تتعطَّلَ عندها الكثير من الطَّاقاتِ والقُدُراتِ، وما يؤدِّي كذلك إلى تأزُّم العلاقة مع النَّظام.
حينما يحسُّ أيُّ مُكوِّنٍ بالغُبْن، والاستهدافِ لا شكَّ أنَّه يتحوَّلُ مكوِّنًا سَلبيًّا، وهكذا يخسُر الوطنُ بعضَ إمكاناتِه، وقدراتِه.

إذا كانَ من حقِّ السُّلطة أنْ تقول: إنَّه لا غُبْن، ولا استهداف لأيِّ مكوِّنٍ من مكوِّناتِ هذا الوطن، وإذا وُجدَ هذا الإحساسُ بالغُبْن، والاستهداف لدى هذا المكوِّن، أو ذاك المكوِّن، فهو إحساسٌ خاطئ، أو ادِّعاءٌ لا صدقية له، فكثيرًا ما تتدرَّع به بعضُ القوى؛ من أجل أهدافِ سياسيَّة غير مشروعة.

إذا كان من حقِّ السُّلطة أنْ تقول هذا الكلام، فإنَّ من حقِّ أيِّ مكوِّنٍ أنْ يعبِّر عن إحساسِهِ بالغُبن، والاستهدافِ.

وإذا كان مخطئًا في هذا الإحساس، أو متجنِّيًا في هذا الادِّعاء، فإنَّ معالجة هذا التَّباين في الرُّؤية، والموقف لا تتمُّ إلَّا من خلال الحوار، والتَّفاهم.

إنَّ هذا النَّهج هو النَّهج الصَّائب في التَّعاطي مع أزمات الوطن، أمَّا اعتماد القوَّة، والمواجهة، فيُعقِّد الأزمات، ويُراكمُ الخلافات، ويُوتِّرُ الأوضاع، ويُكرِّس التَّباين.

هناك خطابُ إعلامٍ، وخطابُ صحافةٍ، وخطابُ منابر يُحرِّض على اعتماد القوَّة بدلًا من لغةِ الحوار، والتَّفاهم انطلاقًا من مُبرِّرات، ومُسوِّغاتٍ غيرِ مُوفَّقةٍ.

هذا النَّمط من الخطاب سيِّئ جدًّا، ومؤزِّم، ومؤسِّس لخياراتٍ ضارَّةٍ بهذا الوطن.
لا تعالج أزماتُ الوطن إلَّا بالحوار والتَّفاهم، وأنَّ أيَّ خَيَارٍ آخر، هو خيارٌ مُعقِّد للأزمات.
وحينما نتحدَّثُ عن حِوارٍ وتفاهمٍ، فليس من أجلِ الاستهلاك الإعلاميِّ والسِّياسيِّ، ومن أجلِ التَّلميع، ومن أجل اللَّعب على الوقت، وإنَّما نتحدَّث عن حوار وتفاهم؛ من أجل التَّغيير.
من أجل البناء والإصلاح.
ومن أجل إنتاج الشَّراكة.
ومن أجل إنقاذ الوطن من كلِّ المؤزِّمات، والموتِّرات.
وهنا تكون الضَّرورة؛ لإيجاد (المناخات).
ولن تتهيَّأ المناخاتُ ما دام الخطاب مؤزِّمًا (الخطاب الرَّسمي)، أو (الخطاب الشَّعبي).
ولن تتهيَّأ المناخات ما دامت الممارسات مؤزِّمةً (الممارسات الرَّسميَّة)، أو (الممارسات الشَّعبيَّة).
وهذا لا يعني أنِّي أساوي بين (الدَّور الرَّسميِّ)، و(الدَّور الشَّعبيِ)!
الفارق لا شكَّ كبير جدًّا، فيما هي القُدراتُ، والإمكاناتُ، والأدواتُ.
والفارق كبير جدًّا فيما هي المسؤوليَّات.
المبادرةُ يجب أنْ تكون بيد السُّلْطة.
وبقدر ما تكون هذه المبادرةُ صادقةً وجادَّةً، وراشدةً، ومُنصِفةً، تملك القُدرةَ على الحركة، وتملك القدرة على النَّجاح.

ويأتي دور الشَّعب بكلِّ قِواه الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة، والاجتماعيَّة؛ ليكون جزءًا فاعلًا في أيِّ مبادرة ما دامت مستجيبةً لمطالبه العادلةِ والمشروعةِ.
وأيُّ غيابٍ، أو تغييب للشَّعب، ولقواه يُشكِّل إجهاضًا لأيِّ مبادرة مهما مَلَكت من مكوِّنات صالحة.

إنَّ أيَّ تناف بين الدَّور الرَّسميِّ والدَّور الشَّعبيِّ يُشكِّلُ تعقيدًا صعبًا في معالجة الأزمات، وفي إصلاح الأوضاع.

فليس من صالح الوطن أنْ يتكرَّس التَّنافي بين السُّلطة والشَّعب، فهذا يُشكِّل دفعًا في اتِّجاهِ المزيد من التَّوتُّر والتَّأزُّم، وحينما نتحدَّث عن التَّنافي نتحدَّث عن إلغاءٍ، ونفي متبادل، ولا نتحدَّث عن تعارضٍ واختلافٍ في الرُّؤى والمواقف، فهذا لا يُشكِّل خَلَلًا في العلاقة، بشرط أنْ يكون مُحصنًّا بالضَّوابطِ والمعاييرِ السَّليمةِ التي يجب أنْ تحكم كلَّ أشكال التَّعارض والاختلاف.

وأمَّا إذا فقدتْ هذه الضوابطُ والمعاييرُ ارتبكتْ العلاقة ممَّا ينتج أوضاعًا وعلاقاتٍ مأزومة.
إنَّ الأوضاع لا تعالج حينما تصادر الأنظمة الحاكمة إرادات الشُّعوب، أو بعضِ مكوِّناتِ الشُّعوب، ما دامتْ هذه الإراداتُ تعبِّر عن قضايا الشُّعوب العادلة، وما دام هذا التَّعبير يعتمد الأدوات المشروعة، وليس منها قطعًا العنف والتَّطرُّف، فهما من أخطر الأدواتِ التي تُدمِّر الأوطانَ، وهما من أسوء الوسائل التي تُؤزِّم الأوضاع، فهما خياران مرفوضان صَدَرَا من أنظمةٍ أم من شعوب، هَدَفَا إلى غايات نظيفة أم سيِّئة، فلا تسمح الأديان، ولا القوانين اعتماد الأدوات غير النَّظيفة وإنْ كانت من أجل غايات نظيفة، فالغايات النَّظيفة لا تبرِّر الوسائل القَذِرَة.

كلمة أخيرة:
في خطوةٍ صادمةٍ جدًّا لمشاعِر هذا الشَّعبِ المسلمِ جاءت زيارةُ وفد صهيونِّيٍّ إلى البحرين بشكلٍ سافرٍ ومُسْتَفزٍّ، حيث قام هؤلاءِ الصَّهاينة في شوارع البحرين برقصاتٍ مصحوبةٍ بأغنياتٍ تلموذيَّةٍ تحمل كلَّ العداء للعرب والمسلمين، وتترنَّم ببناءِ الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، كما تعبِّر عن دعم الحركة الصَّهيونيَّة، هكذا وبكلِّ هذا التَّحدِّي!

وهنا يتساءل شعبُنا بكلِّ ألم ومرارةٍ عن أهدافِ هذه الزِّيارة؟
وهل هي في اتِّجاهِ إعلانِ التَّطبيع مع العدوِّ الصَّهيونيِّ؟

إنَّ علماءَ الدِّين في البحرين تابعوا بقلق واستنكار هذه الزِّيارةِ المشؤومة، كما ويشجبون أيَّ خطوةٍ في اتِّجاه التَّطبيع مع الكيان الصُّهيونيِّ، وهذا هو موقف كلِّ الغَيَارى من أبناء هذا الشَّعب الذين يرفضون كلَّ أشكال الاختراق لهذه الأرضِ الطَّيِّبة من قبل الصَّهاينة الغاصبين لأرض فلسطين، والحاقدين على أمَّتنا العربيَّة، والإسلاميَّة.

حمى الله هذا الوطن، وكلَّ أوطان المسلمين من كيد الكائدين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى