حديث الجمعةشهر محرم

حديث الجمعة 182: كيف نقرأ الثورة الحسينيّة؟(1) – تساؤلات صريحة – مجزرة غزّة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطيبين الطاهرين…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…



أتناول في حديثي مجموعة عناوين:


كيف نقرأ الثورة الحسينيّة؟
لكي نقرأ أيّ ثورة لابد من التعرف على مجموعة أبعاد: المنطلقات، الأهداف، الشروط، النتائج..
البعد الأول: المنطلقات….


ما هو منطلق الثورة الحسينيّة؟
توجد عدة قراءات خاطئة حدّدت منطلق الثورة الحسينيّة:


القراءة الأولى:
تحدّد هذه القراءة (المنطلق القبلي والعشائري) منطلقًا للثورة الحسينيّة….. فالصراع التاريخي بين البيت الهاشمي والبيت الأموي هو المحرّك لهذه الثورة، وهو أنتج هذا الصدام المسلح.. وهذه المواجهة العسكرية…..
هذه القراءة مرفوضة وخاطئة، فليس في خطابات الثورة الحسينيّة ما يؤكّد هذا المنطلق….


القراءة الثانية:
تحدّد هذه القراءة (المنطلق الاجتماعي) منطلقًا للثورة الحسينيّة، ويقصد بالمنطلق الاجتماعي (فساد الواقع الاجتماعي) فالإمام الحسين انطلق في ثورته من أجل مواجهة الواقع الاجتماعي الفاسد كما تشير إلى ذلك بعض خطابات الثورة، هناك فرق بين المنطلق، والهدف، والمبرر الموضوعي…
الفساد الاجتماعي واحد من المبررات الموضوعيّة لقيام ثورة الإمام الحسين (ع).. وليس منطلقًا للثورة.
والإصلاح الاجتماعي أحد أهداف الثورة الحسينيّة….. وليس منطلقًا للثورة….
فلا يصح الخلط بين هذه العناوين…
ولا يصح ربط الثورة بمبرر موضوعي واحد أو بهدف واحد…….


القراءة الثالثة:
تحدّد هذه القراءة (المنطلق الاقتصادي) منطلقًا للثورة الحسينيّة…
وتقصد هذه القراءة بـ «المنطلق الاقتصادي» فساد الواقع الاقتصادي، فالإمام الحسين ثار من أجل مواجهة هذا الواقع الاقتصادي الفاسد (عبثٌ بأموال الأمة/ ثراءٌ فاحش/ فقرٌ فاحش….) وفي خطابات الثورة الحسينيّة ما يؤكد ذلك….
وهنا أيضًا نقول:
لأنّ فساد الواقع الاقتصادي هو واحد من مبررات الثورة الحسينيّة، وليس المبرر الوحيد وليس المنطلق…..
كما أنّ إصلاح الواقع الاقتصادي واحد من أهداف الثورة الحسينيّة، وليس الهدف الوحيد، وليس هو المنطلق……


القراءة الرابعة:
تحدّد هذه القراءة (المنطلق السّياسي) منطلقًا للثورة الحسينيّة…….
ويقصد بالمنطلق السّياسي: فساد الواقع السّياسي (فساد النظام الحاكم، فساد الحاكم، فساد مؤسسات الحكم……)
فالإمام الحسين ثار من أجل مواجهة هذا الواقع السّياسي الفاسد… وفي خطابات الثورة الحسينيّة ما يؤكد ذلك:
ونكرر القول:
بأنَّ فساد الواقع السّياسي أحد مبررات الثورة، وليست المبرر الوحيد، وليست المنطلق كما أنّ إصلاح الواقع السّياسي أحد أهداف الثورة الحسينيّة، وليس الهدف الوحيد وليس المنطلق……


القراءة الخامسة:
تحدّد هذه القراءة (المنطلق الأخلاقي) منطلقًا للثورة الحسينيّة….
فالإمام الحسين ثار من أجل مواجهة الواقع الأخلاقي الفاسد (فساد القيم، تدهور الأخلاق، انحراف الأعراف….)
الفساد الأخلاقي واحدٌ من المبررات الموضوعيّة للثورة…
وإصلاح الواقع الأخلاقي واحدٌ من أهداف الثورة الحسينيّة….
والمبررات، والأهداف غير المنطلقات..


خلاصة الملاحظات على هذه القراءات:
أولاً: أنّها مارست خلطًا بين عدة عناوين: المنطلقات، الأهداف، المبرّرات الموضوعيّة.
ثانيًا: إنّها اعتمدت التفسير التجزيئي للثورة الحسينيّة….


إذن ما هو المنطلق؟
إنّه المنطلق الربّاني «التكليف الإلهي»، الأمر الإلهي هو الذي حرّك الإمام الحسين عليه السلام لينطلق بهذه الثورة المباركة في ظلّ مجموعة من مبررات موضوعيّة، ومن أجل تحقيق مجموعة أهداف…….
ثمّ إنّ شكل التكليف الإلهي في مواجهة الواقع الفاسد (بكلّ امتداداته) تحدّده مجموعة عوامل:
o الأهداف.
o مستوى الفساد والانحراف.
o الظروف الموضوعية المتحركة.
o مستوى الإمكانات والقدرات.


تساؤلات صريحة:
في زحمة التأزّمات والاحتقانات الأمنيّة والسياسيّة التي تزدحم بها الساحة المحليّة في هذه الأيام تترشح مجموعة تساؤلات صريحة:


• التساؤل الأول:
إلى أين تسير الأمور في هذا البلد؟
لسنا من المتشائمين، إلّا أنّ الأوضاع تتحرك بشكلٍ مقلق، وبشكلٍ لا يبعث على الرضا والاطمئنان، المآزق السياسية تشتدّ وتشتد، الاحتقانات الأمنية تكبر وتكبر، الأزمات تتلاحق وتتلاحق…
أبواب الحوار مغلقة، لغة التفاهم غائبة، الأجواء قاتمة…
ويبقى التساؤل الصريح: إلى أين تسير الأمور..؟
كلّ المخلصين يتمنون لهذا الوطن الخير والصلاح والأمن والاستقرار ولا يريدون له الشر والدمار..
وليس في مصلحة أحد أن تتجه الأمور نحو التأزم والاحتقان والاشتداد.


• التساؤل الثاني:
من المسؤول عن هذا التأزيم الأمني والسياسي؟
من هو الطرف الأقدر على إنتاج الهدوء والاستقرار، والأمن والأمان في هذا البلد؟
من هو الطرف الذي يملك إمكانات الخروج بهذا الوطن من كلّ المآزق الأمنيّة والسياسيّة؟
من هو الطرف الأقوى على معالجة الأزمات والاحتقانات والتوترات؟
من هو الطرف الذي بيده كلّ مقدرات هذا الشعب، وبيده كلّ الخيارات؟
تساؤلات صريحة في حاجة إلى إجابات صريحة…


• التساؤل الثالث:
لماذا هذا الإصرار الحكومي على إحالة (مشروع قانون الأحكام الأسرية) إلى المجلس النيابي وبلا توافق مع الأطراف المتحفظة والرافضة؟
طالما سمعنا في الخطاب الرسمي أنّ هذا القانون لن يفرض بلا توافق، فأين هو التوافق؟
ألا تعد هذه الخطوة تجاهلًا صريحًا لكلّ الأطراف، وإلغاءً لموقف العلماء ولقناعات الشعب.
لقد عبّر العلماء عن موقفهم الرافض لإصدار هذا القانون بلا ضمانات، وعبّر الشعب في مسيرته الجماهيريّة الحاشدة عن تأييده وإسناده لموقف العلماء، إلّا أنّ الخطوة الحكوميّة جاءت ضاربةً عرض الحائط بكلّ ذلك….
هل هذا هو التعبير عن احترام إرادة الشعب؟
هل هذا هو التعبير عن الشراكة في القرار؟
قال العلماء كلمتهم الرافضة لأيّ طرح يتجاوز الضوابط والضمانات التي تحمي شرع الله من العبث والتلاعب، وتحمي الأعراض من الانتهاك، وتحمي الأسرة من المزايدات السياسيّة….
والعلماء لا زالوا عند موقفهم الصامد، والجماهير العريضة تساندهم وبكلّ قوة…….
فهل تريد السلطة أن تدفع بالأوضاع إلى مزيد من التشنّجات والصراعات والتأزّمات؟
وماذا عن موقف البرلمان؟
هل هو الآخر سوف يتجاوز إرادة الشعب وموقف العلماء؟
هل هو الآخر سوف يكرّس المزيد من الأزمات الأمنيّة والسياسيّة؟
هل هو الآخر سوف يضحّي بشرع الله وأحكام دينه؟


• التساؤل الرابع:
هل أنّ قرار وزير العدل بشأن المساجد والحسينيّات يمثل خطوة حكيمة؟
أم أنّه يشكّل خطوة استفزازيّة خطيرة سوف يكون لها تداعياتها الصعبة على أوضاع هذا البلد؟
ألا يعبّر هذا القرار عن نزعةٍ في اتجاه الهيمنة والسيطرة على شؤون المساجد والحسينيّات..
ألا يعدّ هذا الأمر تدخلًا صريحًا في الشأن المذهبي؟
لقد أصدر العلماء بيانهم الرافض لهذا القرار ولا زالوا عند موقفهم…..
عبّرت إدارة الأوقاف الجعفرية عن موقفها الرافض…
اعتصم أساتذة وطلاب الحوزات الدينيّة احتجاجًا على هذا القرار…
التقى عدد من العلماء وزير العدل وأعربوا عن رأيهم وموقفهم تجاه هذا القرار..
ولا زال وزير العدل مصرًا على موقفه..
لماذا هذا الإصرار؟
وما هي مبرراته؟
نخشى أن يقود هذا الإصرار إلى تداعيات خطيرة…
نأمل أن يعيد الوزير الحسابات من جديد..


• التساؤل الخامس:
ماذا وراء الضجة الأخيرة حول ما يسمى بـ «مخطط الإرهاب»؟
لسنا دعاة إرهابٍ وعنفٍ وتطرفٍ، ولسنا مع أيّ شكلٍ من أشكال المسّ بأمن هذا البلد واستقراره..
ولكن من حقنا أن نتساءل: كم هي مصداقيّة هذه الضجة؟
وكم هو مقدار الحقيقة في كلّ ما قيل؟
وما هي أهداف هذا الاستنفار الإعلامي والسياسي والأمني؟
وما هي أغراض هذا التحشيد والتهويل؟
ووفق كلّ الاحتمالات، فإنّ ما تمّ عبر التلفاز والصحافة والإعلام، هو منافٍ تمامًا لكلّ القوانين الحقوقيّة… وهو أمرٌ مرفوض ومستنكر.
ثمّ إنّ الاعترافات التي بثّت لا يمكن اعتمادها وثائق إدانة، خاصة إذا تأكّد أنّ المتهمين تعرضوا لألوان من التعذيب النفسي والجسدي….
قبل مدة من الزمن أعلنت أجهزة الأمن القبض على خلية إرهابيّة مرتبطة بالقاعدة، وضبطت معها أسلحة ومعدات، وفي وقتها منع الإعلام من نشر أيّ شيء يتصل بهذا الموضوع… ولم تصدر إدانات ولم يستنفر الإعلام……. ربمّا كان هذا الإجراء طبيعيًا حفاظًا على سير التحقيق وسير المحاكمة…….
واليوم – وفي مسألة أقلّ خطورة – اختلف التعامل تمامًا، من المفترض أن تعتمد نفس الإجراءات، وتنتظر كلمة القضاء، أمّا أن يستنفر الإعلام، وتبث الاعترافات، وتتصاعد الصيحات، وتتعالى أصوات الإدانات، فهذا يعبر عن تمييز صارخ…
ليس بهذا الأسلوب تعالج الأوضاع، وتحمى الأوطان، وتبنى البلدان، ويزرع الأمن والأمان.
وتستمر التساؤلات……
ولسنا في صدد أن نستنطق كلّ الملفات، فالساحة متخمة بملفات ساخنة؛ ملف الدستور، ملف التمييز، ملف التجنيس، ملف الفساد، ملف العاطلين، ملف السكن، وملفات أخرى كثيرة كثيرة……
ما أردناه هو مجرد تحريك تساؤلات صريحة وهي في حاجة إلى إجابات صريحة….


مجزرة غزّة:
شنّ العدو الصهيوني حربًا شرسة على قطاع غزّة، طالت الأرض، والإنسان، والمساجد والمستشفيات، والمؤسسات، ولم تستثنِ شيئًا…
ولا زال هذا العدوان المدمّر مستمرًا، ولا زالت الأرواح البريئة تتعرض للإبادة، والفتك، والقتل، ولا زالت الدماء تنهمر غزيرة لتروي قصة الحقد الصهيوني، وقصة الخبث اليهودي، ولا زال شعبنا في القطاع يواجه الرعب، والجوع، والتشريد، والعراء فأين الضمير العالمي؟
وأين المؤسسات الدولية؟
وأين أنظمة الحكم والسياسة؟
وأين الشعوب؟
وأين القيم؟
وأين القوانين؟
أبناء غزّة الصامدون يستصرخون كلّ الضمائر الحرّة، وكلّ المؤسسات الدولية، وكلّ الحكام، وكلّ الشعوب لإيقاف هذا النزيف…..
لماذا هذا الصمت الرسمي العربي والإسلامي؟
ربمّا صدرت بعض البيانات والإدانات، إلّا أنّها بيانات وإدانات خجولة… مطلوبٌ موقف حقيقي في مواجهة الغطرسة الصهيونيّة، والصلف اليهودي، مطلوبٌ من كلّ القوى الدينيّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة أن تتحمّل مسؤولياتها في إدانة هذا الاعتداء الآثم، وهذه الجريمة النكراء ضدّ أبناء غزّة الصامدين، والذين يتعرضون إلى مجزرة حقيقيّة، وإبادة شاملة، ودمار مرعب.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى