حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 180: لكي لا تسقط مبادرات الوحدة والتقارب

بسم الله الرحمن الرحيم
  
   الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الطَّيبين الطَّاهرين…
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته…



       يباركُ كلُّ المخلصين أيَّ مبادرةٍ تهدف إلى توحيد الصّف، وجمع الكلمة، و تأليف القلوب، و مواجهة أيَّ شكلٍ من أشكال التطرف الطائفي، و أيَّ شكلٍ من أشكال التحشيد المذهبي، لما ينتج عن ذلك من عداواتٍ، وصراعاتٍ، ومواجهاتٍ قد تصل إذا لم تحاصر إلى حالاتٍ من العنف والمعارك والاقتتال..
 ولا يكفي أن نبارك هذه المبادرات الطيِّبة، وأن نثمِّن هذه الجهود، وإن كان لهذه المباركة وهذا التثمين القيمة الكبيرة في الدّفع في اتجاه الديمومة والاستمرار، والثبات والإصرار على تحدّي كلّ المثبِّطات والمعوِّقات.
      ولكنَّ الأهمّ هو أن نحمي هذه المبادرة من أن تسقط، وأن تفشل…


      و لكي لا تسقط هذه المبادرات يجب:
أولًا: أن تحافظ على أهدافها الأصيلة والتي انطلقت من أجلها، و هذا يعني أن ننأى بها عن أيّ أغراضٍ تحاول أن تصادر تلك الأهداف، وعن أيّ توظيفات لا تخدم غاياتها النبيلة، وطموحاتها النظيفة، وتوجهاتها الخيِّرة، وإلّا أدّى ذلك إلى ردود فعلٍ معاكسةٍ تجهض هذه المبادرات…
ثانيًًًًًًًًًًًًا: ولموقف السّلطة الدّور الأكبر في حماية هذه المبادرات من السقوط، لا من خلال المباركات  والتأييدات والمؤازرات، وهذا كلّه مطلوبٌ وضروريّ ولكن من خلال إلغاء كلِّ أشكال التمييز في سياسة الدولة، وإلّا فسوف تبقى هذه المبادرات شكلًا بلا مضمون، وعنوانًا بلا مصداق..
 إنَّ أيَّ مواطنٍ يعيش إحساسًا بأنَّه مصادَرٌ، متهَمٌ، محكومٌ لسياسةً التمييز والإقصاء، فلا يمكن أن يتفاعل مع خطابات يشعر أنّها للاستهلاك و تمرير السِّياسات….
وأنا لا أريد أن أفتح ملف التمييز، ولا أريد أن أعلِّق على التجاذبات المتحركة هذه الأيام في أعقاب حمل ملف التمييز إلى أجواء الكونغرس الأمريكي، وهل يشكِّل هذا استقواءً بالخارج أم لا؟ وهل أنّ هذا الاستقواء مشروعٌ أو غير مشروع….
ولا أريد أن أدخل في جدلٍ مع مقولاتٍ هنا ومقولاتٍ هناك تثبت أو تنفي ……
كلّ هذا له حديثٌ آخر….
ما أهدف إلى قوله هنا: أنَّ سياسة التمييز حينما تمارسها أيّ سلطةٍ حاكمة، فإنَّها تؤسِّس بذلك إلى انطلاق الصراع الطائفي، والاعتراك المذهبي، بل وتحرّك كلّ أشكال العداوات الدينيّة والمذهبيّة والسّياسيّة….
صحيحٌ أنَّ الجماعات المهضومة، بسبب سياسات التمييز لا تتّهم الجماعات الأخرى الدينيّة والمذهبيّة والسّياسيّة المحظوظة بكلّ الامتيازات، إلّا أنّ هذا الغبن وخاصةً  إذا كان فاحشًا سوف يتحوّل إلى صرخاتٍ رافضةٍ لسياسات التمييز، و لكلِّ المواقف الراضية بتلك الممارسات…..
و هكذا يتكرّس حسّ التباين والانقسام والتنافي بين أبناء الوطن الواحد، فمن الذي يغذّي هذا الحسّ، لا شكّ أن سياسة التمييز من أهمّ ما يغذي الانقسامات والصراعات الدينيّة والمذهبيّة والاجتماعيّة والسياسيّة.
فإذا أرادت – السّلطة الحاكمة –  لمبادرات الوحدة والتقارب أن تكون مبادراتٍ ناجحة، وأن لا تسقط هذه المبادرات، فيجب أن تنتهي سياسة التمييز، وسياسة التفرقة بين أبناء الوطن  الواحد….
ما نطالب به والبرلمان – بغرفتيه – يبدأ الدور الثالث من أدوار الانعقاد لهذا الفصل التشريعيّ أن يصدر قانون يلاحق أيّ شكلٍ من أشكال التمييز… ويتصدّى لكلّ الممارسات التي تكرِّس حالات التمييز على كلّ المستويات والأصعدة… إذا أردنا حقًا أن نصون أمن هذا البلد واستقراره…
ويجب أن لا ننسى صرخات الموقوفين والمعتقلين والتي أخذت تتعالى من شدّة ما يقاسون من ظروفٍ صعبةٍ، ومن معاملاتٍ سيئةٍ جدًا، رغم إصرار الأجهزة الأمنيّة على نفي أيّ ممارسةٍ تعتمد القسوة والشدّة والتعذيب….. إلّا أنّ الواقع يتحدّث بخلاف ذلك… وحيث بدأت مرحلة المحاكمات فيفترض أن تكون ممارسات التحقيق قد انتهت، إلّا أنّ ما يحدث الآن في أقبية التحقيق يؤكِّد أنّ هذه المرحلة لم تنته، ولم تنته عذاباتها ومعاناتها…
لا نريد أن نتدخّل في مسار المحاكمة – رغم ما أحاطها من إشكالاتٍ – إلّا أنّنا نطالب – في الحدّ الأدنى – أن تتحسن أوضاع وظروف المعتقلين، وأن يسمح للمؤسسات الحقوقيّة المحايدة أن تطّلع على أوضاع هؤلاء الموقوفين، وأن يعطى للأهالي فرصة اللّقاء بأبنائهم، إذا كنّا نقول بأنّنا نعيش في دولة القانون…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى