حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 465: في ذِكرى مولدِ الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) –

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.
في ذِكرى مولدِ الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)
ونحن نعيش ذِكرى مولدِ الصِّدِّيقةِ فاطمةَ الزَّهراء سيِّدة نساءِ العالمين مطلوبٌ أنْ نعطي للذِّكْرى حضورًا فاعلًا.
وماذا يعني أنْ نعطي للذِّكرى حضورًا فاعلًا؟
هل يعني أنْ نكثِّفَ الاحتفالات؟
هذا مطلوبٌ جدًّا، فمن خلال هذه الاحتفالاتِ نطلُّ على (دنيا الزَّهراء)، و(سيرةِ الزَّهراء)، و(قِيَم الزَّهراء)، و(جهادِ الزَّهراء).
ولكن هل أنَّ مجرَّد أنْ نطلَّ على (دنيا الزَّهراء، وسيرتها، وقِيَمِها، وجهادها) يعني أنَّنا أعطينا للذِّكرى حضورًا فاعلًا؟
أوَّلًا: يجب أنْ يكون الإطلالُ واعيًا.
حينما يكون الإطلال ساذجًا ومتخلِّفا، وربَّما خُرَافيًّا، لا نكون قد انفتحنا على دنيا الزَّهراء، وعلى سيرة الزَّهراء، وعلى قِيم الزَّهراء، وعلى جهاد الزَّهراء (عليها السَّلام).
وهنا يأتي دور الخطاب في ذِكرى الزَّهراء (عليها السَّلام)، خطاب المنبر، خطاب المسجد، خطاب الاحتفال، هذا الخطاب هو الذي ينفتح بجمهور المآتم، وجمهور المساجد، وجمهور الاحتفالاتِ على (دنيا الزَّهراء، وسيرتها).
فإذا كان خطابًا واعيًا استطاع أنْ يصنع جمهورًا واعيًا.
وأمَّا إذا كانَ خطابًا قاصرًا، أو متخلِّفًا صنع جمهورًا قاصرًا، وجمهورًا متخلِّفًا، وربَّما صنع جمهورًا خُرافيًّا، وهنا يكون التَّجنِّي الكبير على أهدافِ هذه المناسبات.
ثانيًا: لا يصحُّ أنْ نقلِّل من قِيمة العواطف والمشاعر في هذه المناسباتِ.
فهي التي تعطي النَّبض والحرارة، لهذا لا يجوز أنْ تجفَّف العواطف، فأفكار ومفاهيم خالية من النَّبض العاطفيِّ هي أفكار متكلِّسة، ومفاهيم راكدة.
نعم، الوعي يُشكِّل ضرورة وهو الذي:
•يُرشِّدُ العواطف.
•ويصلِّبُها.
•ويُحصِّنها من الانحراف.
وهكذا يحصل التَّزاوج بين الوعي والعاطفة.
فالعاطفة تحتاج إلى جُرعاتٍ كافيةٍ من الوعي.
والوعي يحتاج إلى جُرعاتٍ كافيةٍ من العاطفةِ.
ثالثًا: أنْ نحمل (إخلاصًا صادقًا) ونحن نمارس هذا الإحياء لهذه المناسبات.
إذا كان الوعيُ يُشكِّل ضرورة في التَّعاطي مع المناسباتِ الدِّينيَّةِ؛ لكيلا يكون التَّعاطي متخلِّفًا، وقاصرًا، وساذجًا.
وإذا كانت العاطفةُ تُشكِّل ضرورة في التَّعاطي مع هذه المناسباتِ؛ لكيلا يكون التَّعاطي راكدًا، وجافًّا، وبارِدًا.
إلَّا أنَّه لا قيمة لهذا الوعي، ولهذهِ العاطفةِ إذا لم يتوفَّر التَّعاطي مع المناسباتِ الدِّينيَّة على درجةٍ عالية من الانصهارِ الرُّوحيِّ والوجدانيِّ، ويعني هذا الانصهار أنْ نحمل (إخلاصًا صادقًا) ونحن نمارس هذا الإحياء لهذه المناسبات.
إنَّ هذه الممارسة لا تحمل قيمتها عند الله تعالى إلَّا بمقدار ما تملك من (إخلاص صادق)، وهكذا جميع الممارسات والفعاليات سواء أخذت عنوانًا دينيًّا، أم ثقافيًّا، أم اجتماعيًّا، أم ثقافيًّا.
يتصوَّر الكثيرون أنَّ الإخلاص بمعنى: (نيَّة التَّقرُّب إلى الله تعالى) هو مطلوب فقط في العبادات كالصَّلاةِ، والصِّيامِ، والحجِّ، وأمَّا غير العبادات فلا ضرورة أنْ تتوفَّر على هذه النِّيَّة.
صحيح أنَّ الأعمالَ مصنَّفةٌ في الفقه الإسلامي إلى:
1- عبادات
فلا تقع صحيحة إلَّا إذا توفَّرت على (نيِّة القُرْبة)، أي: يُؤتى بها؛ من أجل الله سبحانه وتعالى.
ومَثَّلُوا لهذه العباداتِ بـ: الوضوءِ، والغُسل، والصَّلاة، والصِّيام، والاعتكافِ، والحجِّ، والعمرة، والزَّكاة، والخمس.

2- تَوَصُّليَّات
فلا يشترط فيها (نيَّة القربة إلى الله تعالى)، فتقع صحيحة وإنْ فقدت هذه النِّيَّة.
ومثَّلوا لهذا (التَّوصُّلِيَّات) بـ: التَّطهير من النَّجاسة، والإنفاق على الزَّوجة، وصِلة الرَّحم، وردِّ التَّحيَّة، ودفع الظُّلم، والإرشاد، والتَّوجيه، وقراءة القرآن الكريم، وزيارة العتبات المقدَّسة، وغيرها من الأمور التَّوصُّليَّة.
هذا الكلام صحيح، إلَّا أنَّني قصدتُ حينما أكَّدت على ضرورة توفر (الإخلاص = نيَّة القُربة) في جميع الممارسات والفعاليات بأنَّ الإخلاص يحقِّق مجموعة أهدافٍ مهمَّة جدًّا:
الهدف الأوَّل: يحمي الأعمال من سيطرة الدَّوافع النَّفعيَّة، والأغراضِ المشبوهة.
فكثيرون يمارسون أعمالًا تحمل طابعًا نظيفًا، ومن أجل أهداف نظيفة، إلَّا أنَّ هؤلاء سرعان ما تسيطر عليهم الدَّوافع النَّفعيَّة، والأغراض الذَّاتيَّة، فتنحرف الأعمال عن أهدافها النَّظيفة!
أمَّا إذا كان هؤلاء المتصدُّون لتلك الأعمالِ مُسيَّجِين بدوافع إيمانيَّةٍ، وروحيَّة مرتبطة بالله تعالى، فإنَّ هذا الارتباط يحمي الأعمال من أنْ تنزلق، وتنحرف، وتتوظَّف للأغراضِ الشَّخصيَّة، والذَّاتيَّة.
فما أكثر المشاريع الاجتماعيَّة ذات الطَّابع الإنسانيِّ التي انحرفت عن أهدافِها الإنسانيَّة حينما تسيطر على القائمين عليها نزعاتٌ ذاتيَّة مصلحيَّة، فتتوظَّف تلك المشاريع لخدمة المصالح الذَّاتيَّة بدلًا من توظيفها في اتِّجاه الأهداف الإنسانيَّة العامَّة، هنا يأتي دورة وقِيمة (الإخلاص) في حماية هذه المشاريع الاجتماعيَّة الإنسانيَّة.
وما أكثر المشاريع السِّياسيَّة التي تحمل أهدافًا وطنيَّةً كبيرة، إلَّا أنَّها انحرفت عن أهدافِها الوطنيَّة بسبب سيطرة النَّوازع الذَّاتيَّة، والأغراض المصلحيَّة، فتحوَّلت مشاريع ضارَّة بالأوطان، وسارقة لأهدافِ الشُّعوب. من هنا كان الحاجة كبيرةً إلى المراجعة والمحاسبة؛ لكيلا تتكرَّس النَّوازع الذَّاتيَّة، ولكيلا تتراكم الأخطاء والانزلاقات.
وإذا أريد للمشاريع السِّياسيَّة أنْ تحمي منطلقاتها، وأهدافها، ومساراتها الوطنيَّة النَّظيفة، فيجب أنْ يتسيَّج القائمون عليها، والمنتمون إليها بالسِّياجات الرُّوحيَّة (الإخلاص، والصِّدق).
ولا يصحُّ أنْ نغمض النَّظر عن مشاريع ذات صبغة دينيَّة هي الأخرى قد انحرفت عن أهدافها، وشعاراتِها، ومساراتِها بفعل هيمنة النَّوازع الذَّاتيَّة، والأغراض الشَّخصيَّة، هذه الهيمنة التي دفعت بتلك المشاريع بعيدًا عن أهدافِ الدِّينِ وغاياتِه، وأدواتِه وخطواته، وضوابطه وأحكامه وقِيَمِه.
فحملةُ المشاريع الدِّينية ليسوا استثناءً، فهم كغيرهم متى غاب عندهم (الإخلاص الصَّادق لله تعالى) كانوا معرَّضين أنْ يتحوَّلوا مَصْلحيين ونفعيِّين وأنانيِّين، يضحُّون بكلِّ الأهداف النَّظيفة؛ من أجل أهواء النَّفسِ، ومصالح الذَّات، ومن أجل السُّمعة، والشُّهرة، والأغراض الشَّخصيَّة.
الهَدَفُ الثَّاني: من أهداف (الإخلاص) أنَّه يحافظ على استمراريَّة وثبات الأعمالِ الدِّينيَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّةِ، والسِّياسيَّة في مواجهة كلِّ الصِّعاب، والعَقَباتِ، والتَّحدِّيات، ولكيلا تهتتزَّ، ولكيلا تتراجع، ولكيلا تسقط.
إذا كان هناك (مُثبِّتاتٌ) متعدِّدةٌ تحاول أنْ تحافظ على بقاءِ واستمرارِ وثباتِ (الحَرَاكات)، فلا أقوى، ولا أكبر ولا أنجح من (مُثبِّت الإيمان، والإخلاص)، لأنَّه يمثِّل ارتباطًا بالقوَّة العظمى في الكون (الله الخالق).
•﴿… وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً …﴾ (سورة فصلت: الآية15).
وكم انهارتْ أممٌ وقُوى وكياناتٌ، لأنَّها ارتبطت بالأرض، وقُوَى الأرضِ، وانكرتْ قوَّةَ السَّماء، القوَّة الكُبرَى في هذا الوجود، وفي هذا الكون: ﴿… أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا …﴾ (سورة البقرة: الآية165).
الهَدفُ الثَّالثُ: مِن أهدافِ الإخلاصِ أنَّه يُوفِّر للإنسانِ (الثَّواب الأُخْرَوي)، فلا ثواب، ولا عطاء أُخْرَوي إلَّا بالإخلاص، وللرَّحمة الإلهيَّة مساحاتها.
أمَّا السُّنَّةُ التي حدَّدتها حكمةُ الله سبحانه، وأكَّدتها الآيات، والرِّوايات أنَّ الإخلاصَ هو المِعيار للثَّواب
•﴿أَلَا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ …﴾ (سورة الزمر: الآية3).
•﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾ (سورة الزمر: الآية11).
•﴿… وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ (سورة البقرة: الآية139).
•قول النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
“…، إذا عملتَ عملًا فاعمل للهِ خالصًا، لأنَّهُ لا يقبل من عبادِهِ الأعمالَ إلَّا ما كان خالصًا، …” ( بحار الأنوار74/103، العلَّامة المجلسي).
•قول أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
“العملُ كلُّهُ هباءٌ إلَّا ما أُخلِصَ فيه” (ميزان الحكمة1/757، محمَّد الريشهري).
•فيما ناجى الله تباركَ وتعالى موسى (عليه السَّلام):
“…، يا موسى، ما أريد به وجهي فكثير قليلُهُ، وما أريد به غيري فقليلٌ كثيره، …” (الكافي8/46، الشَّيخ الكليني).
مَنْ يعمل لغير الله (عزَّ وجلَّ)، فلو ملأ الدُّنيا عملًا، وضجيجًا، وإعلامًا لا قِيمة له، ولا لعَمَله.

•رابعًا: (الممارسة، والتَّطبيق).
تقدَّمت ثلاثة مرتكزاتٍ، للتَّعاطي مع المناسبات الدِّينيَّة:
1-الوعي.
2-العاطفة.
3-الإخلاص.
وهنا أذكر المرتكز الرَّابع، وهو: (الممارسة، والتَّطبيق).
قِيمة المناسبات بمقدار ما تمارس دورها في توجيه واقعنا العمليِّ.
تفقد الأفكار قِيمَتها إذا لم تتحوَّل إلى أعمال.
وتفقد العواطفُ قيمتَها إذا لم تتحوَّل إلى سلوك.
ويفقد الإخلاص صدقيَّته إذا لم يترجم أفعالًا، وممارسات.
•﴿… فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (سورة الزمر: الآية17-18).
•قول الإمام الباقر (عليه السَّلام) لجابر الجعفي:
“يا جابر، أيكتفي مَنْ انتحل التَّشيُّع أنْ يقول بحبِّنَا أهل البيت، فَوَ اللهِ ما شيعتُنا إلَّا مَنْ اتَّقى الله، وأطاعه، …، مَنْ كان لله مطيعًا فهو لنا وليٌّ، ومَنْ كان للهِ عاصيًا فهو لنا عدوٌّ، ولا تنال ولايتنا إلَّا بالورع والعمل” (الأمالي، الصَّفحة725، الشَّيخ الصَّدوق).
مطلوبٌ من خطاب المناسبات الدِّينيَّة
مطلوبٌ من خطاب المناسبات الدِّينيَّة، بل من أيِّ خطاب دينيٍّ:
أنْ يكونَ خِطابَ محبَّةٍ، لا خِطابَ كراهيَّةٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ تسامحٍ، لا خِطابَ عصبيَّةٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ وحدةٍ، لا خِطابَ فرقةٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ تهدئةٍ، لا خِطابَ تأزيمٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ رِفْقٍ، لا خِطابَ عُنْفٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ اعتدالٍ، لا خِطابَ تطرّفٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ أمنٍ، لا خِطابَ إرهابٍ.
أنْ يكونَ خِطابَ إصلاحٍ، لا خِطابَ إفسادٍ.
وإذا كنتُ أطالبُ خطابَ هذه المناسباتِ، وأطالبُ أيَّ خطابٍ دينيٍّ، فإنَّني بكلِّ تأكيدٍ أطالب خطابَ السُّلطة، وخطابَ السِّياسةِ، وأيَّ خطاب في هذا الوطن بما أطالبُ به خطابي، وخطابَ مناسباتي الدِّينيَّة.
كم هو خطرٌ كبيرٌ ومدمِّرٌ حينما تتنافى وتتناقض الخطابات في الوطن الواحد، لا يعني هذا أنْ لا يسمح باختلاف الرُّؤى، والقناعات، والاجتهادات الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة، فهذا الاختلاف مشروع ما دام مؤسَّسًا على قناعاتٍ علميَّة، ورؤى موضوعيَّة؛ ومن أجل أغراضٍ نظيفةٍ، ونزيهة، ومنصِفةٍ.
المرفوض هو احتراب الخطابات، وتعادي الخطابات، بحيث يتحوَّل ذلك إلى معتركاتِ شعب، وأزماتِ وطنٍ، وارتباكاتِ سياسةٍ، وتوتُّرات أمنٍ، واهتزازات أوضاع.
لماذا تحترب وتتعادى الخطابات؟
ألا تتَّفق الخطابات على ضرورة المحبَّة، والتَّسامح، والوحدة، والتَّهدئةِ، والرِّفق، والاعتدالِ، والأمن، والإصلاح؟
ألا تتَّفق الخطابات على نبذ الكراهيَّةِ، والعصبيَّةِ، والفرقةِ، والتَّأزيمِ، والعنفِ، والتَّطرُّفِ، والإرهابِ، والإفساد؟
ربَّما تكون اختلافات في بعض مصاديق، وربّما تكون اختلافات في تطبيقاتٍ وممارساتٍ، وهنا تكونُ الحاجةُ كبيرةً إلى اعتمادِ لغةِ التَّحاور والتَّفاهم بدلًا من لغة التَّخاصم والتَّشاتُم، وبدلًا من أساليب تؤزِّم وتربك الأوضاع، وتدفع في اتِّجاه المزيد من الارتباكات، والاضطرابات، والتَّوتُّراتِ، والاحتقانات.
وربَّما أدَّى الأمر إلى أنْ تتحوَّل الأزماتُ القابلة للمعالجاتِ إلى مآزقَ مستحكمةٍ يعسر جدًّا معالجتُها ممَّا تكلِّف الوطن أثمانًا مرهقةً ومكلِّفةً وباهظة!
فلماذا يسمح للاختلافات أنْ تتحوَّل إلى خلافات؟
ولماذا يسمحُ للخلافات أنْ تتحوَّل إلى أزماتٍ؟
ولماذا يسمح للأزمات أن تتحوَّل إلى مآزق عسيرة العلاج، ويكون الوطن هو الذي يتحمَّل الأثمانَ الباهظة والمكلِّفة، ويكون الشَّعب بكلِّ أطيافِه ومكوِّناتِه هو الضَّحيَّة؟
وحتَّى القضايا التي يبدو الخلاف حولها متباينًا ومعقَّدًا جدًّا – حيث يعتبرها طرفٌ (استهدافًا خطيرًا)، ويعتبرها الطَّرف الآخر (أمرًا مشروعًا) في سياق هيمنة القانون – حتّى هذه القضايا المتباينة والمعقَّدة وخاصَّة تلك التي تقترب من القضايا الدِّينيَّة والمذهبيَّة يعالجها الحوار والتَّفاهم متى صَدَقَت النَّوايا، ولا يجوز إطلاقًا أنْ تبقى عوامل تأزيم، وأسباب توتُّر.
إنَّ المطلوب منَّا جميعًا أنْ نحمي الوطن من كلِّ الخَيَارات الضَّارَّة التي تقود إلى المزيد من التَّأزُّمات والتَّوتُّراتِ، وحتَّى لا نعطي المبرر لتدويل قضايا هذا الوطن.
مطلوب أنْ نحلَّ قضايانا على أرضنا، وبإراداتنا الرَّاشدة، وبخياراتنا العاقلة، وبوحدتنا الصَّادقة، وبعلاجاتنا الجادَّة، وبتهيِئة كلِّ المناخات الصَّالحة، وبإزالة كلِّ فتائل الاحتقانات.
كلُّ التَّضرُّع إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يبقى الوطن عزيزًا، كريمًا، آمنًا، متسامِحًا، متآلِفًا، بعيدًا عن كلِّ الأزمات، والتَّوتُّرات، والاحتقانات.
والحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى