حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 320: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ.. (2) – لا تعالج الأزمات بالقمع والبطش

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين وبعد…


فتتابع القراءة في النص القرآني:
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ…﴾. (الفتح/ 29)
في سياق الحديث عن صفات الذين انتموا للرسالة، وكانوا مع الرسول صلَّى الله عليه وآله في حركة الدعوة وفي حركة الجهاد ذكر النص صفة أخرى:
(2) ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾:
إذا كان هؤلاء المنتمون إلى خطِّ الرسالة ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار﴾ في مواقع التحدِّي والمواجهة والصراع، فإنَّهم يحملون درجةً عاليةً جدًا من (التراحم والمحبَّة) فيما بينهم، فهم جسدٌ واحد، إذا شكا منه عضوٌ شاركته سائر الأعضاء…



وقد أكَّد الإسلام على مجموعة خصائص في بناء الجماعة المؤمنة، مِن هذه الخصائص (الرحمة والرفق والرأفة):
• قال تعالى:
﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً…﴾. (الحديد/ 27)


• وقال تعالى:
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾. (البلد/ 17-18)


• وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله:
«الراحمون يرحمهم الرحمان تبارك وتعالى، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السَّماء».


• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«مَنْ لا يَرحم لا يُرحم».


• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«إنَّما يرحم الله من عباده الرحماء».
فما أحوج مجتمعنا في هذا الزمان الذي قست فيه القلوب إلى الرحمة إلى الرحمة إلى الرحمة…


الناس في هذا الزمن لا يرحم بعضهم بعضًا، وامتلأت القلوب بالضَّغائن، وفشا بين النَّاس النفاق… «وجوههم جميلة وضمائرهم رديئة» كما جاء في الحديث، و«كلامهم أحلى من العسل وقلوبهم أمرُّ من الحنظل» كما في حديثٍ آخر، و«لبسوا جلود الضَّأن على قلوب الذئاب» كما في حديثٍ ثالث…


وأمَّا حكَّام هذا الزمن فأغلبهم ذئابٌ ضارية تنهش لحوم الشعوب، وتمتصُّ دماءهم، لا يفهمون السُّلطة إلَّا ظلمًا، وقتلًا، وسفكًا للدماء، وهتكًا للأعراض، وعبثًا بالكرامات، وسرقةً للحقوق، فلا أمن ولا أمان في البلدان، ولا رأفة ولا رحمة ولا إحسان…


فلا عجب أنْ تنتج هذه السِّياسات الطائشة جماعاتِ عنفٍ وتطرُّف وإرهاب، فسياسات العنف تؤسِّس لإنتاج العنف والتطرُّف والإرهاب، صحيحٌ إنَّ تشكُّل الجماعاتِ المتطرِّفة التي تذبح وتقتل وتهتك باسم الدِّين إنَّما أنتجه وعيٌ أعمى للدين، وفهمٌ ممسوخ للفقه والشريعة، إلَّا أنَّ سياساتِ الحكم المشحونةَ بالعنف والظلم والإرهاب قد غذَّت لدى جماعاتِ التطرُّف هوس العنف والإرهاب خاصةً وأنَّ عنف الأنظمة يُشرعَنْ من قبل (تجَّار الفتاوى) الرسميِّين، فهذا التوظيف المنحرف لفتاوى الدِّين الذي تعاون على إنتاجه حكَّامٌ متسلِّطون، وفقهاء مستأجرون، قد فتح الأبواب على مصاريعها للعبث بفتاوى الدِّين، ممَّا غذَّى إنتاج التطرُّف المدعوم بفتاوى زائفة ومزوَّرة…
فالدِّين الذي قوامه الرَّحمة لا يمكن أنْ يُشرعنْ للظلم، للبطش، للعنف، للإرهاب، وإنَّما يُشرعنْ لمحاربة الظلم والبطش والعنف والإرهاب، وعدم الاسترخاء واللِّين مع صنَّاع العبث والفساد والعنف والإرهاب لكي لا يكون في هذا الاسترخاء واللِّين إغراءً يدفع هؤلاء الصنَّاع إلى المزيد من العنف والإرهاب…


وخلاصة القول أنَّ ديننا دينُ الرحمة، فلا يسمح لمن ينتمي إليه إلَّا أن يكون رحيمًا، وحتَّى حينما يكون منتمون لهذا الدِّين ﴿أَشِدَّاء﴾  في مواقع الشدَّة فمن أجل الرحمة بالعباد والبلاد، من أجل إيقاف الظلم والعنف والإرهاب… فلا بدَّ من تشريع الشدَّة لكي تحمي الأرواح والأموال والأعراض وهذا قمَّة الرحمة بالإنسان…


نعم ديننا دين الرَّحمة المفروضة على كلِّ العباد وبالأخص مَنْ يكون في مواقع القيادة، بدءًا من مواقع الأسرة وانتهاءً بمواقع الحكم والسُّلطة…
فالأسرة في منظور الدِّين قوامها الرحمة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً…﴾. (الروم/ 21)
وجاءت تأكيدات الدِّين على الأزواج أن يكونوا رحماء رفقاء بزوجاتهم.. ﴿عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ…﴾ (النساء/ 19)، ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ…﴾ (البقرة/ 231).


• في الكلمة عن الإمام زين العابدين عليه السَّلام:
«وأمَّا حقُّ الزوجة فأن تعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ جعلها لك سكنًا وأنسًا، فتعلم أنَّ ذلك نعمة من الله عليه فتكرمها، وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإنَّ لها عليك أنْ ترحمها».


• وفي الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«إنَّ المرء يحتاج في منزله إلى ثلاث خلال يتكلَّفها وإنْ لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصُّن».


• وجاء في الحديث:
«اتَّقوا الله عزَّ وجلَّ في النساء فإنَّهنَّ عوان (أسيرات) بين أيديكم».


• وفي الحديث:
«أكرم المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله».


• وفي الحديث:
«أيّ رجل لطم زوجته لطمَة أمر الله عزَّ وجلَّ مالكًا خازن النيران فيلطمه على وجهه سبعين لطمة في نار جهنَّم».
وهكذا فالرفق مطلوبٌ من كلِّ إنسان…
• قال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله:
«إنّ الله رفيق يحبُّ الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه».


• وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«لكلِّ دين خلق وخلق الإيمان الرفق».
 
• وقال الإمام زين العابدين عليه السَّلام:
«من وصايا الخضر لموسى عليه السَّلام: ما رفق أحدٌ بأحدٍ في الدُنيا إلَّا رفق الله عزَّ وجلَّ به يوم القيامة».


• وفي الحديث عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله:
«الرفق رأس الحكمة، اللَّهم مَنْ ولي شيئًا من أمور أمَّتي فرفق بهم فارفق به، ومَنْ شقَّ عليهم فاشقق عليه».
إنَّه خطاب النبيِّ صلَّى الله عليه وآله لحكَّام المسلمين أنْ يرفقوا بشعوبهم، ليكونوا مشمولين برفق الله تعالى يوم الحساب، وإلَّا فالويل كلُّ الويل لهم ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (العنكبوت/ 55)، ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ (غافر/ 71-72)، ﴿قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ﴾ {الحج/19-20-21-22}


لماذا هذه القسوة والشدَّة مع هؤلاء الطُغاة المتجبِّرين؟
لماذا هذه السلاسل والأغلال؟
﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾. (الحاقة/ 32)
الله أعلم بأيِّ ذراع هو؟
وورد «لو أنَّ حلقة منها وضعت على جبل لذاب من حرِّها».
لماذا هذه الثياب من النَّار؟
لماذا هذه المقامع من حديد؟
لماذا هذا العذاب الشديد؟
كم مارس الطغاة والمتجبِّرون في الدنيا من ألوان العذاب والتنكيل والبطش ضدَّ الأبرياء؟
كم تفنَّنوا في استخدام أدوات التعذيب والقمع؟
كم بطشوا، كم فتكوا، كم قتلوا، كم هتكوا، كم أرهبوا؟
بلا رحمة، بلا رأفة، بلا عطف، بلا إنسانية، بلا ضمير، بلا قيم، بلا قانون…
فهل تستقبلهم الملائكة في يوم الحساب بالورود والرياحين؟
هل تفتح لهم أبواب الجنان؟
أين حقّ المظلومين المعذَّبين المضطَّهدين؟
أين استغاثات القابعين في السجون والزنزانات؟
أين دماء الضحايا والشهداء؟
أين صرخات المنكوبين؟
أين دعاءُ المظلومين؟
أين آهات الثكالى؟
أين دموع اليتامى؟
• في الحديث عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله قال:
«بين الجنَّة والعبد سبع عقاب، أهونها الموت، وقال أنس: قلت يا رسول الله فما أصعبها؟ قال صلَّى الله عليه وآله: الوقوف بين الله عزَّ وجلّ إذا تعلَّق المظلومون بالظالمين».
 
• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«يقول الله عزَّ وجلَّ وعزَّتي وجلالي لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنَّ ممَّن رأى مظلومًا فقدر أن ينصره فلم ينصره».


• وفي الكلمة لأمير المؤمنين عليه السَّلام:
«إذا حَدَتْكَ القدرةُ على ظلم النَّاس، فاذكر قدرة الله سبحانه على عقوبتك، وذهاب ما أتيت إليهم عنهم وبقاءه عليك»


لا تعالج الأزمات بالقمع والبطش:
إنَّ أزمات الأوطان، ومآزق البلدان لا تعالج بأساليب القمع والبطش والعدوان، إنَّ أنظمة الحكم التي تمارس الظلم والقهر والاستبداد تعيش دائمًا عقدة الانتقام، ممَّا يدفعها ذلك إلى إنتاج سياسة العنف والإرهاب في مواجهة الشعوب، هكذا يتشكَّل الوهم الكبير لدى تلك الأنظمة بأنَّ الخلاص من المآزق والأزمات السِّياسية لا يتحقَّق إلَّا باعتماد لغة القمع، وكلّما أوغلت الأنظمة في اعتماد هذه اللغة – لغة القمع – فاقمت من المآزق والأزمات، وأرهقت الأوطان بالمزيد من المحن والنكبات، وكلَّفت الشعوب أبهض الأثمان…


وممَّا يؤسف له أنَّ هناك مَنْ يغذِّي لدى الأنظمة عقدة الانتقام، وسياسة العنف، ولغة القمع، والأسوء من ذلك حينما يوظَّف خطاب الدِّين لخدمة الحكام والسَّلاطين، ولشرعنة سياسة الظلم والقهر والبطش والاستبداد…
فإنَّ هذا التوظيف يساوق تمامًا ممارسة الظلم والبطش والاستبداد… لأنَّه يشكِّل دعمًا وإعانة وإسنادًا وتأييدًا…


لذا شدَّدت الكلمات الصادرة عن الله سبحانه وعن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وأوصيائه في التحذير من إعانة الظالمين والركون إليهم:
• ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾. (هود/ 113)


– ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾: لا تستسلموا لهم، ولا تشاركوهم في ممارساتهم الظالمة الجائرة التي تعتدي على حقوق الناس…


• ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾. (القصص/ 17)
– ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾: لن أكون معينًا لأولئك المجرمين والمستكبرين والطغاة والظالمين…


• وقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله:
«إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة وأعوانهم؟ ومن لاق لهم دواة، أو ربط لهم كيسًا أو مدَّ لهم مدَّة قلم، فاحشروهم معهم».


• وقال صلَّى الله عليه وآله:
«مَنْ أعان ظالمًا على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيس من رحمة الله».


• وفي الكلمة عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام:
«مَنْ أعان ظالمًا على مظلومٍ لم يزل الله عزَّ وجلّ عليه ساخطًا حتَّى ينزع عن معونته».
وإعانة الظالم قد تكون بممارسة الظلم معه، من خلال الدخول العملي في مشروعاته الظالمة، وفي سياساته الجائرة، وفي مصادراته للحقوق…
وقد تكون بالكلمة الداعمة والمناصرة المؤيِّدة…
وقد تكون بالصمت عن نصرة المظلوم، فهذا الصمت خذلان للعدل ومؤازرة للظلم…


• في دعاءٍ للإمام زين العابدين عليه السَّلام:
«اللَّهم إنِّي أعتذر إليك من مظلومٍ ظلم بحضرتي فلم أنصره، ومن معروفٍ أسدي إليَّ فلم أشكره، ومن مسيئٍ اعتذر إليَّ فلم أعذره».
فحينما تعيش الأوطان مآزق وأزمات فبسبب:
أوَّلًا: السِّياسات الظالمة والخاطئة والفاسدة…
ثانيًا: وجود مَنْ يساند ويبارك تلك السِّياسات الظالمة والخاطئة والفاسدة…
ثالثًا: الصمت وعدم التصدِّي للسِّياسات الظالمة والخاطئة والفاسدة…


إذًا من أجل أنْ تُحمى الأوطان من المآزق والأزمات لا بدَّ من:
(1) إصلاح السِّياسات الحاكمة…
والإصلاح السِّياسي عنوانٌ له مكوِّناته وشروطه وأدواته.. متى غابت هذه المكوِّنات والشروط والأدوات هيمن الظلم السِّياسي، والفساد السِّياسي، والعبث السِّياسي، وكانت النتيجة أزماتٌ واضطرابات ومآزق تكون ضحيتها الشعوب والأوطان…


(2) وجود مَنْ يناصح الأنظمة الحاكمة ويصحِّح أخطاءها، وانزلاقاتها في مسارات الظلم والفساد، فوجود الناصحين الصادقين ضمانة لحماية المسار السِّياسي من الزيغ والانزلاق والنزوع نحو الظلم والعبث والفساد، وكم هو خطير جدًا أن يتحوَّل الملتفون حول أنظمة الحكم إلى مداهنين ومصفِّقين ومباركين لكلِّ ممارسات الأنظمة وإن كانت ظالمة وجائرة وفاسدة وعابثة وخاطئة…


(3) وجود حَرَكاتٍ معارضةٍ رافضةٍ لسياسات الظلم والقهر والاستبداد، إنَّ فراغ السَّاحة مِن هذه الحراكات هو الذي يوفِّر الأجواء لاستمرار السِّياسات الظالمة والخاطئة، فالأوطان في حاجةٍ إلى قوى معارضة لأنظمة الحكم لا من أجل المعارضة وإنَّما من أجل حماية المسارات السِّياسية والحفاظ على استقامتها فأحدث التجارب الديمقراطية في العالم تفرض وجود قوى وأحزاب معارضة لتشكِّل الضابط والحامي والموجِّه لسياسات السلطات الحاكمة، وكذلك هناك ضرورة لوجود حراكاتٍ شعبيةٍ معارضةٍ وضاغطةٍ لا تسمح لأنظمة الحكم أنْ تتمرَّد على الدساتير والقوانين وأن تنزع نحو العبث والفساد والاستبداد…


فكم يتوفَّر مشهدنا السِّياسي في هذا البلد على هذه المكوِّنات؟
فهل نمتلك نظامًا سياسيًا يتوفَّر على مكوِّنات النظام السِّياسي الصالح؟
وهل يوجد في القريبين جدًا من النظام من علماء وسياسيِّين ومستشارين مَنْ يمارس المناصحة الجريئة بلا خوفٍ ولا مداهنة؟
وهل نملك حراكًا سياسيًا وشعبيًا قادرًا أن يمارس ضغطًا حقيقيًا لتصحيح الأوضاع التي تحكم هذا البلد؟
هذه تساؤلات في حاجةٍ إلى إجاباتٍ صريحةٍ وجريئةٍ ومنصفة وموضوعية…


وبقدر ما تكون هذه الإجابات صريحة وجريئة ومنصفة وموضوعية تتوفر الفرصة الجادة لمعالجة أزمات ومآزق هذا الوطن…
وإلَّا فسوف تستمر الأمور في المسارات المتأزمة…
وسوف تشتدُّ المآزق والتعقيدات…
وسوف تقوى الصراعات والمواجهات…
ووفق كلّ الحسابات فإنَّ حَرَاك الشعب لن يتوقف حتَّى يحقِّق أهدافه، وتنتصر إرادته…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى