حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 533: شعار النُّهوض بالمرأة – مواصفات (السِّتر الشَّرعيِّ) للمرأة

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُدَاةِ الميامين.
وبعد، ونحن نعيش ذِكرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليه السَّلام) نحاول أنْ نعالج هذا العنوان:

شعار النُّهوض بالمرأة
إذا كان لنا أنْ نعطي لهذا العصر عنوانًا، فهو (عصر الشِّعارات): شعارات الدِّين، شعارات الثَّقافة، شعارات السِّياسة، شعارات الاقتصاد، وشعارات، وشعارات، وبين حركة الشِّعارات وحركة الواقع مسافات كبيرة ممَّا خَلَق عقدة لدى النَّاس تجاه الشِّعارات!

من شعارات هذا العصر (شعار النُّهوض بالمرأة).
شعار النُّهوض بالمرأة من الشِّعارات الرَّائجة بقوَّة في خطاب هذا العصر، خطاب المؤسَّسات الحاكمة، وخطاب الجمعيَّات، والمنظَّمات، وخطاب المفكِّرين، والمثقَّفين، وخطاب كلِّ مَن يحملون شعار الدِّفاع عن المرأة، وعن حقوق المرأة، وعن قضايا المرأة.

(شعارُ النُّهوضِ بالمرأة) شعارٌ جميلٌ وجذَّابٌ، وراقٍ، وشعار لا يناقش أحدٌ في حقَّانيَّتهِ، وفي ضرورتِه، وفي قيمته الكبيرة.

ولكن السُّؤال المطروح:
كيف يجب أنْ نفهم النُّهوض بالمرأة؟
وما المنهج الذي يجب أنْ نعتمده في النُّهوض بالمرأة؟
وهنا سنجدُ أكثر من فهم للنُّهوض بالمرأة.
وهنا سنجدُ أكثر من منهج للنُّهوض بالمرأة.
فأيَّ فهم يجب أنْ نعتمد؟
وأيَّ منهج يجب أنْ نمارس؟
إنَّنا لا نرفض أنْ تتحرَّك (شعارات النُّهوض بالمرأة).
ولا نرفض أنْ تتحرَّك (مشروعات النُّهوض بالمرأة): النُّهوض بواقع المرأة الثِّقافيِّ.
والنُّهوض بواقع المرأة الأخلاقيِّ.
والنُّهوض بواقع المرأة الاجتماعيِّ.
والنُّهوض بواقع المرأة الاقتصاديِّ.
والنُّهوض بواقع المرأة السِّياسيِّ.

ولكنَّنا نرفض أنْ تعتمدَ (مشاريعُ النُّهوض بالمرأة) رؤًى، وتصوُّراتٍ مستمدَّةً من أيديولوجيَّاتٍ، ونظريَّاتٍ تتنافى مع الدِّين الذي تنتمي إليه شعوب هذه الأمَّة.

شعوب هذه الأمَّة تنتمي إلى الإسلام.
رجال ونساء هذه الأمَّة ينتمون إلى الإسلام.
هنا نتحدَّث عن (الغالبيَّة العظمى) لشعوب هذه الأمَّة.
نعم، في شعوب أمَّتنا مَن ينتمون إلى أديان أخرى، وإلى قناعات أخرى.
من حقِّهم أنْ يمارسوا ما تفرضه (انتماءاتهم، وقناعاتهم) ما لم يشكِّل ذلك إساءة صارخة إلى الدِّين الرَّسميِّ لشعوب هذه الأمَّة.
إذًا، مشاريع النُّهوض بالمرأة في أوطاننا الإسلاميَّة يجب أنْ تعتمد (رؤى الإسلام) لا أنْ تعتمد (رؤى) متناقضة مع هذا الدِّين!

وحتَّى نكون أكثر وضوحًا، نحاول أنْ نطرح بعض التَّساؤلات:

التَّساؤل الأوَّل: هل أنَّ الدَّعوة إلى العفَّةِ، والسِّتر، والحجاب جزءٌ من مشروع النُّهوضِ بالمرأة في أوطننا العربيَّة، والإسلاميَّة؟

في المنظور الإسلامي، هذه الدَّعوة تشكِّل مفصلًا مهمًّا من مفاصل المشروع النَّهضويِّ بالمرأة.

نقرأ في القرآن الكريم:
• ﴿… وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى …﴾. (سورة الأحزاب: الآية 33).
التَّبرُّج: أنْ تُظهِر المرأة زينتها، ومحاسنها، ومفاتنها للنَّاس بشكل فيه إثارة لغرائز الجنس.

﴿… الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى …﴾: جاهليَّة ما قبل الإسلام.
وهذا التَّعبير يوحِي بظهور جاهليَّة أخرى في العالم، وهذا ما تمَّ بالفعل، وها هي جاهليَّة العصر الحاضر بكلِّ ما تحمله من مظاهر مرعبة، واستنفار للجنس بشكل مجنون!

فإذا كان تبرُّج الجاهليَّة الأولى أنَّ النِّساء يلقينَ خُمُرِهِنَّ عن رؤوسهنِّ بحيث يظهر جزء من صدورِهنَّ، ونحورهِنَّ، وقلائدِهِنَّ، وأقراطهنَّ، ففي جاهليَّة عصرنا تشكَّلت نوادٍ تسمَّى بنوادي العُراة!، وتطوَّرت وسائل الدَّعارة، والعبث بالعفَّة والطَّهارة، وراجت أشكال التَّبرُّج الفاحشة، وانتشرت أدوات التَّرويج لثقافة الجنس المنفلِت.

فكم هو الفارق كبير جدًّا بين جاهليَّة العرب الأولى، وجاهليَّة هذا العصر؟!
وإذا كان القرآن الكريم قد حذَّر النِّساء المسلمات في عصر الرِّسالة من تبرُّج الجاهليَّة الأولى، فالتَّحذير من جاهليَّة العصر الحاصر أشدُّ وأقوى!!، ومن أجل أنْ يُحصِّنَ نساء الأمَّة المنتمينَ إلى الإسلام في مواجهة كلِّ المنزلقات الخطيرة التي تهدِّد عفتهنَّ، وطُهرَهنَّ، ونظافة أخلاقهنَّ، وسلوكهنَّ، وكلَّ أوضاعهنَّ.

ربَّما يقول دعاةُ المشروع الآخر الذي لا ينطلق من رؤى الإسلام: إنَّ نظام السِّتر، والحجاب الذي فرضه القرآن الكريم كان يشكِّل ضرورة مرحلية، وقد انتهت هذه الضَّرورة في عصرنا الحاضر، بل أصبح هذا النِّظام – يعني نظام السِّتر، والحجاب – معيقًا لمشروعات النُّهوض بالمرأة، ومعطِّلًا لدورها الثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ.

هذا كلام مرفوض تمامًا.
أمَّا كون السِّتر يشكِّل ضرورة مرحليَّة فهذا كلام خطأ!
فإذا كانت أنماط التَّبرُّج في جاهليَّة العرب الأولى فرضت أنْ ينزل نصٌّ قرآنيٌّ يُحرِّم (التَّبرُّج) خشية الانزلاقات الخطيرة، فكيف بأنماط التَّبرُّج في جاهليَّة عصرنا الحاضر بكلِّ صياغاتها المرعبة، وبكلِّ منتجاتها المدمِّرة؟

فهل انتهت الحاجة إلى النَّصِّ القرآنيِّ المحذِّر من (التَّبرُّج)، أم أنَّ الحاجة أصبحت في عصورنا المتأخِّرة أشدَّ، وأقوى؟

أمَّا كون السِّتر الشَّرعيِّ يشكِّل معيقًا لمشروعات النُّهوض بالمرأة، ومعطِّلًا لدورها الثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ.

فهذا كلام فارغٌ لا قيمة له.
فالواقع المعاصر بكلِّ تحدِّياته، وبكلِّ معوِّقاته، وبكلِّ إشكالاته، وبكلِّ تطوُّراته يشهد حضورًا كبيرًا، وفاعلًا لنماذج نسائيَّة حافظنَ وبأعلى درجات المحافظة على (سترهنَّ الشَّرعيِّ)، وعلى أعلى مستويات (العفَّة، والالتزام)، ولم يشكِّل ذلك عائقًا في أداء مسؤوليَّاتهنَّ الثَّقافيَّة، والتَّربويَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.

وما دام الحديث عن (السِّتر الشَّرعيِّ) للمرأة، فهنا سؤال يطرح:

هل فرض الإسلام على المرأة نوعًا محدَّدًا من الزَّيِّ، واللِّباس؟
الجواب: لم يفرض الإسلام ذلك، ولكنَّه وضع مجموعة ضوابط، ومجموعة مواصفات متى توفَّرت تحقَّق (السِّتر الشَّرعي).

ربما تغيَّر الشَّكل بحسب الزَّمان والمكان لا مشكلة في ذلك بشرط أنْ تبقى الضَّوابط، والمواصفات الشَّرعيَّة ثابتة.

هذه الضَّوابط، والمواصفات تتمثَّل فيما يلي:
أوَّلًا: أن يُغطِّي اللِّباسُ بدنَ المرأة.
وهنا ثلاثة أراء فقهيَّة:
الرَّأي الأوَّل: يجب ستر البدن بكامله بدون استثناء.
الرَّأي الثَّاني: يجب ستر البدن باستثناء الوجه، والكفَّين.
الرَّأي الثَّالث: يجب ستر البدن باستثناء الوجه، والكفَّين، والقدمين.
والرَّأي الثَّاني هو المشهور عند الفقهاء.
ثانيًا: ألَّا يكون اللِّباس شفَّافًا يحكي لون البَشَرة.
ثالثًا: ألَّا يكون بشكل فيه إثارة.

بمعنى: ألَّا تُعدُّ المرأة متبرِّجة.
ومن أشكال التَّبرُّج، والإثارة:
1-أنْ يكون اللِّباس ضيِّقًا ضاغطًا بحيث يؤدِّي إلى تجسيم بعض المواقع المثيرة في بدن المرأة.
2-أنْ يشكِّل اللِّباس زينة مثيرة كما هو حال بعض المُوضات الحديثة.
3-أنْ تكون الألوان صارخة.
4-التَّعطُّر، والتَّطيُّب بالشَّكل المثير.

ويضيف بعضُ الفقهاء شرطين آخرين:
‌أ-ألَّا تتزيَّ المرأة بزيِّ الرَّجل.
‌ب- حرمة التَّزيِّ بزيِّ الكفَّار (إذا كان مَعْلَمًا من معالم الكفَّار كلبس الصُّلبان)!
إلى هنا أجبنا عن التَّساؤل الأوَّل.

ونطرح – هنا -: تساؤلًا ثانيًا: ما هي المنظومة الحقوقيَّة للنُّهوض بالمرأة؟

إذا كنَّا نسلِّم بضرورة النُّهوض بالمرأة في عصرنا الحاضر؛ لتنال جميع حقوقها المشروعة، ولتمارس أدوارها الأسريَّة، والتَّربويَّة، والاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة بكلِّ كفاءة، ونجاح، فإنَّنا لا نسلِّم بأنْ يعتمد مشروع النُّهوض بالمرأة أيَّة منظومة حقوقيَّة وإنْ كانت متنافية مع الإسلام، الدِّين الذي تنتمي إليه نساءُ هذه الأمَّة في غالبيَّتها العظمى.

في الفقه الإسلاميِّ منظومة من الحقوق مستوعبة لكلِّ حاجات وضرورات المرأة.
ولا أريد – هنا – أنْ أتحدَّث عن هذه المنظومة من الحقوق.

وفي المشروعات الأخرى منظومات حقوقيَّة تنطلق من رؤاها وأيديولوجيَّاتها.
وفي هذه المنظومات الحقوقيَّة ما يتنافى مع (رؤى الإسلام، ومسلَّماته) بشكل صريح، ولذلك نجد دعوات في أوطان المسلمين تطلقها مؤسَّسات، وجمعيَّات، وناشطات، هذه الدَّعوات تتناقض صراحة مع (مسلَّمات الإسلام) كـ:

1-الدَّعوة إلى إلغاء نظام الطَّلاق!
2-وإلغاء نظام المِيراث الذي يميِّز بين الرَّجل والمرأة!
3-والدَّعوة إلى إباحة الإجهاض!

وإذا دخلنا في تفاصيل المنظومات الحقوقيَّة التي تطرحها المشاريع التي تحمل شعار النُّهوض بالمرأة، ولا تنطلق من (رؤى الإسلام)، فسوف نجد تباينات كبيرة بينها وبين رؤى الإسلام.

لسنا مع بقاء المرأة خاضعة للتَّمييز، والظُّلم، والإساءة، والتَّهميش، والاضطهاد، والمصادرة، والإلغاء، والتَّغييب، والإقصاء، فهذا ما يرفضه الإسلام رفضًا مغلَّظًا.
إنَّ الخطابات القرآنيَّة خطابات عامَّة موجَّهة للرِّجال والنِّساء، ممَّا يعطي للمرأة حضورًا فاعلًا، فالنِّساء شركاء الرِّجال في كلِّ مواقع الإيمان.

كلُّ ما جاء في القرآن الكريم بصيغة: ﴿… يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا …﴾، فهو موجَّه للرِّجال، والنِّساء، فـ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ …﴾. (سورة الحج: الآية 77).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ …﴾. (سورة البقرة: الآية 183).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً …﴾. (سورة البقرة: الآية 208).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ …﴾. (سورة آل عمران: الآية 102).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا …﴾. (سورة آل عمران: الآية 200).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ …﴾. (سورة النساء: الآية 59).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ …﴾. [سورة المائدة: الآية 1).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ …﴾. (سورة الأنفال: الآية 27).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ …﴾. (سورة النور: الآية 21).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾. (سورة الأحزاب: الآية 41).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾. (سورة الصف: الآية 2).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا …﴾. (سورة التحريم: الآية 8).

فالقرآن الكريم مشحونٌ بهذه الخطابات العامَّة التي تضع النِّساء شَرِيكات للرِّجال في أغلب التَّكاليف.

فالمرأة لا تحمل موقعًا مهمَّشًا في منظور الإسلام، فهي الحاضرة إلى جانب الرَّجل في مساحاتٍ كبيرة من تشريعات الإسلام.

وكذلك هي الحاضرة في مواقع الدَّعوة، والتَّبليغ، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وفي مواقع الجهاد؛ من أجل الرِّسالة.

نقرأ هذه الآيات:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. (سورة آل عمران: الآية 104).
أمَّةٌ من الرِّجال والنِّساء!

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾. (سورة النَّحل: الآية 125).
الخطاب – هنا – للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثمَّ هو خطابٌ لكلِّ مسلم ومسلمة!

هذا النَّصُّ القرآنيُّ يحدِّد الخطَّ العريض لأسلوب الدَّعوة الذي يجب أنْ يعتمده الدُّعاةُ رجالًا ونساءً، ويشير النَّص إلى ثلاثة عناوين:
العنوان الأوَّل: الحكمة
وضع الشَّيئ في موضعه.
العنوان الثَّاني: الموعظة الحَسَنة
الموعظة القادرة على أنْ تدخل القلوب، والعقول.
العنوان الثَّالث: الجِدَال بالتي هي أحسن
اعتماد اللُّغة الجادَّة، والهادفة، والنَّظيفة، والعلميَّة.

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. (سورة فصلت: الآية 33).
فالقِيمة كلُّ القيمة لمَن يمارس الدَّعوة إلى الله تعالى رجلًا كان هذا الدَّاعية أم امرأة وأنْ يعمل صالحًا، وأنْ يؤكِّد انتماءه إلى الإسلام.

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ …﴾. (سورة آل عمران: الآية 110).
وممَّا يعطي لهذه الأمَّة قِيمتها، وموقعيَّتها أنَّها تمارس الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتؤكِّد إيمانها بالله سبحانه، هذه الأمَّة بكلِّ مكوِّناتها من الرِّجال والنِّساء.

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ …﴾. (سورة التَّوبة: الآية 71).
إنَّ مجتمع الإيمان هو الذي يمارس فيه المنتمون إليه من الرِّجال والنِّساء مسؤوليَّة العقيدة في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإقامة الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، والطَّاعة لله تعالى ورسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾. (سورة العنكبوت: الآية 69).
إنَّ هؤلاء المجاهدين في سبيل الله تعالى، وفي كلِّ ساحات الجهاد: جهاد النَّفس، جهاد الشَّيطان، جهاد أعداء الله تعالى، إنَّ هؤلاء رجالًا ونساءً يحظَون بشرف الهداية الرَّبَّانيَّة، وبشرف القُرب من الله تعالى.
من خلال قراءة هذه الآيات القرآنيَّة المتقدِّمة – ونظراؤها كثير – نستنتج أنَّ الإسلام يُعطي للمرأة حضورًا فاعلًا في كلِّ السَّاحات: الثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والتَّربويَّة، والسِّياسيَّة، والجهاديَّة.

وكم هي متجنِّية تلك المقولات التي تتَّهم الإسلام بأنَّه مارس إقصاءً، وتعطيلًا، وتجميدًا، وإلغاءً لدور المرأة في كلِّ الواقع الحياتيِّ بكلِّ امتداداته الثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والتَّربويَّة، والسِّياسيَّة.

هذا كلام فيه من التَّجنِّي الفاحش، والتَّزوير الكبير، والإساءة المقصودة.
مهما كانت العناوين التي صدر عنها، فهي عناوين لا تملك مصداقيَّة، مهما تَمَتْرَسَت بواجهات من قبيل (الدِّفاع عن قضايا المرأة)، و(تحرير المرأة)، و(إنقاذ المرأة)، و(النُّهوض بقدرات المرأة)، و(تنشيط أدوار المرأة)، و(تحريك إبداعات المرأة)، و(الارتقاء بأداءات المرأة) إلى آخر قائمة العناوين والشِّعارات الكبيرة!

وممَّا يؤسف له أنَّ هذه العناوين والشِّعارات استطاعت أنْ تخدع الكثير من شبابنا وشابَّاتنا، فظنُّوا أنَّ فيها الخلاص، وهكذا سقطوا في (الانبهار الكاذب)، و(التِّيه، والضَّياع).

لا خلاص إلَّا بالعودة إلى (قِيم الدِّين)، وإلى (رُؤى الشَّرع).
وأنا – هنا – أتحدَّث عن (المرأة)، وعن (النُّهوض بالمرأة) في ظلِّ واقع تزدحم فيه القِيم، والرُّؤى، والقناعات الوافدة، والمتنافية مع المسارات الأصيلة التي تعبِّر عن هويَّة هذه الأمَّة، فلا نهوض حقيقي إلَّا من خلال تأصيل الانتماء إلى مفاهيم الدِّين، وثوابته، وقِيمه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى