آخر الأخبارالإمام أمير المؤمنين (ع)ملف شهر رجب

في ذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام): كيف نحيي المناسبات الدِّينيَّة؟

12 رجب 1443 هـ - الموافق 14 فبراير 2022 م | البحرين

هذه الكلمة لسماحة العلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، والتي ألقيت بمناسبة ذكرى ولادة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الاثنين (ليلة الثلاثاء)، بتاريخ: (12 رجب 1443 هـ – الموافق 14 فبراير 2022 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

 

كيف نحيي المناسبات الدِّينيَّة؟

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين الأبرار الأخيار.

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.

أبارك لكم هذه الذِّكرى المباركة العظيمة، ميلاد أمير المؤمنين (عليه السَّلام).

 

العنوان الأوَّل: ما هو سبب إحياء المناسبات الدِّينيَّة؟

أنْ نُحيي هذه المناسبات الدِّينيَّة:

  • لا من أجل أنْ نستحضر قضايا التَّاريخ، وإن كان هذا الاستحضار مطلوبٌ جدًّا جدًّا، فأُمَّة تنسى تاريخها أُمَّة بلا هُويَّة.
  • ولا من أجل أنْ نفخر بأمجاد التَّاريخ، وإن كان هذا مطلوبٌ جدًّا جدًّا، فأُمَّة لها أمجاد أُمَّة قويَّة، وأُمَّة تنفصل عن أمجادها أمَّة مهزومة ضعيفة.
  • ولا من أجل أنْ نحاسب قضايا التَّاريخ، وإن كان هذا مطلوبٌ جدًّا جدًّا من أجل أنْ نصحِّح مسار الأمَّة.
  • ولا من أجل أنْ نستعيد صراعات التَّاريخ، فهذا له منتجات خطيرة جدًّا جدًّا، فأمَّة تعيش هواجس الصِّراع أمَّة مهدَّدة.

الرُّؤية البصيرة في التَّعاطي مع قضايا التَّاريخ أمرٌ مطلوبٌ جدًّا.

 

العنوان الثَّاني: لماذا نحيي ذكرى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)؟

 

نحن مع ذكرى ميلاد أمير المؤمنين (عليه السَّلام) فلماذا نحيي هذه الذِّكرى؟

 

أوَّلًا: من أجل أنْ نملك شيئًا من الوعي بهذه الشَّخصيَّة العملاقة.

وامتلاك هذا الوعي ضرورة في صناعة هُويَّة أجيالنا، لأنَّ مشاريع التَّغريب تحاول أنْ تصنع رموزًا دخيلة من أجل سرقة الأجيال.

فاليوم أجيالنا مهدَّدة بالسَّرقة، وبأن تُمسخ هُوِّيَّتها، وانتماءها، وولاءها.

فاستحضارنا لشخصيَّة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وشخصيَّة أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، وشخصيَّات أهل البيت (عليهم السَّلام)، يحصِّن الأجيال من أن تُسرق فكريًّا وثقافيًّا، ومن أن تُسرق هُويَّتها.

فنحن بحاجة إلى ما يحصِّن أجيالنا في مواجهة مشاريع التَّغريب الخطيرة التي تستهدف هذه الأجيال.

 

ثانيًا: من أجل أنْ نُعمِّق الولاء الإيماني لعليٍّ (عليه السَّلام).

لا يكفي أنْ نصنع وعي الانتماء، بل يجب أن نصنع عشق الانتماء.

فنحن بحاجة إلى ربط أجيالنا فكريًّا وثقافيًّا بهذه الرُّموز التَّاريخيَّة الكبيرة.

ونحن بحاجة إلى ربط أجيالنا وجدانيًّا بهذه الرُّموز التَّاريخيَّة الكبيرة.

الوجدان، الضَّمير، المشاعر، العواطف، الأحاسيس، الانفعالات، هذا الجانب الوجداني يجب ربطه أيضًا بهذا النَّمط من الشَّخصيَّات.

كما نربط شخصيَّاتنا وتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا بالمسار الفكري الثَّقافي لهذه الشَّخصيَّة العظيمة، ينبغي أن نربط أجيالنا بالمسار الوجداني، بالضَّمير، وبالمشاعر، وبالعواطف لهذا اللَّون وهذا النَّمط من الشَّخصيَّات.

 

ثالثًا: من أجل أنْ نأخذ شيئًا من أخلاق عليٍّ (عليه السَّلام)، ومن تقوى عليٍّ (عليه السَّلام).

أن نصنع وعي الأجيال أمرٌ مطلوبٌ جدًّا.

وأن نصنع وجدان الأجيال أمرٌ مطلوبٌ جدًّا.

ولكنَّ الأهم أن يتحوَّل هذا الوعي، وهذا الوجدان سلوكًا وممارسة.

لا قيمة لأن يبقى عليٌّ (عليه السَّلام) في العقل، ولا قيمة لأن يبقى في الوجدان، إذا لم يتحوَّل قِيمًا وأخلاقًا.

 

رابعًا: من أجل أن نستلهم شيئًا من جهاد عليٍّ (عليه السَّلام).

أخذنا شيئًا من الوعي من عليٍّ (عليه السَّلام).

وأخذنا شيئًا من العواطف والمشاعر من عليٍّ (عليه السَّلام).

وأخذنا شيئًا من السُّلوك والتَّقوى من عليٍّ (عليه السَّلام).

ومطلوب أن نأخذ شيئًا من جهاد عليٍّ (عليه السَّلام)، ومن رساليَّة عليٍّ (عليه السَّلام)، ومن حركيَّة عليٍّ (عليه السَّلام).

 

هذه أربع مبرِّرات تفرض علينا التَّعاطي مع هذه القمم الشَّامخة من شخصيَّاتنا الدِّينيَّة التَّاريخيَّة.

 

العنوان الثَّالث: درسٌ كبير من كلمات أمير المؤمنين (عليه السَّلام)

 

أذكر درسًا واحدًا كبيرًا يجب أنْ نتعلَّمه من كلمات أمير المؤمنين (عليه السَّلام):

  • جاء في نهج البلاغة: ومن كلام له (عليه السَّلام)، وقد سمع قومًا من أصحابه يسبُّون أهل الشَّام أيام حربهم بصفين فقال:

«إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ؛ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَه، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِه».(1)

المعركة قائمة أو في طريق أن تتحرَّك، عليٌّ في اتِّجاه أهل الشَّام، هنا يصل إلى سمع عليٍّ بعض كلمات صادرة من أصحابه ومن جيشه يسبُّون ويلعنون أهل الشَّام.

ماذا كان موقف عليٍّ وهو يسمع شتمًا وسبًا ولعنًا من أصحابه تجاه عدوه المقاتل، الذي خرج يستهدف عليًّا وحياة عليٍّ (عليه السَّلام)؟

وإذا بعليٍّ (عليه السَّلام) ينبري وهو يسمع كلمات السَّب والشَّتم من أصحابه تجاه أهل الشَّام ليقول:

«إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ»، وفي رواية «لعَّانين».(2)

«أَكْرَه» الكراهة هنا ليست بمعنى المصطلح الفقهي، والتي تعني جواز الفعل وجواز التَّرك، وإنَّما الكراهة هنا بمعنى الحرمة.

﴿… وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ …﴾(3)، الكراهة هنا في المصطلح القرآني بمعنى إنِّي أحرِّم وأمنع، فكذلك هنا «إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ» أي أحرِّم.

«ولَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ».

لا توجد مشكلة في النَّقد، انقدوا الفكر الآخر، ومارسوا النَّقد العلمي تجاه الفكر الآخر، لكن لا تمارسوا أسلوب اللَّعن والسَّب والشَّتم، بل استعملوا اللُّغة النَّظيفة في النَّقد.

«وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا ودِمَاءَهُمْ، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وبَيْنِهِمْ، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ».

عليٌّ داعية الوحدة، وداعية التَّقارب، وداعية الألفة.

 

  • ممارسة النَّقد للأوضاع الخطأ أمرٌ مطلوب

 

  • لا يجوز الصَّمت حينما تتحرَّك رؤى ضالَّة تحارب الدِّين، وقِيَم الدِّين، وتهدِّد وحدة الأُمَّة.
  • عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

«إذا ظَهَرتِ البِدعُ في أمَّتي فلْيُظهِرِ العالِمُ علمَهُ، وإلَّا فعَلَيهِ لَعنةُ اللهِ والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِين».(4)

ما معنى البِدعة؟

البِدعة هي: إدخال في الدِّين ما ليس منه.

ما ثبت أنَّه ليس من الدِّين يتمُّ إقحامه في الدِّين.

ولكن ليس الاختلاف في الرَّأي والاختلاف في التَّصوُّرات والاجتهاد، فهذا أمرٌ وارد، وإنَّما شيئٌ مسلَّمٌ أنَّه ليس من الدِّين يتم إقحامه في الدِّين فهذه بدعة.

 

هل يتنافى هذا مع حريَّة الفكر والرَّأي؟

الإسلام فيه حريَّة فكر وحريَّة رأي، فكيف يقمع الرَّأي الآخر؟

كيف يواجه الرَّأي الآخر بهذه الطريقة القاسية؟

ألا يتنافى هذا مع حريَّة الرَّأي وحريَّة الفكر؟

الجواب:

أنْ يتبنَّى إنسانٌ فكرًا ورأيًا هذا شيئ.

وأنْ يُدخل في الدِّين ما ليس منه شيئ آخر.

وأنْ يُدخل في المذهب ما ليس منه شيئ آخر.

إنَّ الإسلام لا يُجبر أحدًا أنْ يتبنَّى دينًا أو مذهبًا.

ولكن حينما يقتنع في الانتماء للإسلام أو في الانتماء للمذهب، فليس من حقِّه أن يتجاوز الثَّوابت والضَّرورات الإسلاميَّة أو المذهبيَّة.

 

  • أمثلة توضيحيَّة:

 

المثال الأوَّل: من المسلَّمات الإسلاميَّة(5) أنَّ القصص القرآنيَّة هي حقائق قرآنيَّة.

فلو جاء مَنْ يزعم أنَّ هذه القصص أوهام وأساطير وخرافات وليست حقائق.

هنا يجب التَّصدِّي لهذا الفكر.

الإسلام لا يُجبر أحدًا أنْ يؤمن بالقرآن، ولكن لو انتمى إنسان إلى الإسلام، فلا يُسمح له أنْ يعبث بحقائق القرآن المسلَّمة بين المسلمين.

أنْ تختلف الرُّؤى في فهم القرآن شيئ، وأن يتم العبث بحقائق القرآن الثَّابتة شيئ آخر.

لا مشكلة أنْ تتعدَّد الرُّؤى في تفسير القرآن متى توفَّرت الاستعدادات والكفاءات.

ولكن هناك حقائق قرآنيَّة ثابتة لا يجوز العبث بها، كـ:

  • الإيمان باللَّه.
  • الإيمان بالأنبياء.
  • الإيمان بالبعث والنُّشور واليوم الآخر.
  • خلو القرآن من الأوهام والخرافات.

فإنكار الثَّوابت يُخرج الإنسان من الانتماء للإسلام، أو من الانتماء للمذهب.

 

المثال الثَّاني: يتَّفق المسلمون أنَّ الإسلام صالح لكلِّ زمان ولكلِّ مكان.

فمتى ما انتمى إنسان للإسلام بقناعة فيجب أنْ يخضع للمسلَّمات الإسلاميَّة.

نعم، فيما عدا الثَّوابت والمسلَّمات فالأمر خاضع للنَّظر والاجتهاد متى توفَّرت الكفاءات الاجتهاديَّة، فالاجتهاد له شروطه وكفاءاته، كما هو كلُّ علم (علم الطِّب/ علم الهندسة/ علم الفلك… أيُّ علم آخر).

 

المثال الثَّالث: يتَّفق المسلمون أنَّ الصَّلاة والصِّيام والزَّكاة والحجَّ فرائض ثابتة في الإسلام، ومن الضَّرورات الدِّينيَّة.

فمتى اختار الإنسان الانتماء للإسلام، فليس له خيار أنْ يقبل أو أنْ يرفض هذه الثَّوابت والمسلَّمات.

نعم قد لا يمارس مسلم هذه الثَّوابت عصيانًا، أمَّا إذا أنكر هذه الثَّوابت فيتم التَّعامل معه من خارج دائرة الإسلام.

ما عدا الثَّوابت والضَّرورات فالأمر خاضع للاجتهاد مع توفُّر شروط الاجتهاد.

 

المثال الرَّابع: من الضَّرورات والمسلَّمات الإسلاميَّة وجود قائمة بالمحرَّمات: الخمر، الزِّنا، اللِّواط، الرِّبا، الظُّلم، الغِيبة، البُهتان، أكل الخنزير … .

متى لم ينتم إنسان إلى الإسلام فهو وشأنه في الإيمان وعدم الإيمان بهذه القائمة من المحرَّمات.

أمَّا إذا انتمى للإسلام فلا خيار له في أن يؤمن بهذه المسلَّمات أو لا يؤمن.

نعم فيما عدا الضَّرورات والثَّوابت من المحرَّمات فالأمر خاضع للاجتهاد متى توفَّرت شروط الاجتهاد.

 

  • اعتماد اللُّغة النَّظيفة في النَّقد

 

مِن مدرسة عليٍّ (عليه السَّلام)، ومِن مدرسة القرآن في الحوار يجب اعتماد اللُّغة النَّظيفة في النَّقد والحوار، هذه من المسلَّمات القرآنيَّة والدِّينيَّة.

إذا كان مطلوبًا التَّصدِّي للأفكار الضَّالة والفاسدة والمنحرفة، فهذا لا يعني أنْ تُعتمد الأساليب الهابطة واللُّغة غير النَّظيفة.

  • جاء في القرآن:

﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.(6)

فالدَّعوة إلى سبيل الله أمرٌ مطلوب.

والتَّصدِّي للفكر المنحرف، والسُّلوك الفاسد أمرٌ مطلوب.

“السَّاكت عن الحقِّ شيطان أخرس”.

إلَّا أنَّ للدَّعوة أسلوبها في الإسلام، وللتَّصدِّي نهجُه وطريقته.

مطلوبٌ في هذا الأسلوب، وفي هذا النَّهج:

  • الحِكمة:

﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ …﴾.

وهنا الحاجة إلى الرُّشد والعقل والبصيرة والتَّدبُّر، فيما هي الرُّؤى والأفكار، وفيما هي الأساليب والأدوات، وفيما هي الألفاظ والكلمات.

  • الموعِظة الحَسنة:

﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ …﴾.

وهي: اللُّغة النَّظيفة، والألفاظ المهذَّبة.

صحيح مطلوب أن نكون مبدئيِّين وصارمين في مواجهة الأفكار الضَّالة، فلا مهادنة مع هذه الأفكار، إلَّا أنَّ لغة التَّصدِّي والمواجهة يجب أن تكون في درجة عالية من الرُّقي والنَّظافة.

هناك معركةٌ ودماءٌ بين عليٍّ (عليه السَّلام) والقوم الآخرين، إلَّا أنَّ عليًّا (عليه السَّلام) يصرُّ على التَّمسُّك بالقِيَم الرَّفيعة والأساليب النَّظيفة.

  • «إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ».(7)، أو [لعَّانين].

مع مَنْ؟

مع قوم استَحلُّوا دمه ودماءَ أصحابه.

 

  • المجادلة بالأحسن:

﴿… وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.(8)

الطُّرق السَّيِّئة في الحوار والمجادلة مرفوضة في منهج القرآن، مطلوب اختيار الطُّرق والمناهج الحسنة، وليس الأمر كذلك فقط بل المطلوب اختيار أحسن الطُّرق والمناهج.

فالأهداف الكبيرة مطلوبٌ أنْ تكون أدواتها كبيرة.

والغايات السَّامية مطلوبٌ أنْ تكون وسائلها في غاية السُّمو.

لهذا قالها عليٌّ (عليه السَّلام): «إِنِّي أَكْرَه لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ».

 

خطاب هذه المناسبات الدِّينيَّة

 

أهداف هذا الخطاب:

أوَّلًا: صناعة وعي الأجيال

ثانيًا: صناعة وجدان الأجيال

ثالثًا: صناعة سلوك الأجيال

رابعًا: صناعة حركيَّة الأجيال

هذه أربعة أهداف متكاملة

غياب أيّ هدف من هذه الأهداف يعني بأنَّ هناك خلل في خطاب هذه المناسبات.

وحينما نتحدَّث عن (حركيَّة الأجيال) لا نعني (التَّطرُّف) فالتَّطرُّف مرفوض كلّ الرَّفض في منظور الدِّين.

الدِّين يكرِّس دائمًا (مفهوم الاعتدال) وغياب هذا المفهوم يُفقد الخطاب هُويَّته الدِّينيَّة.

وحينما نتحدَّث عن (حركيَّة الأجيال) لا نعني (العنف) فالعنف مرفوض كلّ الرَّفض في منظور الدِّين.

الدِّين يكرِّس دائمًا (مفهوم الرِّفق) وغياب هذا المفهوم يُفقد الخطاب هُويَّته الدِّينيَّة.

وحينما نتحدَّث عن (حركيَّة الأجيال) لا نعني (الإرهاب) فالإرهاب مرفوض كلّ الرَّفض في منظور الدِّين.

الدِّين يكرِّس دائمًا (مفهوم الأمن والسَّلام) وغياب هذا المفهوم يُفقد الخطاب هُويَّته الدِّينيَّة.

 

وخلاصة القول:

إنَّ خطابَ الدِّين الحقّ،

خطابُ اعتدالٍ لا خطابَ تطرُّف.

خطابُ رفقٍ لا خطابَ عنف.

خطابُ سلامٍ لا خطابَ إرهاب.

خطابُ محبَّةٍ لا خطابَ كراهيَّة.

وتبقى مسؤوليَّة الخطاب الدِّيني أنْ يقول كلمة الحقِّ، وأن يتصدَّى لكلمة الباطل

أن يقول كلمة الصِّدق، وأنْ يتصدَّى لأيِّ كذبٍ وتزوير.

أنْ يقول كلمة الهدى، وأنْ يتصدَّى لأيِّ ضلال وغي.

أنْ يقول كلمة الرُّشد، وأنْ يتصدَّى لأيِّ جهل وتيه.

هذا هو خطاب الدِّين، وهذا هو خطاب هذه المناسبات الدِّينيَّة.

 

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش

  1. ابن ميثم: شرح نهج البلاغة 4/634، (خ 198: من خطبه له وقد سمع قومًا من أصحابه يسبون أهل الشام).
  2. جاء في بحار الأنوار: “وروى نصر عن عبد الله بن شريك قال: خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشَّام، فأرسل عليٌّ (عليه السَّلام) إليهما: «أن كفَّا عمَّا يبلغني عنكما».

فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا محقِّين؟ قال: بلى، قالا: فلِمَ منعتنا من شتمهم؟

 قال: «كرهت لكم أن تكونوا لعَّانين شتَّامين تشتمون وتبرؤن، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن أعمالهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، و[لو] قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ ودِمَاءَنَا، وأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وبَيْنِنَا، واهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ؛ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ منهم مَنْ جَهِلَه، ويَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ والْعُدْوَانِ منهم مَنْ لَجَّ به، لكان أحبُّ إليَّ وخيرًا لكم».

فقالا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدَّب بأدبك”. المجلسي: بحار الأنوار 8 ق 2/165، (ك: الفتن والمحن، أبواب ما جرى بعد قتل عثمان، ب 11: بغي معاوية)، ح 371.

  1. سورة الحجرات: الآية 7.
  2. المجلسي: بحار الأنوار 14 ق 1/103، (ك: السَّماء والعالم، أبواب كليَّات أحوال العوالم، ب 1: حدوث العالم).
  3. في منظور الإسلام وعند جميع المذاهب الإسلاميَّة.
  4. سورة النَّحل، الآية 125.
  5. ابن ميثم: شرح نهج البلاغة 4/634، (خ 198: من خطبه له وقد سمع قومًا من أصحابه يسبون أهل الشام).
  6. سورة النَّحل، الآية 125.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى