الإمام محمد الجواد (ع)من وحي الذكريات

الإمام محمّد الجواد (ع) في سطور

 
الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) في سطور
 
الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) هو التاسع من أئمة أهل البيت الذين أوصى اليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ بأمر من الله سبحانه ـ لتولّي مهام الإمامة والقيادة من بعده، بعد أن نصّ القرآن على عصمتهم وتواترت السنة الشريفة بذلك .
وتجسّدت في شخصية هذا الإمام العظيم ـ كسائر آبائه الكرام ـ جميع المثل العُليا والاخلاق الرفيعة التي تؤهّل صاحبها للإمامة الرسالية والزعامة الربّانية .
وتقلّد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو إلى العجب فقد تقلّد عيسى بن مريم (عليه السلام) النبوّة وهو في المهد .
لقد أثبت التاريخ من خلال هذه الإمامة المبكرة صحة ما تذهب اليه الشيعة الإمامية في الإمامة بأ نّه منصب إلهي يهبه الله لمن يشاء ممّن جمع صفات الكمال في كل عصر ، فقد تحدّى الإمام الجواد(عليه السلام) ـ على صغر سنّه ـ أكابر علماء عصره وعلاهم بحجته بما أظهره الله على يديه من معارف وعلوم أذعن لها علماء وحكّام عصره.
وقد احتفى به(عليه السلام) ـ وهو ابن سبع سنين ـ كبار العلماء والفقهاء والرواة وانتهلوا من نمير علمه ورووا عنه الكثير من المسائل العقائدية ـ الفلسفية والكلامية ـ والفقهية والتفسيرية الى جانب عطائه في سائر مجالات المعرفة البشرية .
وقد سار هذا الإمام العظيم على نهج أبيه من القيام برعاية الشيعة وتربيتهم علمياً وروحيّاً وسياسيّاً بما يجعلهم قادرين على الاستمرار في المسيرة التي خططها لهم أئمتهم المعصومون حيث تنتظرهم الأيّام المقبلة الّتي تتميّز بالانقطاع عن أئمتهم فكان لابدّ لهم أن يقتربوا من حالة الاكتفاء الذاتي في إدارة شؤونهم فكريّاً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً .
أجل، لقد استطاع هذا الإمام ـ العظيم بالرغم من قصر عمره الشريف ـ أن يحقق أهدافاً  كبرى تصبُّ في الرافد الذي ذكرناه .
ويدل استشهاده ـ وهو في الخامسة والعشرين من عمره ـ على مدى نجاحه في حركته وتخطيطه حيث أربك حضوره في الساحة الاجتماعية الإسلامية الحكّام الطغاة واضطرّهم لاغتياله والقضاء على نشاطه البنّاء .
 
 
انطباعات عن شخصية الإمام الجواد (عليه السلام)
 
إنّ مواهب الإمام التقي محمّد بن علي الجواد(عليه السلام) قد ملكت عقول كل من عاصره وتطّلع الى شخصيته العملاقة واطلع على عظمة فكره وكمال علمه . وكل من كان يراه لم يقدر أن يتمالك نفسه أمامه ويخرج من عنده إلاّ والإعجاب والخضوع يتسابق بين يديه .
وهنا نشير الى بعض ما وصلنا من معالم عظمته وسموّ شخصيته على لسان من عاصره ثم من كتب عنه وأرّخ له .
1 ـ والده الإمام الرضا (عليه السلام) : لقد وصف الإمام الرضا (عليه السلام) ابنه الجواد بما يلي :
أ ـ قال عنه قبل ولادته للحسين بن بشار : «والله لا تمضي الأيّام والليالي حتى يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل» .
وزاد في نص آخر : «حتى يولد ذكر من صُلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل» .
ب ـ وقال عنه بعد ولادته : «هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه» .
ج ـ وقال أيضاً : «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني» .
د ـ وقال أيضاً لصفوان بن يحيى : «كان أبو جعفر محدَّثاً» .
2 ـ علي بن جعفر ( عمّ أبيه) : «قال محمد بن الحسن بن عمّار : دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يديه وعظّمه . فقال له أبو جعفر : يا عمّ اجلس رحمك الله ، فقال : يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم ؟ !
فلّما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ !
فقال : اسكتوا إذا كان الله عزّوجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، اُنكِرُ فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون ! بل أنا له عبد» .
3 ـ قال الشيخ المفيد : وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لِما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان ، فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه الى المدينة ، وكان متوفّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره  .
وقال في وصف الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حينما أراد تزويجه واعترض عليه العباسيون : «وأما أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك . . ثم قال لهم : وَيْحَكم إني أعرف بهذا الفتى منكم ، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله ، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال  .
وقال له المأمون أيضاً بعد أوّل لقاء معه بعد وفاة أبيه الرضا(عليه السلام) وبعد أن اختبره ـ والإمام لم يتجاوز العقد الأول من عمره ـ : «أنت ابن الرضا حقاً ومن بيت المصطفى صدقاً وأخذه معه وأحسن اليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه».
4 ـ وعزّى أبو العيناء ابن الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) فقال له : «أنت تجلّ عن وصفنا ونحن نقلّ عن عظتك ، وفي علم الله ما كفاك ، وفي ثواب الله ما عزّاك» .
5 ـ وقال عنه العلاّمة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّى سنة ( 654 هـ ): «ومحمد، الإمام أبو جعفر الثاني كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود.. وكان يلقّب بالمرتضى والقانع…»
6 ـ وقال عنه الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّى سنة (652 هـ ) : «وان كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر ..
وقال أيضاً : مناقب أبي جعفر محمدالجواد ما اتسعت حلبات مجالها ولا امتدّت أوقاف آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها فقلّ في الدنيا مقامه وعجّل عليه فيها حمامه فلم تطل لياليه ولا امتدّت أيّامه غير أن الله خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم.. ثم ذكر تلك المنقبة التي اعترف بعدها المأمون له بالفضل والسموّ»  .
7 ـ وأدلى علي بن عيسى الأربلي المتوفّى سنة ( 693 هـ ) في حقّه وشأنه(عليه السلام) بكلمات أعرب فيها عن عمق ايمانه به وولائه له صلوات الله عليه، فقال :
«الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد ، وفيه يصدق قول اللُغوي : جواد من الجودة من أجواد ، فاق الناس بطهارة العُنصر ، وزكاء الميلاد ، وافترع قُلَّة العلاء فما فاز به أحد ولا كاد .
مجده عالي المراتب ، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب ، ومنصبه يشرف على المناصب ، إذا آنس الوفد ناراً قالوا : ليتها نارُه، لا نار غالب .
له إلى المعالي سُموّ ، والى الشّرف رواح وغُدُوّ ، وفي السيادة إغراق وغُلُوّ ، وعلى هام السماك ارتفاع وعُلوّ ، ومن كل رذيلة بُعْدٌ ، وإلى كل فضيلة دُنُوّ .
تتأرّج المكارم من أعطافه ، ويقطر المجد من أطرافه ، وتُروى اخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه ، فطوبى لمن سعى في ولائه ، والويل لمن رغب في خلافه .
إذا اقتُسمتْ غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها ، وإذا امتُطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها .
يباري الغيث جوداً وعطيةً ، ويجاري الليث نجدةً وحميّة ، ويبذّ السير سيرةً رضية ، مرضية سريّة .
إذا عُدِّدَ آباؤه الكرام ، وأبناؤه (عليهم السلام) نظَم اللئالي الأفراد في عدِّه ، وجاء بجماع المكارم في رسمه وحدِّه ، وجَمَع أشتات المعالي فيه ، وفي آبائه من قبله ، وفي أبنائه من بعده ، فمن له أبٌ كأبيه أو جد كجدّه ؟ ! .
فهو شريكهم في مجدهم ، وهم شركاؤه في مجده ، وكما ملأوا أيدي العفاة بِرِفْدِهم ، ملأ أيديهم بِرِفده . . .
بهم اتَّضحت سُبُل الهُدى ، وبهم سُلِمَ من الردى ، وبِحُبِّهم تُرجى النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف ، وأولوا النَّدى .
كُلُّ المدائح دون استحقاقهم ، وكُلُّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكُلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم ، فالجنة في وصالهم ، والنار في فراقهم .
وهذه الصفات تصدق على الجمع  والواحد ، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزَّل على الولد منهم والوالد .
حُبُّهم فريضة لازمة ، ودولتهم باقية دائمة ، وأسواق سُؤدَدِهم قائمة ، وثغور محبيهم باسمة ، وكفاهم شَرَفاً أن جدّهم محمد ، وأبوهم علي ، وأُمُّهم فاطمة (عليهم السلام) » .
فمن يجاريهم في الفخر؟! ومن يسابقهم في علوّ القدر؟
وما تركوا غاية إلاّ انتهوا اليها سابقين ، ولا مرتبة سؤدد إلاّ ارتفقوها آمنين من اللاحقين ، وهذا حقّ اليقين بل عين اليقين.
الناس كلّهم عيال عليهم ومنتسبون انتساب العبودية اليهم.
عنهم اُخذت المآثر، ومنهم تعلّمت المفاخر، وبشرفهم شرف الأوّل والآخر.
ولو اطلتُ في صفاتهم لم آتِ بطائل، ولو حاولت حصرها نادتني الثريا: مَن يد المتناول؟ وكيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر والأوائل؟»
8 ـ وقال الذهبي : « كان محمّد يلقّب بالجواد وبالقانع والمرتضى ، وكان من سروات آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) . . وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد …» .
9 ـ وقال عنه ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة ( 855 هـ ) : «وهو الإمام التاسع . . عرف بأبي جعفر الثاني ، وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا . . للنص عليه والإشارة له بها من أبيه كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول».
10 ـ وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفّى سنة (1154 هـ ) : التاسع من الأئمة محمد الجواد . . . ثم ذكر نسب الإمام وولادته سنة ( 195 هـ ) ثم قال : وكراماته رضي الله عنه كثيرة ومناقبه شهيرة ، ثم ذكر بعض مناقبه وختم حديثه بقوله : وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة
11 ـ وقال عنه يوسف اسماعيل النبهاني : «محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الاُمة من ساداتنا أهل البيت . ..» .
12 ـ ووصفه محمود بن وهيب البغدادي بقوله : «هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ إخوته قدراً وكمالاً..»
13 ـ وذكره الفضل بن روزبهان  المتوفّى سنة ( 927 هـ ) في شرحه للصلوات التي أنشأها لبيان فضل النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين فقال ما نصّه :
«اللهم وصلّ وسلّم على الإمام التاسع الأوّاب السجّاد، الفائق في الجود على الأجواد ، مانح العطايا والأوفاد لعامّة العباد ، ماحي الغواية والعناد ، قامع أرباب البغي والفساد ، صاحب معالم الهداية والإرشاد إلى سبل الرشاد ، المقتبس من نور علومه الأفراد من الأبدال والأوتاد أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد بن علي الرّضا ساكن روضة الجنة بأنعم العيش ، المقبور عند جدّه بمقابر قريش، اللّهم صلّ على سيّدنا محمد وآل سيّدنا سيّما الإمام السجّاد محمد التقي الجواد»
14 ـ وقال عنه خير الدين الزركلي : «كان رفيع القدر كأسلافه ذكيّاً طلق الّلسان قويّ البديهة . .
وللدبيلي محمد بن وهبان كتاب في سيرته سمّاه : «أخبار أبي جعفر الثاني».
هذه بعض النصوص التي أدلى بها معاصرو الإمام الجواد(عليه السلام) ومن جاء بعدهم في القرون اللاحقة وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وشخصيّته الفذّة التي تحكي شخصيّة آبائه الكرام الذين حملوا مشاعل الهداية وأعلامها بعد خاتم المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى