حديث الجمعةشهر رجب

حديث الحمعة 293: مريم ابنة عمران – من كلامٍ لإمامنا محمد الجواد عليه السَّلام – خطابان متباينان

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


وبعد: فهذه بعض عناوين..


يستمر بنا الحديث حول النساء الفضليات:
مريم ابنة عمران:
والحديث هنا حول السّيدة مريم ابنة عمران….


ويقدِّمها القرآن نموذجًا للمرأة العابدة المطيعة لله تعالى، والمرأة التي جسَّدت أعلى درجات العفَّة والطهر…
نقرأ هذا في آيات الكتاب الكريم:
• نقرأ قوله تعالى:
﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ…﴾. (آل عمران/ 37)
كلمة (مريم) في لغتهم تعني (العابدة والخادمة)
وكلمة (المحراب) تعني موضع العبادة….
فمن أهم خصائص هذه المرأة هو (التبتُّل والعبادة)، وكانت مريم نموذجًا رائعًا في تبتُّلها وعبادتِها وروحانيَّتها وانقطاعها إلى الله تعالى…


• ونقرأ قوله تعالى وهو يتحدّث عن (مريم ابنة عمران):
﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾. (التحريم/ 12)
بمعنى المحافظين على الطاعة، الذين خضعوا لله، وأخلصوا له العمل.


• ونقرأ قوله تعالى:
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾. (التحريم/ 12)
وهذا تعبيرٌ عن طهارتِها وعفَّتِها…


فمن خلال هذه الآيات نخرج بثلاث صفاتٍ بارزة في شخصية مريم ابنة عمران:


الصِّفة الأولى: كانت المرأة العابدة لله تعالى، والتي عاشت قمة التبتُّل والانقطاع والذوبان والروحانية بين يدي ربِّها.


الصفة الثانية: كانت حياتُها كلُّها في خطِّ الطاعة لله، وفي خطِّ الإخلاص له تعالى.


الصفة الثالثة: كانت نموذجًا رائعًا في العفَّةِ والطهارة، والنقاء والصفاء وسمو الذَّات.


وهكذا يطرحُ القرآن هذه المرأة مثالًا يُحتذى به ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ… وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ…﴾. (التحريم/ 11 – 12)


ونلاحظ أنَّ القرآن لم يطرح هاتين المرأتين مثلًا للنساء فقط، بل مثلًا للذين آمنوا رجالًا ونساءً، وهذا يعبِّر بوضوحٍ عن رؤية الإسلام للمرأة، وما أعطاها من مكانة وقيمة، وليس كما تزعم الكلماتُ الزائفة التي تتَّهمُ هذا الدين بأنَّه ينظر للمرأة نظرةً دونيةً، وأنَّه يضطَّهد المرأةَ، هذا كلامٌ باطلٌ لا أساسَ له، ينطلق من غرضٍ سيِّئٍ يهدف إلى تشويه سمعة الدين…


ربَّما تكون ممارساتُ بعضِ المنتمين إلى الدين ممارساتٍ قاسيةً مع المرأة، وظالمةً لها، إلَّا أنَّ هذا لا يعبِّر عن وجهة نظر الدِّين، ولا يمثِّل رؤيته ومبادئه وقيمه وأحكامه…


فالدِّينُ الذي يقول: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. (النساء/ 19)
والدِّينُ الذي يقول: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. (البقرة/ 229)
والدِّينُ الذي يقول: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ﴾. (البقرة/ 231)
والدِّينُ الذي يقولُ: «النساء أمانة الله عندكم فلا تُضاروهن ولا تعضلوهن».
والدِّينُ الذي يقول: «أحسنُ الناس إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي».
والدِّينُ الذي يقول: «اتقوا الله في النساء فإنَّهنَّ عوان [أسيرات] بين أيديكم، أخذتموهن على أمانات الله جلَّ جلاله لما استحللتم من فروجهنَّ بكلمةِ الله وكتابِه، فإنَّ لهنَّ عليكم حقًا واجبًا لما استحللتم من أجسامهنَّ، وبما واصلتم من أبدانهنَّ، ويحملن أولادَكم في أحشائهنَّ، فاشفقوا عليهنَّ، وطيِّبوا قلوبهنَّ ولا تكرهوا النساءَ، ولا تسخطوا بهنَّ، ولا تأخذوا ممَّا آتيتموهنَّ شيئًا إلَّا برضاهنَّ».


والدِّينُ الذي يقول: «فأيّ رجلٍ لطم زوجتَه لطمة أمر الله جلَّ جلاله مالكًا خازنَ النيران، فيلطمه على حرِّ وجهه سبعين لطمةً في نار جهنَّم».


هذا الدِّينُ لا يمكنُ أنْ يؤسِّس لأيّ شكلٍ من أشكالِ الظلم للمرأة، ولا يمكن أنْ يسمح بأيّ اعتداءٍ على كرامة المرأة…
ولا يمكن أنْ نجدَ في تشريعاته ما يسيئ إلى مكانةِ المرأة أمًّا كانت او زوجةً أو بنتًا.
وفي الوقت الذي أكَّد الدِّين على حقوق الأنثى أمًّا أو زوجة أو بنتًا، فإنَّه أكَّد وبنفس القوة على حقوق الذكر أبًا كان أو زوجًا او ابنًا.


وفي مجال العلاقة الزوجيَّة فقد اعتبر الدِّين (تبعّل المرأة لزوجها) جهادًا، فقال: «جهاد المرأة حسن التبعّل».
وقال: «خير نساؤكم التي إذا غضبتْ أو أغضبتْ قالت لزوجها: يدي في يدك لا اكتحل بغمضٍ حتى ترضى عنّي».
وقال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله فقال: إنَّ لي زوجة إذا دخلتُ البيت تلقَّتني، وإذا خرجت شيَّعتني، وإذا رأتني مهمومًا قالت لي: ما يهمّك إنْ كنت تهتم لرزقك فقد تكفَّل لك به غيرك، وإنْ كنت تهتم بأمر آخرتِك فزادكَ همًّا، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: إنَّ لله عمَّالًا وهذه من عمَّاله، لها نصف أجر الشهيد».


فالدِّين لا يسمح أنْ يظلم الزوج زوجته، ولا أن تظلم الزوجة زوجها، لذلك قال: «أيّما امرأة آذت زوجها بلسان لم يقبل لها صرفًا ولا عدلًا ولا حسنة من عملها حتى ترضيه، وكذلك الرجل إذا كان لها ظالمًا».


نتابع الحديث إن شاء الله تعالى…


 


من كلامٍ لإمامنا محمد الجواد عليه السَّلام:
«ثلاثٌ مَنْ كنَّ فيه لم يندم: تركُ العجلةِ والمشورة، والتوكّل على الله عند العزيمة، ومَن نصح أخاه سرًّا فقد زانه، ومَن نصحهُ علانيةً فقد شانه».


ونحن نعيش – الليلة – ذكرى ميلاد الإمام محمد الجواد سلام الله عليه – التاسع من أئمَّة أهل البيت عليهم أفضل الصلوات- نُحاول أنْ نستلهم شيئًا من عطائه وشيئًا من توجيهاته، وكلُّ حياته عطاء، وكلُّ حياته نورٌ…


وحينما نتحدَّثُ عن الاستلهام من حياة الأئمَّة الطاهرين عليهم سلامُ الله:
1. نتحدَّث عن (درجة الوعي) الذي يصنعه هذا الاستلهام…
2. ونتحدَّث عن (درجة الانصهار الروحي) الذي ينتجه هذا الاستلهام…
3. ونتحدَّث عن (درجة التمثّل السلوكي) الذي يفرضه هذا الاستلهام…
4. ونتحدَّث عن (درجة الحَراك الرسالي) الذي يخلقه هذا الاستلهام…
فما لم تنْصنع هذه الأبعاد الأربعة في داخلنا، فقدنا أيّ معنى للاستلهام، وكانت المسألة مجرد معايشة شكليَّة فارغة…


الكلمة عن إمامنا الجواد (ع) تضع أمامنا ثلاث خِصالٍ «مَنْ كُن فيه لم يندم»:
الخصلة الأولى: «تركُ العجلة والمشورة»..
كم هو خطير وخطيرٌ جدًا أنْ ينطلق العملُ – في أيّ مجال من مجالات العمل- بلا تفكير، وبلا دراسة مستوعبة لكلِّ المعطيات ولكلِّ النتائج، ولكلِّ المعوِّقات…
وكم هي الحاجة مهمَّةٌ ومهمَّةٌ جدًا إلى (التشاور)، وخاصة في القضايا الكبيرة والقضايا المصيريَّة…


تصوروا كم تتغيَّر الأمور في اتجاه الخير والصلاح لو طبَّقَ الحكام هذه النصيحة، ولو طبَّق السِّياسيون هذه النصيحة، ولو طبَّق كلُّ الناشطين والعاملين هذه النصحية…


الخصلة الثانية: «التوكّل على الله عند العزيمة»..
فالتوكّلُ على الله يملأ التحرك (قوةً وعزيمةً وصمودًا) والتوكّلُ على الله يمنح العاملين (كلَّ الاطمئنان) والتوكل على الله يُعطي النشاط (صبغة الروحية)، فما أحوجَ حراكاتنا الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية إلى (التوكّل على الله).


فلا تنهزم ولا تتراجع ولا تسقط حراكاتٌ تعتمد على الله تعالى وتتوكَّل عليه بعد التوفّر على الأسباب الموضوعية…


ولا يصاب العاملون المتوكِّلون على الله بأيِّ يأس أو إحباط او تأزم نفسي مهما واجهوا من محنٍ وشدائد…


ولا خسارة في طريق الله مهما كانت النتائج، فالمشدودون إلى الله رابحون، وما عداهم هم لخاسرون ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (الأنعام/ 21)، ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ (يونس/ 17)، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (المؤمنون/ 117).


الخصلة الثالثة: «مَنْ نصح أخاه سرًا فقد زانه، ومَنْ نصحه علانية فقد شانه».
النصيحة مسؤولية لتصحيح كلّ الأخطاء، إلَّا أنَّ للنصيحة ضوابطها وشروطها، إذا فقدتها كانت نتائجها عكسية…


ومطلوبٌ أنْ تحفظ النصيحة كرامة مَنْ تستهدفه، فمن الظلم له أن تكون النصيحة وسيلة تشهير وتسقيط….


نعم هناك مَنْ أسقطوا كلَّ الكرامات، وتجاوزوا كلَّ القيم، وهتكوا كلَّ الحرمات، فهؤلاء لا معنى أن يكونَ النصح لهم في الأجواء المغلقة، بل لا بدَّ من المجاهرة بالمناصحة، بل والمعارضة بكلِّ الأساليب المشروعة والقادرة على التأثير والتغيير…


خطابان متباينان:
لن أتحدَّث هنا عن خطاب المعارضة؛ فهو خطابٌ متَّهمٌ لدى السلطة، وهو خطابٌ منحازٌ ضدَّ البحرين!


أتحدَّث عن خطابين:
الخطاب الأول: خطابٌ صادرٌ عن مجلس حقوق الإنسان في جِنيف.
الخطاب الثاني: خطاب السلطة في مملكة البحرين.


الخطابان متباينان.. فأيّ الخطابين أقدر أن يثبت صدقيَّته؟
ماذا قال الخطاب الأول حول الأوضاع الراهنة في البحرين.
وماذا قال خطاب السلطة؟
في مراجعاته الدورية الشاملة والتي خصِّصت لدراسة تقرير البحرين، صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف (مائة وستة وسبعون توصية) موجَّهة إلى مملكة البحرين، وقد حدَّد المجلس شهر سبتمبر القادم كآخر موعد للردِّ على التوصيات…


ولن نستعجل الحديث عن محتملات الردِّ الرسمي لدولة البحرين، فربما يكون في هذا الاستعجال تجنٍّ، الأمر متروك إلى حين صدور الردِّ، إلَّا أنَّ هذه لا يتنافى مع قراءة (التوقعات) حول هذا الردِّ، انطلاقًا مِن رؤيةٍ تشكَّلت وأنتجت قناعةً بأن خطابَ السلطة ومنذ بدء الأزمة الأخيرة يصرُّ على صحَّة (خيار الأمن) الذي أدخل البلد في هذا المأزق الصعب، ويصرُّ على اتَّهام المعارضة بأنَّها المسؤولة عن كلِّ هذا الواقع المأزوم…
وفي ضوء هذه الرؤية سوف لن يخرج الردُّ عن هذا السِّياق…
ولنترك الكلام عن الردِّ وعن التوقعات…
ولنتحدَّث عن خلاصة ما عبَّر عنه خطاب مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وعلى لسان أكثر من ستين دولة.
طالب هذا الخطاب بالإفراج الفوري وبدون قيدٍ أو شرطٍ عن جميع الأشخاص المحكوم عليهم بسبب ممارستهم لحقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتجمّع…
وطالب الخطاب بمحاكمة جميع المسؤولين عن التعذيب وعمليات القتل غير القانونية، والاعتقالات التعسّفية..
وطالب الخطاب بوقف جميع أعمال الترهيب أو القمع ضدَّ المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمنظَّمات غير الحكومية…
وطالب الخطاب بتعزيز الحقِّ في حرية التعبير، والسَّماح لوسائل الإعلام الأجنبيَّة بدخول البلاد بحرية، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان…
وطالب الخطاب ببناء المساجد التي تمَّ هدمها…
وطالب الخطاب بإعادة جميع المفصولين في أعقاب أحداث فبراير ومارس 2011م لأسباب تتعلَّق بالحقِّ في حرية التجمّع السلمي…
وطالب الخطاب بإنشاء جهاز شرطة أكثر تنوعًا وانعكاسًا للمجتمع البحريني…
وطالب الخطاب بالوقف الفوري للعنف والاستخدام المفرط للقوة…
وطالب الخطاب بالتحقيق السريع في انتهاكات حقوق الإنسان ضدَّ المتظاهرين المسالمين، واحترام الحقوق المشروعة لجميع المواطنين في حرية التجمّع والتعبير عن الرأي…
وطالب الخطاب بتنفيذ التوصيات الواردة في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق…
وطالب الخطاب بإصلاحات ديمقراطيَّة…
وطالب الخطاب بإقامة حوارٍ وطني حقيقي ومفتوح تشارك فيه جميع الأطراف المعنية…
وهكذا في أكثر من مائة وستين توصية…


وفي المقابل ماذا يقول خطاب السلطة؟
يقول خطاب السلطة: لا يوجد معتقل رأي واحد في البحرين…
ويقول خطاب السلطة: لا عنف، لا قمع، لا تعذيب، لا قتل متعمد، ولا استخدام مفرط للقوة…
ويقول خطاب السلطة: لا اعتقالات تعسفية، لا مصادرة لحرية التعبير والتجمّع والتظاهر…
ويقول خطاب السلطة: لا انتهاكات لحقوق الإنسان في هذا البلد…
ويقول خطاب السلطة: لا تساهل مع كلِّ مَنْ يثبت ممارسته للتعذيب، والتعدِّي على حقوق المواطنين…
ويقول خطابُ السلطة: لا عمليات فصل لأسباب تتعلَّق بالحقِّ في حرية التجمّع والتظاهر والتعبير عن الرأي…
ويقول خطاب السلطة: لا رفض للحوار الحقيقي مع جميع الأطراف…
ويقول خطاب السلطة: لا تراجع عن الإصلاحات الديمقراطية الجادَّة…
إذًا نحن أمام خطابين متباينين كلّ التباين…
خطابٌ صادرٌ عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة…
وخطابٌ صادر عن السلطة في مملكة البحرين…
فأيّ الخطابين أقدر أنْ يُثبت مصداقيته؟
على الرغم أنَّه لا تكافأ بين خطابٍ مثَّل أكثر من (ستين دولة) بما فيها الدول الكبرى، وخطابٍ يعبِّر عن موقف دولةٍ واحدة…
وهل يُمكن أنْ يُتَّهم هذا العددُ الكبيرُ من الدول بالانحياز، والتأثر بخطاب المعارضة؟
الجوابُ متروك لكلِّ المنصفين، ولكلِّ أصحاب الضمائر الحرَّة…


وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى