حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 414:الدَّعوة والتحدِّيات – الإرهابُ وأدواتُ المواجهة – المؤسَّسات الدينية بين الاستقلال والهيمنة – جريمة نيجيريا ضد أتباع أهل البيت

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداة الميامين، وبعد فهذه بعض عناوين:


الدَّعوة والتحدِّيات:
انطلقْت الدَّعوةُ المباركةُ على يدِ النبيِّ الأعظم محمَّدٍ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وانطلقْت كلمتُهُ الخالدةُ «قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا»، والتحق بالدَّعوة أعدادٌ من الَّذينَ آمنوابها.


وبَدَأَ أعداءُ الرسالةِ يتحركون، ويخطِّطون، ويتآمرون…
واستمرتْ الرسالةُ واستمرتْ الدَّعوة…
واستمر الأعداء يُواجهونَ، ويُحاربونَ، ويَضعُونَ العقبات…
ولا زالتْ المعركةُ بين الرسالةِ وأعدائِها قائمةً حتَّى اليوم، وسوف تستمر حتَّى تُحْسَم نهائيًا لصالح الإسلامِ على يدِ المصلحِ الأكبر قائمِ آلِ محمَّد (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) حينما ينتصر على كلِّ قُوى الضلال، وعلى كلِّ كياناتِ الظلم والفساد، ولا تبقى أرضٌ إلّا نوديَ فيها بشهادةِ أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله…


إذًا المعركةُ ضدَّ الإسلامِ بدأتْ حينما انطلقتْ الدَّعوةُ على يدِ النبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) وقد اعتمدتْ هذه المعركة مجموعة أدوات، وقد تدرَّج أعداء الرسالة في استخدام هذه الأدوات:
استخدمُوا أولًا (الحرب النفسية) وفشلوا في ذلك..
فاستخدمُوا ثانيًا (الإغراءَ والمساومة) وفشلوا في ذلك..
فاستخدمُوا ثالثًا (المحاصرة والمقاطعة) وفشلوا في ذلك..
فاستخدمُوا رابعًا (العنف والتعذيب والقتل) وفشلوا في ذلك..
ويأتي الحديث مُفَصَّلًا عن هذه الأساليب.


وإلى جانب هذه التحدِّيات والتي شكَّلت (تحدِّياتٍ خارجية) كان هناك تحدِّي داخلي أصعب وأعقد وأخطر حيث شكَّلَ (المنافقون) طابورًا مارس دور العبثِ مِن الدَّاخلِ، وحاول أنْ يُربِك مسار الدَّعوة بأساليبَ مُتَسترةٍ وخَفيَّةٍ، إلَّا أنَّ الوحي كان يلاحقهم، ويُعرِّي خُطَطَهُمْ، ومكائدَهم ومؤامراتِهم…
وكما بالأمسِ، وعبر تاريخ الدَّعوة واجه الإسلام ودعاةُ الإسلام (تحدِّيات خارجية) خطيرة…


فكذلك اليوم التحدِّيات هي التحدِّيات، والأعداء هم الأعداء، وإنْ تغيَّرت الأسماء، وإنْ تطوَّرت الأدوات والأساليب.
وكما بالأمس شكَّل المنافقون اختراقًا خطيرًا فكذلك اليوم يعاني الإسلام والمسلمون من (اختراقات) أشدُّ خطرًا من اختراقات الأمس، فقد تشكَّلت جماعات تقمَّصت الدِّين كَذِبًا وزورًا، وتبرقعت بقيم الإسلام دَجَلًا ونفاقًا، وتمثل (جماعات التكفير) و(عصابات الإرهاب) أبرز الأمثلة لحالات (الاختراق) وعمليات العبث من الداخل وهو الأخطر والأفتك.
وإذا كانت الحروبُ المكشوفةُ ضدَّ الإسلام والمسلمين وبكلِّ أدواتِها العسكريةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ والسِّياسيةِ والأمنيةِ تشكِّل تهديدًا خطيرًا على الإسلام وعلى المسلمين ودُوَلِهم وشعوبهم.


فإنَّ جماعاتِ الاختراقِ التكفيري والإرهابي أحدثت من الأخطار ضدَّ الإسلام، وضدَّ هويةِ هذه الأمةِ، ومبادئها وثقافتِها وقيمها، وضدَّ شعوبِها وأوطانِها ما تجاوز منتجاتِ الحروبِ المكشوفة
للحديث عن هذا العنوان تتمة إن شاء الله…



الإرهابُ وأدواتُ المواجهة:
أصبح الإرهابُ يشكِّلُ رُعبًا عالميًا، وأصبحتْ مواجهةُ الإرهابِ تشكِّلُ خيارًا عالميًا…


والسؤالُ المطروحُ: هل أنَّ هذا الخيار هو خيارٌ جادٌّ؟


إذا صحَّ ما ذكره (بوتين) بأنَّ أربعين دولةً ممَّن حضرت مؤتمر السَّلام في تركيا هي داعمةٌ للإرهاب، فهذا يعني أنَّه ليس هناك اجماعٌ دولي حقيقي على مواجهة الإرهاب.


ولنفترض أنَّ هذا الاجماعَ موجودٌ فعلًا، فماذا أعدَّ العالم من أدواتٍ لمحاربة الإرهاب؟
يبدو أنَّ الأدواتِ الأمنية والعسكرية والإعلامية هي المعتمدة لمحاربة الأرهاب، وإذا سلَّمنا بجدية الحرب ضدَّ الإرهاب – وهذا محلُ شك كبير- فهل أنَّ الخيار الأمني والعسكري والإعلامي قادرٌ على إنهاءِ الإرهاب؟
أقصى ما يمكن أنْ ينجزه هذا الخيار هو إنهاء الإرهاب المتحرك، وربَّما استطاع أنْ يلاحق خلايا الإرهاب النائمة…


وهذا لا يعني إنهاء الإرهاب، ما دامتْ منتجات الإرهاب قائمةً، وتمارسُ دورَها المستمر في صُنعِ إرهابينَ جُدُد، وفي صُنعِ متطرفينَ جُدُد..
إذا كانَ للخيارِ الأمني والعسكري والإعلامي دورُهُ الكبير في ملاحقةِ التطرُّفِ والإرهابِ، فإنَّ الحاجةَ قائمة إلى أدواتٍ قادرةٍ على تجفيفِ المنابع، وإغلاقِ الحواضن وهذا هو الأساس في نجاح المعركة ضدَّ التطرُّف والإرهاب.


وأمَّا كيف تُجفَّفُ المنابعُ، وتغلقُ الحواضن فهنا مجموعة مسؤوليات:
• مسؤولياتُ أنظمةِ الحكمِ والسِّياسة.
• مسؤولياتُ علماء الدِّين.
• مسؤولياتُ رجالِ الفكر والثقافة..
• مسؤوليات المؤسَّسات الاجتماعية.
• مسؤوليات الجماهير.


فما لم تتحرَّك جميع هذه المسؤوليات، وما لم تتآزر وتتعاون فمن الصعب جدًّا السَّيطرة على منابع وحواضن التطرُّف والإرهاب.
وهذه المسؤولياتُ في حاجةٍ إلى توضيح وتفصيل، ونترك ذلك إلى حديث قادم إنْ شاء الله تعالى.


المؤسَّسات الدينية بين الاستقلال والهيمنة:
حينما نطلق عنوان (المؤسَّسات الدينية) فنعني المساجد، والحسينيات، والحوزات، وبرامج التعليم الدِّيني…


وحينما نتحدَّث عن الاستقلال فلا نعني الخروج على أنظمة الدَّولة، ما دامت هذه الأنظمة في مصلحة الناس والوطن.


وحينما نتحدَّث عن الهيمنة فنعني أنْ تكون هناك وصاية رسمية على شؤونِ المؤسَّساتِ الدينية، فيما هي أنظمتُها، وإداراتُها، ومناهجُها، وأساتذتُها، وعلماؤُها، وخطباؤها، وأموالُها…


عبر التاريخ حافظتْ مؤسَّساتُنا الدينيةُ على استقلالها في جميع شؤونها دون أنْ يُشكِّل هذا الاستقلال أيّ تقاطع مع أنظمة الدُّول وقوانينها، ودون أنْ يُشكِّل أيّ إرباك لأمنها واستقلالها…


إنَّ الإصرار على استقلالية مؤسَّساتنا الدينية لا ينطلق من حسابات سياسية أو طائفية، وإنَّما هي الرؤيةُ الشرعية التي تفرضُ ذلك، ولا تسمح لنا أنْ نتخلَّى عن هذه الاستقلالية، وإلَّا كنَّا خارجين على الشرع والدِّين…
حينما كان لنا موقف من (كادر الأئمة) فانطلاقًا من هذه الرؤية الشرعية…
وحينما رفضنا أيَّ مساسٍ بمساجدنا وحسينياتنا فهو تعبير عن هذه الرؤية الشرعية…


وحينما عارضنا أيَّ توجُّهٍ للتدخلِ في شؤون حوزاتنا، فنحن ملتزمون بهذه الرؤية الشرعية… وفي ضوء محاولات هنا أو هناك لتأسيس حوزات دينية تخضع للوصاية الرسمية، فقد صدرت فتاوى لعدد كبير من الفقهاء تحذِّرُ من هذا الاتجاه، بماله من آثار ضارَّه جدًا بالمساراتِ الدِّينية، وبالهوية الروحية، وكذلك أصدر عدد من علماء هذا البلد المعروفين بيانًا أكَّدوا فيه: (أنَّ الرأي الفقهي في مسألة الحوزاتِ الدينية أنَّه مهما كان من حوزات باسم الدِّين، فإنَّ النوع الوحيد المقبول فقهيًا هو ما لم تكن لأيِّ سياسيةٍ دنيوية شيئٌ من الهيمنة على أساتذتِها، أو طلابِها، أو برامِجها، أو خريجيها، أمَّا ما كان من النوع الثاني فهو مرفوض على المستوى الشرعي الفقهي الواضح، والمساعدة على هذا النوع من الحوزات مساعدة على الإثم).


كلمة أخيرة
ما حدث في نيجيريا ضدَّ أتباع أهل البيت (عليهم السَّلام) أمر في غاية البشاعة، حيث تمَّ الاعتداء على أحد المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، واطلقت النَّار على المصلين، كما تمَّ الاعتداء على حسينية يقام فيها العزاء على سيِّد الشهداء الحسين بن علي سبط رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كما وحوصر منزل الزعيم الديني للطائفة الشيعية في نيجيريا الشيخ إبراهيم الزكزكي.


وكانت حصيلة هذه الاعتداءات الآثمة أن سقط مئات الشهداء، ومئات الجرحى والمصابين، أمَّا مصير الزعيم الديني للشيعة في نيجيريا ومصير زوجته فلم يتضح حتى يوم أمس، غير أنَّ ابنه الأكبر قد التحق بركب الشهداء.


كم هي جناية كبرى هذه الأعمال الشائنة، والتي تعبِّر عن نزعةٍ مملوءةٍ حقدًا طائفيًا، ممَّا أنتج هذا المستوى من التطرف، وهذا المستوى من العبث بأرواح الأبرياء، بلا ذنب إلَّا كونهم شيعة لأهل البيت هكذا يتغذَّى الإرهاب، وهكذا يُصنع الإرهابيون.


ومهما تعالت صيحات التنديد بالتطرف والإرهاب، فإنَّ بقاء المنابع والحواضن هو الأخطر…


إنَّنا نؤكِّد الاستنكار لهذه الجريمة النكراء التي أودت بحياة هؤلاء من أتباع أهل البيت، كما نطالب كلّ القوى الشريفة والمنصفة في العالم أنْ تستنكر هذا العمل الآثم.


وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى