حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حدبث الجمعة 377: فكيف نحيي الموسمَ العاشورائيَّ إحياءً ناجحًا؟(1) – وتستمر الأزمة السِّياسية

بسم الله الرحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الهداة المعصومين…


موسم عاشوراء:


نستقبل موسمًا عاشورائيًّا جديدًا، فكيف نحيي الموسمَ العاشورائيَّ إحياءً ناجحًا؟
ونجاحُ الإحياءِ العاشورائي بقدر ما يكون معبِّرًا عن قضية عاشوراء الحسين عليه السَّلام.


ولكي يكون الإحياءُ معبِّرًا عن قضية عاشوراء الحسين عليه السَّلام يحتاج إلى الشروط التالية:


الشرط الأول: الاستحضار الواعي لقضية عاشوراء الحسين عليه السَّلام، فكلَّما ارتقى مستوى هذا الاستحضار الواعي ارتقى مستوى الإحياء العاشورائي، وكلَّما انخفض مستوى الاستحضار الواعي انخفض مستوى الإحياء العاشورائي.
والاستحضار الواعي يُنتجه:


(1) ثقافة عاشورائيَّة واعية:


الثقافة العاشورائية الواعية الأصيلة النقية تنتج حضورًا عاشورائيًا واعيًا وأصيلًا ونقيًا، أمَّا إذا كانت الثقافة ساذجةً، وخاويةً، ومغلوطةً فإنَّها تنتج حضورًا عاشورائيًا مزوَّرًا وساذجًا وغبيًّا ومتخلِّفًا…


وحينما نتحدَّث عن الثقافة العاشورائية نتحدَّث عن ثقافة منبر وثقافة موكب، وثقافة جمهور، وهنا يأتي دور المصادر التي تصنع ثقافة المنبر وثقافة الموكب وثقافة الجمهور، فإنْ كانت هذه المصادر معتمدة، وموثَّقة، وأمينة، أنتجت ثقافةً سليمةً، وصحيحةً، وبصيرةً، أمَّا إذا كانت هذه المصادر غير معتمدة، وغير موثَّقة، وغير أمينة أنتجت ثقافةً سقيمة، وخاطئةً، وتائهةً…
كم هو خطير وخطير على ثقافة الأجيال العاشورائية حينما يُعتمد في إنتاج هذه الثقافة على خرافات وأساطير وروايات مكذوبة، وعلى قصص محبوكة من أجل الإبكاء فقط ومن أجل استدرار الدمعة فقط.


إنَّ واقع المأساة العاشورائية قادر أنْ ينتج الحزن والأسى والدمعة بلا حاجة إلى إضافات مخترعة، وقصص مكذوبة، ربَّما أساءت إلى قضية عاشوراء، ورَّما شوَّهت الصورة الحقيقية…


وإذا كانت أجيال شيعية سابقة ببراءتها وصفائها قبلت بتلك التوصيفات المخترعة، فإنَّ الأجيال القادمة لا يمكن أنْ تتفاعل مع هذا اللون من الطرح العاشورائي، وما عادت تلك الأساليب قادرة أنْ تنتج الحزن وتحرك الدمعة عند هذه الأجيال.


(2) خطاب عاشورائي واعي:


الخطاب العاشورائي هو (الأداة) التي تحمل (الثقافة والمفاهيم والرؤى العاشورائية) فإذا كانت هذه الأداة قادرة ومؤهلَّة وكفوءة استطاعت أنْ تعبِّر عن الثقافة العاشورائية بنجاح، وإلَّا كانت فاشلة وعاجزة وقاصرة..


حينما نتحدث عن (الخطاب العاشورائي) نتحدث عن:
• خطاب المنبر.
• خطاب الموكب (القصائد/ الردَّات/ الشيلات).
• خطاب الشعارات واللافتات.
هذه الأصناف من الخطاب هي التي توصل (المفاهيم العاشورائية) إلى الجماهير..
يضاف إلى ذلك: المحاضرات، الندوات، المهرجانات، الكتابات، الإصدارات,
وكذلك كلّ الوسائل الإعلامية والتواصلية الحديثة التي أخذت موقعها في كلِّ الأوساط، وأصبحت فاعلة في إيصال (الأفكار والمفاهيم) من خلال (الصوت والصورة) إلى جميع العالم، فما عاد (الخطاب العاشورائي) خطابًا محليًا ومحدودًا، بل امتد بامتداد (الوسائل الإعلامية).


فالخطر كلّ الخطر حينما يكون (الخطاب العاشورائي) متخلفًا، وقاصرًا، وفاشلًا، وحينما يكون مؤزِّمًا، وموتَِّرًا، ومفرِّقًا… فإنَّه بذلك يوصل (صورة مشوَّهة) عن عاشوراء، وعن موسم عاشوراء، وعن أبناء عاشوراء..


مطلوب أنْ يتوفَّر الموسم العاشورائي على:
• كفاءات خطبائية مؤهلة وكفوءة وقادرة أنْ تقدِّم (مفاهيم عاشوراء) بطريقة واعية، وسليمة، ونظيفة، ومشرقة…
• وكذلك كفاءات مؤهَّلة ومتميِّزة من الشعراء والرواديد..
ولا تكفي (المهارات الصوتية) بل لابد من:
• مؤهلات علمية وثقافية.
• ومؤهلات روحية وأخلاقية.
• ومؤهلات سلوكية.
• ومؤهلات رسالية.
• ومؤهلات خطابية.
فالخطيب أو الرادود الذي يملك (مهارة صوتية) متميِّزة قادرة أن تجتذب الجمهور إلَّا أن هذا الخطيب أو الرادود فاقد للمؤهلات الضرورية، فكم هو خطره على هذا الجمهور؟
كيف سوف يتشكَّل هذا الجمهور؟
ما هي الصورة التي سوف تنغرس في ذهنه عن عاشوراء، ومفاهيم عاشوراء، وقيم عاشوراء…؟.


ومن المؤسف جدًا أن الكثير من الجمهور العاشورائي يبحثون عن (المهارات الصوتية) فقط، وعن (الكفاءات) القادرة على الإبكاء وإنتاج الدمعة، هذا بلا إشكال مطلوب جدًا، فمأساة عاشوراء لابد من استحضارها، والحزن العاشورائي يجب إبقاؤه، والعاطفة العاشورائية، يجب أن تستمر، وإلَّا تكلَّست المفاهيم، وخمدت الروح العاشورائية حينما تكون مفرغة من (الوعي) و(البصيرة) و(المفاهيم) تصبح عواطف منفلتةً، ومشاعر ساذجة، وما أكثر ما سرقت هذه العواطف والمشاعر من خلال رؤى منحرفة عن خط عاشوراء، ومن خلال شعارات متناقضة مع نهج عاشوراء، ومن خلال ممارسات تصادر أهداف عاشوراء..


ما هو السبب؟
هو غياب (الوعي العاشورائي) أو هبوط هذا الوعي، مما ينتج كفاءات من خطباء وشعراء ورواديد غير مؤهلين لطرح مفاهيم عاشوراء وغير قادرين على صنع أجيال عاشورائية واعية، وكذلك لا يملكون اللغة القادرة على مخاطبة أجيال الأمة الجديدة.


فإذا كان الاستحضار الواعي لقضية عاشوراء الحسين عليه السَّلام في حاجة إلى:
• ثقافة عاشورائية واعية، وهذا ما تحدثت عنه النقطة الأولى.
• وخطاب عاشورائي واعي، وهذا ما تحدَّثت عنه النقطة الثانية.
فهو في حاجة إلى:


(3) فعاليات عاشورائية واعية:


وهذه الفعَّاليات هي المراسم العاشورائية العملية التي من خلالها يتم إحياء عاشوراء الحسين.


وأبرز هذه المراسم العاشورائية:
1. إقامة المجالس الحسينية.
2. خروج المواكب الحسينية.


وهذان النوعان من مراسيم الإحياء العاشورائي يتصدران جميع الفعَّاليات، ويعتبر إقامة مجالس العزاء هو أقدم المراسيم، وقد تأسَّس في عصر الأئمة المعصومين عليهم السَّلام، وقد وردت الروايات الثابتة عنهم عليهم السَّلام والحاثَّة على إحياء هذه المجالس، والبكاء على الإمام الحسين عليه السَّلام، وإظهار الحزن في يوم عاشوراء.


• جاء في كامل الزيارات لابن قولويه أنَّ الإمام الصَّادق عليه السَّلام قال لأبي هارون المكفوف:
«يا أبا هارون أنشدني في الحسين»
قال: فأنشدتُه فبكى…
فقال عليه السَّلام: «أنشدني كما تنشدون» يعني بالرقة..
فأنشدتُه:
أُمررْ على جَدَثِ الحسين     وقٌلْ لأعظمِهِ الزكية
فبكى، ثم قال: «زدني»
فأنشدتُه القصيدة الأخرى
قالك فبكى، وسمعتُ البكاءَ مِن خلفِ الستر.
قال أبو هارون: فلَّما فرغتُ قال لي:
«يا أبا هارون مَنْ أنشد في الحسين عليه السَّلام شعرًا، فبكى وأبكى عشرة كتبت له الجنة، ومَنْ أنشد في الحسين شعرًا فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنة، ومَنْ أنشد في الحسين  شعرًا فبكى وأبكى واحدًا كتبت له الجنة».
• وجاء عن الإمام زين العابدين عليه السَّلام:
«أيّما مؤمن دمعتْ عيناه لقتل الحسين عليه السَّلام دمعةً حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفًا يسكنها أحقابًا».
• وجاء عن الإمام الرضا عليه السَّلام:
«مَنْ تذكَّر مصابنا وبكى لما ارتكب منَّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومَنْ ذكر مصابَنا وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومَنْ جلس مجلسًا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
• وقال الإمام الصَّادق عليه السَّلام للفضيل:
«يا فضيل تجلسون وتتحدَّثون؟»
قال: نعم يا سيدي
قال عليه السَّلام: « يا فضيل هذه المجالس أحبُّها، أحيوا أمرَنا، رحم الله امرءًا أحيا أمرَنا».


نتابع الحديث إنشاء الله تعالى.


 


وتستمر الأزمة السِّياسية:


وتستمر الأزمة السِّياسية في هذا البلد بكلِّ أسبابها، وبكلِّ مظاهرها، وبكلِّ تداعياتها…


لماذا هذا الاستمرار لهذه الأزمة؟
هل لأنَّ أسبابَها غير معروفة؟
وهل لأنَّ مظاهرَها غير واضحة؟
وهل لأنَّ تداعياتها غير مكشوفة؟


الجواب عن كلِّ التساؤلات جليّ وصريح، فالأسباب معروفة تمامًا، هناك واقع سياسي خاطئ، يحتاج إلى تصحيح، وما لم يُصحَّح هذا الواقع لا يمكن أنْ تنتهي الأزمة، إنَّ إنكار هذه الحقيقة لن يزيد الأزمة إلَّا تعقيدًا…


ولماذا هذا الإنكار والمسألة في غاية الوضوح؟


فبداية الحل هو الاعتراف بوجود الأزمة، ومسار الحل هو البحث عن الأسباب، ومصداقية الحل هي العمل الجاد الصَّادق لمعالجة الأسباب.
ثمَّ إنَّ مظاهرَ الأزمة واضحة كلَّ الوضوح، لا تحتاج إلى بحث ولا إلى تنقيب، فمسارات الواقع السِّياسي ومكوِّناته تصرخ بوجود أزمة بل أزمات، وإنكار ذلك مكابرة مكشوفة، ومجافاة للحقيقة، أمَّا تداعيات الأزمة فهي فارضة نفسها على كلِّ الواقع في هذا البلد، وعلى كلِّ أبناء هذا الشعب، والمسالة لا تحتاج إلى برهنة وإلى إثبات، فالواقع الأمني الضاغط أحد تداعيات هذه الأزمة، وإلى جانبه تداعيات أخرى كثيرة أرهقت ولا زالت ترهق أبناء هذا الشعب.


وظل الشعب يحمل الأمل تلو الأمل عسى أنْ تنفرج الأمور، وتصحح الأوضاع، وينطلق الحل، إلَّا أنَّ الآمال تتلاشى وتموت…
كان الأمل أنْ تأتي الانتخابات البرلمانية لتدشن مرحلةً جديدةً لمعالجة الأوضاع، وتصحيح المسار، وإنقاذ البلاد، إلَّا أنَّها جاءت لتكرِّس الأزمة، وتعقِّد الأمور، وتجذِّر المأزق.


كنَّا نأمل وبكلِّ صدق أنْ نقول (نعم) لهذه الانتخابات، ولكنَّنا وجدنا أنفسنا مضطرين أنْ نقول (لا) بكلِّ إصرار واقتناع…
لا خيار أمامنا إلَّا أن نقول (لا)..
ليست المسألة مناكفةً ومكابرةً وعنادًا..
وليس الأمرُ رغبةً جامحةً في الرفض والمعارضة…
لماذا نرفض، إذا كانت الانتخابات خطوة جادَّة في طريق الإصلاح، وفي طريق التصحيح.
الأمر ليس كذلك، لم نستطع أنْ نقنع أنفسنا بجدوى هذه الانتخابات، وبجدوى المشاركة ترشيحًا وانتخابًا.


قال البعض: لماذا لا تجرِّبُوا، فالتجربة خيرٌ من السلبية ومن الغياب..
قلنا: جرَّبنا وجرَّبنا… وكانت التجربة مرَّةً وقاسيةً وفاشلةً…
وتكرار التجارب الفاشلة لا يقدم عليه العقلاء، لو لاح في الأفق بعضُ أملٍ، ولو وجدنا بادرةَ تصحيحٍ وتغييرٍ، لكان لتكرار التجربة وجه، وما كان لنا عذر في الغياب والمقاطعة…


وإذا كانت قناعتنا أن لا نشارك فإنه لن نسمح لأنفسنا أنْ نخوِّن أو نتهم أحدًا خالفنا القناعة، ولا نسمح أنْ يُمارس التشاتم والسّباب وتبادل الاتهامات..
فالاختلاف حقٌّ مشروع وله قيمه وأخلاقه ومبادؤه..


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين


فيديو

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى