قضايا الساحةقضايا محلية

المسألة الدستورية ليست عقدة مستعصية

المسألة الدستورية ليست عقدة مستعصية


يتفق الجميع في هذا البلد على ضرورة العمل من أجل إنجاح مشروع الإصلاح، وتحريك أهدافه، ويتفق الجميع في هذا البلد على ضرورة إزالة كل المعوقات التي تقف في طريق هذا المشروع، ويتفق الجميع في هذا البلد على أن المسألة الدستورية تشكل العصب الأساس في حركة الإصلاح والتغيير…


السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين المشكلة إذا؟
المشكلة تتحرك في مرحلتين: المرحلة الأولى: الخلاف على وجود أزمة دستورية. المرحلة الثانية: الخلاف على كيفية العلاج.
في المرحلة الأولى: الاتجاه المعارض يؤكد من خلال خطابه السياسي وجود أزمة دستورية حادة في البلد، هذه الأزمة في حاجة إلى معالجة جادة وعاجلة من أجل حماية أهداف المشروع الإصلاحي، ومن أجل الدفع بهذا المشروع في اتجاهاته الصحيحة، ومن أجل تخفيف كل التداعيات والتوترات والاحتقانات السياسية والأمنية. أما الاتجاه الرسمي فينفي وجود أية أزمة دستورية، والأمر لا يتعدى رغبات تتحرك مطالبة ببعض التعديلات، وهذا حق مشروع لكل المواطنين، وإنه من المبالغة السياسية هذا النفخ في المسألة لتتحول إلى أزمة تنذر بالخطر… هذا هو المنطق الرسمي.
وليس انحيازا إلى خطاب المعارضة حينما نقول ان اللغة الرسمية تمارس تبسيطا – لا مبرر له – لهذه المشكلة، ولاشك أن هذا التبسيط له تأثيراته السلبية في تأزيم الأوضاع.


السلطة يعنيها – بلا إشكال – أن يتحرك مشروع الإصلاح في مساراته الصحيحة، وألا تتعثر أهدافه، وألا ترتبك خطواته، وهذا لا يتناسب مع لغة التبسيط والنفي، ما يضع المشروع أمام تراكمات من الأخطاء والتعقيدات والإشكالات، وفي هذا كل الخطر على المشروع، وحتى لو كانت قناعة السلطة ذلك، فلابد أن تضع في حسابها وهي تتعاطى مع القضية الدستورية ما يتحرك في الساحة من إشكالات وقناعات، وإلا سارت الأمور في طريق التأزم والتناقض ما ينعكس سلبا على مسيرة البناء والتغيير.
إن الشارع البحريني بكل انتماءاته وأطيافه وفئاته ومؤسساته يحمل هم المسألة الدستورية، كون هذه المسألة لها تأثيراتها على الكثير من الملفات: ملف البطالة، ملف التمييز، ملف الفساد الإداري والمالي، ملف التجنيس، ملف الحريات، ملف المشروعات التي تهدد أخلاق البلد وأصالة البلد، وملفات أخرى كثيرة تهم المواطن البحريني… ثم إن هذه المسألة تحدد موقف المشاركة أو المقاطعة في العملية السياسية.
وإذا انتقلنا إلى المرحلة الثانية في هذه المشكلة، فنواجه خلافا بشأن “آلية العلاج”… السلطة مطلوب منها أن تخطو خطوات جادة من أجل “الحلحلة” المقبولة، وان الاصرار على بقاء الأمر كما هو من دون زحزحة أو حلحلة منصفة لن يزيد الأوضاع إلا تعقيدا وتأزيما وإرباكا، وقوى المجتمع الدينية والثقافية والسياسية مطلوب منها أن يكون خطابها على درجة كبيرة من العقلانية والحكمة والمرونة بعيدا عن حالات الانفعال والتشنج، وأن يكون خطابها على درجة كبيرة من الواقعية لا بمعنى الاستسلام لما يفرضه الواقع بكل أخطائه وتجاوزاته، ولا بمعنى التفريط في الأهداف والمبادئ والقناعات، وإنما بمعنى ألا يعيش المجتمع أحلاما طوبانية تجعله معزولا عن حركة الواقع، وبمعنى أن يمارس العمل لتغيير الواقع بأدوات الواقع المشروعة.


وأما الشارع البحريني فمطلوب منه الثبات على خط المبادئ والأهداف، ومطلوب منه أن يملك وعيا ونضجا إسلاميا، وحسا أخلاقيا، وروحا حضارية، ورشدا سياسيا في التعاطي مع قضايا الساحة وهموم المرحلة، ولاشك أن كلمة الشارع لها تأثيرها الكبير على كل المستويات، وبمقدار ما تكون هذه الكلمة بصيرة ورشيدة يكون التأثير أقوى وأكثر عطاء.
خلاصة ما أريد أن أوكده، أن المسألة الدستورية ليست عقدة مستعصية على الحل إذا تضافرت الجهود، وصدقت النوايا، وساد التعقل، وبدأ الحوار والتفاهم.


إننا نحمل كل الأمل أن يتحرك الحل الصائب لأزمة الدستور ولإشكالات العملية السياسية، لنكون جميعا شركاء في الإصلاح والبناء والتغيير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


استمع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى