الرسول الأكرم (ص)من وحي الذكريات

لكي ندخل الفرحة على قلب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)

 


بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ….


لا يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذكرى مولده :
أن نقيم الإحتفالات والمهرجانات،
وأن نتغنى بالأهازيج والمدائح والتواشيح،
وأن ندّبّج الأشعار والقصائد والأناشيد،
وأن نتفنن في صياغة الخطب والكلمات والأحاديث،
وأن نبالغ في المظاهر والشكليات والزينات،
كلَّ ذلك لا يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله،
متى يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟


ومتى يحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ؟
 يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تتحول إحتفالاتنا إلى منطلقات للتغيير.
 يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تعبّر إحتفالاتنا عن عواطف عملية متحركة.
 يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما يتحول خطابنا في هذه الإحتفالات إلى خطاب حاضر جريء واعٍ هذه محطات ثلاث أتناولها بإيجاز :


المحطة الأولى :
(1) يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تتحول إحتفالاتنا ومهرجاناتنا إلى منطلقات حقيقية لتغيير كلَّ أوضاعنا الفاسدة، أوضاعنا الأسرية، وأوضاعنا الأخلاقية، وأوضاعنا الثقافية، وأوضاعنا الإجتماعية وأوضاعنا السّياسية.
ويحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تتحول إحتفالاتنا ومهرجاناتنا إلى مجرد حالات إستهلاكية راكدة لا تغيّر شيئاً في أوضاعنا وفي واقعنا.


إيهّا الأحبة :
إحتفالاتنا ومهرجاناتنا بين خيارين :
الخيار الأول :
أن تكون إحتفالاتنا فاعلة ومغيّره فهي الإحتفالات والمهرجانات التي ترضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وتفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.
الخيار الثاني :
أن تكون إحتفالاتنا ومهرجاناتنا راكدة جامدة إستهلاكية لا تغيّر شيئاً في أوضاعنا الفاسدة، فهي إحتفالات ومهرجانات لا ترضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.
وهي تحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.


المحطة الثانية :
(2) يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تكون مدائحنا وأشعارنا وقصائدنا وأناشيدنا تعبّر عن (العواطف العملية المتحركة)، حينما نحوّل الحب والعشق الذي نتغنّى به (حب النبي صلى اللّه عليه وآله وحب أهل بيته الأطهار) حينما نحوّل هذا الحب والعشق إلى (إقتداء عملي).
ويحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما تكون مدائحنا وأشعارنا وقصائدنا وأناشيدنا مجرد عواطف نظرية، وحينما لا يتحول الحب والعشق إلى إقتداءٍ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وإلى إقتداء بالأئمة الأطهار.
 قال إمامنا محمد بن علي الباقر عليه السَّلام في حديث له مع جابــر الجعفـــي – أحد أصحابه : ( يا جابر أيكتفي من أنتحل التشيّع أن يقول يحبنا أهل البيت؟)


الإمام هنا يريد أن يقول :
إنّ التشيع لأهل البيت (ع) ليس مجرد كلمات تقال، وليس مجرد إدعاءات لا واقع لها، وليس مجرد عواطف ومشاعر وأحاسيس فارغة، وليس مجرد شعارات لا تتحرك على الأرض،
فما التشيّع؟ ومن هم الشيعة ؟
يجيب الإمام الباقر عليه السلام فيقول : ( فو اللّه ما شيعتنا إلاَّ من اتقى اللّه وأطاعه) فإذا كنا لا نجسّد التقوى والطاعة للّه فيجب أن نعيد حسابنا في دعوى إنتمائنا إلى خط الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
فالحب الحقيقي يجب أن يترجمه العمل، ويجسّده السلوك، ويعبر عنه الإقتداء، والمتابعة، وإلاّ كان حباً شكلياً فارغاً باهتاً لا يحمل قيمة حقيقيه.


أيهّا الأحبة في اللّه :
لا تنفعنا العواطف مهما تصاعدت وتأججت ما دامت لم تتحول إلى سلوك وممارسة والتزام، نحن في حاجة إلى العواطف فهي تعطينا الحرارة والنبض والدفء والانصهار والذوبان، ولكن بشرط أن تكون عواطف متحركة في خط العمل، وبشرط أن تكون عواطف صادقة، ولا تكون العواطف صادقة إلاّ إذا أنتجت عملاً ملتزماً، وسلوكاً منضبطاً ..
 (قال إن كنتم تحبون اللّه فإتبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم).
 وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( من أحبنا فليعمل بعملنا، ويستعن بالورع).
 وقال الإمام الصادق عليه السلام : (ليس من شيعتنا من وافقنا بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا).


هكذا يريدنا أئمتنا الأطهار :
أن نكون الأتقياء الصالحين، كما كانوا هم الأتقياء الصالحين …
وأن نكون العاملين الطائعين للّه، كما كانوا هم كذلك ….
وأن نكون المجاهدين الصابرين كما كانوا هم كذلك ….
فلا تغرنكم أيها المؤمنون كلمات تطلق أو هناك، وأحاديث مكذوبة تقول لكم : ما دمتم تحبون أهل البيت فافعلوا ماشئتم، ارتكبوا المحرمات، انتهكوا الحرمات، مارسوا المنكرات، اظلموا، أعتدوا، أكذبوا، أغتالوا، فلن تدخلوا النار لانكم تحبون أهل البيت …


هذه أحاديث وضعها العابثون الكذابون ….


هل أنّ الانتماء إلى أهل البيت وسيلة للتسيب والانحراف والعصيان والتمرد على أحكام اللّه ؟
لقد أساء هؤلاء إلى أهل البيت (ع)،
أترى أنَّ أئمتنا الأطهار الذين عاشوا أعلى درجات الطاعة والإلتزام والقرب من اللّه تعالى وأعلى درجات العبادة والإنقطاع إلى اللّه وتحملّوا أقسى ألوان العناء والتعب، وأودعوا السجون والطوامير والـزنــزانـات، وشـردّوا، وذبحّوا وقتّلوا.


كلَّ ذلك من أجل أن يأتي جماعة يدّعون أنهّم يحبون أهل البيت، يمارسون ما يشاءون متجاوزين أحكام اللّه، ثم تكون أبواب الجنان مفتحة لهم يدخلونها بسلام آمنين.


ما هكذا يفهم الحب لأهل البيت (ع)،
وما هكذا يفهم الولاء.
جبنا لأهل البيت وولائنا لأهل البيت هو الذي يعلّمنا كيف نكون المسلمين الحقيقيين، وكيف نكون المؤمنين الصادقين، وكيف نكون المتقين الصالحين، وكيف نكون المجاهدين الصامدين وكيف نكون الرافضين للظلم والباطل والمنكر وكيف نعطي دماءنا في سبيل المبدأ والعقيدة.
هكذا قال لنا أئمتنا الأطهار :
( من كان للّه مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان للّه عاصياً فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلاَّ بالورع والعمل).
 وهكذا قال لنا أئمتنا الأطهار :
(ليس منا ولا كرامة من كان في مصرٍ فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه …)


المحطة الثالثة :
(3) يفرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما يتحول خطابنا في هذه الإحتفالات إلى (خطاب حاضر).
وحينما يتحول إلى (خطاب جريء)
وحينما يتحول إلى (خطاب واعي)
فما أحوجنا في هذه المرحلة الصعبة إلى خطاب حاضر في كل قضايا الساحة السّياسية، والساحة الثقافية، والساحة الإجتماعية.
وما أحوجنا في هذه المرحلة الصعبة إلى خطاب جريء لا يساوم ولا يهادن.
وما أحوجنا في هذه المرحلة الصعبة إلى خطاب واعٍ يملك الرؤية والبصيرة في التعاطي مع قضايا السَّاحة الداخلية والخارجية.
إذاً رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يرضى أن يكون خطابنا غائباً لا يحمل هموم الناس ومشاكل الناس، ولا يحمل نبض الجماهير ولا يتعاطى مع قضايا السَّاحة.


إذا كان خطابنا يتحدث عن القيم الروحية والأخلاق، والتقوى، والصلاح، والطهر والفضيلة.
فيجب أن يتحدث عن البطالة، وأزمة السكن، والتمييز المذهبي في الوظائف، وحقوق الشعب المدنية، والتجنيس، والهموم السّياسية، وإشكلات المشروع السّياسي، وقضايا الثقافة وقضايا الإعلام، وقضايا التعليم، وقضايا الاقتصاد، والقضايا الإجتماعية، وقضايا الأسرة، وقضايا المرأة، وقضايا الشباب وقضايا الأطفال و …… و……. إلى آخر القضايا.


فالخطاب الإسلامي يتميز بأنّه خطاب شامل يتناول حاجات الإنسان الروحية وحاجات الإنسان المادية.
فالخطاب الذي تغيب فيه حاجات الإنسان الروحية خطاب ظالم للإنسان، لذلك فنحن نرفض كلَّ الخطابات السّياسية والإجتماعية والثقافية التي لا تطالب بالقيم الروحية ولا تطالب بتأصيل الحياة في خط الدين، مهما حملت هذه الخطابات من شعارات كبيرة للدفاع عن الإنسان وعن حقوق الإنسان الإنسان ليس بطناً فقط، وليس فرجاً فقط وليس دنيا فقط.
وكذلك الخطاب الذي تغيب فيه حاجات الإنسان المادية خطاب ظالم للإنسان، ولذلك فنحن نرفض الخطابات الروحية التي تتنكر لضرورات الإنسان المادية.


فالخطاب المتوازن هو الخطاب الذي يدعو إلى إنعاش الدين والقيم والأخلاق ويدعو إلى إنعاش الحاجات المادية في حياة الإنسان.
وهنا سوف يكون الإنعاش المادي محكوماً للدين والقيم والأخلاق.
 والذين يدعون إلى الإنعاش الثقافي بعيداً عن الدين والقيم والأخلاق يحولون الثقافة إلى كارثة كبرى في حياة الإنسان والمجتمع.
  والذين يدعون إلى الإنعاش الإقتصادي بعيداً عن الدين والقيم والأخلاق يحوّلون الإقتصاد إلى كارثة كبرى في حياة الإنسان والمجتمع.
 والذين يدعون إلى الإنعاش الإجتماعي بعيداً عن الدين والقيم والأخلاق يحوّلون الواقع الإجتماعي إلى أزمات وكوارث خطيرة في حياة الانسان.


أيهّا الأحبة :
إذا كنا في حاجة أن نملك خطاباً حاضراً في كلَّ قضايا الساحة، فيجب أن يكون هذا الخطاب جريئاً وواعيا.
فما لم يكن الخطاب جرئياً فلن يستطيع أن يحاسب قضايا السَّاحة بشجاعة، وسوف يكون خطاباً جباناً، منهزماً، ضعيفاً، وسوف يكون خطاباً مساوماً، مداهناً.


وهنا سوف يكون الخطاب أداة في أيدي الأنظمة المتسلطة، وفي أيدي القوى السّياسية والثقافية والإجتماعية المهيمنة.


ومالم يكن الخطاب واعياً، فسوف يسقط في المتاهات الضائعة، وسوف يسقط في المسارات المنحرفة، وسوف يسقط في الأعيب السّياسية الزائفة، وفي مزالق الثقافة الضّالة.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى