حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 207: مستثنيات الغيبة – ماذا بعد جنيف؟ – لا زال نزيف الدم مستمرًا – هكذا يُقاد النخبة من أطباء البلد..

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين، وبعد فهذه بعض كلماتٍ:


مستثنيات الغيبة:
ذكر الفقهاءُ للغيبةِ مستثنيات، وهي موارد يسوغ فيها الغيبة، ويجب على المؤمنين أنْ يستوعبوا هذه الموارد بدقَّةٍ، خشيةَ أنْ يتورَّطوا في الغيبة المحرَّمة، بتوهم أنَّها من المستثنيات، ثمَّ إنَّ هذا الاستثناء له شروطه يجب التأكد منها قبل الإقدام على ممارسته، فالذين يسقطون في منزلق الغيبة وهو منزلق خطير صنفان:
– صنف يتعمَّدون ارتكاب هذه المعصية الكبيرة وهم يعلمون أنَّهم يمارسون معصيةً وإثمًا يستحقون عليه العقاب الأخروي…


– وصنفٌ يمارسون الغيبة اشتباهًا، وبتوهم أنَّها من المستثنيات السائغة، وهي ليست كذلك، وهذا لا يعفيهم من الحساب والعقاب، ما داموا قد تهاونوا في البحث والتشخيص والسؤال…


نعم  يعذر مَنْ بذل جهدًا، إلَّا أنَّه التبس عليه الأمر، فأخطأ ووقع في منزلق الغيبة بلا قصد ولا تهاون…


أيّها الأحبَّة:


نظرًا لخطورة الغيبة وما يترتب عليها من آثار خطيرة جدًا في الحياة الدنيا، وعند خروج الروح، وفي القبر، وفي الآخرة، فيجب الحذر الحذر،  والاحتياط الاحتياط فهذا أسلم للدين، وأنجا من عقوبات ربِّ العالمين…
وماذا يجني الناس من الغيبة إلَّا الشقاق والخلاف والويلات والعداوات، والعناء والشقاء، وعناءات الدنيا وعذابات الآخرة…


ما هي مستثيات الغيبة؟
المورد الأول: غيبة المتجاهر بالفسق:
• قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«ليس لفاسق غيبةٌ».
• وقال الإمام الصادق عليه السَّلام:
«إذا جاهر الفاسق بفُسقِهِ فلا حرمةَ له ولا غيبة».
• وقال الإمام الرضا عليه السَّلام:
«مَنْ ألقى جلباب الحياء من وجهه فلا غيبة له».


– من أمثلة التجاهر بالفسق:
1- التجاهر بممارسة الدعارة.
2- التجاهر بشرب الخمر.
3- التجاهر بلعب القمار.
4- التجاهر باستماع الغناء المحرَّم.
5- التجاهر بالظلم.
6- التجاهر بأكل الحرام.
7- التجاهر بسب المؤمنين.
8- تجاهر المرأة بالتبرج والخلاعة.
9- التجاهر بأيّ معصية أو ذنب…


وهنا لا بدَّ من الالتفات إلى نقطتين:
النقطة الأولى:
المتجاهر بالفسق لا تجوز غيبته إلَّا في ما تجاهر به، فإذا كان متجاهرًا بشرب الخمر اقتصر في غيبته على هذا المورد، أمَّا الذنوب الأخرى المستورة قلا يجوز اغتيابه فيها، إلَّا إذا انطبق عنوان آخر مسوِّغ للغيبة..


النقطة الثانية:
المتجاهر بالفسق إنّما تجوز غيبتُه إذا كان يعلم بأنَّ ما صدر منه (عملٌ محرّم) أو يعترف بحرمته، أمَّا إذا كان معتقدًا بجواز العمل، أو أبدى عذرًا قابلًا للتصديق، كمن يفطر في شهر رمضان بحجة أنّه مريض، أو يدَّعي أنَّه مقلِّد لمن يسوِّغ له ذلك العمل..


المورد االثاني: المظلوم يجوز أنْ يغتاب مَنْ ظلمه بقصد التظلّم والانتصار:
لا نتحدَّث هنا عن ظلم الحكَّام فذلك من أفحش أنواع الظلم وأنواعها، وليس فقط يجوز للمظلومين أنْ يفضحوا هذا الظلم بكلِّ الوسائل والأدواتِ بل يجب أنْ يواجهوه بكلِّ ما يملكون من إمكانات وقدرات، ويعاقبون أمام الله عزَّ وجلَّ إن فرَّطوا في الدفاع عن حقوقهم المسلوبة، وفي الانتصار لكرامتهم وحرياتهم المهذورة، فمطلوبٌ من أيّ شعب مظلوم أنْ يمارس دوره في رفض الظلم، وفي العلم على انقاذ نفسه من سياسات الجور، ما دام يملك وسائل الرفض، ووسائل التَّحرك، فعارٌ كلّ العار على شعب يسكت عن حقوقه، ويرضى بالذلِّ والهوان، ويستسلم لسياسة العبث بكرامته، ومصادرة حريته.


إذًا حديثنا فيما هو من مستثنيات الغيبة ليس عن هذا اللون من الظلم السِّياسي، وإنَّما عن ظلم النَّاس بعضهم بعضًا.


ومن أمثلة ذلك:
1- إذا أساء إليك إنسانٌ بكلمةٍ أو فعلٍ وكان لك ظالمًا جاز أنْ تغتابه.
2- إذا تعرّض إنسانٌ إلى إشاعةٍ ظالمةٍ جاز له أنْ يغتاب مِنْ روَّج الإشاعة ضدَّه.
3-  إذا ظلم الزوج زوجته جاز لها أن تستغيبه، وكذلك إذا كانت الزوجة هي الظالمة جاز لزوجها أنْ يغتابها.
وهكذا في كلِّ موارد الظلم.
إلَّا أنَّ هذا المورد مِن الاستثناء له شروط لا بدَّ من توفرها، وإلَّا كان ضمن الغيبة المحرَّمة…
نتابع الحديث إن شاء الله في الأسبوع القادم.


ماذا بعد؟
  في مؤتمر جنيف استطاعت البحرين أن تفلتْ من إدانةٍ صريحةٍ بانهاك حقوق الإنسان…


وقبل أيام فاز مرشح البحرين بالتزكية بعضوية اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة…


لا يغيظنا ذلك, فليعطوا البحرين ما يشاؤون من أوسمة شرف في حقوق الإنسان…


 لن ننفعلَ, لن نغضبَ, لن نحرق أعصابنا, فقد عوَّدنا العالم على مثل هذه القرارات الفاقدة لأدنى حدٍ من معايير الحقِّ والعدل والإنصاف…


وقد عوَّدنا العالم على مثل هذه المواقف…
وقد عوَّدنا العالم على مثل هذه الانحيازات ضدَّ الشعوب المناضلة من أجل حقوقها وكرامتها, وعزَّتها…


وموقف الاستكبار إلى صفِّ النظام الصهيوني المنتهك لحقوق الشعب الفلسطيني من الشواهد الصارخة…


  وإذا كان هذا لا يغيضنا إلَّا أنَّه لا يمكن أنْ يلغي قناعتنا بأنَّنا نواجه انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في بلدنا الذي نعيش فيه, ونتحرَّك على أرضه, ونتنفَّس هواءه…


وما جدوى تلك الأوسمة والامتيازات التي يحظى بها نظامنا من قبل دول ومنظمات في العالم, ما دام الواقع الذي نعيشه هنا يصرخ بالكثير من الظلم, هل يمكن أنْ نكذِّب سمعنا وبصرنا, وكلَّ معاناتنا وكلَّ أوجاعنا, لكي نؤمنَ أنَّ البحرين واحة لحقوق الإنسان؟!
  هل يمكن أنْ نكذِّب ما نتنفَّسه كلَّ يومٍ من غازاتٍ سامَّة وخانقة تزحف على كلِّ مدننا وقرانا, لكي نؤمن بأنَّ البحرين واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
  هل يمكن أنْ نكذِّب كلَّ المداهمات للبيوت ليلًا ونهارًا وبأسوءِ الأساليب لكي نؤمنَ أنَّ البحرين واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ ما تزدحم به المعتقلات والزنزانات من سجناء الرأي والتعبير، ومن شرفاء هذا الوطن، لكي نؤمنَ أنَّ البحرين واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ ما أصاب حرائرنا العفيفات من أبشع الانتهاكات لكي نؤمنَ أنَّ البحرين واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ ما حدث من هدمٍ وتدميرٍ لعشراتِ المساجدِ ودورِ العبادة ومواقعِ الشعائر الدينيَّة، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ ظلمًا طال آلاف المفصولين مِن وظائفهم وأعمالهم لا لشيئ إلَّا لأنَّهم قالوا كلمةً أو شاركوا في مسيرةٍ، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ ما صدر من أحكامٍ برأتْ قتلةً وجناةً بدعوى قصور الأدلة، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ أحكامًا جائرةً ظالمةً صدرت في حقِّ علماء، وناشطين، وكوادر طبيَّة، وكوادر حقوقيَّة، وكوادر تعليم، وبشر كثير…، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ واقعًا سياسيًّا مأزومًا منذ زمنٍ طويل، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ بطشًا وقمعًا وفتكًا أمنيًّا، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ تمييزًا صارخًا، وإعلامًا طائفيًّا بغيضًا، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
هل يمكنُ أنْ نكذِّبَ كلّ هذا الذي يجري في هذا البلد، ونحن ضحاياه، ونحن المكتوون بناره، وبكلِّ عذاباته، لكي نؤمنَ أنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان؟!
ونتمنَّى ونتمنَّى ونتمنَّى لو استطعنا أنْ نقتنع بأنَّ البحرينَ واحةٌ لحقوق الإنسان…
ونتمنَّى ونتمنَّى ونتمنَّى أنْ نرى هذا الوطنَ الحبيبَ خاليًا من كلِّ الانتهاكات لحقوق الإنسان…
ونتمنَّى ونتمنَّى ونتمنَّى أن تكون الأوسمةُ التي يحظى بها هذا النظام تملك صدقيَّةً وواقعيةً على الأرض هنا…
ونتمنَّى ونتمنَّى ونتمنَّى أن نجدَ بلدَنا العزيز قد تعافى من كلِّ أزماته السياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة…
مَنْ ذا الذي لا يريدُ الخيرَ لوطنِهِ؟
مَنْ ذا الذي لا يريدُ الرفعةَ لبلدِهِ؟
مَنْ ذا الذي لا يريدُ الأمنَ والأمانَ لشعبِهِ؟


والسؤال المطروح هنا:
ماذا بعد جنيف؟

وماذا بعد فوز البحرين بعضوية اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان؟
لقد تعهّدت البحرين أمام دول العالم أنْ تنفِّذ جميع التوصيات التي صدرت في جنيف…
وكما تعهَّدت سابقًا في أن تنفِّذ جميع توصيات لجنة تقصِّي الحقائق (لجنة بسيوني)…


وماذا بعد كلِّ هذه التعهدات؟
لجانٌ من المسؤولين تُشكَّل لمتابعة التنفيذ، وتمضي الأيام ولا شيئ يتحرَّك على الأرض، ومَنْ يحاسب هذه اللجان، ومَنْ يحاسب النظام؟
وهل هناك إرادةٌ دوليةٌ تفرض نفسَها على الأنظمة التي تنتهك حقوقَ الإنسان، وعلى الأنظمة التي تتخلَّف عن تنفيذ قرارات وتوصيات المنظمات الدولية؟
هناك إرادةٌ دولية، لكنها مرهونة للهيمنة الأمريكية، ولهيمنة القوى الكبرى، وما أكثر ما تصاب القرارات الدولية بالشلل، لأنَّ القوى المهيمنة لا تريد لها أن تتحرَّك، إلَّا وفق موازناتِ وإراداتِ ومصالحِ هذه القوى، هذا هو النظام العالمي، والمأسور لهيمناتٍ تفرض نفسها، والخاضع لمعايير ظالمة ومزدوجة، فالويل كلّ الويل للشعوب المقهورةِ، ما دامت مصالح أمريكا وقوى الإستكبار مع الأنظمة القاهرة، والتي أسرت ْ نفسها لأمريكا ولقوى الإستكبار…


لا زال نزيف الدم مستمرًا:


لا زال نزيف الدم مستمرًا في هذا البلد، قبل أسبوعٍ سقط الفتى علي نعمة (17 عامًا) بعد أن استهدفته رصاصات الشوزن، وهكذا زُهقت هذه الروح الندية البريئة ظلمًا وعدوانًا لا لشيئٍ إلَّا لأنَّ هذا الفتى الشهم أبى إلَّا أن يكون واحدًا م جماهير هذا الشعب الغاضبة لانتهاك حقوقها، والصارخة مطالبة بالعزة والكرامة…


وقبل أربعة أيامٍ فقدت البحرين الشاب محمد مشيمع (24 عامًا) وهو محكوم بالسجن سبع سنوات…
تقول الرواية الرسمية بأنَّ الوفاة طبيعية ناتجة عن مرض السكلر، ولا يوجد أيّ آثار إصابية تشير إلى عنفٍ أو شبهةٍ جنائيَّة…
وأمَّا أسرة الفقيد فقد حمَّلت السلطة المسؤولية نظرًا لتردِّي حالته الصحية بسبب بقائه في السجن…


وقد كشف أحد المحامين عن رسالة مناشدة وجهها إلى القاضي تطالب بالإفراج عن الشاب محمد مشيمع نظرًا لحالته الصحية المتدهورة، إلَّا أنَّ هذه المناشدة وُوجهت بالرفض، رغم عدم وجود دليلٍ على إدانته في أحداث المرفأ المالي نظرًا لإدخاله المستشفى فجر نفس اليوم، فوقت الجريمة كان الشخص المذكور يرقد في المستشفى…


هكذا تجري الأمور في هذا البلد، وهكذا يستمر نزيف الدم… وإلى متى؟؟ إلى أن تقتنع السلطة بأنَّ الخيار الأمني خيارٌ مدمِّر، وخيارٌ فاشل، وغير قادر أنْ يُسكتَ غضب الشارع، فكلَّما سقطت قطرة دمٍ كانت وقودًا لحراكٍ لا يهدأ، ولإصرارٍ لا يعرف التراجع، ولثباتٍ يتحدَّى كلَّ أشكال البطش والقمع…


هكذا يُقاد النخبة من أطباء البلد..


لست في صدد محاسبة الأحكام الجائرة ضد هؤلاء النخبة من خيرة أطباء هذا البلد، والذين قضوا أعمارهم مضحين في خدمة شعبهم وفي رفعة سمعة وطنهم وفي التخفيف من ألام المرضى والموجوعين كانوا لا يردون أجرا و لا عطاء إلا من الله هكذا كان الجزاء الاعتقال السجن القيود الأغلال، ما يعنيني القول وبكل مرارة وألم وغضب هذا الأسلوب الشائن للاعتقال، فقد دهمت منازلهم في ساعات الفجر الأولى وتم اقتيادهم إلى السجون كما يُقاد اللصوص وتجار المخدرات إلى السجون، فإنا لله وإنا إليه راجعون لموت الضمير وانسحاق القيم … وقى الله البلاد شرَّ النزق والطيش في ظلم العباد، وبصرّ الله المسؤولين الرشد والحكمة لينعم هذا الوطن بالأمن والأمان…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.



اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى