حديث الجمعةشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة 569: موسم الزَّهراء (عليها السَّلام) نماذج للمرأةِ تحدَّث عنها القرآن الكريم (3)

موسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، نماذج للمرأة تحدَّث عنها القرآن الكريم (3)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء محمَّد وآله الهُداة الميامين.
وبعد فلا زلنا مع قضيَّة آدم وحواء (عليهما السَّلام).
سؤال صعب!
وهنا سؤالٌ صعبٌ يُطرح:
•كيف جاز لآدم (عليه السَّلام) وهو نبيٌّ معصوم أنْ يعصي أوامر الله تعالى، ﴿… وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (سورة طه: الآية 121).
الإجابة
توجد إجابتان:
الإجابة الأولى: إنَّ النَّهي الصَّادر لآدم وحوَّاء (عليهما السَّلام) ليس نهيًا تحريميًّا وإنَّما نهيٌ تنزيهيٌّ، فالمخالفة هنا ترك الأَوْلَى، وليست ارتكابًا لعمل محرَّم، وترك الأَوْلَى يُسمَّى لغةً (معصية)، فكلمة (عصى) تعني: (خالف) سواءً أخالف أمرًا تحريميًّا، أم خالف أمرًا تنزيهيًّا، فالأنبياء (عليهم السَّلام) وإنْ كانوا معصومين إلَّا أنَّه قد يصدر منهم (تَرْك الأَوْلَى).
وسُمِّي عمل آدم (عليه السَّلام) معصية، كونه لا يناسب مقامه، لا لأنَّه عملٌ محرَّمٌ.
فقد يصدر عملٌ من شخص له مقام كبير، وهذا العمل لا يناسب مقامه وموقعه، فيُسمَّى معصية وإنْ لم يكن حرامًا.
مثال ذلك: لو ساعد شخصٌ يملك ثروة كبيرة جدًّا فقيرًا جدًّا بمبلغ تافهٍ، فهذه المعونة التَّافهة لا تعدُّ عملًا حرامًا، إلَّا أنَّ هذا الغنيَّ يكون موضع الذَّمِّ وكأنَّه ارتكب معصية.
مثال آخر: شخص له وجاهة كبيرة في المجتمع إذا رآه النَّاس يأكل في الشَّارع، فإنَّ عمله هذا مذموم، وقبيح، ولو صدر من إنسان عادي ما كان مذمومًا وقبيحًا.
وهكذا بالأنبياء (عليهم السَّلام)، فإنَّ مخالفاتهم للأَوْلَى لا تتناسب مع مقاماتهم، وإنْ كانت تلك المخالفة ليست عملًا حرامًا.
الإجابة الثَّانية: إنَّ النَّهي عن الأكل من تلك الشَّجرة الصَّادر لآدم وحواء (عليهما السَّلام) ليس (نهيًا مولويًّا)، وإنَّما هو (نهيٌ إرشادي).
النَّهي المولويُّ: النَّهي الصَّادرة من الله سبحانه بصفته (مولى)، و(مالك الإنسان)، وهنا فيجب على الإنسان (طاعة)، فإنْ خالف ارتكب محرَّمًا.
النَّهي الإرشاديُّ: النَّهي الَّذي ينبِّه الإنسان لوجود آثار غير محمودة، وضارة كنهي الطَّبيب عن بعض الأطعمة المضرَّة، فمخالفة هذا النَّهي ليست عملًا محرَّمًا، ولكنَّها توقِع الإنسان في النَّتائج السَّلبيَّة، وكنَهي المدرِّس طلابه عن إهمال المراجعة، فإنَّ مخالفة هذا النَّهي تُوقع الطُّلاب في النَّتائج السَّلبيَّة.
هكذا هو النَّهي الصَّادر من الله سبحانه لآدم وحوَّاء (عليهما السَّلام).
إنَّه ليس نهيًا مولويًّا، وإنَّما نهي إرشاديٌّ.
فنتيجة الأكل من تلك الشَّجرة الممنوعة هي الخروج من الجنَّة، والوقوع في التَّعب والنَّصب.
فآدم (عليه السَّلام) خالف نهيًا إرشاديًّا، لا أنَّه ارتكب عملًا محرَّمًا.
اتِّهام حواء (عليها السَّلام) حطٌّ من قيمة المرأة!
وقبل أنْ نتابع ما حدث لآدم وحوَّاء (عليهما السَّلام) بعدما أَكَلا من الشَّجرة الممنوعة نقف مع مسألة (اتِّهام حوَّاء عليها السَّلام) بأنَّها هي التي أَغْرَت (آدم عليه السَّلام) بأنْ يأكل من الشَّجرة، وهذا يؤسِّس لرؤية يُراد (إنتاجُها).
هذه الرُّؤية تهدف إلى (الحطِّ) من قيمة المرأة، وأنَّها في مكانة (أدون) من مكانة الرَّجل.
وقد اعتمد أصحابُ هذه الرُّؤية مجموعة روايات هي مخدوشة وضعيفة، أو أنَّها تحمل دلالات أخرى، وليست في سياق التَّقليل من قيمة المرأة.
روايات ضعيفة، أو فُهِمت خطأً!
أعرض هنا إلى بعض تلك الرِّوايات:
الرِّواية الأولى: وهي تقول بأنَّ (حوَّاء عليها السَّلام) قد خُلقت من أحد أضلاع (آدم عليه السَّلام) وهو ضلع أعوج!، ممَّا جعل المرأة في كلِّ أوضاعها، وطباعها معوَّجة دائمًا، ولا يمكن إصلاحها وتعديلها، وأيَّة محاولة لإصلاحها، وتعديلها يعني (كسرها)!
وهذا ما ذَكَرَته الرِّواية التي نسبوها إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقائلة: «إنَّ المرأة خلقت من ضلع، فإنْ ذَهبت تقيمَها كسرتَها، فإنْ تركتها وفيها عَوِجٌ استمتعت بها». (بحار الأنوار 11/222، المجلسي)
وقد تقدَّم كلام للباقر (عليه السَّلام) يُكذِّب هذا الزَّعم، حيث: «كذبوا، أكان الله يُعجزه أنْ يخلقها من غير ضلعه، …» (تفسير العياشي 1/216، العياشي)، يعني: ضلع آدم (عليه السَّلام).
إذًا، هذا اللَّون من الرِّوايات يريد أنْ يؤسِّس لـ(رؤية) تهدف إلى (الهبوط) بقيمة المرأة.
فالمرأة كالرَّجل فيما هي (القيمة الإنسانيَّة)، فإنسانيَّة المرأة لا تقل عن إنسانيَّة الرَّجل.
يقول تعالى في (سورة الإسراء: الآية 70): ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ …﴾، هنا الله سبحانه يتحدَّث عن بني آدم رجالًا ونساءً، يتحدَّث عن الإنسان ذَكَرًا وأنثى، فلا تمايز في المستوى الإنسانيِّ.
نعم، التَّمايز في مستوى التَّقوى، وفي مستوى العلم، وفي مستوى (العطاء).
وربَّما كانت المرأة أرقى مقامًا إذا كانت (أتقى)، وإذا كانت (أعلم)، وإذا كانت أكثر (عطاء).
الرِّواية الثَّانية: وردت كلمة منسوبة لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) تقول: «المرأة شَرٌّ كلُّها، وشرُّ ما فيها أنَّه لا بدَّ منها».
بعض الفقهاء يُشكِّكون في نسبة مثل هذه الكلمات إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، لأنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، والأئمَّة (عليهم السَّلام) يقولون: فكما روي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، والأئمَّة (عليهم السَّلام) أنَّهم قالوا: «إذا جاءكم عنَّا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله، فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه إلينا». (وسائل الشِّيعة (أهل البيت) 2/464، الحر العاملي)
وورد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) أنَّه قال: «يا محمد ما جاءك في رواية من برٍّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من برٍّ أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به». (جامع أحاديث الشِّيعة 1/258، البروجردي، ح 438 (12))
نقرأ في كتاب الله تعالى:
•قوله تعالى في (سورة الأحزاب: الآية 35): ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.
فهل تكون المُسلِماتُ، المؤمناتُ، القانتاتُ، الصَّادقاتُ، الصَّابراتُ، الخاشعاتُ، المُتصَدِقاتُ، الصَّائماتُ، والحافظاتُ فروجَهُنَّ، والذَّاكراتُ اللهَ كثيرًا، واللَّواتي أعدَّ لهنَّ مغفرةً وأجرًا عظيمًا، هل تكون هؤلاء كلهنَّ شرًّا؟!
جاء في مجمع البيان: إنَّ أسماء بنت عميس لمَّا رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب (عليه السَّلام) دخلت على نساءِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقالت: هل نزل فينا شيئٌ من القرآنِ؟
قلنَ: لا!
فأتت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ النِّسَاءَ لفي خَيبةٍ، وخَسَار.
فقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ومِمَّ ذلك؟
قالت: لأنَّهنَّ لا يُذكَرنَ بخير كما يُذكر الرِّجال!
فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ …﴾( )(تفسير مجمع البيان 8/158، الشَّيخ الطبرسي)، إلى آخر الآية.
نستوحي من هذه الرِّواية:
إنَّ المرأة في تلك المرحلة من مراحل الدَّعوة كانت تطالب بموقِعها، حيث كان لها حضورها في الدَّعوة، وفي الهجرة، وفي تحمُّل كلِّ المَتَاعب، وفي كلِّ التَّحدِّيات، بل وكانت تشارك في معارك المسلمين؛ لتسقى العطشى، وتضمِّد الجرحى، وتقوم بشؤون المقاتلين.
لذلك تتطلع إلى أنْ ينزل الوحي؛ ليتحدَّث عن دورها، وموقعها، وجهادها، وحضورها في مواقع الدَّعوة، والجهاد.
وهكذا نزل هذا النَّصُّ القرآنيُّ؛ ليؤكِّد المساواة بين المرأة والرَّجل في معايير (التَّقويم) عند الله تعالى.
في ضوء هذا التَّقويم القرآنيِّ لموقع المرأة في خطِّ الإيمان، والطَّاعة، والجهاد كيف يصح أنْ ينسب لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) هذا القول بأنَّ «المرأة شرٌ كلُّها»؟
الرِّواية الثَّالثة: جاء في نهج البلاغة: «…، إنَّ النِّساء نواقصُ الإيمان، نواقصُ الحظوظ، نواقص العُقول، …».( )(نهج البلاغة، الصَّفحة 105، تعليق: د. صبحي الصالح).
من العلماءِ مَنْ يتحفَّظ على صحَّة نسبة هذا الكلام إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، لأنَّ فيه تقليل من شأن المرأة، والتي كرَّمها الإسلام، وأعطاها مقامًا كبيرًا، فهي قد تملك من الإيمان ما يفوق الرِّجال، وقد تملك من العقل ما يجعلها أكثر وعيًا، ونضجًا، وعلمًا من كثير من الرِّجال، وفي القرآن حديث عن (نماذج) من النِّساء أصبحنَ (قدوات) حتَّى للرِّجال!!
وفريق آخر من العلماء لا يتحفَّظ على صحَّة هذا الكلام، خاصَّة وأنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أوضح مراده بما لا يُقلِّل من شأن المرأة، فقال – حسبما جاء في نهج البلاغة -:
•«فأمّا نُقْصان إيمانِهِنَّ، فقعودُهُنَّ عن الصَّلاة، والصِّيام في أيَّام حيضهنَّ».
•«وأمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ، فشهادةُ امرأتين كشهادة الرَّجل الواحد».
•«وأمَّا نُقْصَانُ حُظوظِهِنَّ، فموارِيثُهُنَّ على الإنصافِ من مواريث الرِّجالِ…».( )(نهج البلاغة، الصفحة 106، تعليق: د. صبحي الصالح).
ويبقى أصحاب الاتِّجاه الأوَّل المشكِّك في صحَّة نسبة هذا الكلام إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام) متحفِّظًا على (التَّعليلات)، فإنَّ:
قعود المرأة عن الصَّلاة، والصِّيام في أيَّام الحيض هو امتثال وطاعة لأوامر الله تعالى، فلا يعدُّ نقصًا في الإيمان، بل هو كمالٌ في الإيمان، وإلَّا فهل ترك الصِّيام في السَّفر، والقصر في الصَّلاة يُعدُّ نقصًا في إيمان الإنسان المسلم؟!
وأمَّا شهادة امرأتين في مقابل رجل واحد، فليس لأنَّ عقلها أنقص من عقل الرَّجل، فكم من النِّساء مَنْ يتفوَّقن في عقولهنَّ على الرِّجال!
نعم، المرأة مُعَبَّأة بدرجة كبيرة جدًّا من العاطفة كون دورها في الحياة يتطلَّب هذا القدر من العاطفة، فهذا ليس نقصًا، بل هو كمال، وخشية أنْ تكون العاطفة ضاغطة على المرأة في مقام (الشَّهادة) احتاجت أنْ تنضمَّ إليها امرأة أخرى: ﴿… أَنْ تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى …﴾.( ) (سورة البقرة: الآية 282).
وأمَّا نقصان الحظوظ في الميراث، فلا يعد نقصًا في المرأة!
ثمَّ هل أنَّ الرَّجل أوفر حظًّا من المرأة في الميراث؟!
فالرَّجل مُطالب بالصَّدَاق، ومُطالب بالإنفاق، والمرأة غير مكلَّفة بشيئ، فأيُّهما أوفر حظًّا الرَّجل أم المرأة؟
وإذا كان نقصان سهم المرأة يُعدُّ نقصًا في حظِّ المرأة، فإنَّ سهم الوالدين في الميراث أقل من سهم الأولاد، فهل يعدُّ هذا نقصًا في الوالدين؟
ولست هنا في مقام الإثبات، أو النَّفي لهذا الكلام المنسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فالمسألة خاضعة لمعايير الإثبات والنَّفي المعتمدة لدى علماء الحديث.
فاذا توفَّرنا على معايير الإثبات، ووجدنا أنَّ المضامين لا تتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم، فلا خيار لنا إلَّا أنْ نسلِّم، وأمَّا إذا تعارضت مع كتاب الله تعالى، فلا خَيار لنا إلَّا أنْ نرفض «فما وافق كتاب الله، فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردوه إلينا».! (وسائل الشِّيعة (أهل البيت) 2/464، الحر العاملي)
والعَرْض على كتاب الله هي وظيفة الفقهاء المتخصِّصين في شؤون الفقه والدِّين، وليست وظيفة مَنْ لا يملك قدرة الاجتهاد، والاستنباط.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى