السيد في الصحافةالسيد محمد حسين فضل اللهبيانات علمائية

صحيفة الوسط: الغريفي: أتمنى من الذين لم يفهموا السيد فضل الله أن يعيدوا قراءة موقفهم

خلال كلمته بمجلس التأبين المركزي للمرجع الراحل في السنابس…
الغريفي: أتمنى من الذين لم يفهموا السيد فضل الله أن يعيدوا قراءة موقفهم
السنابس – سعيد محمد


 حضور مجلس التأبين من كبار العلماء  لفت عالم الدين السيد عبدالله الغريفي إلى أن «هناك من يقرأ (المرجع الديني الكبير الراحل آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله) ويصغي له ويجالسه وينظر إليه فلا يزداد إلا نفوراً وكراهية وعداوة ورفضاً وابتعاداً»، وأضاف «مما يؤسف له، فإن هذا النمط من الناس بعضهم لم يقرؤوه جيداً ولم يفهموه جيداً ولم يصغوا إليه جيداً وبعضهم معبأ بعُقد وحساسيات وحسابات، وبعضهم سقط أسير الضوضاء واللغط والضجيج، وبعضهم جانبه الصواب في النقد فاختار القذف بدل الحوار بالتي هي أحسن».


وقال الغريفي: «نتمنى أن يعيد هؤلاء قراءة الموقف ولهم كل الحق في أن يرفضوا وفق القناعة العلمية أي رأي أو فكرة أو فتوى أو طرح صادر عنه – رحمه الله – بعد التأكد من صحة النسبة إليه، وأن يكون الرفض محكوماً لمعايير وأدوات ومناهج وأساليب النقد العلمي بعيداً عن لغة التشويش والتشويه والإساءة والطعن».


جاء ذلك في مجلس تأبين المرجع الراحل السيد فضل الله الذي أقيم مساء أمس الأول في مأتم السنابس بحضور لفيف من كبار العلماء والمدعوين، وبتنظيم من مكتب السيد الغريفي، والذي وُزِّع خلاله كتيباَ حمل عنوان «الراحل فضل الله… ثوابته الفكرية والعقائدية»، ودونت على غلافه عبارة «كل من خرج من النجف خسر النجف، إلا السيد فضل الله، فعندما خرج من النجف خسره النجف»، التي قالها المفكر الإسلامي الراحل السيد محمد باقر الصدر في حق المرجع فضل الله.


وفي كلمته بالمناسبة، استهل السيد الغريفي بالقول: «وهكذا سكن الحزن في كل القلوب، واستقرت الدمعة في كل العيون وغابت البسمة على كل الشفاه. لقد رحل السيد الكبير. كان عنوان مرحلة بكاملها وليس مبالغةً أن نعده واحداً من الأنماط الاستثنائية في التاريخ المعاصر، الأمر الذي يضعنا أمام خيار صعب حينما نحاول أن نقرأه، فلا يمكن ذلك إلا أن نمارس تفكيكاً لمكونات شخصيته، فليس من الصعوبة أن نقرأ فقيهاً أو مفكراً أو مثقفاً أو أديباً أو خطيباً أو كاتباً أو مربياً أو داعيةً أو سياسياً أو قائداً أو روحانياً أو عرفانياً أو مجاهدا أو مرجعاً متميزاً، أما أن تأتلف هذه المكونات لتشكل عنواناً واحداً، فذاك هو السيد محمد حسين فضل الله».


سر الانجذاب إلى الراحل الكبير


وأضاف السيد الغريفي «أن محاولة قراءة الراحل الكبير في غاية الصعوبة والتعقيد شأن الأنماط الاستثنائية في التأريخ، ولست في صدد مقاربةً علمية، فهذه بعض كلمات عاجلة تحاول الاقتراب منه، وحينما تحاول الاقتراب، لا تملك إلا أن تنجذب إليه وتعشقه وتذوب فيه، وحينما تحاول أن تقرأه لا تملك إلا أن تنجذب إليه، وحينما تحاول أن تصغي إليه لا تملك إلا أن تنجذب، وحينما تحاول أن تجالسه لا تملك إلا أن تنجذب إليه، وحينما تراه في محرابه وخطابه وجهاده وفقهه وعلمه وفكره وثقافته وسياسته وقيادته لا تملك إلا أن تنجذب إليه، فما سر هذا الانجذاب؟ لماذا ننجذب إليه؟ لماذا نعشقه؟ لماذا نذوب فيه؟ هل السبب في ذلك: ثقافته وعلمه وفكره؟ فالكثير يملكون ذلك وتحترمهم وتنحني لهم لكنك لا تنجذب إليهم هذا الانجذاب».


وتابع «يبقى السؤال مطروحاً: ما سر هذا الانجذاب؟، وقبل أن نجيب عن هذا السؤال، يواجهنا إشكال يقول: لا نسلم بهذا الانجذاب! هناك من يقرأه ويصغي له ويجالسه وينظر إليه فلا يزداد إلا نفوراً وكراهية وعداوة ورفضاً وابتعاداً؟ ومما يؤسف له، فإن هذا النمط من الناس بعضهم لم يقرؤوه جيداً ولم يفهموه جيداً ولم يصغوا إليه جيداً وبعضهم معبأ بعُقد وحساسيات وحسابات وبعضهم، سقط أسير الضوضاء واللغط والضجيج، وبعضهم جانبه الصواب في النقد فاختار القذف بدل الحوار بالتي هي أحسن، ونتمنى أن يعيد هؤلاء قراءة الموقف ولهم كل الحق في أن يرفضوا وفق القناعة العلمية أي رأي أو فكرة أو فتوى أو طرح صادر عنه – رحمه الله – بعد التأكد من صحة النسبة إليه، وأن يكون الرفض محكوماً لمعايير وأدوات ومناهج وأساليب النقد العلمي بعيداً عن لغة التشويش والتشويه والإساءة والطعن». واستدرك «هنا نقول: ما سر الانجذاب إليه؟، ونجيب بالقول: إن سر الانجذاب في تصوري هو ربانيته وبما تملكه هذه الربانية من عمق ووعي وبصيرة وصدق وإخلاص وطهر ونقاء وصفاء ورسالية وحركية وهادفية وعطاء وجهاد، ومن خلال هذه الربانية العاشقة لله، الذائبة فيه تشكلت كل مكونات شخصه».


مشروع متكامل بين الأصالة والمواكبة


ومن جانبه، قال رئيس المجلس الإسلامي العلمائي السيد مجيد المشعل في كلمة ألقاها بهذه المناسبة إن «قلوبنا يعتصرها الألم على فراق هذا العملاق الكبير وهذا الصرح في تاريخ الحركة الإسلامية»، وفي كلمته التي خصص لها عنوان «السيد فضل الله والإسلام الحركي»، سأل المشعل: «هل هناك إسلام حركي وإسلام غير حركي؟» مجيباً «إنه إسلام واحد لكن هناك مناهج متعددة تتحدث عن الإسلام وتقدمه للناس، وفي إطار وسياق المفاهيم تطرح مقولة الإسلام الحركي والإسلام غير الحركي، وهناك من يفهم الإسلام فهماً جامداً يحدد حركته في جوانب محدودة كالجانب العبادي أو الجوانب الاجتماعية البسيطة، وهناك من يفهم الإسلام فهماً حركياً بمعنى أنه يفهم الإسلام ذاك المشروع الكبير الذي يواكب حركة الإنسان في مختلف الجوانب والأبعاد، وينفتح على مختلف الساحات الحياتية العبادية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ضمن مشروع متكامل يتوفر على مقومات الأصالة والمواكبة من جهة والشمولية والحركية من جهة أخرى». وفيما يتعلق بجهود المرجع الراحل، ركز المشعل على أن «السيد الذي نجتمع اليوم لتأبينه هو من رواد مدرسة ومنهج الإسلام الحركي وهو من القمم الكبيرة من هذا الخط الإسلامي الكبير، ولا أستطيع أن أؤرخ ولست بصدد التأريخ لهذه المدرسة ولهذه المنهجية، ولكن الذي نفهمه من خلال المعاصرة أن سماحة آية الله العظمى المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر هو من أسس وشيد أسس هذا المنهج، منهج الإسلام الحركي وجاء بعده علماء كبار واصلوا هذا الدرب وكانت لهم اللمسات الواضحة للدفع بهذا المشروع إلى الأمام، وكان السيد الراحل الكبير السيد فضل الله من كبار رواد هذه المدرسة (الإسلام الحركي)، ونستطيع أن نطرح مجموعة من المعاني لهذه المدرسة ومنها أنها تتبنى الوحدة الإسلامية كمنهج وخط عريض لهذا المشروع، فالراحل الكبير السيد فضل الله يتبنى الوحدة الوطنية باعتبارها حقيقة كبرى وهمّاً مصيرياً استراتيجياً في هذا المشروع ولا يطرح للمزايدات إنما يطرح كحقيقة واقعية لها أصولها ومبرراتها، فالوحدة الإسلامية تمثل مقوماً في مشروع الإسلام الحركي، أما المقوم الآخر فهو منطق الانفتاح والحوار مع الآخر من منطق القوة والثقة بالنفس، حيث أن رواد هذه المدرسة يمتلكون العلم والوعي والمعرفة التامة بمواقع القوة في هذا الإسلام، ولذلك لا يتهيّبون من أن ينفتحوا على الآخر ويدخلوا في حوار مع الآخر».


الحوار والتسامح ومنطق «القوة»


وتطرق السيد المشعل إلى منطق القوة والمقاومة والجهاد ومواجهة الاستكبار العالمي، فالإسلام الحركي يعتمد على هذا المنطق أي منطق القوة والمقاومة والجهاد ومنطق المواجهة للاستكبار العالمي، مشيراً إلى أن السيد فضل الله – في الوقت الذي يؤمن بالحوار والتسامح – فهو يؤمن بمنطق القوة في مواجهة الاستكبار العالمي ورعاية المقاومة، كما تطرق إلى مقوم التنمية لخدمة الناس ورعايتهم عبر المشاريع والمؤسسات الخدماتية.


واختتم بالقول إن المجلس العلمائي يمثل عنصراً في مشروع الإسلام الحركي، ولكي يأخذ امتداداته الواسعة لابد أن يقوم على شخصيات علمائية تحمل الإسلام فكراً وسلوكاً، وتطرحه في المجتمع على مختلف الجوانب والأبعاد، والمجلس الإسلامي العلمائي يمثل خطوة رائدة في هذا الطريق، وسلوتنا في هذا الراحل الكبير من خلال بقاء مفاهيمه الإسلامية الحركية وبقاء هذه المقومات التي تمثل الأساس لهذا المشروع الإسلامي الكبير الذي لا يقوم على أشخاص بل يقوم على عناصر ومقومات تتناقلها الأجيال والعلماء جيلاً بعد جيل.


آخر لحظات الراحل الكبير


ولفت عريف مجلس التأبين باقر محمد جواد درويش انتباه الحضور حينما أشار إلى جزء من اللقاء الذي أجرته قناة «آفاق» الفضائية مع السيد جعفر فضل الله في شأن آخر لحظات المرجع الراحل فقال: «قبل يومين من وفاته، وقد أذن له الأطباء بذلك، وفي الليل، جاءنا اتصال على عجل وقد بدأ عنده النزيف الداخلي وفي حال النزيف كان واعياً فبدأوا بإعطائه وحدات من الدم. قال لي: هل أتى وقت الفجر؟ وكانت تعلو وجهه صفرة شديدة، فقلت له: لا لم يأتِ بعد مازال هناك ساعتان أو أكثر، فقال: رتبوني حتى أنام، ونام قليلاً واستقر حاله ثم بدأت عنده شيء من المضاعفات، فاستدعى أخي وأوصاه بمسألة المسجد، وفهمنا من ذلك بأنه يريد أن يدفن في المسجد بصوت ضعيف ويذكر أخي أنه كبر ثلاثاً، وتمتم بين كل تكبيرة وتكبيرة ثم ابتسم ابتسامة مميزة جداً وقال: أريد أن أنام. وهكذا رحل السيد الجسد وبقي السيد الروح والفكر والخط».


الأفق الإنساني للانفتاح


بدوره تحدث الشيخ شاكر الفردان خلال الحفل عن مناقب الراحل الكبير قائلاً: «إنه كان يؤمن بالحوار في مقابل العنف، وبالسلام في مقابل الحرب، والانفتاح على الآخر لأنه أوسع من التعايش لأنه يعطي المعنى أفقاً إنسانياً ولا يقتصر على جانب المعاملة، وتحدث عن الاستكبار بكل أصنافه وعلى رأسه الاستكبار الأميركي الصهيوني، ووقف إلى جانب المقاومة أينما كانت طالما تقارع الظلم والاحتلال، ووقف إلى جانب المقاومة في فلسطين لأنها تقدم القضية الأم».


وأشار الفردان إلى أن «مسيرة المرجع الراحل كانت حافلة بالعطاء، غنيةً بالتجارب، مليئة بالمنعطفات الحادة، وكان مشاكساً فكرياً إذا جاز لي التعبير، يمشي على حد السيف ويقتحم الصعاب بكل جرأة وشجاعة، وكانت شخصيته مثار جدل من أية زاوية تقرؤها ومن أي مبنىً تدرسه، ولقد قفز بنفسه في سباق القفز العريض قفرةً تحدث فيها بلغة متقدمة وفكر بلغة متقدمة فاختلفوا فيه، فمن ضحك منه ومن أشفق عليه ومن تحير منه».


وزاد قوله: «عجيب هذا الرجل، يفكر بصوت خافت ويحدث نفسه، لكنه يحدث نفسه بصوت عال ومسموع إلى أبعد الحدود. يستطيع أن يفكر كما يفكر الآخرون لكنه أراد أن يصل تفكيره إلى أبعد النقاط، واعتبره البعض سباحة في الخيال ونسجاً في الأساطير، ونحن هنا لا نريد أن نتحدث عن شخص السيد الراحل لأنه يرفض الشخصانية وتخشب العقل، وكان رحمه الله يضيق ذرعاً بالعناوين لأنها قوالب تحد من حركته، وقيود تمنع انطلاقته، وهو الذي يقول أبداً إن الإنسان لا يسير على عربة من الألقاب، فلنتحرر من الحديث عن الشخوص إلا أن تكون في امتداد الرسالة».


وأوضح الشيخ الفردان في ختام كلمته أن «السيد الراحل ترك بصمات واضحة على الكثير من المجالات الدعوية، وتحدث عن الإنسان واعتبره المحور في فكره وسلوكه، وأن الدين جاء لحياة الإنسان وجاء الإسلام لينفتح على الآخر وأن تنطلق من أصالة النص لكن تتحرك من الواقع».


وفي مجلس التأبين، ألقى كذلك كل من النائب السيد حيدر الستري والمؤرخ سالم النويدري والسيد محمد حسن كمال الدين قصائد رثائية.


















 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى