حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 28: الحاجة إلى ثَقافة التَّقوى وثقافة القِيم الرُّوحيَّة ج1

حديث الجمعة 28 | 1 صفر 1424 هـ | 3 ابريل 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
أتناول في حديثي مقطعين:
٭ المقطع الأول: الحاجة إلى ثقافة التقوى.
٭ المقطع الثاني: ماذا في الساحة؟
٭ الحاجة إلى ثقافة التقوى:
قال الله تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى}.
وقال تعالى: {إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}
تحاصر الإنسان المسلم في هذا العصر ثقافات خطيرة تحاول أن تصادر هويته، وأن تمسخ قيمه، وأن تنحرف بحياته…
من هذه الثقافات:

1- ثقافة الضلال: كل ثقافة تنحرف بالإنسان فكرياً عن خط الإسلام الأصيل فهي ثقافة ضلال، فالمبادئ والنظريات والأيديولوجيات التي تروّج للأفكار المناهضة للإسلام هي ثقافات ضلال قد تتعدد العناوين والأسماء، وقد تتنوع الصيغ والأشكال، إلا أنها – مادامت تتنافى وفكر الإسلام- فهي جميعاً تنتظم ضمن ثقافات الضلال…

فيجب على الإنسان المسلم أن يكون واعياً في التعاطي مع الأفكار المطروحة في الساحة وأن لا ينساق وراء الشعارات، فربما قاده الشعار إلى التية والعمه والضلال فيكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة {ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}.

2- ثقافة التمييع الروحي والأخلاقي والسلوكي: كل ثقافة تقود الإنسان بعيداً عن خط الالتزام والاستقامة والطاعة لله تعالى هي ثقافة تمييع روحي وأخلاقي، وثقافة انحراف سلوكي..
ساحاتنا غنية بهذا اللون من الثقافة التمييعية والانحرافية متمثلة في ثقافة الفسق والعبث بالأخلاق، وثقافة العهر والبغاء، وثقافة اللهو المحرم، وثقافة الفن الماجن، وثقافة الطرب والغناء..

فمسؤوليتنا – أيّها المؤمنون – التصدّي لهذه الثقافة المدمرة، ومسؤوليتنا أن نحصّن أنفسنا وأبناءنا وبناتنا وشبابنا وشاباتنا من تأثير هذه الثقافة الفاسقة والتي تقود إلى خسران الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى في سورة الأنعام/الآية 07: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا}.

وقال تعالى في سورة الأعراف/الآية 15: {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون}.

وقال تعالى في سورة التوبة/الآية 69: {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
وقال تعالى في سورة المنافقين/ آية 6: {إن الله لايهدي القوم الفاسقين}.
أيها الأحبة:
في زحمة هذه الثقافات الضالة والمنحرفة، وفي زحمة هذه الثقافات التمييعية الهابطة، تكون الحاجة ملحة وضرورية إلى ثقافة التقوى وثقافة القيم الروحية.
هناك من يقول:
إنّ مشكلتنا في هذا العصر: التخلف الثقافي، الاستبداد السياسي، الظلم الاقتصادي، الصراع الإجتماعي، العولمة، الإستعمار الجديد، أطماع أمريكا وأطماع إسرائيل..

فيجب أن نثقّف أجيالنا ضمن هذه السياقات لنصوغ منها أجيالاً بمستوى تحديات العصر، وبمستوى حاجات المرحلة، وأما حديث التقوى وحديث القيم الروحية فلا يشكل حاجة أساسية في الظرف الراهن..
ما هو تعليقنا على هذا الكلام؟
هذا الكلام خطير جداً، وله نتائج مدمرة في حياة الأمة..
أتدرون ماذا يعني هذا الكلام؟
إنه المشروع الذي يحاول أن يصادر هوية الأمة الإيمانية والروحية والأخلاقية؛ لأن تجميد الحديث عن القيم الروحية معناه أن يصاغ واقعنا وفق القيم البديلة أي القيم المادية والقيم اللادينية.
٭ فماذا يعني أن نتحدث عن الثقافة بعيداً عن القيم الدينية والروحية؟
هذا يعني أن نصوغ مثقفين بلا دين وبلا قيم دينية..
٭ وماذا يعني أن نتحدث عن السياسة بعيداً عن القيم الدينية والروحية؟
هذا يعني أن نصوغ سياسيين بلا دين وبلا قيم دينية..
٭ وماذا يعني أن نتحدث عن إقتصاد بلا قيم دينية..؟
هذا يعني أن نصوغ واقعاً إقتصادياً بلا دين وبلا قيم دينية..
٭ وماذا يعني أن نتحدث عن قضايا المجتمع بلا قيم دينية وروحية؟
هذا يعني أن نصوغ واقعاً إجتماعياً لا تحكمه ضوابط الدين وقيم الدين..
تصوروا أيها المؤمنون: أن تتحرك ثقافتنا بعيداً عن قيمنا الدينية والروحية..
وأن تتحرك سياستنا بعيداً عن قيمنا الدينية والروحية، وأن يتحرك إقتصادنا بعيداً عن قيمنا الدينية والروحية، وأن تتحرك قضايانا الاجتماعية بعيداً عن قيمنا الدينية والروحية، أليس هذا هو المشروع المناهض للإسلام..
٭ إن الذين يرددون هذه المقولات صنفان من الناس:

الصنف الأول: أصحاب المشروع المناهض للإسلام والذين يعملون من أجل إقصاء الإسلام بعيداً عن كل الواقع الثقافي والإجتماعي والاقتصادي والسياسي..

الصنف الثاني: بعض المخدوعين والذين لا يملكون وعياً وبصيرة ولا يدركون الأهداف المتحركة وراء هذه المقولات..
وأما قضايا العولمة، والاستعمار الجديد، وأطماع أمريكا وإسرائيل، فهي قضايا تفرض علينا أن نمارس دور التأصيل في حركة الشعوب العربية والإسلامية، وهذا التأصيل يعني تأكيد الهوية الإيمانية و ترسيخ القيم الدينية والروحية.

وهل العولمة إلا محاولة لمصادرة خصوصيتنا الإيمانية والروحية والحضارية والتاريخية..
وهل الاستعمار الجديد إلا صياغة للهيمنة على كل وجودنا الثقافي والإجتماعي والسياسي.
وهل أطماع أمريكا وإسرائيل إلا التعبير الصارخ عن سياسة العدوان والسيطرة على مقدراتنا وثرواتنا وإمكاناتنا..
٭ فبماذا نواجه العولمة والاستعمار الجديد وأطماع أمريكا وإسرائيل؟
٭ هل نواجهها بالتخلي عن هويتنا الإيمانية والروحية والثقافية؟
٭ هل نواجهها بلا مبادئ ولا قيم؟
٭ هل نواجهها بثقافات الضلال، وثقافات العلمنة والتغريب، وثقافات العبث الأخلاقي والفسوق.
٭ وهل هذه الثقافات إلا نتاج العولمة، والاستعمار، والغزو الفكري، وأطماع الإستكبار؟

من المفارقة الواضحة ما يدعو إليه المثقفون والسياسيون العلمانيون من التصدّي والمواجهة للمشروع الأمريكي، في الوقت الذي تكون المكوّنات الثقافية والسياسية عند هؤلاء هي جزء من المشروع الثقافي والسياسي الأمريكي الذي يؤكد على مصادرة القيم والأخلاق والانتماء إلى الدين.
سوف نتابع الكلام حول ثقافة التقويس في حديث قادم إن شاء الله.

المقطع الثاني: ماذا في ساحتنا؟
لا زالت الحرب الظالمة ضد شعبنا المسلم في العراق تواصل جنونها المدمر..
1- عدد الضحايا من المدنيين رجالا ونساء وشبانا وأطفالا أخذ يتزايد وترتفع أرقام القتلى، فالغارات والصواريخ والقنابل التي تستهدف الأحياء السكنية والآمنين والأبرياء لا زالت مستمرة وبكثافة، وإن قالوا أنها أخطاء، وهكذا تتكرر الأخطاء وتتكرر.
2- عدد المصابين والجرحى والمعوّقين ارتفع إلى الآلاف وقد ازدحمت بهم المستشفيات وربما تعجز هذه المستشفيات عن استيعاب الأعداد المتزايدة، وكما تعلمون أن مستشفيات العراق تشكو نقصاً كبيراً جداً في الإمكانات والمعدّات والأدوية الأمر الذي سوف يعرض حياة الكثيرين إلى الموت.
3- عدد المشردين الهاربين من الحرب المجنونة في تزايد مستمر، تحتضنهم الصحارى والبراري والجبال بلا مأوى ولا ملجأ وربما لاحقتهم صواريخ الحرب ولم ينجهم الفرار..
4- قد تطال الحرب المقدّسات في أرض العراق، فهي حرب خارجة على قيم الأديان، وأعراف الإنسانية، ومعايير التحضر، وربما يكون الخطأ المزعوم هذه المرة صواريخ تنقض على المراقد المقدسة في العراق، ولكن إن للبيت رباً يحميه، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}، {وما كيد الكافرين إلا في ضلال}، {وما كيد فرعون إلا في تباب}.
5- ما تبثه القنوات الفضائية من صور مؤلمة جداً، أمر تقشعر له القلوب والجلود، أطفال صغار أبرياء مزّقت أجسادهم القنابل الحارقة والصواريخ الطائشة..

ما ذنب هؤلاء الصغار الأبرياء؟
إنها جريمة الإنسان حينما يموت الضمير، وحينما تموت القيم، وحينما يموت الدين..
وضمن مشاهد المأساة تحمل لنا الشاشات مناظر للنساء والشبان تهتز لها المشاعر، وتتفجر لها العيون ولا يملك الإنسان أن يتابع النظر.
هكذا يتحول البشر بلا دين ولا ضمير إلى وحوش أشد ضراوة من السباع والذئاب، شعوب تقتل وتباد بلا رحمة ولا إنسانية، ومن أسوء ما قرأنا خبراً نشر في الصحف، إنه يعبر عن إمتهان لكرامة الدم العربي والإسلامي، يقول الخبر أن عضواً في البرلمان البريطاني تقدم بطلب إلى بوش وبلير، وهل تعلمون ما هو هذا الطلب..؟
إنّه طلب بتوخي الدقة عند قصف بغداد، لماذا؟ ليس حماية لأرواح البشر من الأطفال والنساء والأبرياء من الناس.
وإنما خوفاً أن يطال القصف حديقة الحيوانات فيتعرض الكلاب والقردة والقطط إلى الخطر، هكذا تنمسخ الضمائر وتموت القيم، تحرك ضمير هذا الإنسان شفقة ورحمة بالكلاب والقردة، ولم يهتز لمناظر الأطفال الذين مزقت الصواريخ أجسادهم، ومناظر النساء الغارقات في الدماء، ومناظر الشبان الذين سقطوا ضحايا القصف الغادر، وضحايا الحرب الظالمة.
لك الله يا شعب العراق.
عانيت من استبداد النظام الحاكم وظلمه وقهره وجرائمه، وتعاني اليوم من همجية هذه الحرب الغاشمة التي يقودها بوش وبلير بكل أسلحة القتل والفتك والإبادة بلا قيم ولا ضوابط ولا معايير.
لك الله يا شعب العراق..
وأنت تقاسي العذاب والعناء والويلات بين سندان الظلم والاستبداد ومطرقة الغزو والعدوان..

أيها المؤمنون:
٭ ما هي مسؤوليتنا تجاه شعبنا المظلوم في العراق؟
لا نملك أن نوقف الحرب، فالغطرسة الأمريكية والبريطانية قد تجاوزت كل المبادئ والقيم والأعراف، واستهانت بكل المعايير الدولية، وبكل النداءات والصرخات، ولكننا:
أولاً: نملك أن نبقي أصواتنا مرتفعة غاضبة منددة ضد الحرب الظالمة، وأن نبقي خطابات الاستنكار، ومسيرات الغضب، وأساليب الرفض، أن يبقى كل ذلك مستمراً مادامت أقدام الأمريكان والبريطانيين تدنس أرض العراق.
ثانياً: ونملك أن نصعّد من أساليب التضامن مع شعبنا المنكوب في العراق، وأن نمارس مسؤولياتنا الشرعية في دعم هذا الشعب مادياً ومعنوياً.
إذا كانت أمريكا الجانية والدول المساندة لها تتصدق على أبناء العراق بفتات من الغذاء المغموس بالذل والهوان والعار.
فلماذا لا تتحرك غيرتنا الإسلامية، ولماذا لا تتحرك شهامتنا الإيمانية، ولماذا لا تتحرك مسؤوليتنا الشرعية فنقدم بعض شيْ مما نملك إلى أخوتنا في العراق المهددة حياتهم بالموت والجوع والعراء.
أليست النصوص الدينية تقول: ليس منا من بات شبعان وأخوه المسلم جائع..
أليست النصوص الدينية تقول: مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى..
أليست النصوص الدينية تقول: من كان عنده فضل ثوب وعلم أن مسلماً يحتاج إليه فلم يدفعه إليه أكبّه الله في النار على منخريه..
أليست النصوص الدينية تقول: أيما مؤمن منع مؤمناً شيئا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أومن عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، ويقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار
أليست النصوص الدينية تقول: من سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين فلم يجيبه فليس بمسلم..
هم أخوتنا في العراق يستصرخوننا، يستصرخون ضمائرنا، يستصرخون إسلامنا، ديننا، قيمنا..
فماذا نحن فاعلون..؟
لقد انطلقت دعوات خيرة لدعم وإغاثة شعب العراق، إننا نثمّن هذه الدعوات ونباركها وندعو جميع المؤمنين أن يبادروا للمساهمة في حملات الدعم والإغاثة وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لاخوة لنا في الإسلام والعقيدة، وقد تكالبت عليهم قوى الشر فهل نبقى متفرجين أو نكتفي بالآهات والحسرات، وإطلاق اللعنات..
ثالثا: ونملك أن نقاطع البضائع الأمريكية، فإن دفع بضع دراهم في شراء بضاعة أمريكية ولو صغيرة يعني أننا ساهمنا في الاعتداء على شعبنا المسلم في العراق وعلى شعبنا المسلم في فلسطين وبذلك نكون مساهمين في الدماء المحرّمة التي تراق على أرض العراق وعلى أرض فلسطين..
الحديث هنا عن مسؤولياتنا على مستوى الشعوب، وأما الأنظمة فهي في أغلبها مرهونة للقرار الأمريكي وإلا فهي تملك:
٭ أن توقف النفط.
٭ وأن توقف التعامل الإقتصادي.
٭ وأن توقف العلاقات الدبلوماسية.
٭ وأن تمنع استخدام أراضيها وأجوائها وبحارها في وجه القوات المعتدية.

وفي ختام حديثي..
أجيب عن تساؤل يطرح في الساحة:
هل يجب علينا أن نتطوع بالجهاد وبذل الدم للدفاع عن أرض المقدسات في العراق أو في فلسطين؟
إنّ مسألة الجهاد وبذل الدم مسألة خاضعة لمجموعة حسابات وحيثيات موضوعية وشرعية، والأمر في قرار الجهاد الدفاعي على غير العراقيين أو الفلسطينيين متروك لفقهاء الأمة، ومتى توفرت تلك الحسابات والحيثيات الملزمة فلن يتردد الفقهاء في إصدار الفتاوى بوجوب الجهاد وإعطاء الدم على كل المسلمين القادرين..
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى