المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلامية

تكريم عوائل الشهداء: مسؤوليتنا تجاه دماء الشهداء

أحيا المجلس الإسلامي العلمائي وجمعية الوفاق ذكرى الشهداء مساء الأثنين ليلة الثلاثاء المصادف 13 ربيع الأول 1428هـ (3/4/2007م) في قاعة الهدى بمنطقة سار. شارك فيها عدد من العلماء على رأسهم السيد جواد الوداعي ورئيس المجلس الشيخ عيسى أحمد قاسم ونائبه السيد عبدالله الغريفي وشخصيات نيابية وبلدية من كتلة الوفاق وجمع من عوائل الشهداء..



وقد تخلل الحفل كلمات متنوعة، فقد استهل الحفل بعد تلاوة القرآن كلمة عوائل الشهداء، ومن ثم كلمة نائب رئيس المجلس الإسلامي العلمائي سماحة السيد عبدالله الغريفي، وهذا نصها:


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين….
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
* هل أن خطاب الشهادة والاستشهاد خطاب يغذي ثقافة العنف والتطرف والإرهاب؟
هكذا تحاول أنظمة القهر والاستبداد ـ من خلال إعلامها وأقلامها ـ أن تكرس هذا المفهوم المشبوه جداً، فخطاب الشهادة والاستشهاد ـ في المنظور السلطوي ـ خطاب دم، ولغة الدم، وهي لغة عنف، وهي لغة تطرف، وهي لغة إرهاب….


وهنا تحاول هذه الرؤية الاستكبارية والسلطوية أن تصوغ فهماً غبشياً يخلط ـ عن عمد وقصد ـ بين دم الشهادة قمة العطاء في خط المبادئ والقيم، ودم التطرف والعنف المنحدر الأسحق لمبادئ العبث وقيم الانحدار، بين دم التأصيل ودم الاستئصال….


لماذا هذا التزييف؟ كون الشهادة استنهاضاً في مواجهة استبداد الأنظمة، وإيقاظاً لصرخة التحدي والمواجهة، واستنفاراً لفورة الغضب ضد سياسات القهر والعبث والطغيان، فالشهادة تناقض صارخ مع مشروعات الهيمنة والتسلط والقهر والاستبداد، من هنا كان الإصرار على تشويه فهم الشهادة والاستشهاد….
إذا كان الإرهابيون قد وظفوا الدم من أجل أن يمسخوا كل ما في الحياة من معاني الحب، ومعاني الأخوة، ومعاني السلام، فهدروا الدماء، واستباحوا الأعراض، وعبثوا بالمقدرات، وسرقوا الأمن والأمان، وأرعبوا القلوب والنفوس والأرواح، ونشروا الفوضى والعبث والدمار.. فإن الشهداء بدمائهم قد أعطوا للحياة أرقى معاني الحب، وأرقى معاني الأخوة، وأرقى معاني السلام، فحفظوا الدماء والأرواح، وصانوا الأعراض والحرمات، وزرعوا في الأرض الأمن والأمان، ودافعوا عن العباد والبلاد والأرض والأوطان….


الشهداء هم الذين صنعوا غد هذه الأمة وكرامتها وقوّتها وشموخها وعنفوانها ومجدها وشرفها….
الشهداء باعوا أنفسهم لله، أعطوا كل كيانهم لله، تحرّروا من الارتباط بالأرض والإخلاد إليها، انعتقوا من كل الأهواء والشهوات الزائلة، عانقوا الموت الواعي ليعيشوا الخلود الدائم، الشهداء اختصروا طريقهم إلى الجنة….


أيها الأحبة: الشهيد شاهد على عصره….
* شاهد على من سفك دمه، حينما يقف يوم الحساب بين يدي رب العباد ويقول: يا رب قتلني فلان، سفك دمي فلان، وهناك القضاء العادل، وعندها يؤخذ للمظلوم من الظالم والذي حاول من خلال سلطانه وطغيانه أن يعبث بأوراق الجريمة، وأن يهدر الدم ليضيع في زحمة القهر والاستعباد…
* والشهيد شاهد على كل المتواطئين مع الظالمين في سفك دماء الأبرياء والمقهورين.
* وشاهد على كل الذين باعوا دينهم للطغاة والمتجبرين وأصبحوا من الخاسرين.
* وشاهد على وعاظ السلاطين الذين وظّفوا فتاوى الدين لتبرير قتل المؤمنين…
* وشاهد على كل الأقلام التي دافعت عن جور الجائرين وعبث العابثين…
* وشاهد على كل الجبناء والمتخاذلين والمداهنين والصامتين والواقفين على التلال متفرجين، عندما احتدم الصراع بين الحق والباطل، بين عشاق الآخرة وعباد الدنيا….


أيها الأحبة: ما هي مسؤوليتنا تجاه دماء الشهداء ؟
1. الإصرار على أن يبقى الشهداء في ذاكرة الأجيال….
خيانة للشهداء، ولدماء الشهداء، ولعطاء الشهداء أن ننساهم، أن يغيبوا عن الذاكرة (إحياء ذكرى الشهيد، زيارة قبر الشهيد، نشر صور الشهيد، الكتابة عن الشهيد، التذكير بمواقف الشهيد، تكريم عائلة الشهيد…. الخ).


2. الإصرار على أن يبقى الشهداء في وجدان الأجيال….
(حب الشهداء، عشق الشهداء، الانصهار الوجداني مع الشهداء، البكاء على الشهداء، تعظيم الشهداء).


3. الإصرار على أن يبقى الشهداء في وعي الأجيال….
لا يكفي أن يبقى الشهداء في الذاكرة والوجدان والعواطف، بل لابد أن يتحوّلوا إلى مضمون فكري وثقافة يصوغ وعي الأجيال، الشهداء مدرسة ومنهج، وقيم ومبادئ…


4. الإصرار على أن يبقى الشهداء في حركة الأجيال….
أن تتمثلهم الأجيال سلوكاً وعملاً، وممارسةً والتزاماً….


5. الإصرار على أن يبقى الشهداء في جهاد الأجيال….
أن تبعث دماء الشهداء فينا وفي كل الأجيال روح الجهاد والعطاء والتضحية والشهادة،
فالقيمة كل القيمة لدماء الشهداء:
* حينما تصر على البقاء في الذاكرة.
* وحينما تتحول فكراً يتغذى به وعي الأجيال.
* وحينما تتحول نبضاً يخفق به وجدان الأجيال.
* وحينما تتحول سلوكاً تتمثله حركة الأجيال.
* وحينما تتحول عطاء يترسمه جهاد الأجيال.


مسؤوليتنا تجاه عوائل الشهداء:
(أمهات الشهداء، آباء الشهداء، زوجات الشهداء، أبناء الشهداء، أخوة الشهداء، أقرباء الشهداء).
1- أن نشاركهم ألم المعاناة، وأن نخفف عنهم شيئاً من لوعة الفراق، ومرارة المصاب، وحرقة الفاجعة.
2- التواصل الدائم معهم.
3- أن نتحسّس كل أوضاعهم وحاجاتهم.
4- تكريمهم والاعتزاز بهم.


* وهنا كلمة أوجّهها لعوائل الشهداء (لأمهات الشهداء، لآباء الشهداء، لزوجات الشهداء، لأبناء الشهداء…. ):
هنيئاً لكم هذه الشهادة، فهي وسام فخر وشرف لكم، وهي وثيقتكم إلى الجنة….


* أذكر لكم هذه القصة وقد جاءت في حديث الإمام الخميني:
(شهدت قبل أيام مجلس عقد زواج في طهران. وبعد انتهاء المجلس سلّمتني العروس ورقة، قرأتها فوجدت أن العروس تطلب مني أن أدعوا لها بالفوز بالشهادة.. عروس دخلت لتوّها بيت الزوجية تنشد الشهادة؟ أهؤلاء يخافون التدخل العسكري؟ أهؤلاء يهابون المحاصرة الاقتصادية؟


* قصة أخرى أحتفظ بها في ذاكرتي، قرأتها في بدايات انتصار الثورة الإسلامية…
القصة تقول: إن امرأة إيرانية استشهد أحد أبنائها، وحينما وضع هذا الشهيد في أكفانه وقفت هذه الأم لتخاطب ولدها الشاب المسجّى أمامها: ولدي، كم أنت جميل وأنت ترتدي هذه الأكفان.. وكم أنا سعيدة وفرحة وأنا أراك تلبس كفن الشهادة.. إنه أجمل عندي من أثواب العرس..
وكأنها تريد أن تقول له: أن ألبسك كفن الشهادة أحبّ إليّ من أن ألبسك ثوب العرس والزفاف.. والشهادة عرس وزفاف إلى الجنان.


* وفي كلمة للإمام الخميني وهو يتحدّث عن الشهداء:
(أحس بالخجل حينما أرى نفسي أمام هؤلاء الأعزة الطافحين بالعشق والإيمان. لقد تعشّقوا الله العظيم، والتحقوا بمعشوقهم، ونحن لازلنا نراوح في مكاننا).


* وفي كلمة للشهيد السيد محمد باقر الصدر يتحدّث عن تصميمه على الشهادة:
(وأنا أعلن لكم يا أبنائي، بأني صممت على الشهادة، ولعل هذا آخر ما تسمعونه منّي، وأن أبواب الجنة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتى يكتب الله لكم النصر).
* وجاء في وصية أحد الشهداء: (وأوصي والديّ، إذا رزقني الله الشهادة، أن يجعلا يوم شهادتي كيوم عرسي).


* وأختم حديثي بقول الله تعالى وهو يتحدث عن حبيب النجار ـ السابق في أمة عيسى (عليه السلام) ـ وقد قتله قومه حسب بعض الروايات: (قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرمين).


وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى