حديث الجمعةشهر شعبان

حديث الجمعة 502: تواتر الأخبار حول الإمام المهديِّ – ذِكرى المهديٍّ موسم؛ لتكريس التَّسامح – مسؤوليَّة حب الوطن – التَّحذير من بعض الخِطابات

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

وبعد: فأبارك لكم ذِكرى الميلاد الأغرِّ، ميلاد الإمام المهديِّ المُنتظر (سلام الله عليه).

تواتر الأخبار حول الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)

وقد تواترتْ الأخبارُ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وعن الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، وعن الصَّحابة والتَّابعين (رضي الله عنهم)، وكما هو مدوَّن في مصادر المسلمين السُّنِّيَّةِ والشِّيعيَّةِ أنَّ المهديَّ (عليه السَّلام) من آلِ البيت (عليهم السَّلام) يظهر في آخر الزَّمان، فيملأ الأرض عدلًا وقِسْطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
وجاءَ في الأخبار أنَّ المهديَّ (عليه السَّلام) إذا ظهر:

1- لا يبقى على وجه الأرضِ إلَّا مَنْ يقول: “لا إله إلَّا الله محمَّدٌ رسول الله”.

2- تزيد البركات والخيرات، وينعم النَّاسُ نعمة لم ينعموا مثلها قط.

3- تذهب الشَّحناء والبغضاء من قلوب العباد.

4- ترسل السَّماء مدرارًا، ولا تزرع الأرض شيئًا من النَّبات إلَّا أخرجته.

5- يفرح به أهل السَّماء، وأهلُ الأرض، والطَّير، والوحوش، والحيتان في البحر.

6- يسودُ العدلُ، والأمن، والسَّلام.
ذِكرى المهديٍّ (عليه السَّلام) موسم؛ لتكريس التَّسامح

إنَّ مناسبة الإمام المهديِّ مؤهَّلةٌ جدًّا أنْ تكون موسمًا يتكرَّس فيه الحديث عن (المحبَّة، والتَّسامح، والأمن، والسَّلام).

وهنا أوجِّه نداء إلى أصحاب المنابر الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والسِّياسيَّة أنْ يكرِّسُوا في هذه المناسبة الحديث عن هذه القِيم: (المحبَّة، التَّسامح، الأمن، السَّلام، الوحدة والتَّآلف).

فما أحوج أوطاننا إلى تكريس هذه (القِيم، والعناوين) خاصَّة في هذه المرحلة التي يعيشها إنسان هذا العصر، حيث تزدحم (الصِّراعات)، و(الخلافات)، و(الفتن)، و(الأزمات)، و(التَّوتُّرات).

فكم هي الحاجة كبيرة إلى:
1- “نداءات المحبَّة، والتَّسامح”.
2- “نداءات الأمن، والسَّلام”.
3- “نداءات الوحدة، والتَّقارب”
4- “نداءات الحوار، والتَّفاهم”.
5- “نداءات الأملِ، والتَّفاؤل”.

لا شكَّ أنَّ هذه (النِّداءات الخيِّرة) تواجه (صعوبات، ومعوّقات) في العصرِ، عصرِ الفتن والصِّراعات، عصر الكراهية والعصبيَّات، عصر العنف والتَّطرُّف.

إلَّا أنَّ هذه المحاصرات يجب ألَّا توقف تلك (النِّداءات الخيِّرة).

إنَّ الغيارى على دينهم، وقِيمهم، وأوطانِهم مطلوب منهم حكَّامًا ومحكومين أنْ يمارسوا مسؤوليَّاتهم في ترسيخ (القِيم الكبرى)، (قيم المحبَّة، والأمن، والتَّقارب)، و(قِيم العدل، والانصاف).

الدُّروس المستفادة من الذِّكرى
إنَّ أعظم درسٍ يجب أنْ نتعلَّمه من هذه الذِّكرى – ذكرى ميلاد الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) -:

1- أنْ نكونَ دعاة محبَّة وتسامح، لا دعاةَ كراهيةٍ وتعصُّب.

2- أنْ نكونَ دعاة اعتدالٍ، لا دعاء تطرُّف.

3- أنْ نكونَ دعاة وحدة وتقارب، لا دعاة فرقةٍ وتباعد.

4- أنْ نكونَ دعاة تأليف، لا دعاة تحريض.

5- أنْ نكونَ دعاة إصلاح، لا دعاة إفساد.

6- أنْ نكونَ دعاة بناء، لا دعاة تخريب.

قد يُقال:
إنَّكم تتاجرون بهذه الكلماتِ والشِّعاراتِ، ولا نجد لها أيَّة مصداقيَّةٍ، وواقعية على الأرض!

صحيحٌ مطلوبٌ أنْ نحاسبَ الكلماتِ والشِّعارات؛ فهذا العصر مشحون بالمزايدات والادِّعاءات، والبَهْرَجَات الإعلاميَّة والدِّعائيَّة، الأمر الذي يدفع النَّاس إلى التَّشكيك في مصداقيَّة الكثير من الخطابات، والكلمات، والعناوين، والشِّعارات.

كلُّ هذا الكلام صحيحٌ جدًّا، ممَّا يفرض على أصحاب المنابر الدِّينيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة أنْ يمارسوا (نقدًا ذاتيًّا) لكلِّ خطاباتهم، وكلماتهم، وشعاراتهم بشرط أنْ يكون هذا النَّقد (صادقًا، وواعيًا، وجريئًا).

وكذلك مطلوب أنْ يمارس أصحاب تلك المنابر (تحاورًا جادًّا وحقيقيًّا ونظيفًا).

وانطلاقًا من هذا القول: نسأل الله تعالى أنْ يعصمنا جميعًا من المتاجرة بالكلمات والشِّعارات، ومِن (المزايدات) الضَّارة بكلِّ واقعنا الدِّينيِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ، والأمنيِّ.

إنَّ مصداقيَّة الكلمات والشِّعارات هي الأساس في حراسة الوطن دينيًّا، وثقافيًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، وأمنيًّا.

ومنذ انطلق خطابنا كنَّا نصرُّ على هذه الحراسة، وقد أكَّدنا مرارًا – وبصدق -: إنَّنا لا نؤمن إلَّا بالخَيَار السِّلميِّ، ونرفض أيَّة خَيَارات أخرى.

كان خطابنا يؤكِّد – دائمًا – على تحريم، وتجريم، وتأثيم:

1- العنف، والتَّطرُّف، والإرهاب.
2- الاعتداء على الأرواح، والأعراض، والممتلكات.

3- التَّحريض الطَّائفي الذي يسيئ إلى أيِّ مكوِّن من مكوِّنات هذا الشَّعب.

مسؤوليَّة حب الوطن
إنَّنا في هذا ننطلق من مسؤولية شرعيَّة تفرض علينا (حبَّ الوطن)

1- في الحديث عن النَبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): أنَّه قال: “حبُّ الوطن من الإيمان” (الخصائص الفاطمية1/7، الشَّيخ محمَّد باقر الكجوري).

2- وفي الكلمة عن الإمام عليٍّ (عليه السَّلام) أنَّه قال: “عُمِّرت البلدان بحبِّ الأوطان” (بحار الأنوار75/45، العلَّامة المجلسي).

فللوطن حقٌّ على كلِّ مواطن.
كما أنَّ لكلِّ مواطنٍ حقًّا على الوطن.

ومن خلال هذا التَّزواج بين هذين الحقَّين تتماسك اللُّحْمَة بين الشُّعوب والأوطان.

وكلَّما تماسكت هذه اللُّحْمَة عمرت، وازدهرت، وقويت الأوطان.

ولا شكَّ كذلك أنَّ التَّماسك بين مكوِّنات أيِّ وطن هو عنوان كبير لتعافي هذا الوطن، وسلامته، وأمنه، واستقراره.

كلُّنا نريد لوطننا أنْ يكون خاليًا من كلِّ (المُكَدِّرات)، و(المنغِّصات)، و(المؤزِّمات).

وأيُّ جهدٍ يبدل في هذا الاتِّجاه هو تعبير صادق عن (حبّ هذا الوطن).

ويجب أنْ تتآزر كلُّ الجهود المُخلصة والصَّادقة؛ لبناء (وطن المحبَّة، والتَّسامح)، و(وطن التَّآلف والتَّقارب)، و(وطن الخير والازدهار)، و(وطن الأمن والأمان)، و(وطن العدل والسَّلام).

الدَّعوة إلى تمثُّل قِيم الانتظار
أيُّها الأحبَّة الكرام، وأنتم تعيشون ذِكرى الميلاد الأغرِّ للإمام المهدي المنتظر (عليه السَّلام) كونوا (نماذج راقية) تمثِّل قِيم الانتظار.

ومن قِيم الانتظار:
1- أنْ نمارس العدل في كلِّ مساحات حياتنا.
2- أنْ نمارس الحبَّ والتَّسامح.
3- أنْ نمارس الرِّفق، والاعتدال.
4- أنْ نمارس الأمن، والسَّلام.
5- أنْ نمارس التَّقارب، والتَّآلف.

في الحديث: “مَنْ سرَّه أنْ يكون مِن أصحاب القائم (عليه السَّلام) فلينتظر، وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر”(مستدرك سفينة البحار6/191، الشَّيخ علي النمازي الشَّاهرودي).

في ظِلال المناسبة المطلوب محاسبة الواقع

أيُّها الأحبَّة، في هذه المناسبة مطلوبٌ أنْ نحاسب كلَّ واقعنا الرُّوحيِّ، والأخلاقيِّ، والثَّقافيِّ، والاجتماعيِّ، والسِّياسيِّ.

فإذا اكتشفنا صوابًا ثبَّتناه.
وإذ اكتشفنا خطأً صحَّحنَاه.
وكما نطالب أنفسنا بالمحاسبةِ نطالب الآخر كذلك بالمحاسبة، ونعني بالآخر:
1- الآخر الدِّينيِّ، (فالانتماءات الدِّينيَّة متعدِّدة).

2- الآخر المذهبيِّ، (فالانتماءات المذهبيَّة متعدِّدة).

3- الآخر الثَّقافيِّ، (فالانتماءات الثَّقافيَّة متعدِّدة).

4- الآخر السِّياسيِّ، (فالانتماءات السِّياسيَّة متعدِّدة).

هكذا في كلِّ الأوطان (تعدُّدات، تنوُّعات، مكوِّنات).

فالأوطان الرَّاقية هي التي (تتواءم فيها هذا المكوِّنات).

والأوطان المتخلِّفة هي التي (تتعادى فيها هذه المكوِّنات).

التَّحذير من بعض الخِطابات
ونتمنى لوطننا هذا أنْ يكون وطنًا راقيًا تتآلف وتتواءم فيه كلُّ المكوِّنات، ولهذا نحذِّر من:
1- خطابات الكراهية.
2- خطابات العصبيَّة.
3- خطابات التَّمييز.
4- خطابات التَّحريض.
5- خطابات الفتنة.

هذه الخطابات التي تضرُّ بوحدة هذا الشَّعب، وتربك أوضاعه، وتمزِّق لُحْمَتَه، وتضعف هيبته.

أهميَّة المحاسبة الذَّاتيَّة
هنا تأتي أهمية (منهج المحاسبة الذَّاتيَّة)، هذا المنهج إذا تمَّتْ ممارسته بصدقٍ، وبصيرةٍ، ورشدٍ، وشجاعةٍ، وعزيمةٍ، وإرادة، …، فإنَّه يعالج الكثير من التَّعقيدات، ويصحِّح الكثير من الأخطاء.

أمَّا تبرئة النَّفس دائمًا، وتخطِئة الآخر دائمًا، فعقدة في غاية الخطورة، نخاطب بهذا الكلام أنفسنا أوَّلًا، ونخاطب الآخر ثانيًا؛ لكيلا نتعرَّض للمساءلة العظمى يوم الحساب.

1- قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ (سورة الصَّافات: الآية24).

2- وفي الكلمة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): “حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسبوا، وَزِنُوها قبل أنْ تُوْزنوا، وتجهَّزوا للعرض الأكبر”(بحار الأنوار67/73، العلَّامة المجلسي).

وآخر دعوانا أنْ الحمد للهِ ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى