السيد في الصحافة

صحيفة الأيام: في ملتقي مأتم مدينة عيسي الرمضاني.. السيد عبدالله الغريفي: نرفض الديمقراطية الفكرية ونقبل الديمقراطية السياسية

في ملتقي مأتم مدينة عيسي الرمضاني.. السيد عبدالله الغريفي: نرفض الديمقراطية الفكرية ونقبل الديمقراطية السياسية


كتب – خالد رضي:


دعا السيد عبدالله الغريفي الي التريث في قبول او رفض المصطلحات الجديدة الطارئة علي خطاب الاسلاميين. وقال انه ليس كل مصطلح يمكن استعارته واستخدامه لأن هناك بعض المصطلحات التي نتحفظ علي استخدامها. واضاف قائلا: ليس عند الدينيين عقدة من استخدام مصطلح موجود في الثقافات الأخري، وانما عقدتنا من المصطلحات التي تجر معها افكارها وقيمها التي تتعارض مع قيمنا. ولذلك فلا نستطيع ان نتقبل مصطلحا مخزونا بأفكار ومضامين تتناقض مع ديننا وافكارنا. اما اذا استطعت ان افرضه واصوغه صياغة تنسجم مع ثقافتي وافكاري وديني وقيمي فلا مشكلة. ومثل السيد عبدالله الغريفي علي ذلك بمصطلح الديمقراطية الذي قال انه قد يقبله في مضمونه السياسي ولكن يرفضه في مضمونه الفكري الذي يقرر الشرعية من خلال رأي الاغلبية.
جاء هذا خلال الملتقي الرمضاني لمأتم مدينة عيسي مساء الأحد الماضي الذي استضاف فيه سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي للحديث حول بناء الشخصية الرسالية.


المصطلحات في الخطاب الإسلامي
وكان السيد الغريفي قد بدأ حديثه بمدخل مفاهيمي توقف فيه امام ظاهرة توظيف المصطلحات في الخطاب الاسلامي. وتساءل عن الموقف عن المصطلحات الجديدة قائلا: هل نستطيع ان نستخدم كل مصطلح جديد ام هناك حيثيات معينة في تقييم استخدام هذه المصطلحات؟
واضاف الغريفي في توضيح ذلك قائلا: ان مثل مصطلح الديمقراطية من المصطلحات الشائعة التي حولها جدل يقول هل نستعملها أم لا؟ البعض يري الا مشكلة فيه لأنه اصبح مقبولا عند الناس وشائعا في لغة الخطاب السياسي والبعض يتحفظ في استعماله.
ونحن كدينيين هل ندخل هذا المصطلح في خطابنا الديني ونستعملة بشكل مطلق؟ أم نقبل فيه جانبا ونتحفظ علي جانب؟
أم نرفضه بالمرة؟
وهذا جدل فكري وثقافي وسياسي يدور حاليا. والبعض يقول انك ان لم نقبل الديمقراطية فمعناه اننا نقبل الديكتاتورية والحكم المستبد.. والمسألة ليست هكذا.
ان مصطلح الديمقراطية فيه مضمون وشطر نقبله، وفيه مضمون وشطر نرفضه.. كيف؟
وفي اجابته علي هذا التساؤل قال الغريفي:
ان الديمقراطية كوسيلة من وسائل العمل السياسي حينما تعطي للشعب حقه في القرار السياسي وحقه في حرية التعبير، وحقه في المطالبة بكل حقوقه المشروعة، وحقه في مراقبة السلطة وفي محاسبة اجهزته، فان هذا المعني من الديمقراطية نقبله ولا نرفضه. وهي وسيلة من وسائل العمل السياسي لا نرفضها. وهي بهذا المفهوم لا ترفضها الثقافة الدينية.
وبالتالي فليس عندنا قبول مطلق أو رفض مطلق، وللتوضيح أقول: الديمقراطية في المضمون الفكري معناها أن الاغلبية هي التي تعطي الشرعية. فيوم ان تقف الاكثرية مع قرار، فالقرار شرعي. ويوم ان تقف الاكثرية ضد قرار فهو غير شرعي!
سواء أكانت الاكثرية شعبا او اعضاء مجلس برلمان. ومثال ذلك لو صوتت الأكثرية لتشريع بيع الخمر في بلد من البلدان صار بيع الخمر شرعيا. هذا هو مفهوم الديمقراطية، فالأكثرية هي التي تعطي الشرعية للقرار.
وكذلك لو صوتت الاكثرية علي الاختلاط في المدارس لأصبح الاختلاط شرعيا. وهكذا لو صوتت الأكثرية علي منع المواكب الدينية والحسينية في الشوارع لصار خروجها غير شرعي، لأنها خلاف رأي الأكثرية في البرلمان.
ولو صوت الشعب (جدلا) وقال لا نريد الاسلام اصبح الاسلام غير شرعي.
هذا هو معني الديمقراطية في الجانب الفكري، إذ الاكثرية هي التي تعطي الشرعية للقرار والحكم.
وعلق السيد الغريفي علي ذلك بقوله: نحن نرفض الديمقراطية بهذا المعني جملة وتفصيلا. فالشرعية نأخذها من الله وليس من الأكثرية أو البرلمان أو حتي الشعب! ولو قال كل العالم لا للإسلام لأن الاكثرية قالت ذلك فانه لا شرعية لذلك لأننا نأخذ شرعيتنا من الله ورسوله والمعصومين، ولا نأخذ شرعيتنا من قرار الاكثرية او غير الاكثرية. واضاف الغريفي قائلا: فانتبهوا من الخلط عندما يناقشكم احد بأنكم اذا رفضتم الديمقراطية فأنتم تقبلون بالديكتاتورية والاستبداد، ونحن نقول اننا نقبل الديمقراطية كوسيلة سياسية بغض النظر عنها كمصطلح، لأن الاسلام يعطي الشعب حقه في القرار السياسي ومحاسبة السلطة والتعبير بما يؤمن به ضمن الضوابط والأسس.
فالمصطلحات ليس عندنا عقدة من استخدامها، ولكن إذا كان مصطلح ما يعبر عن مضمون ايدلوجي أو فكري معين فلا استلمه وامارسه في خطابي دون وعي. وعلي الانسان الواعي ان يمتلك قدرة علي استيعاب دلالات المصطلحات، ولا ينساق وراء المصطلحات التي يروّج لها خطاب الإعلام أو خطاب السياسيين أو خطاب المثقفين دون تمييز.
فنحن أناس رساليون مؤمنون بأيدلوجية ودين وعقيدة تحدد لنا مواقفنا من المصطلحات والأفكار والنظريات.


الشخصية الإسلامية الرسالية
وفي القسم الأخر من محاضرته تناول السيد الغريفي موضوع الشخصية الإسلامية باعتبارها رسالية هادفة وحركة واعية لا تقف عند مجرد كونها مسلمة تلتزم أحكام الدين والشريعة في نفسها وإنما باعتبارها توظيفا لطاقاتها المختلفة في خدمة الدين.
وبدأ الغريفي الحديث حول ذلك انطلاقا من مصطلح الشخصية الاسلامية نفسه قائلا: ان هذا المصطلح لم يكن موجودا في الادبيات الاسلامية السابقة سواء في النصوص او كتب العلماء ولكن الخطاب الديني استعمل هذا المصطلح في الآونة الأخيرة، وهو استعمال مقبول ومستساغ وليس حوله اشكالية.
وفي تعريفه لمفهوم الشخصية قال الغريفي: ان الشخصية عبارة عن مجموعة مكونات معنوية (وليست مادية) وهي مجموعة أفكار وعواطف وسلوكيات، ويمكننا ان نقرأ الشخص من خلال هذه المكونات التي يحملها.
أما حول صفة الإسلامية فقال الغريفي انه يجب التفريق بين لفظ مسلم ولفظ اسلامي، إذ المسلم هو من يحمل هوية الانتماء الي الاسلام وينتسب إليه. اما الاسلامي فهو الذي يصوغ نفسه في ضوء الاسلام. فقد يكون شخص مسلما لكن سلوكه لا يلتزم بالاسلام رغم انه يشهد الشهادتين ويصلي ويصوم لكنه لا يصوغ افكاره وعواطفه وسلوكياته علي ضوء الاسلام، مثلما نقول مرة بلد مسلم ومرة أخري بلد اسلامي. والفارق ان البلد الاسلامي هو الذي يطبق أحكام الاسلام، اما البلد المسلم فهو الذي ينتمي دينا إلي الاسلام ولكن لا يطبق احكام الاسلام كاملة.
واضاف الغريفي حول مفهوم الرسالية قائلا: وقد يكون الانسان يلتزم بالاسلام أيضا فكرا وعاطفة وسلوكا فيكون اسلاميا وتكون الشخصية اسلامية ولكن قد لا يكون رساليا، لأن الرسالية تعني توظيف الطاقات الفكرية والنفسية والعملية في خدمة الرسالة الاسلامية.
بعدها تساءل الغريفي قائلا: فهل وظفنا هذه الطاقات في خدمة الاسلام؟ هل وظفنا قدراتنا السياسية والمالية والفكرية في خدمة الدين؟
انني اذا كنت املك افكارا مثلا ولم احركها في خدمة الدين الاسلامي ولم ادع إلي الله ولم أأمر بالمعروف ولم أنه عن المنكر، ولم اوظف ما املك من قدرات في هذا الطريق فأنا لست رساليا.
ان تعطيل الافكار والطاقات الخلاقة والكفاءات المختلفة اخطر من كنز الذهب والفضة إذا لم نحركها في خدمة الدين.
مواجهة التحديات
وفي تأكيده علي توظيف الطاقات المختلفة في خدمة الدين لمواجهة التحديات التي تواجهه قال السيد الغريفي: ان من يتحدي الدين ومن يعمل ضده اليوم ليس فقط افرادا وانما هناك مؤسسات ودول وهناك مشروع عالمي لمحاربة الاسلام. فهل استطيع ان اواجه ذلك بطاقاتي الفردية فقط؟ هل استطيع مواجهة المشروع الامريكي الكبير في الهيمنة السياسية والعسكرية والثقافية والتربوية بجهودي الفردية؟
وفي اجابته علي هذه التساؤلات قال الغريفي:
نعم.. انت كفرد ايضا تستطيع في المساحة المتاحة لك ان تتحرك، كما انك مطالب بأن تكون رساليا علي مستوي العالم ايضا. انت مسئول في ذلك امام الله سواء بفكرك أو بمالك او بموقعك الاجتماعي او بموقعك السياسي.. وهكذا.. والحديث الشريف عن الرسول (ص) يقول: ان الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له.. قالوا: يا رسول الله: ومن المؤمن الضعيف الذي لا دين له.. قال: الذي لا يأمر بمعروف ولا ينه عن منكر.
واختتم الغريفي حديثه بالتأكيد علي الجانب الرسالي في شخصية الاسلامي قائلا: ان الدين حركة ودعوة إلي الله وامر بمعروف ونهي عن منكر ومواجهة فساد وانحراف، وهو عمل اجتماعي وخدمات اجتماعية.. تعيش هموم الناس والمحرومين، وليس الدين مجرد صلاة وصوم.. فان هذا تحجيم للدين.. والصلاة اصلا لا قيمة لها إذا لم تجعل الانسان رساليا. ونحن حين نتربي من خلال مدرسة القرآن الكريم نجد في وصايا لقمان تعبيرا عن تجربة أب مرب في صياغة ابناء ربانيين. قال تعالي في سورة لقمان: يابني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ما اصابك، إن ذلك من

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى