حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 302: حافظوا على أرباح الشهر الفضيل – لماذا يسكتُ النظام عن ممارساتٍ تكرِّس الطائفية؟ – تحريك قانون الأسرة من جديد

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


حافظوا على أرباح الشهر الفضيل:


• شهر رمضان موسمٌ هو الأغنى في أرباح الآخرة،
• كلُّ نَفَسٍ فيه تسبيح..
• النوم فيه عبادة..
• العمل فيه مقبول..
• الدعاء فيه مستجاب..
• أن تفطِّر صائمًا يُكتب لك عتق رقبة ومغفرة للذنوب..
• حسنُ خلقٍ يوفِّر ثباتًا على الصراط..
• أن تكرم يتيمًا تحظى بتكريم الله تعالى..
• أن تصل رحِمًا فتصلك رحمة الله..
• أن تتطوع بصلاة يُكتب لك براءة من النَّار..
• فريضة واحدة تعادل سبعين فريضة في غيره من الشهور..
• كثرة الصَّلاة على النبيِّ وآله صلَّى الله عليه وآله تثقل الميزان يوم الحساب حينما تخف الموازين..
• تلاوة آيةٍ فيه تعدل ثواب ختمةٍ كاملةٍ في غيره من الشهور..
• ثمّ أفضل عمل في شهر الله أن تتورَّع عن محارم الله..
هكذا تكون الأرباحُ هائلةً هائلة، فهل يستطيع أحدنا إنْ كان من الفائزين الرابحين أنْ يحافظ على هذا الفوز وعلى هذه الأرباح …؟


ربَّما يعجز كثيرون منَّا في أنْ يحتفظوا بفوزهم وأرباحِهم..
ويستطيع آخرون في أن يتمسَّكوا بما حقَّقوه من فوزٍ روحي، ومن أرباح أخروية..
بل ويواصلون التقدّم في هذا السباق، ويحصدون المزيد من أوسمة الفوز برضوان الله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾. (المطففين/ 26)


التنافس له مساران:
مسار غير مشروع حينما يتحوَّل إلى صراع من أجل حُطام الدنيا، من أجل الشهوات واللذائذ الفانية، من أجل الأطماع ومواقع الجاه والشهرة، من أجل إلغاء وإسقاط الآخرين، هذا تسابق باطلٌ وزائفٌ ومُدمِّر ومآله الخسران في الآخرة…


ومسارٌ مشروع حينما يكون من أجل الأهداف الكبيرة المشروعة، وحينما يعتمد الوسائل المشروعة، ربَّما يكون الهدف كبيرًا ومشروعًا إلَّا أنَّ أدوات التنافس تكون غير مشروعة، ومتدنِّية وهابطة…


وأرقى تنافس هو التنافس في اتجاه الهدف الأسمى وهو (رضا الله سبحانه)، من خلال الإيمان الصادق، والعمل الصالح، ومن أجل الفوز برضوان الله والنعيم الدائم في الآخرة.


اقرأوا هذا المقطع في سياقه القرآني حيث يقول تعالى:
{﴾
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ، وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ، عينًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾. (المطففين 22-28)


أيّها الأحبَّة:
إذا كنَّا في الشهر الفضيل قد عشنا أجواء التنافس الرّباني من أجل الفوز بكرامةِ اللهِ ومغفرتهِ ورضوانهِ، وكلّنا أملٌ وطمعٌ ورجاءٌ، أنْ يكونَ الله قد تفضَّل علينا بلطفهِ ومنِّهِ ورحمته وإحسانه وكُتِبنا في عِداد الفائزين الرابحين…


فما علينا بعد الشهر الفضيل إلَّا أنْ نحافظ على ما نأمل أن نكون قد حقَّقناه من أرباحٍ أخروية، والخاسر كلّ الخاسر مَن فرَّط في هذه الأرباح، فيكون من النادمين حينما ﴿تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾. (الزمر/ 56)


والسؤال الذي نطرحه هنا:
• كيف نحافظ على أرباح هذا الشهر الفضيل؟
من أجل أن نحافظ على هذه الأرباح نعتمد مجموعة وسائل:
(1)  اجتناب الأمور التي تحرق الطاعات.
(2)  استمرار التعبئة الروحية.
(3)  اعتماد الوسائل التي تحصّن المكاسب الروحية.
ولا بدَّ أن تتكامل هذه الوسائل..
فربما اجتنب الإنسان الأسباب التي تصادر الطاعات، إلَّا أنَّ غياب (التعبئة الروحية) أو غياب (المحصِّنات) يؤدِّي إلى (تآكلٍ) في الطاعات.


وكذلك إذا واظب الإنسان على استمرار (التعبئة) إلَّا أنَّه لم يتجنب (المحرقات للطاعات) فسوف يهدم كلَّ ما يتوفَّر عليه من (حسنات)…


ولنا حديث قادم – إن شاء الله تعالى – نفصِّل من خلاله هذه الوسائل…



لماذا يسكتُ النظام عن ممارساتٍ تكرِّس الطائفية؟


لا نريد أنْ نتَّهم النظام بأنَّه ينتج الطائفية، فتلك مسألة تفرض دراسة مجموعةَ حيثيات لنقرِّر من خلالها ما إذا كانت سياسة السلطة تعبِّر عن نهجٍ طائفي أم لا، وهل أنَّ هذا النهج يشكِّل توجّه نظامٍ أم أنَّه سلوكيات أفراد لا يُمثِّلون رؤية الدولة… لستُ هنا في صدد معالجة هذه المسألة، رغم أنَّ هناك صعوبة في تفسير الكثير من الأعمال الصادرة عن السلطة بعيدًا عن النزعة الطائفية… على كلٍّ موضوعنا هنا ليس محاسبة هذه السِّياسات، وهذا في حاجةٍ إلى حديثٍ آخر…


ما يعنيني في هذه الكلمة هو طرح هذا التساؤل:
• لماذا يسكت النظام عن ممارسات تكرِّس الطائفية؟
ولا أريد ان أستقصي هذه الممارسات وإنَّما أكتفي بالإشارة إلى مثالين:


المثال الأول:
صدرت خطابات على مرأى ومسمع من السلطة وهي تكفِّر بشكلٍ سافر طائفةً بكاملها، وتتَّهمها بأسوء التهم، وتنبزها بأفحش الألقاب… وهذه الخطابات بالصوت والصورة موثَّقة وموجودة…


ولم تحرِّك السلطة ساكنًا، ولم تتَّخذ إجراءً، ممَّا جعل أصحاب هذه الخطابات يوغلون في اتهاماتهم، وفي شتائمهم، وفي قذفهم، وفي بهتانهم… وقد ترفَّعنا كثيرًا أن نواجه هذه الخطابات، فهي أصغر من أن تنال من طائفةٍ تجذَّر وجودها في هذا الوطن، وامتد تاريخها بامتداد رسالة الإسلام، وتملك تراثًا يشهد له كلّ المنصفين…
نعم ترفَّعنا أن نواجه هذه التفاهات صونًا لوحدة هذا الشعب وحماية للحمته، ورفضًا لمشروعات طائفية مدمِّرة …


إلَّا أنَّ هذا لا يلغي مسؤولية السلطة في أن تسكت هذه الخطابات، وفي أن تجرِّم أصحابها، إذا كانت السلطة حريصة على لحمة هذا الشعب وعلى وحدته وتماسكه، وإذا كانت السلطة معنية بمواجهة كلِّ منتجات الطائفية في هذا البلد…


أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضدَّ الحقوقي نبيل رجب، بتهمة قذف أهالي منطقة من مناطق البحرين، وقد بُرِّئ من هذه التهمة أخيرًا…


إنَّنا نرفض كلَّ الرفض أن يُساء إلى أيِّ مواطنٍ أو إلى أيِّ جماعة في هذا البلد…
إلَّا أنَّنا نتساءل: لماذا قذْفُ أهالي منطقة يشكِّل إدانة كبيرة، ويدفع بالمؤسَّسة القضائية إلى محاكمة هذا المتهم…؟؟!


في الوقت الذي ترتفع أصوات القذف عالية ضدَّ طائفةٍ بكاملها، ولا تحريك لساكن، ولا محاسبة، ولا ملاحقة، ولا محاكمة، مع أنَّه قد تمَّ رفع شكاوى ضدَّ تلك الخطابات القاذفة والمسيئة؟
نتمنَّى أن نسمع من السلطة إجابة مقنعة تبرِّر هذا الصمت، وهذا الإجحاف لحقِّ الطائفة؟


المثال الثاني:
صدرت تغريدة لأحدهم يتحدَّث باسم الدين وينتمي إلى الطائفة السّنية الكريمة وعبر شبكة التواصل (تويتر) جاء في هذه التغريدة خطابٌ موجَّهٌ للطائفة الشيعية نصّه (لكلِّ رافضي ينوي الدخول في ملَّة الإسلام – عقيدة أهل السنة – بنيةٍ صادقة، وبأن ينطق الشهادة بحق، له منَّا تعديل أوضاعه، وتصفية ديونه بالكامل ولوجه الله) وأتبعها بنصيحةٍ لأهل السّنة يقول فيها: (كلّ سنِّي مقتنع أنَّ الرافضة إخوانه في الدين لهو نجس ونجاسته مبنية على نجاسة من آخاهم، المعلومة للجميع)…


ولستُ هنا في صدد ردٍّ أو مناقشة فهذا الكلام أتفه من أن يستحق أن يأخذ منَّا شيئًا من الوقت أو الجهد، والمذاهب لا تُباع ولا تُشترى إلَّا لعبَّاد المال ولو كانت المذاهب والأديان توضع في المزاد دهّاقنة المال اليهودي أقدر على شراء كلِّ الناس..


وإنَّما الكلام موجَّه للسلطة حينما تسكت ولا تحرِّك ساكنًا وهي تسمع وترى مَن يمارس إنتاج الكراهية بين أبناء هذا الوطن، ومَن يتبجَّح بإثارة العداوات في صفوف المواطنين، ومَن يسب، ويقذف، ويعبث كما يحلو له وكما يشاء… إلَّا إذا كان كلّ هذا لا يعني السلطة بشيئ، وإلَّا إذا كان التصدِّي والمحاسبة هنا ليس من مسؤوليات السلطة…


صحيح أنَّ بعض ما يصدر من كلام هو كلام معتوهين، وهذا النَّمط من الناس لا يحمِّلهم الدين ولا القانون أيَّ مسؤولية، إلَّا أنَّ هذا لا يعني أن يُتركوا دون أن يُحجَر عليهم، وإلَّا نشروا الرعب والعبث والأذى في صفوف الناس…


السلطة مسؤولة أنْ تحمي أرواح المواطنين وأعراضَهم وأموالَهم وكرامتهم وعقائدهم وشعائرهم، إذا كانت لا تمايز بين أبناء شعبها، ولا بين الطوائف والمذاهب والمكونات، وإذا كانت لا تكيل بأكثر من مكيال، وأمَّا إذا مارست أيَّ سلطةٍ سياسة التمييز، وأمَّا إذا اعتمدت أيَّ سلطةٍ مجموعة مكاييل فالويل كلّ الويل للشعوب، والدمار كلّ الدمار للأوطان…


ففي كلِّ طائفة مَن يعبث، ويشط، ويسيئ إلى الطوائف الأخرى، فمسؤوية العقلاء من هذه الطائفة أو تلك أن يضربوا على يد مَن يتجاوز، ويعتدي، ويحرِّك الفتنة، هذا الكلام أوجِّهه للشيعة قبل السّنة… فما أحوجنا في هذه المرحلة الصعبة أن نزرع المحبَّة بين المذاهب، وبين كلِّ النَّاس، خاصَّة أبناء الوطن الواحد…


السبب الثاني:
إنّ الفتن الطائفية فتن تحرق الأوطان، ولا تبقي أخضرًا ولا يابسًا، ولا تستثني طفلاً ولا شيخًا ولا امرأةً، ولا تحفظ مالًا ولا عرضًا ولا دمًا ولا مقدَّسًا…


فالحذر الحذر من إيقاظ الفتنة الطائفية، ليس مخلصًا لوطنه ولا لدينه ولا قيَمه من أيقظ هذه الفتن، لذلك حذَّرنا ولا زلنا نحذِّر من أي ردة فعلٍ تدفع في اتجاه الصراع الطائفي والمذهبي، ولا نمنع أن تحاسب المواقف بحكمةٍ وعقلانية وموضوعية، ولا نرفض الحوار العلمي بين أصحاب الرأي ومَن لديهم قدرة الحوار المذهبي أو الفكري أو السِّياسي فذلك حقٌّ مسموح به، ما نرفضه أنْ تتحرَّك ردود فعلٍ تؤجِّج الصراعات والخلافات والعداوات، ومن المقطوع به أنَّ هناك أيدٍ عابثة ومغرضة تريد أنْ تحرِّك الفتن الطائفية والمذهبية والسِّياسية والعرقية…


السبب الثالث:
هناك من يريد أن ينحرف بالمعركة السِّياسية إلى معركة طائفية ومذهبية، ما يحدث في هذا البلد هو تداعيات لواقع سياسي خاطئ ومنذ زمن طويل، وإنَّ استمرار هذا الواقع السِّياسي المغلوط هو الذي أنتج كلّ هذا التأزم، وهذا الاحتقان، وهذا التعقيد، وما لم تعالج المسألة السِّياسية بكلِّ جرأة وشجاعة فلن يخرج الوطن من أزماته المعقَّدة والصعبة…


ومن أجل التغطية على الفشل في معالجة المشكل السياسي لجأت السلطة إلى اعتماد الخيار الأمني بكلِّ ما يحمله من عنفٍ وبطشٍ وقسوة وهدر للأرواح والأموال والأعراض…


وفي سياق التغطية على الفشل السِّياسي يأتي التوظيف المذهبي، من أجل إلهاء الناس بمعارك تنحرف بهم عن الأهداف الكبرى في المطالبة بالحقوق السِّياسية، ومن تفتيت القوى الشعبية في زحمة خلافات وصراعات طائفية ومذهبية…


لقد حاول خطاب السلطة أن يبرِّر الصبغة المذهبية للأزمة، وكأنَّ المسألة خلافات بين قوى محكومة لانتماءات مذهبية متعدِّدة، ومن هنا جاء الحل في نظر السلطة أن تمارس أيّ السلطة – دور الوسيط للمصالحة بين هذه القوى، فالمشكلة ليست مع السلطة، ليست مع النظام، المشكلة بين مكوِّنات الشعب، بين القوى المذهبية المتصارعة، فالحل أن تقوم السلطة كوسيط ينهي هذا الخلاف من خلال (حوار) بين القوى وليس مع النظام… ومتى ما اتفقت هذه القوى والمكوِّنات على مشتركات، فلن تتردَّد السلطة في الاستجابة لرغبة الشعب، ما دامت رغبةً قد أجمع عليها كلُّ أطياف الشعب ومكوِّناته، علمًا أنّ أكثر من (ثمانين بالمائة) من هذه القوى الجالسة على طاولة المصالحة والحوار تمثِّل وجهة نظر النظام، المعركة ليست بين قوى وأطياف ومذاهب، المعركة مع واقعٍ سياسي فاسد يجب أن يتغيَّر…



كلمةٌ أخيرة:


طفح على السطح من جديد الحديث عن الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة، ويبدو أنَّ هذا التوقيت لتحريك هذا الملف له أهداف مكشوفة، في مرحلةٍ أصبحت المسألة السِّياسية مأزقًا صعبًا للسلطة، وأصبح الحراك الشعبي خيارًا محرجًا جدًا للنظام، فتحريك أيّ قضيةٍ تحمل جدلًا بين مكوِّنات الشعب، وتأخذ من جهد القوى الفاعلة في الساحة أمر يخدم أهداف السلطة، بما ينتجه من الهاءٍ عن الشأن السِّياسي…


إنَّ هذه الأصوات المطالبة بتحريك ملف الأحوال الشخصية وقانون الأسرة تتدرَّع بدوافع الحرص على مصلحة المرأة في هذا الوطن، وبالدفاع عن حقوقها، وبالغيرة على كرامتها وإنسانيتها…


وهنا نتساءل:
لما صمت هؤلاء كلّ الصمت تجاه كلّ الانتهاكات الصارخة التي حدثت ولا زالت ضدَّ المرأة في هذا البلد منذ أكثر من عام ونصف…؟!


لماذا صمت هؤلاء (الغيارى) على حقوق المرأة وكرامتها وإنسانيتها تجاه هتك الأعراض، والاعتداء على البيوت؟


لماذا صمت هؤلاء (الباكون أو المتباكون) تجاه الزج بعشرات الحرائر في السجون؟


هذه مجرد تساؤلات…


ولنا عودة إلى هذا الموضوع، مؤكِّدين أنَّ هذا لن يشغلنا عن مطالبنا السِّياسية، ولن يحوِّل همّنا بعيدًا عن هموم السَّاحة، وقضايا الوطن الكبرى…


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى